كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2133 - 2007 / 12 / 18 - 12:26
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
بعيداً عن الضجة المفتعلة التي أثارتها الحكومة التركية بالتنسيق مع القيادة العسكرية التركية ضد حكومة إقليم كُردستان العراق خصوصاً وضد الحكومة العراقية عموماً بادعاء وجود مجموعات كبيرة من أعضاء ومؤيدي حزب العمال الكُردستاني في المناطق الجبلية, وبعيداً عن الموقف الحكومي العراقي الذي فيه من المواقف المبطنة مع الحكومة التركية أكثر مما هو مكشوف منها للعيان , يتطلب الأمر من الحكومة التركية التفكير بواقعية وموضوعية وهدوء بالغ عن قضية جوهرية يمكن أن تتفاقم في الدولة التركية اسمها القضية الكردية. وهي قضية إنسانية تمس حقوق شعب تبلغ نسبة السكان الكُرد بحدود 25 % من إجمالي سكان الدولة التركية , أو ما يتراوح بين 17,5 -18 مليون نسمة , ورما أكثر من ذلك بكثير. وهذه النسبة العالية من السكان تحمل الهوية القومية والثقافية الكردية وتمتلك لغة اسمها اللغة الكردية وأنجبت الكثير من الكتاب والأدباء والشعراء والعلماء والمؤرخين وعلماء في اللغة وكثرة من المبدعين في مختلف الفنون الإبداعية , كما أنجبت جمهرة من السياسيين الذين لم يطلقوا على أنفسهم بأنهم من الكُرد , بل كانوا يعتبرون مواطنين ترك بسبب موقف النظام الرافض إلى فترة قصيرة الاعتراف بوجود شعب كردي هناك , بل كانوا يعتبرونهم أتراك الجبال! وعلى الإنسان أن يتذكر بأن عمر وجود الشعب الكردي في هذه المنطقة من العالم هو أقدم بعشرات القرون من وجود الترك فيها , إذ كان نزوح الترك إلى هذه المنطقة في القرن الثالث عشر , حيث بدأ عثمان بتأسيس بدايات الدولة العثماني الراهنة.
لم يعد هناك خلاف بوجود جماعة بشرية اسمها الكُرد تعيش في هذا المنطقة من الدولة التركية التي اسمها كُردستان , ولكن المشكلة تكمن في عدم اعتراف النظام السياسي للدولة التركية بحقوق الشعب الكردي وبأرضه ومصالحه. وعلى الترك جميعاً , وليس الحكومة وحدها , أن يعترفوا مع أنفسهم وأمام العالم بأن القضية الكردية تستند إلى حقائق قائمة على الأرض وليست من صنع الخيال أو من صنع كُرد العراق أو حكومة الإقليم , أو ناشئة عن تحريض من الشعب الكردي في إقليم كُردستان العراق, إذ أن مثل هذا التصور ليس خاطئاً حسب , بل لا يستند إلى منطق سليم أولاً , ويلحق أضراراً فادحة بالدولة التركية وبالمجتمع التركي المكون من عدة قوميات وبعلاقة هذه الدولة بالمجتمع الدولي , بغض النظر عن مدى تأييد الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة التركية , العضو في حلف شمال الأطلسي , وتنسيقها معها لضرب مواقع حزب العمال الكردي لا في الأراضي العراقية حسب , بل وفي الأراضي الكردية في كُردستان تركيا , إذ أن الإدارة الأمريكية تمارس سياسة براغماتية أولاً وتكيل الأمور الواحدة بمكيالين ثانياً , ولا تهتم كثيراً بحقوق الإنسان وحقوق القوميات , بل ما يهمها ما تحقق من مصالح لها وللاقتصاد الأمريكي.
منذ منتصف الشهر الأخير من العام المنصرم صرح رئيس الوزراء التركي مجدداً مشيراً إلى مسألتين , وهما: أنه يريد أن يحل المشكلة بالطرق السلمية , وأنه يريد أن يطلق سراح جميع المعتقلين والمسجونين السياسيين الكُرد. لا شك أن هذين الإجراءين إن تحققا فعلاً فهما بداية السير على الطريق الصحيح لحل المسألة الكردية داخلياً وبعيداً عن أي تدخل خارجي. وهي محاولة للاقتراب من رأي القوى التركية العقلانية.
وفي الآونة الأخيرة عرض التجمع المدني والديمقراطي للقوى الكردية نقاطاً سبعة تصلح أن تكون طريقاً مفتوحاً لتحقيق نتائج إيجابية في صالح الدولة التركية والشعبين التركي والكردي , إذ سيقود إلى حصول الشعب الكردي على بعض أهم حقوقه , ولكن الشعب التركي لن يخسر شيئاً بل يكسب صداقة وود وتضامن الشعب الكردي ويربح الأمن والسلام والتقدم لتركيا وفي عموم المنطقة. كما أن السلام الذي يسود المنطقة سيساعد تركيا على تطوير النجاحات النسبية ومعدلات النمو الجيدة التي تحققت في الاقتصاد التركي خلال السنوات الأخيرة بفضل عدم وجود تحركات عسكرية كبيرة ومعارك مع حزب العمال الكردي. وإذا ما عاد الاحتراب فستكون لها أثار سلبية حادة على الاقتصاد التركي وعلى حكومة أوردغان.
لقد جربت الحكومة التركية شتى الأساليب القمعية وشنت أبشع الحملات العسكرية واعتقلت العوائل الكردية كرهائن ورمت في السجون أعداداً غفيرة من المناضلين الكُرد وقتلت المئات والآلاف منهم على مدى العقود الثلاثة المنصرمة وتجاوزت على استقلال وسيادة العراق حين دخلت بقواتها إلى الأراضي العراقية في الثمانيات من القرن الماضي وفي فترات لاحقة , وكنت شاهداً وموجوداً هناك على بعضها , حيث طاردت الپیشمرگه والأنصار العراقيين في منطقة بادينان فعلياً بذريعة مطاردة قوات حزب العمال الكردستاني مساعدة في ذلك النظام العراقي الدكتاتوري , ولكنها لم تحقق أية نجاحات تذكر , بل فقدت الكثير من الجنود وخسرت الملايين من الدولارات الأمريكية ورفعت من مديونيتها الخارجية وألحقت أضراراً بالاقتصاد التركي وبالعلاقة بين الترك والكُرد وأساءت إلى سمعتها دولياً باعتبارها متجاوزة بفظاظة على حقوق الإنسان وحقوق القوميات. كما أنها تسبب في قتل العديد من المناضلين العراقيين من الكرد والعرب.
أن المشكلة الكبيرة التي تحتاج الحكومة التركية إلى معالجتها تكمن في العقلية التركية المترسخة لدى الأوساط الحكومية والأحزاب والمنظمات السياسية والاجتماعية التركية ولدى غالبية السكان الترك , تكمن في الذهنية والإيديولوجية القومية المتزمتة والشوفينية إزاء القوميات الأخرى , تكمن في القناعة لدى هؤلاء بأن الحل للقضية الكردية يتم بالحملات العسكرية والعنف والتصفية , إذ بدون هذا التغيير لهذه العقلية يصعب على تركيا أن تعيش في آمن وسلام وطمأنينة. إذ من غير المعقول أن يقبل الشعب الكردي , وهو شعب حي كبقية الشعوب , أن يُضطهد ويُهمش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً , كما جري ويجري حتى اليوم ولفترة طويلة قادمة, دون أن يتحرك ويناضل من أجل الانعتاق من هذه السياسات الاستبدادية. ولذا فأن من واجب الحكومة التركية , التي تدعي الحرص على سلامة الدولة التركية ووحدتها ومصالح السكان , أن تعي بأن الطريق الذي تسير عليه لن يوفر لها ذلك , بل هو "درب الصد ما رد". كم هم مهم للدولة التركية أن تتعلم من تجربة العراق التي تجاوز عمرها ألـ80 عاماً وما آل إليه أولئك الذين رفضوا الاعتراف بالأمر الواقع والحقائق على الأرض وتجاوزا الحدود في القتل والتدمير , ولكنه فشلوا , وبقى الشعب الكردي موجوداً وحقق جزءاً مهماً من طموحاته الطبيعية.
لقد أدرك الكثير من القوى السياسية الكردية في كُردستان تركيا بأن من الصعب بمكان الحصول على الحقوق عن طريق القتال , ولهذا فهم يسعون إلى ولوج طريق المفاوضات واستخدام آليات ديمقراطية لهذا الغرض. ومن هنا جاءت تلك المقترحات السبعة , وعلى الحكومة التركية أن لا تعقد المسألة , بل عليها أن تمهد السبيل لخطوة إيقاف القتال ونزع السلاح الذي اقترحته القوى المسلحة الكردية وكذلك قوى المجتمع المدني الكردية.
لا سبيل للدولة التركية غير سبيل التفاوض ومنح الحقوق القومية المشروعة والعادلة للشعب الكردي , كما أنه لا سبيل أمام الشعب الكردي وقواه السياسية في إقليم كُردستان تركيا غير النضال السلمي والديمقراطي للوصول إلى الحقوق المشروعة. إنه الطريق الوحيد الذي يفترض أن يلتقي عنده الشعبان التركي والكردي لبناء الدولة الديمقراطية والدستورية المشتركة , حيث تسود روح المواطنة ويختفي الحقد وتزول الكراهية والعداء المستحكم حالياً بين الحكومة التركية وبين من يناضل من اجل حقوق الشعب الكردي.
إن القصف العدواني للأراضي العراقية قد تم في منطقة قنديل وقتل وتشريد العوائل الفلاحية الفقيرة الذي وقع يوم أول أمس من جانب القوات الجوية التركية وبدعم مباشر من جانب القوات الأمريكية وبموافقة الإدارة الأمريكية يعكس ثلاثة أمور لا يمكن إغفالها رغم الاحتجاج الرسمي الذي قدم منت قبل وزارة الخارجية العراقية , وهي:
1. إن تركيا مصممة على التجاوز على سيادة العراق واستقلاله , ويمكن ان تتمادى في ذلك.
2. أن هناك تواطئاً عراقياً مع القوات التركية والأمريكية بغض النظر عن الاحتجاج العلني , وقد تجلى ذلك حتى في إجابات السيد محمد الحاج حمود , وكيل وزير الخارجية العراقية , في جوابه عن أسئلة قناة العراقية يوم أمس.
3. إن العراق يعيش تحت وطأة الاحتلال الأمريكي وعجزه عن منع وقوع مثل ها الاعتداء. فالولايات المتحدة هي التي تقرر ما يراد للعراق.
إن علينا أن نحتج بشدة ونرفض هذا الاعتداء وعدم خلط الأوراق بين القضية الكردية في تركيا وبين إقليم كُردستان والسيادة العراقية. إن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن ممارسة سياسة الكيل بمكيالين وخرق السيادة العراقية ويثير المجتمع العراقي أكثر فأكثر ضد القوات الأمريكية ونشاطها في العراق.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟