|
دولة عظمى تبحث عن حرب
يونتان بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 107 - 2002 / 4 / 20 - 21:16
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
بعد نصف عام على سقوط برجي التجارة العالمية في نيويورك، دشنت بلدية نيويورك نصبا تذكاريا تخليدا لضحايا الهجوم الارهابي في 9/11/2001 الذين وصل عددهم الى 2838 شخصا. النصب الذي هو عبارة عن 44 جهازا ضوئيا كبيرا يضيء السماء في نفس الموقع الذي انتصب فيه البرجان، لا يشبع كما يبدو رغبة الرئيس الامريكي بوش في الانتقام.
قبل يومين من تدشين النصب التذكاري، نشرت صحيفة "لوس انجلس تايمز" (9/3) اجزاء من تقرير سري للادارة الامريكية تم توزيعه مؤخرا على اعضاء الكونغرس تحت عنوان "استعراض للموقف النووي الامريكي". وتوضح الوثيقة موقف الادارة الجديد من السياسة النووية الامريكية على ضوء التحولات الاستراتيجية في العالم. في الوثيقة تطالب وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) التي تعرض مبناها للهجوم في ايلول الماضي، بتطبيق برنامج يهدف الى استخدام السلاح النووي ليس فقط ضد الدول التي تعتبر دول محور الشر (العراق وايران وكوريا الشمالية) حسب خطاب بوش الاخير، بل ايضا ضد روسيا والصين.
العالم سيعتاد على السلاح النووي
حتى اليوم كان هناك اتفاق غير مكتوب بين الدول العظمى، صاحبة القدرة النووية، على ان السلاح النووي هو سلاح ردع فقط، وان استخدامه سيكون مسموحا فقط عندما يصبح الوسيلة الاخيرة في حالات استثنائية، أي عندما تكون البشرية على وشك الدمار الشامل. ادارة بوش لم تعد تلتزم بهذا القانون.
بوش وبعض الخبراء في البنتاغون يدّعون اليوم ان السلاح النووي الذي تملكه امريكا لم يعد ينفع، وذلك لان قوته التدميرية اكبر من المطلوب. وزارة الدفاع الامريكية تريد تبديل القذائف الضخمة بقنابل نووية "صغيرة" تكتيكية ذات رؤوس نووية اصغر، يكون بالامكان توجيهها ضد اهداف محددة وليس فقط ضد دولة عظمى مسلحة باحدث الاسلحة.
هذه القنابل، حسب التصور الجديد، يجب ان تكون قادرة على تدمير مخازن السلاح الكيماوي والبيولوجي الذي يملكه العراق على سبيل المثال. ويهدف ايضا لاختراق الملاجئ التي تحت الارض التي يحتمي فيها العدو من القصف الامريكي التقليدي. المرة الاولى التي واجهت فيها امريكا عدوا من هذا القبيل كانت في الحرب ضد طالبان في افغانستان. فقد اختبأ المقاتلون في كهوف تورا بورا التي صمدت امام القصف الامريكي، وكانت الكهوف قد أُعدّت بتمويل امريكي خصيصا لهذا الغرض اثناء محاربة المجاهدين للاتحاد السوفييتي.
"اننا نضع امامنا جميع الاحتمالات، لاننا نريد ان نوضح لجميع الدول انها لا تستطيع تهديدنا او استخدام السلاح غير التقليدي ضد حلفائنا". كانت هذه كلمات الرئيس الامريكي بوش في مؤتمره الصحافي في البيت الابيض في 13 آذار. (واشنطن بوست، 14/3)
تكلفة المشروع الجديد خيالية. فقد طلب الرئيس بوش من الكونغرس زيادة ميزانية وزارة الدفاع ب120 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. هذا بالاضافة الى ميزانية اخرى خُصصت للدفاع قيمتها 48 مليار دولار، الامر الذي سيوصل ميزانية الدفاع السنوية الامريكية في عام 2002 الى 379 مليار دولار. (نيويورك تايمز، 16/3)
التحول الذي تسعى الادارة الامريكية لاحداثه هو خلق مناخ يعتاد فيه الناس في انحاء العالم على ان السلاح النووي اصبح متاحا، حتى ضد الدول الفقيرة من العالم الثالث التي ذكرت في تقرير دول محور الشر. خبير في الشؤون الامنية قال للنيويورك تايمز (11/3) انه في الماضي ما كان احد يتخيل ان تقوم وزارة الدفاع الامريكية بتطوير فكرة تلغي الحدود بين السلاح النووي والسلاح التقليدي: "من الآن ستكون سياسة امريكا تطوير سلاح نووي ليس بهدف الردع فقط، بل بهدف استخدامه". بكلمات اخرى تعلن امريكا انها لم تعد ملزمة بوعدها انها لن تكون الاولى التي تستخدم السلاح النووي في العالم.
خطورة التصريح الامريكي ليست في انه يمنح امريكا حرية التصرف بالسلاح فحسب، بل في انه يؤدي الى فرض شريعة الغاب على المجتمع الدولي. بموجب التوجه الامريكي الجديد يصبح كل شيء مسموحا، ويكون من حق كل دولة ان تستخدم كل ما تملكه من سلاح تقليدي وغير تقليدي في صراعاتها الاقليمية. ناهيك عن ان هذه السياسة ستشجع سباق التسلح النووي بين الدول.
الروس قلقون
رغم ان التقرير حول المخطط النووي يركز كثيرا على دول محور الشر، الا ان الجميع يدرك ان الهدف الاساسي هي الدولة العظمى الثانية في العالم – والوحيدة التي تملك القوة العسكرية لمواجهة امريكا – روسيا. وتشهد الدولتان مؤخرا صراعا خطيرا حول البرنامج الجديد وحول مسألة خفض مستوى التسليح القائم اليوم الذي كان اتُّفق على خفضه تدريجيا. في زيارته الاخيرة الى واشنطن ركز ايفانوف على سياسة القوة النووية الامريكية، ما يشير الى احتمال تجدد سباق التسلح بين البلدين. (واشنطن بوست، 14/3)
بهدف تحييد الضغوطات وضمان تفوق امريكا، ينوي بوش زيارة روسيا في ايار المقبل. ومن المتوقع ان يقوم بوش خلال الزيارة بتوقيع اتفاق مع الرئيس الروسي على خفض عدد الرؤوس النووية التي تملكها الدولتين من 6.000 الى 1.500 رأس (واشنطن بوست، 14/3). غير ان هذا التعهد الامريكي لم يؤد الى تهدئة الخواطر في الكرملين بموسكو، خاصة ان بوش وضع روسيا على رأس قائمة الدول المساندة للارهاب.
الاوروبيون ايضا غير راضين
بينما تعجز بعض دول "محور الشر" عن الدفاع عن نفسها حتى ازاء هجوم امريكي بالسلاح التقليدي، فان الحلفاء الاوروبيون يخشون من المخطط الامريكي الجديد. الحكومات الاوروبية تنظر بقلق كبير للسياسة الامريكية، وتعرف جيدا انها غير قادرة على منافسة الامريكان في المجال العسكري، ما يعيق تأثيرها على مسار السياسة الامريكية العام. عندما تنهار الارجنتين، ويدخل الشرق الاوسط الى صراع عنيف وخطير، وعندما يبحث بوش لنفسه عن اعداء جدد في العراق والفيليبين، يفهم الاوروبيون ان السياسة الامريكية تهدد مصالحهم الاقتصادية. المخطط النووي الجديد سيزيد العجز الاوروبي عن التأثير على السياسة الامريكية غير المتوازنة.
وفسر خبير امني لنيويورك تايمز (16/3) قلق الحكومات الاوروبية بعد 11/9، بالقول ان الميزانية العسكرية الامريكية "تساوي مجمل الميزانية العسكرية للدول ال14 الكبرى. اوروبا تفهم ان المسؤولية العالمية الامريكية التي تأتي مع التطور التكنولوجي السريع تبقي دول الحلف الاطلسي الاخرى في الخلف".
امريكا غير معنية بمشاركة حلفائها الاوروبيين في الحرب، وطبعا ليس في تقاسم الغنائم. حسب المفهوم الامريكي، يتركز الدور الاوروبي في تنظيف المنطقة بعد دخول الامريكيين اليها والحفاظ على الهدوء. هذا هو الدور الذي لعبته اوروبا في عام 1999 في كوسوفو واليوم في افغانستان.
علاوة على ذلك، اوروبا تؤمن بانه لو خصصت الولايات المتحدة بعض ميزانيتها لاعادة اقتصاد العالم الثالث بدل ان تخصصها للحرب، لكان بالامكان منع الهجوم على نيويورك وواشنطن. المشكلة في نظر الاوروبيين هي كيف يمكن منع الكارثة الاجتماعية، تحقيق هذا الهدف، حسب تقديرهم، لا يتم من خلال التهديد باستخدام السلاح النووي.
هجوم وانغلاق
ادارة بوش تولت مهامها في ظل تفاقم الركود الاقتصادي العالمي، والذي بدأ يؤثر على الرأسمالية الامريكية وبالتالي على الطبقات الوسطى التي انتخبت بوش لرئاسة الولايات المتحدة. الركود الاقتصادي يضطر الادارة لرفع الجمارك واغلاق الحدود لمحاربة البطالة في الداخل وحماية الصناعة المحلية. فضيحة شركة الطاقة "انرون" التي كشفت عمق الفساد في النظام الحاكم، وازمة صناعة الفولاذ الامريكية التي قادت لرفع الجمارك ب30% على استيراد الفولاذ من الخارج، هما نموذجان على التراجع الواضح عن سياسة العولمة التي تحولت الى عبء على الاقتصاد الامريكي.
اذا عجِزتَ عن ادارته، فسيطر عليه. بوش ادرك ان ادارة العالم حسب مفاهيم العولمة ليس بمهمة سهلة. المحاولة الامريكية لتحويل الغاب الذي خلقته العولمة الى محمية طبيعية تراقبها امريكا من سيارة الجيب المحصنة، كانت خطأ مؤلما. وفي الغاب، كما في الغاب، على الاسد ان يكشر عن انيابه ليتمكن من السيطرة.
حل الازمة الاقتصادية في الداخل، يجدها بوش في سياسة التسلح النووي الموجه للخارج. منذ توليه الحكم اتبع بوش استراتيجية الانغلاق عن العالم من جهة وعدم المبالاة ازاء ما يحدث فيه من جهة اخرى. الانسحاب من المواثيق والمعاهدات الدولية مثل أ.بي.ام ) ABM( التي حافظت على توازن التسلح النووي بين امريكا وروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقا)، والانسحاب من معاهدة كيوتو التي تهدف لحماية البيئة، كانا علامات اولى على التوجه الامريكي الجديد.
السياسة الاقتصادية والامنية الامريكية موجودة في تناقض دائم، بين رغبتها من جهة في الحفاظ على نفسها والانغلاق، ومن جهة اخرى اضطرارها لبعث قواتها المسلحة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية في الخارج، في دول مثل السعودية وجورجيا والفيليبين. منذ 11 ايلول تدرك امريكا ان بورصة الاعداء الذين يهددون مصالحها الحيوية في ارتفاع. المحلل السياسي في نيويورك تايمز توماس فريدمان الذي كشف المبادرة السعودية، كشف ايضا الطريق المسدود الذي وصلته امريكا فيما يتعلق بسياستها في المنطقة.
"الطريق الوحيدة"، يكتب فريدمان (نيويورك تايمز، 20/3)، "لتحويل افغانستان الى مكان افضل، هي ادخال قوات امريكية لتوفر الدعم للحكومة وتحافظ على السلام الذي يحققه حلفاؤنا". هذا هو ايضا الحل الذي يقترحه للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي: "الحل الوحيد هو انسحاب القوات الاسرائيلية بشكل تدريجي من الضفة الغربية وغزة، وادخال قوات امريكية وفلسطينية مشتركة مكانها. على الفلسطينيين ان يتولوا المسؤولية عن الامن الداخلي وعلى القوات المشتركة الحفاظ على امن الحدود".
في البنتاغون يدركون جيدا التناقض المذكور، ولكن السؤال الذي يطرحونه هو: لماذا يجازف الآلاف من جنودنا بارواحهم، في حين اننا نملك قنبلة ذرية "صغيرة"؟ وبغض النظر عن الجواب الذي سيعطونه، ارسال الجنود او استخدام النووي، من الافضل ان تستعدوا للحرب القادمة.
لصبار 151 نيسان 2002
#يونتان_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|