أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - رسول حمزاتوف ........... وداعاً















المزيد.....

رسول حمزاتوف ........... وداعاً


مسعود عكو

الحوار المتمدن-العدد: 658 - 2003 / 11 / 20 - 05:11
المحور: الادب والفن
    


الدم يندفع من غور الجرح، ‏
ويسيل.. ‏
لكن الدمعة تبقى واقفة، ‏
ولا يسمح لها بالمرور، ‏
فالقانون عندنا، ‏
يجعل الدمعة أغلى من الدم ‏
عند الرجل.

عرفت رسول من خلال قصائده التي يسيل منها الدمع قبل سماع اللحن عرفت رسول عندما قرأت داغستان بلدي عرفت رسول من خلال تمجيده لشامل البطل الأسطوري عرفت رسول عندما تكلم عن المرأة والإنسان والنبات عرفته منذ أن كان طفلاً ودوي صرخته تتعالى نحو سماء داغستان .
ربما الصدفة هي التي جعلت مني أكتب عن شاعر القوقاز الأول وبالتحديد انعي  وفاته ورحيله عن روحه وحبيبته داغستان أتوجه إلى كل محبيه وكل قارئي أشعاره وكتابته إلى كل الشعوب التي قرأت لرسول حمزاتوف بخاص الأسى لأننا فقدنا أديباً أسطورياً جعل من الكلمة أغنية ومن الحجر حبيبة ومن التراب أغلى النفائس جعلني أحب داغستان واللغة الآفارية .
عندما كنت أقرأ لرسول أحس من خلال خلجات نفسي بأن رسول يتكلم عني وعن كوردستان وعن مياها وينابيعها وأشجارها وعن أناسها وبطولات وأمجاد أبطالها جعلني أحن إلى أمي كلما فارقت عيناي إياها عشقت تراب وطني من خلال الأمثال الشعبية التي كان يرويها  ( نكرم الضيف أعز كرم ولكننا نجبره أن ينفض التراب عن حذائه قبل أن يغادر أرضنا ) طربت لأغانيهم عرفت أبو طالب من خلال قصائده وحكمته من خلال الصورة الحقيقة التي نفلها لي رسول عنه وهو يرقص على المسرح في أحد المهرجانات وهو يعزف على الزرنة عرفت احترامهم لماضيهم وتاريخهم وحرصهم على حاضرهم واحترامهم لمستقبلهم ( ‘ن أنت أطلقت نيران مسدسك على الماضي أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك ) .
حمزاتوف لم يكن شاعر داغستان وحدها، رغم أنها «أبوه، وأمه، ومهده» على حد تعبيره.. إنه شاعر الإنسانية المعذبة رسول حامل رسالة حب واحترام لكل البشرية  :
يخيل إليَّ أحياناً، ‏
أن الفرسان الذين، ‏
لم يعودوا من الحقول الدامية ‏
بعيدين عن الهجوع في المدافن المشتركة، ‏
إنهم تحولوا إلى غرانيق بيضاء. ‏
.. تحلق وهي تدعونا ‏
أن نصمت بأحزاننا، ‏
إذا رنت عيوننا إلى السماء. ‏
وحين يحين موعدي، ‏
سأمضي مع الغرانيق في لجة السماء الزرقاء... ‏
ومن وراء الأفق حزيناً أناديكم، ‏
بأسمائكم، يا كلّ من بقي حياً على الأرض.
حمزاتوف كتب أشعاره باللغة الآفارية، وقام الشاعر كوزلوفسكي بترجمتها للروسية.. أشعاره المنشورة باللغة الروسية تنم عن غنائية وجدانية خاصة، لذلك نجد أنها تحولت في غالبيتها إلى أغان رومانسية أقرب إلى الفلكلور المشترك لشعوب القوقاز :
يذبل كل شيء ‏
يملأ الشيب هامته، ‏
وتسقط أيامه، ‏
ولياليه، ‏
ويخسر خّلاً وفيّاً ‏
ويكبو جواده.
ومن الأرث البشري والموروث التاريخي للإنسانية يربط لنا حمزاتوف بين فن الشعر والموسيقى حيث كان قد استخدمها  كأدوية شافية للمرض، كوسيلة وطريقة صامتة لينة ناعمة للخروج من ألم المعاناة إلى الشفاء مستخدماً العلاج السحري لديه ألا وهو الحب فيخرج الأنسان من مأزقه.
سمعت ان أبن سينا
كان يكتب للمرضى وصفاته شعراً
وسمعت ان اورفيوس
كان يشفى المرضى بموسيقاه في برهة واحدة
وأنا لست بطبيب أو مبرىْ أسطوري
مع هذا أستطيع ان أقدم نصيحة إلى الناس :
أحبوا بعضكم بعضاً بقدر ما تقدرون
الحب هو عقارنا الشافي من المحن.
نظرة فلسفية بسيطة للحب ذات شمولية رائعة يدمج من خلالها التناقض بين محتواه الحق والباطل ولكن دائماً تحس بحب حزين من خلال أشعاره دون أن يبدي للعيان ما يجول في خاطره من مآسي وأحزان ولكن يحس بها من هو على شاكلة حمزاتوف من الرقة والصلابة معاً.
أن تقرأ لرسول حمزاتوف يعني أن تحب (داغستان) كما لو أنها وطنك، فهذا الرجل يملك قدرة خاصة على مخاطبة ما هو إنساني ووطني فيك ليحيله عشقاً لداغستان البلد الذي عاش من أجلها، لا عاش فيها. إنه يكتب وهو متيم بأناس وطنه الطيبين، بالدروب التي درج عليها طفلاً، وبجبال تكسوها الثلوج، وتاريخ يروي سيرة الوطن داغستان وشجاعة أولاده الذين يشبهون الخيول الأصيلة وهو عاشق من نوع خاص،
 (هكذا كانت تفاصيل الوطن (داغستان) هاجس لازمه طوال سنواته الثمانين، يحار كيف له أن يخلدها شعباً وأرضاً…)
يقول حمزاتوف: لقد عشت في هذه الدنيا أكثر من خمسة عشر ألف يوم وقطعت طرقا كثيرة جدا، والتقيت بآلاف كثيرة من الناس، انطباعاتي لا تعد، كأنها السواقي الجبلية أثناء المطر أو أثناء ذوبان الثلوج. لكن كيف أضمها لأجعل منها كتابا
سرعان ما أثمرت هذه الأسئلة على الورق شكلاً فنياً جديداً لم نعهده من قبل، شكل يتحرر من كل الفنون الأخرى شعراً وقصة ورواية لكنه يعود في لحظة واحدة ليضمها كلها، في أكثر من سبعين عملاً إبداعياً بلغته الأم الآفارية، تُرجم الكثير منها إلى اللغة الروسية وإلى عشرات اللغات الأجنبية الأخرى، منها: "أغاني الجبال"، "سنة مولدي"، "وطن الجبلي"، "نجوم سامقة" التي حصل عنها على جائزة "لينين" عام 1963، "الحدود"، "نقوش"، إلا أن أشهرها على الإطلاق كان "داغستان بلدي" الذي أراده حمزاتوف تأريخاً لبلاده ورسالة حبٍ لها، ضمّنها الكثير من ثمرات تجاربه الحياتية ورؤيته الجمالية للوطن وأهله لينتج كتاباً فريداً في موضوعه وأسلوبه، كُرس لحياة داغستان المعاصرة، وتميز بصبغة قومية ونزعة غنائية، وسرعان ما أضحت جمل الكتاب وعباراته أحاديثاً متداولة لا تنفصل عن الأمثال الشعبية في داغستان وحكمها، فكان نتاجه هذا صورة صادقة لما رآه في توصيف الكاتب بقوله: (ليس الكاتب من يستطيع توظيف التراث، بل الذي يصنعه).
وبصدور كتابه (داغستان بلدي) يحسم رسول حمزاتوف طبيعة العلاقة بين الكاتب وإبداعه بأنه لا يمكن الفصل بين حمزاتوف الإنسان حمزاتوف الكاتب من جهة، وبين كتاباته والعمل السياسي والاجتماعي من جهة أخرى، فكانت حياته المشغولة دوماً بالإبداع والكتابة منذ بدأ كتابة الشعر وهو في التاسعة من عمره عبر صحيفة "بولشيفيك غور" الحكومية الصادرة باللغة الآفارية وإصدار أول دواوينه (حب لاهب وحقد متأجج) عام 1943، حياة غزيرة بالإنتاج والحيوية، مسكونة بثقافة وطنية فريدة معيارها ثالوث هو البلد والإنسانية والإنسان.
ثمة ثلاث مسائل أكتب عنها :1- بقدر ما أنا ابن أرض داغستان، لا أستطيع إلا أن أحمل شعور الابن نحو الأرض. دائما هناك مادة أساسية في أشعاري: بلدي، من أين يبدأ وأين ينتهي.
 2- مسألة إنسانية... أينما كانت في داغستان أم في فلسطين فهي تؤثر في الإنسان ولذا أكتب عنها.
 3- الإنسان.... هكذا يصف لنا حمزاتوف ثالوثه .حيث نال من خلاله لقب شاعر الشعب وبالكاد يخلو بيت روسي ولا يحتوي على كتاب أو أكثر لهذا الشاعر الإنساني ودرست أشعاره وكتاباته في المدارس وتخرج عليها الملايين من الطلبة وهم يمتنون لحمزاتوف.
ونال من لقب فنان داغستان القيم في الذكرى الثمانون لمولده ولكنه بعد شهرين منها تركنا وترك تسادا وترك داغستان لينال الراحة الأبدية دون أن يستأذن منا أو الجبال الشاهقة أو سهول داغستان أو من كتاباته ورسائله الإنسانية.
استطاع رسول حمزاتوف أن يصنع تراثا إنسانيا خالدا بكل المعايير حتى أن جائزة نوبل تخجل تماما من عرض نفسها عليه، وهو في كل الأحوال لا يهتم بها ويرى أن الشاعر لا يصنعه أحد.
نجوم كثيرة .. وقمر واحد .. نساء كثيرات .. وأم واحدة .. بلاد كثيرة .. ووطن واحد
حكمته ستدوم مادامنا نستطيع أن نقرأ الحروف ونفك رموز موسيقا كتبها بصمت وروية نحس بكل دقات قلبه وبكل وريد غذت دماغ هذا الشاعر الحكيم :«يحتاج المرء لسنة حتى يتعلم الكلام ‚ ولستين عاما ليتعلم الصمت»



#مسعود_عكو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حضارة على أنقاض حضارات
- اللغو في الكلام
- الكورد بين مبادئ الإسلام وظلم المسلمين
- حبر على ورق
- الكورد والمواثيق الدولية
- شر البلية ما يبكي
- أصبح الكون قرية صغيرة
- بين ثقافة السياسي وسياسة المثقف
- المسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يسلمه لا يخذله
- ع الدور يا عرب
- الحروب همجية الحكماء أم ضريبة الشعوب
- الضربة الأمريكية المحتملة ضد العراق - أراء وحسابات
- المشاركة الكردية في الانتخابات النيابية السورية : مسرحية كوم ...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - رسول حمزاتوف ........... وداعاً