|
الإعلام الإلكتروني الأمازيغي بالريف، بين جدلية الخطاب وإشكالية الممارسة
سعيد بلغربي
الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:15
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أمام المساحة الشاسعة التي وفرتها ثورة الإتصالات عبر شبكة الإنترنيت بإعتبارها قارة سادسة إفتراضية لايمكن الإستغتاء عنها، عالم لايعترف بالحدود ولاتؤثر فيه مقص الرقابة ولاموقع فيه لسلطة قمع الرأي المخالف.. ، تلك الرقابة التي كانت إلى عهد قريب كابوسا يهدد مملكة الرأي الآخر، فأضحت الإنترنيت عالم لا يحكمه سوى ضمير الكاتب ونزاهة المتعامل معها. أصبحت غزارة المعلومات وضخامتها وسهولة الوصول إليها أمام تنافس محركات البحث حول توفير خدمات مجانية تسهل بشكل مبهر الوصول إلى أطراف العالم من خلال نقرات خفيفة لاتكلف وقتا ولا مجهودا جسديا.
ضمن هذه التحولات الإعلامية الرقمية أخذ الباحث والمتصفح الأمازيغي يبحث له عن موقع قدم لائق ضمن هذه القارة الإفتراضية من خلال ما تبرزه كثرة المواقع الرقمية الأمازيغية التي أصبحت تتناسل بشكل غزير بحيث لايمكن للمهتم والمتصفح الإحاطة بها وبموادها لكثرتها وتشعبها. فبدأت تظهر بوادر التنافس جالية على صفحاتها من خلال ما تنقله من مواضيع أمازيغية وبأساليب تقنية جديدة تعمل على إستعمال الصورة الثابتة والمتحركة مع الصوت في شكل أفلام قصيرة تصور مقاطع لمهرجانات ثقافية وفنية ولربورتاجات جريئة لاموقع لها في دهاليز الإعلام الرسمي، هذا الأخير الذي دأب بشكل وفي على تصوير مواقع الفلكلور في المجتمع الريفي والمساهمة في تهميش المهمشين، وهي أفلام رقمية أثر بعضها بشكل قوي في إثارة الرأي العام المحلي والوطني والدولي إلى العديد من الآثار السلبية للمجتمع الأمازيغي بالريف خاصة والمغربي بصفة عامة، وكان أشهرها سلسلة من الأفلام القصيرة لقناص تاركيست والتي عرت بشكل قوي ظاهرة الرشوة بالمغرب، وهو الشيئ الذي إستحال تحقيقه ضمن إطارات حقوقية أسست خصيصا لتحسيس المواطن إلى ضرورة العمل والمساهمة في محاربة هذه الآفة…
ـ الإعلام الأمازيغي الإلكتروني بين الإحترافية والهواية: يرى المتتبع لأغلبية المواقع الريفية غيابها لإستراتيجية ومنهجية إعلامية واضحة، فالممارسة الإعلامية الإلكترونية لايعني فقط الإلمام بتقنيات إنشاء المواقع وإدارتها تقنيا وفنيا من خلال سميائية الشكل أو المظهر الخارجي وتوفير مساحات شاسعة للتصفح تسهل بشكل سريع التنقل بين صفحات الموقع… وإنما إلى جانب هذه الأشياء الضرورية ينبغي توفير تكوين صحفي لمدراء ومسؤولي هذه المواقع لتبيان أن العمل الصحفي كممارسة له خصوصيتة وإلتزاماته، من خلال التعرف والإلمام بطرق التعامل مع الخبر والتأكيد من مصادره والتعليق عليه وإحترام أخلاقيات وأسرار المهنة الصحفية… إن الملاحظ على جل المواقع الأمازيغية التي قمنا بتتبع مسيرتها ـ لمدة وجيزة ـ هو طابع الهواية والتسلية والتفاهة أحيانا بحيث يعمل محريروها على نقل أخبار ومواد لاتجد عمولتها صرفا في المناخ الأمازيغي الذي أصبح يعرف تطورا إجتماعيا وثقافيا له إرتباط وثيق في البحث عن المعلومة الأمازيغية والتي يتوخاها من هذه المواقع بعد أن فقد المواطن الأمازيغي ثقته الكاملة في وسائل الإعلام الرسمية بكل ألوانها، وهي مواقع غالبا ما تتلاشى بسرعة نظرا للإفتقادها لأسلوب تحريري ولمؤهلات صحفية راقية تصتدم بالتنافس القوي الذي تنهجه بعض من المواقع الأخرى والتي تعمل على نقل الحدث فور وقوعه والتنقل إلى عين المكان لتغطيتيه، مستعينة بشكبة من المراسلين المتطوعين يوفرون موادا إعلامية من مناطق تواجدهم وهي أماكن أغلبها منتمية إلى الريف العميق المهمش.
ـ المواقع الأمازيغية وقوة خطاب الصورة: أمام كثرة المعلومات وضخامتها أصبح لزاما التفكير في تغيير خطاب الخبر من نص طويل ممل إلى مادة خفيفة لتسهيل إصاله إلى المتلقي عبر طرق التشويق والإثارة في فضاء الصورة كمادة غير مكلفة لايبذل من خلالها الصحفي أي مجهود كبير وخاصة أمام إنتشار آلات التصويرالرقمية ذات تقنية وجودة عالية غير معقدة مرتبطة ببرامج الحاسوب حيث يمكن تنزيل عشرات الصور في وقت محدد ونشرها مباشرة على النت لتكون في متناول الجميع. قوة الصورة وبلاغتها الإخبارية أضحت السر وراء نجاح العديد من المواقع المهتمة بالشأن الريفي.
ـ المواقع الإلكترونية الأمازيغية، التصنيف والرسالة: أشرت سابقا إلى أنه أصبح من الصعوبة بمكان وضع خريطة ثابتة نستطيع من خلالها أن نضع تصنيفات قارة أوثابتة لطبيعة هذه المواقع الإعلامية، لكن من خلال تصفحنا لبعضها يبدو أغلبيتها ذات طابع شامل يهدف من وراءها أصحابها نشر كل مادة محلية لها علاقة بإنشغالات المواطن الأمازيغي بالريف من جميع النواحي وخاصة منها الثقافية، بحيث لا يكاد المتصفح لهذه المواقع يحس بأنه ينتقل من موقع للآخر نظرا لتشابهها التقني وتكرار موادها المنشورة. لكن لايمكن أن ننفي وجود مجموعة من التصنيفات الأخرى ذات طبيعة متخصصة.. من خلال مجموعة من المواقع الملتزمة بنشر مواد راقية بالإضافة إلى شبكة واسعة من المواقع الأخرى كصفحات شخصية لعدد من الكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي والرياضي والفني… وبعضها مهتم بمجال التقنيات وغيرها من الفضاءات الأخرى.
ـ المنتديات الأمازيغية، نسخة عربية: لم تكن سياحتنا عبر فأرة الحاسوب ممتعة بالشكل الذي كنا نتوخاه ونحن نتجول بين العديد من المنتديات الأمازيغية كما يبدو من خلال أسمائها، وهي منتديات وشت بها لنا مجموعة من محركات البحث المشهورة، قلت ليس من الممتع بتاتا التجول داخلها نظرا لإفتقاد جلها إلى أسلوب تحريري يجعلها تؤثر في الزائر الأمازيغي، لأنها فضاءات لاتعبر عن المناخ الأمازيغي، فموادها الخامة والأساسية هي عبارة عن إعادة نشر لمواضيع منقولة بشكل سيئ من منتديات شرقية، كمثال بسيط لمنتدى أمازيغي ينشر بكل وفاء وإهتمام كل ما يتعلق بمطربة لبنانية تعمل في مجال الغناء الساقط والرقص الإستعراضي ويزخر المنتدى بصورها إلى جانب صور بطل الريف عبد الكريم الخطابي، لكن شتان بين الرسالتين.. آفة النقل واللصق والسرقات الأدبية والفنية… أصبحت تهدد بشكل سلبي واقع العالم الإفتراضي، فبسهولة قصوى يمكن لأي متصفح أن ينشيء العديد من المنتديات والمواقع معتمدا في ذلك على النقل والسطو على إبداعات الغير بدون أدنى شعور بتأنيب ضمير.
تأثير نمو الإعلام الإلكتروني على الوعي الأمازيغي بمنطقة الريف: يرى أمغناس ن أطلس (19 سنة طالب ومدون أمازيغي) أن إنتشار الحس الأمازيغي لدى العديد من الشباب له علاقة كبيرة بتأثير الإعلام الإلكتروني وإنتشار المواقع وإهتمام الشباب بالتدوين الأمازيغي، لكنه بمقابل ذلك يقول بأن الإعلام الإلكتروني لم يرقى بعد إلى تطلعات الشباب الأمازيغي وذلك راجع حسب رأيه إلى عوامل نفسية محضة، ومن بين الأسباب الأساسية التي يراها ضرورية لتوفير إعلام إلكتروني أمازيغي هو تعامل هذه المواقع بخط تيفناغ كخطاب أساسي لتبليغ الرسالة. من جهته يرى يوسف رشيدي (21 سنة مناضل أمازيغي مقيم بالمهجر ومهتم بالإعلام الإلكتروني بالريف) أن الإعلام الإلكتروني في الريف المغربي شكل قفزة نوعية قائلا: أن الإعلام الكلاسيكي كالجرائد مثلا أصبحت حدة منافستها لجلب إهتمام القراء ضعيف نوعا ما، بالمقارنة مع الإعلام الإلكتروني نتيجة لمجموعة من الإجابيات التي يتمتع بها، أبرزها سرعة نقل الخبر وسهولة الوصول إليه من طرف جميع الفئات العمرية… ويضيف: أن كل هذه المعطيات أثرت بشكل كبير في تنامي الوعي الأمازيغي بالريف حيث أصبح الإنسان الريفي يطلع على كل ما يتعلق بحقوقه اللغوية والثقافية ويطلع بشكل يومي ومستمر على حقيقة منطقته وواقع المعانات والتهميش. من خلال هذا يؤكد يوسف رشيدي أن الإعلام الإلكتروني الأمازيغي بالريف خطى وبصم بصمات كبيرة في إغناء الرصيد المعرفي لإيريفين وأثر بشكل قوي في نمو الوعي الأمازيغي بالمنطقة. وعن واقع وآفاق الإعلام الرقمي بالريف يقول: أنه إعلام إحترافي يصبو دائما إلى تقديم أطباق إخبارية ومعلوماتية تضاهي القيمة الإعلامية العالمية، ويشير إلى أن هناك مواقع أمازيغية في الريف أو خارجه تقدم موادا إخبارية راقية لكن يبقى التنافس وإحتكار المعلومة والخبر لدى جهة معينة، وتغييب حرف تيفيناغ واللغة الأمازيغية بصفة عامة إحدى أهم السلبيات التي تعتري الإعلام الإلكتروني بالريف، داعيا إلى التفكير الجدي في بناء صرح إلكتروني ريفي يجمع جميع المواقع الريفية الأمازيغية، والعمل على إذابة الخلافات والحساسيات الشخصية بين مسؤولي هذه المواقع مع إمكانية تبادل الخبرات والمعلومات لخدمة إعلام أمازيغي نظيف وقوي. أما نجيب آيت بوعياش (24 سنة، يحرر موقعا أمازيغيا حول مدينة آيت بوعياش) يرى أن الإعلام الرقمي الأمازيغي إستطاع أن يؤثر بشكل إيجابي في الوعي الأمازيغي للمواطن الريفي، وانه ساهم بشكل قوي في إنعاش وتنشيط الحركة الثقافية والفكرية بالريف. من خلال هذه الآراء نستنتج تلاقيها في رأي واحد وإيجابي وهو أن هذه المواقع ساهمت بشكل أو بآخر في إخراج منطقة الريف من قوقعتها التي ساهمت الدولة ومعها وسائلها الإعلامية التي تسيطر عليها في إهمال وتهميش هذه المنطقة، وكما ساهمت هذه المواقع الرقمية من نشر الوعي بالقضية الأمازيغية لدى فئة عريضة من المتصفحين للإنترنيت في كل بقاع المعمورة.
#سعيد_بلغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصريون: نحن لسنا عربا، والعربية ليست لغتنا الأم
-
“عباس الفاسي” والحركة الأمازيغية بالمغرب: تاوادا هي الحل !!
-
الطفل الأمازيغي بالريف والأسئلة المقلقة :حوار
-
في كتالونيا نطالب الدولة المغربية بإرسال أساتذة مختصين في ال
...
-
محمد زاهد، رئيس جمعية “آيت سعيذ للثقافة والتنمية”:مقاطعة الإ
...
-
الكاتب الفلسطيني -جورج كتن- يتحدث عن الأمازيغية والكردية وال
...
-
الحكم الذاتي بالريف...وأشياء أخرى في حوار مع الناشطين الأماز
...
-
حوار مع الباحث المغربي جميل الحمداوي: تجليات الحركة الثقافية
...
-
حوارمع الكاتب الأمازيغي سعيد بلغربي :
-
جريدة “صوت الشمال” تستضيف الكاتب الأمازيغي سعيد بلغربي
-
خبز مزيت وسكر وقصص قصيرة جدا
-
المرأة الأمازيغية بالريف في وصف الكتابات الكولونيالية
-
تيمات الأرض/ المرأة في الشعر الأمازيغي بالريف /قصيدة “ذا دّي
...
-
المرأة الأمازيغية بالريف بين السلطة الأبيسية والرغبة…قراءة ف
...
-
المرأة الأمازيغية بالريف, علاقتها بالذات و الآخر / صورة المر
...
-
رسالة برائحة البرقال... و قصص قصيرة جدا
-
المرأة والوشم في الشعر الأمازيغي بالريف أو حينما يصبح الجسد
...
-
أشعة ما فوق العشق
-
...وجع في تابوت
-
المرأة الأمازيغية بالريف علاقتها بالذات و الآخر ,المرأة و ال
...
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|