أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - ورقـة :حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن















المزيد.....



ورقـة :حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 657 - 2003 / 11 / 19 - 05:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


مقدمة الى الهيئة العامة للإستعلامات-ورشة العمل المعقودة في غزة-19/11/2003 بمناسبة دخول إنتفاضة الأقصى عامها الرابع
 إنّ معالجتنا للأوضاع الاقتصادية الفلسطينية ، بمنطق التشخيص والتحليل وكشف المخاطر الراهنة والمستقبلية ، هو احد المداخل الضرورية لصياغة البدائل الاقتصادية الوطنية والمجتمعية ، الهادفة لإخراج الواقع الفلسطيني الحالي من مأزقه الراهن .
ففي هذه الظروف التي تتزايد فيها مظاهر العنجهية الإسرائيلية الاحتلالية ، وما يترتب عليها من خطوات عملية لخلق معطيات وحقائق أمر واقع جديدة ، بالتهويد والاستيطان والجدار الفاصل والمزيد من تجريف الأراضي والاستيلاء عليها ، والاغتيالات والقتل والمطاردة والاعتقال ، والقصف وهدم البيوت ، والحصار والضغط الاقتصادي والتجويع في إطار الصراع التناحري والتناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني. ولكن ، ومع ادراكنا لمخططات هذا العدو ، الهادفة الى تدمير مقدرات شعبنا وصموده السياسي والاقتصادي ، عبر منهجيته العدوانية شبه اليوميه التي فاقت المنهجية النازية في عنصريتها وبشاعتها وآثارها المدمرة ، الا اننا ندرك ايضا العوامل الفلسطينية الداخلية السالبة والمتفاقمه في قلب هذا الصراع وفي موازاته ، حيث تتجلى الظروف الفلسطينية المعقدة في احلك صورها في ظل الانتفاضة وعلى عتبات العام الرابع من تفجرها –رغم حدة وبشاعة العدوان الصهيوني واستمراره- ، عبر تناقضات اقتصادية وسياسية ومجتمعية داخلية ، تراكمت عبر مسار السلطة طوال العشر سنوات العجاف الماضية ، الذي تزايدت فيه واتسعت مخاطر ممارسات أجهزتها ومؤسساتها ، وانعكاسها على جماهيرنا الشعبية بصورة سلبية خطيرة ومؤثرة ، لم يعهدها شعبنا من قبل ، تتجسد هذه الممارسات –التي باتت حديث الشارع- في اتساع رقعة الفساد والإفساد الاقتصادي والاداري، والمحسوبيات، والتسيب، وبهتان دور القضاء، والانحطاط الاجتماعي عبر إعادة إنتاج التخلف وتجديد دور رموزه بالتساوق مع مصالح أجهزة السلطة وفي خدمتها.

في هذا المناخ ، يأتي الحديث عن مظاهر تراجع الاقتصاد الفلسطيني ، وتزايد نسب البطالة والفقر في مجتمعنا ، كضرورة، لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي، بل تتخطاه نحو البعد السياسي في صيغة موحدة لا انفصام بينهما ، بحيث يمكن عبر هذا المدخل ، الدعوة الى عملية التغيير الديمقراطي الداخلي التي تستهدف وقف ومواجهة كل مظاهر الخلل والفساد ومحاسبة رموزه وادواته ، وهي عملية باتت اكثر من ملحه لانتشال مجتمعنا من هذا المأزق الخطير الذي يهدد وجودنا وأرضنا وقضيتنا ، بعد أن وصلت قيادة السلطة الفلسطينية الى وضع لم تعد قادرة فيه –لأسباب ذاتية وخارجية- على تقديم إنجازات جدية ملموسة ليس على الصعيد السياسي فحسب ، بل أيضاً على الصعيد الاقتصادي التنموي والاجتماعي ، الأمر الذي يفترض ضرورة تفعيل معطيات ومفاهيم وأدوات وأطر التغيير التي تسعى الى فرض البديل الشعبي الديمقراطي، وآلياته المرتبطة بمبدأ وطريقة القيادة والمؤسسات المنسجمة معه، والمستجيبة لمتطلباته من جهة، وصياغة البرنامج أو الاستراتيجية الوطنية-الاقتصادية-التنموية-المجتمعية من جهة ثانية ، على قاعدة أن التغيير الشامل صوب الإصلاح الجذري المطلوب عبر حاضنته الشعبية وأطره الطليعية المنظمة (أحزاباً ونقابات ومنظمات جماهيرية ومؤتمرات وقوى مجتمعية ضاغطة) بات في هذه المرحلة سفينة النجاة التي يمكنها إنقاذ شعبنا من شروط "الإصلاح السياسي والاقتصادي" الأمريكي الإسرائيلي التي ستودي بنا الى مزيد من الفشل والتراجع من ناحية والى مزيد من الخضوع والتبعية بكل أشكالها من ناحية أخرى.
مؤشرات الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن

- السكان ، والقوى العاملة في الضفة والقطاع كما في نهاية عام 2003  :

2.356.810 الضفة الفلسطينية
1.364.733 قطاع غزة
3.721.543 (حوالي 572500 أسرة) المجموع
                        
يشكل السكان المقيمون في المناطق والتجمعات الحضرية –في الضفة والقطاع- حوالي 45% ، وفي المخيمات 15.9% ، اما سكان التجمعات الريفية فيشكلون نسبة 30.1% من عدد السكان الكلي  .


1.726.796 * نسبة الفتوة (اقل من 15 سنة) تبلغ 46.4% ما يعـادل
1.871.936 * نسبة القوى البشرية (15-64 سنة) تبلغ 50.3% ما يعادل
122.811 * نسبة السكان (65+) تبلغ 3.3% ما يعـادل
3.721.543  الإجمـــــــــالي
                                     
- القوى العاملة :
تقدر القوى العاملة الفلسطينية كما في نهاية العام 2003 بحوالي 744300 شخص او ما يعادل 40% من القوى البشرية ، و20% من مجموع السكان ، وهي نسبة منخفضة قياسا ببعض الدول العربية مثل مصر التي تزيد فيها القوى العاملة عن 30% من مجموع السكان ، والاردن 27% وسوريا 28% ، وفي "اسرائيل" 39% .
تتراوح نسبة العاملين في القطاع الخاص من اصل مجموع القوى العاملة بين 60-65%، ويتوزع باقي العاملين على القطاع العام (السلطة) ووكالة الغوث، والمؤسسات الأهلية غير الربحية الأخرى.
تتوزع القوى العاملة كما يلي :
- الضفة الفلسطينية 471.362 فرد بنسبة 63.3% من اجمالي القوى العاملة الفلسطينية.
- قطـاع غـزة 272.946 فرد بنسبة 36.7% من اجمالي القوى العاملة الفلسطينية.

يبلغ معدل الاعاله –حسب إجمالي القوى العاملة أعلاه- في الضفة والقطاع 1 : 5 تقريبا     ( كل فرد يعمل ، يعيل 5 أفراد) ويرتفع هذا المعدل اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار ارتفاع نسبة البطالة .

توزيع القوى العاملة كما في نهاية هذا العام 2003 حسب عدد سنوات الدراسة:

النسبة المئوية العدد البيان
4.5% 33.494 لم يدرس أبدا
22.1% 164.490 درس من سنة الى ست سنوات
24.1% 139.376 7-9 سنوات دراسية
27% 200.961 10-12 سنة دراسية
22.3% 165.979 أتم 13 سنة دراسية فأكثر
100% 744.300 إجمالي القوى العاملة
- البطالـة :
بلغت نسبة البطالة كما في عام 2002 ، 33.6%  او ما يعادل 250 الف عاطل عن العمل حيث ترتفع نسبة الاعالة في هذه الحال الى 7.5 فرد لكل عامل ( المعروف ان نسبة العماله التامة، قبل الانتفاضة في أيلول 2000، وصلت الى 85.8%، والبطالة لم تتجاوز 14.2% حسب العديد من المصادر، وقد ادى الحصار العدواني العسكري والاقتصادي الذي مارسه العدو الصهيوني منذ نهاية أيلول 2000 الى ارتفاع نسبة البطالة الى حوالي 45% عام 2001 هبطت الى 33.6% ، عام 2002)  .

على أي حال يجب ان ندرك طبيعة تكوّن وامتداد الجذور العميقة التي أنبتت وتنبت البطالة والفقر ، عبر معرفة أسبابها الرئيسة، التي تتمثل في التخلف والتبعية الاقتصادية ، وفي فشل جهود التنمية الداخلية لأسباب داخلية باتت معروفة للجميع، وبالتالي فان علاج الخلل في بنية ومكونات الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن مرتبط الى حد كبير بمواجهة وعلاج الأزمات الداخلية المتراكمة عندنا طوال العشر سنوات ، والتي تتمحور الى حد بعيد تحت عنوان ظاهرة الفسـاد ، التي استشرت في مجتمعنا –كما في مجتمعاتنا العربية- بحيث أنها لم تعد مسألة حسابية توضحها أو تعكسها الأرقام، بل باتت أخطر وأكبر من كميات الأموال المدفوعة على شكل رشاوى أو عمولات أو سمسرة أو خاوات ، ذلك ان ممارسات الفساد والإفساد أنتجت كثيرا من جوانب الخلل الذي يصيب اخلاقيات العمل وقيم المجتمع معاً ، كنتيجة مباشرة وغير مباشرة لإنتشار "روح المضاربة" التي تطغى وتسود على روح المشروع أو العمل المنتِج، بحيث أضحى اقتصادنا الفلسطيني يشبه ما يسميه الاقتصادي الإنجليزي "جون ماينرد كينز" بـ"اقتصاد الكازينـو" "الذي يكون فيه الرواج الاقتصادي نتاج المضاربة على أسعار الأصول في أسواق العقارات والبورصات ، وليس نتاجاً للتراكم الرأسمالي" ، الأمر الذي يكرس ما يسميه "كينز" برأسمالية المحاسيب ،  وهي ظاهرة تراكمت عندنا في غياب سيادة القانون وأنظمة الرقابة والمساءلة والشفافية ، وفي ظل تطبيق مبدأ "أهل الثقـة" على حساب مبدأ "أهل الخبـرة والكفاءة" ، ففي مثل هذا المناخ لا نستغرب أبداً إندفاع العديد من اصحاب الثروات الطارئة غير المشروعة، نحو التعاطي مع مفهوم رأسمالية السلب والنهب ، ولا نستغرب أيضاً سيادة هذه الحالة الذهنية لدى قطاعات محدودة ولكن مؤثرة من الناس ، تبرر الفساد ، وتجد له من الذرائع للاستمرار والتوسع على مجمل حياتنا اليومية ، وتدريجياً –في ظل هذا الواقع او هذه الصيرورة الشاذة- تصبح الدخول أو الثروات غير المشروعة "الخفية والعلنية" الناتجة عن الفساد، هي الدخول الأساسية التي تفوق أحياناً في قيمتها تلك الدخول المشروعة الناتجة عن العمل في الانشطة الاقتصادية المختلفة ، مما يجعل الفرد في بلادنا يفقد الثقة في أهمية العمل الأصلي ، كما يفقد دافعيته الذاتية تجاه أي عمل منتج أو وظيفي، وبالتالي يقبل فكرة التفريط التدريجي في معايير أداء الواجب العام في وظيفته أو في مهنته في هذا القطاع الاقتصادي او ذاك ، بما يمهد الطريق –وبالتدريج ايضا- للتفريط فيما هو أخطر بالنسبة لقضايانا الاساسية الكبرى .       

أداء الاقتصاد الفلسطيني 1994-2003 :
أورد فيما يلي تطورات الأداء الاقتصادي الفلسطيني واتجاهاته الرئيسية ، وأبرز تحدياته ، طوال العشر سنوات العجاف الماضية عموما ، ومنها سنوات الانتفاضة حتى العام 2003  خصوصاً ، عبر المؤشرات التالية :-
1-تراجع مستوى المعيشة عام 2002 الى اكثر من الضعف قياسا بعام 1993، بفعل التضخم وارتفاع الأسعار وثبات الأجور والتوزيع غير العادل للثروة والدخل ، بسبب تفاقم العوامل الداخلية السالبة من ناحية ، وغياب الاستراتيجية الوطنية التنموية التي تستجيب لضرورات الصمود والمقاومة والاستقلال والبناء الداخلي من ناحية ثانية، ودون ان نقلل من دور العدو الإسرائيلي كسبب وتناقض رئيسي أول في تدمير مقدراتنا الوطنية ومواردنا وقطاعاتنا الاقتصادية.
2- عدم حدوث أي تطورات جوهرية ملموسة بالمعنى الإيجابي ، في البيئة التشريعيـة  الاقتصادية ، وتواصل النشاط الاقتصادي للسلطة ( الحكومة ) دون إقرار مرجعية قانونية موحدة ومتكاملة -  تنظم عمل القطاع الحكومي والعام ومجالاته وآلياته ، مما ساهم في استمرار معاناة اقتصادنا الفلسطيني من حالة الانكشاف المستمر ، والهشاشة والضعف ، خاصة وان هذا الانكشاف تزايد مع استمرار الحصار والعدوان الإسرائيلي عموما ، وقيود بروتوكول باريس خصوصا ، الأمر الذي أدى الى تعميق تبعية اقتصادنا للاقتصاد الإسرائيلي ضمن إطار الغلاف الجمركي والسياسات والمواصفات الإسرائيلية ، إلى جانب الآثار الضارة والمريرة الناجمة عن توحد أسعار السلع بيننا وبين السوق الإسرائيلي، دون الأخذ بعين الاعتبار ذلك الفرق الهائل في الدخل الفردي السنوي في إسرائيل الذي وصل عام 1999/2000  إلى 19 ألف دولار وهبط بفعل وتأثير الانتفاضة الى حوالي 16 ألف دولار عام 2001، في حين أن هذا الدخل الفردي السنوي هبط إلى اقل من 952 دولار في الأراضي الفلسطينية نهاية عام 2002.
3-تراجع القطاعات الإنتاجية عموما والزراعة بصورة خاصة ، حيث لم يتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي 6.4%-8% فقط منذ عام 1999 حتى نهاية عام 2002، (حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومعهد ماس، وتقرير التنمية الفلسطيني لعام 2002) ، كما تراجع قطاع الصناعة الى نسبة 12.6 % عام 2001 بعد أن وصل عام 1999 الى 16.0 % .
4- تزايد محدودية سوق العمل الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة حيث لم يستطع هذا السوق، في سنوات ما قبل الانتفاضة، أن يوفر اكثر من 37% من إجمالي فرص العمل الجديدة خلال تلك السنوات جزء هام منها في القطاع العام، فيما وفر سوق العمل الإسرائيلي والمستعمرات الاستيطانية 63% من فرص العمل الجديدة ، لترتفع بذلك الأهمية النسبية للعمالة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلي من 21,7% في نهاية عام 1998 إلى 22,9% في نهاية عـام 1999 "  وانخفضت هذه النسبة الى 10.3%عام 2002 بسبب عوامل الحصار والإغلاق المتكرر .
5- بالنسبة لتطورات التجارة الخارجية الفلسطينية ، فما زالت إسرائيل تهيمن على هذه التجارة حيث أن نسبة و إرداتنا منها تصل إلى 73% مقابل 1.6% فقط من الدول العربية ، و 25.4% من باقي بلدان العالم ، ولا يختلف الأمر بالنسبة للصادرات التي تصل حصة إسرائيل فيها اكثر من 92% ، هذه الأرقام تجعل الاهتمام بتطوير العلاقة التجارية مع البلدان العربية باتجاه توسيع قاعدة المصالح المشتركة وتعزيز فرص نمو هذا التعاون من الأولويات الضرورية في هذا الجانب .
6-تنامي الاتجاه لانخفاض العون الدولي للشعب الفلسطيني ، وتراجع المعونات من الدول العربية "الشقيقة" التي توقفت عن الدعم –منذ منتصف عام 2002- الا بإذن خاص من واشنطن .
7-استمرار محدودية حجم الائتمان المصرفي حيث لم تزد نسبة القروض للودائع حسب المراقب الاقتصادي-ماس العدد التاسع- عن 29.6% عام 2002 رغم ظروف الانتفاضة ومعاناة شعبنا وتضحياته، التي تستوجب من البنوك، أن تقوم بدورها الوطني في إطار منهج ، وخطة وطنية، تقوم بالدرجة الأولى على تشغيل الجزء الأكبر من الودائع التي تزيد عن 2.7 مليار دولار في القطاعات الإنتاجية الفلسطينية عموما ، والصناعة والزراعة خصوصا .
8-تقدر الخسائر الاقتصادية الشاملة بسبب العدوان الهمجي الصهيوني وتدميره لمقدرات شعبنا ،بحوالي ( 12 )مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية.
9-ارتفاع نسبة الفقراء الى إجمالي عدد السكان من 21% عام 1999 الى 60% عام 2002 تتوزع بنسبة 55% في الضفة ، و70% في قطاع غزة، وهؤلاء الفقراء يستهلكون أقل من 20% من السلع والخدمات؟! وفي نهاية عام 2000 بلغت نسبة الفقر المدقع 40%  في الضفة والقطاع أي أقل من (1550شيكل) لكل اسرة شهريا، ولم تتراجع هذه النسبة في عامي 2002 ، 2003 بصورة ملموسة، آخذين بعين الاعتبار أن ظاهرة الفقر عندنا، لا تتوقف عند نقص الدخل وانخفاض مستوى المعيشة فحسب، بل تشمل أيضا غياب الإمكانات لدى العامل وأسرته للوصول الى الفرص الحياتية ضمن الحد الأدنى الضروري ، فمع استشراء حالة الفقر (المدقع بالذات) ، يتوالد المزيد من الإفقار في القيم الاجتماعية، بما يفتح الباب نحو كافة الاحتمالات، فالمعروف أن ظاهرة الفقر لا تتوقف على العجز عن تامين الاحتياجات المباشرة فحسب ، بل تتخطى ذلك –في ظل تفاقم الفساد وغياب القانون- الى اتساع مظاهر الفقر في القيم والفقر في النظام والقانون والعدل. وفي هذا السياق فإننا نؤكد أن تزايد نمو الفئات والشرائح الفقيرة في مجتمعنا –وهي الأغلبية الساحقة- لا يتحقق كنتيجة للعدوان الإسرائيلي المتواصل فحسب، ولكن أيضا كنتيجة لسياسات السلطة وأجهزتها ومؤسساتها وافعالها الاقتصادية الطفيلية الضارة على الصعيد الداخلي، مما يؤدي موضوعيا الى زيادة مساحة ونوعية وحجم التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وما يعنيه ذلك من استمرار التراكم للعاطلين عن العمل، وحجم الفقر بكل أشكاله ودرجاته ، الى جانب مظاهر التردي السياسي والمجتمعي الأخرى المتزايدة .
10-انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عام 2002 بنسبة 28.4% عما كان عليه عام 1994، حيث بلغ آنذاك 1330.2 دولار للفرد  في السنة ، تراجع الى حوالي 952 دولار عام  2002 ، ومن المحتمل بقاءه عند هذا المعدل في نهاية هذا العام 2003 ، خاصة في قطاع غزة ، إذا استمرت الظروف الراهنة دون تغيير بالمعنى الإيجابي ، خاصة في أوضاعنا الداخلية .
11-انخفض الناتج المحلي الإجمالي  من (4516) مليون دولار عام 1999 الى  (4441) مليون دولار عام 2000، والى (4093) مليون دولار عام 2001، والى (3390) مليون دولار عام 2002، أب بمعدل تراجع مقداره 24.9% قياساً بعام 1999  وقد يهبط الى اقل من ذلك في نهاية هذا العام 2003 ، فيما لو استمرت الظروف والعوامل الداخلية والخارجية على ما هي عليه.
12- إذا كان من المتفق عليه ، من الناحية الموضوعية ، إن القطاع الخاص عموماً ، محكوم بعوامل الربح والمصالح الخاصة ، فإن ظروف تطور القطاع الخاص الفلسطيني فرضت مزيداً من أشكال ومظاهر التشوه في بنيته وهيكليته من ناحية ، وعمقت نزوعه نحو تحقيق مصالحه الخاصة عبر نشاطه ، بل وارتباطه أحياناً بالسوق الإسرائيلي ، مما عزز بروز الأنانية والمصالح الفردية الاستغلالية – الطبقية - لمعظم أطراف أو مكونات القطاع الخاص الفلسطيني ، كمظهر يشكل أحد أهم سمات ومكونات الغالبية العظمى من مؤسسات هذا القطاع ، ومما شجع على ذلك مناخات الفساد والفوضى والرشوة والمحسوبيات والخاوات من ناحية ، والطابع الفردي شبه العائلي لمؤسسات القطاع الخاص من ناحية ثانية، الأمر الذي ساهم في اعاقة تطورها الرأسمالي التراكمي ، وأعاق تطورها التقني ، مما ساعد على توسع هذه المؤسسات أو المنشآت الصغيرة بما يتناسب مع طابعها الفردي المتخلف شبه المنغلق ، فقد بلغ عدد هذه المنشآت عشية الانتفاضة وفرض الحصار في أواخر أيلول 2000،( 68053 ) مؤسسة يعمل فيها ( 204 ) آلاف مشتغل ، هبطت الى ( 66193 ) منشأة عام 20019 ، وهبط عدد المشتغلين الى ( 203 ) ألف عامل ، أما بالنسبة لتوزيع المنشآت  حسب النشاط الاقتصادي كما يلـي : 58% في التجارة ، 22% في الصناعة 20% في القطاعات الأخرى ، أما العاملين في هذه المؤسسات الخاصة ، فقد بلغت نسبة العاملين في التجارة 37% وفي الصناعة 36% وفي الزراعة والأنشطة الأخرى 27% ، والملفت للانتباه أن نسبة العاملين بأجر في قطاع التجارة حوالي 20% فقط من إجمالي العاملين فيه – حسب ماس/ المراقب الاقتصادي / العدد السادس .

وبهذه المناسبة ، ومع الإقرار بمسؤولية العدو الصهيوني وحصاره وعدوانه المستمرين ، كسبب هام من أسباب التراجع والتدهور الاقتصادي وغيره ، إلا أننا يجب أن لا نغفل دور السياسات الداخلية عندنا طوال العشر سنوات العجاف الماضية عموما وسنوات الانتفاضة الثلاث الأخيرة خصوصا ، التي عمقت مظاهر الخلل والهبوط في كافة القطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام على حد سواء، بما يستدعي العمل الجاد صوب تفعيل العملية التغييرية الديمقراطية الداخلية التي يجب أن يرتكز محورها أو جانبها الاقتصادي ، على المفاهيم والخطوط العامة للاستراتيجية التنموية التي يجب العمل على بلورتها وتبنيها للخروج من هذا المأزق الحاضر إلى المستقبل، وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحا لمجموعة من الأسس المكونة لهذه الاستراتيجية :-
أولاً : حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص ، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وادارتها ،  كهدف وطني يستحيل بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانياً : خلق مقومات اقتصاد المقاومة و الصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة ، وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي –بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسؤول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة و إلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله و أنواعه و أساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا .
ثالثاً : فك الارتباط و التبعية و التكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف هذا التضخم في حجم الواردات ، وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية ،  ووقف عمليات الاستيراد غير المباشر من السوق الإسرائيلي ، الامر الذي يعني إلغاء بروتوكول باريس .
 رابعاً : التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة و الزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد و إرساء استراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي.
خامسا: وضع سياسة تنموية زراعية آنية و مستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي و البنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.
سادسا : مراعاة الحفاظ على ثبات الأسعار للسلع الأساسية الضرورية للفقراء و رفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
سابعا : تطوير دور القطاع العام و التعاوني و المختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بما يدفع الى توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، على نحو يؤدي الى إيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحليين من ناحية، ويسهم في ضمان معدلات عالية –نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين –الزراعة والصناعة- من ناحية ثانية. وفي هذا السياق فإن من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني د.يوسف صايغ إذ أن هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية السياسية معا تقتضي من كافة المسؤولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.
ثامنا : إنشاء و تفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة و المختلطة لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي الى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في بلادنا.
تاسعا: العمل بكل جديه ، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة ، من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. وكذلك التركيز على فتح سوق العمالة العربي ، في مختلف البلدان ، أمام العماله الفلسطينية ، الماهرة وغير الماهرة ، وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان ، دون ان يؤثر ذلك اطلاقا في هوية الفلسطيني او يتخذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة او الإقامة الدائمة في وطنه ، علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب اكثر من ثلاثة ملايين عامل أجنبي سنويا ، في حين ان أعلى معدل للبطالة عندنا في فلسطين لا يتجاوز 10% من هذه العماله الوافده الى هذه الدول من الهند وسيريلانكا وباكستان وايران !!؟ .
عاشرا: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات ، رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم .

إن هذه الرؤية، أو الخطوط العامة الأولية المقترحة، لا بد لها لكي تملك مقومات التغيير الإيجابي المطلوب، أن تتبنى منهجا علميا، وفلسفة ذات مضمون وطني وقومي، تقوم على الإيمان العميق بوجوب تمتع شعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته الأساسية وممارسته لها، كمقدمة تؤدي الى وقف تراكمات الأزمة الراهنة ، وتفاقم تناقضاتها المحكومة بثنائية غير منطقية أو منسجمة، تتراوح بين فردية القرار وأحادية الخطاب في السلطة وأجهزتها من جهة، وبين جماعية المعاناة والتضحيات والآمال الكبيرة من جهة ثانية، وبالتالي فإن إلغاء هذه الثنائية المتناقضة هو سبيلنا الوحيد نحو نظام الحكم الديمقراطي الوطني، العادل والقوي، الممتلك للفهم السليم والواضح لوظيفته الجوهرية بشقيها: الوطني والديمقراطي الداخلي بما يضمن رسم السياسات الاستراتيجية المعبرة عن مصالح جماهير شعبنا، بمثل ما يضمن أيضا، توجيه وزارات ومؤسسات وأجهزة السلطة نحو تحقيق تلك السياسات أو الرؤى في الاقتصاد كما في السياسة، بكفاءة عالية تخدم أهدافنا وثوابتنا الوطنية العامة بمثل ما تخدم وترتقي بأهدافنا المطلبية الداخلية دون أي انفصام بينهما.
على ان تطبيق هذه الخطة الاستراتيجية مرهون بعملية تغيير جدي وعميق في كافة مؤسساتنا من جهة، ومشروط بتمسكنا بثوابتنا الوطنية الفلسطينية وبتعزيز خيار شعبنا الفلسطيني في إقامة نظامه السياسي المستند والملتزم بآليات ومفاهيم الديمقراطية التي تقوم على التعددية والحرية، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وسيادة القانون وقواعد المحاسبة ضد أدوات ورموز الفساد من جهة أخرى، إذ ان تطبيق هذين الشرطين في إطار الرؤية الاستراتيجية سيمكننا من الحديث بثقة عن تحقيق أهم هدفين من أهدافنا الوطنية على الصعيد الداخلي هما:-
1- محاسبة رموز الفساد والاستبداد، ووقف استخدام السلطة، من قبل الكثير من رموزها، كجسر لجمع وتراكم الثروات الطفيليه غير المشروعة على حساب قوت وحياة الجماهير الشعبية، حيث أدى هذا الاستخدام الأناني البشع، الى فقدان مساحات واسعة من جماهيرنا لدورها وحريتها، إن على صعيد ممارستها لحقها في نقد ومواجهة مظاهر الخلل الداخلي أو على صعيد حقها في الحياة والاستقرار.
2-تقوية وتعزيز الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته على الصمود والمقاومة حتى طرد الاحتلال وتفكيك وإزالة مستوطناته على طريق الحرية والدولة المستقلة والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرض كتاب : الليبراليــة المستبـدة دراسة في الآثار الاجتماعية ...
- دور القوى والجماهير الفلسطينية في مجابهة تحديات الحاضر والمس ...
- الواقع الراهن للاقتصاد الفلسطيني وآفاقه المستقبلية
- التنمية والمقاومة بين التناقض والتكامل
- الأوضاع الفلسطينية في ظل الانتفاضة الثانية والعلاقات الدولية ...
- المجتمع الفلسطيني في انتفاضة الأقصى
- العولمـة وطبيعة الأزمات السياسيـة/الاقتصاديـة/الاجتماعيـة في ...
- أزمة حركة التحرر القومي العربي الراهنة وآفاق المستقبل
- المرأة الفلسطينية ودورها في التاريخ الحديث والمعاصر
- ورقة مقدمة للحوار حول : مشروع منتدى الفكر الديمقراطي الإشترا ...
- العولمة وطبيعة الأزمات السياسية الاقتصادية الاجتماعية في الو ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...
- التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني والأزمة الاجتماعية في ...


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - ورقـة :حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن