ممدوح رزق
الحوار المتمدن-العدد: 2126 - 2007 / 12 / 11 - 08:27
المحور:
الادب والفن
لمدة طويلة
وقبل أن يصمت نهائيا
ـ الصمت الذي امتد لسنوات حتى موته ـ
ظل أبي يصرخ في أمي :
ـ هل تتذكرين ... ؟
ثم يحدق في وجهها بلهفة
منتظرا أن تفهمه
، ويصرخ ثانية :
هل تتذكرين ... ؟
ثم يحدق في وجهها ...
ظل هكذا
لا يكمل سؤاله أبدا
وأمي لم تفهمه
كانت تعرف فقط أن للزهايمر بالتأكيد حكمة إلهية باطنها الرحمة
لذا كانت تربت على كتف أبي حتى يهدأ وتقول له :
ـ نعم .. نعم .. أتذكر .. لا تحزن .. نعم أتذكر .. لا تغضب ...
أنا أيضا لم أفهمه
إلا بعد أن غادر هو وأمي الدنيا
وغادرت أنا البيت
إلي بيت آخر وامرأة أخرى
وبعد أن مرت سنوات كثيرة
جعلتني مثل أبي تقريبا
وتحولت الحياة إلى ..................................
.........................................................
..........................................................
كيف لم تفهمينه يا أمي ؟!
أبي كان يريدك أن تفتحي الدولاب
وتخرجي الحقائب القديمة التي لم تُفتح منذ زمن طويل
وتأتي له بالصور الأبيض والأسود كي ينظر إليها ...
كان يريدك أن تحكي له عن سيركما معا على شارع البحر
قبل أربعين سنة
وعن جلوسكما اليومي في الماضي داخل الشرفة
من العصر إلى المغرب لشُرب الشاي ...
كان يسألك عن التواريخ التي لم تعد سوى أرواح شريرة
تعذّب أصحابها طوال بقاءهم أحياء
حتى يصبحوا موتى
فتحصل على سلامها الأبدي حين تتحول إلى أرقام محفورة على شواهد القبور ...
كان لا يملك إلا التحديق في وجهك
ويريدك أن تعيدي إليه الحياة
ليس لمجرد أنه لم يكن يعرف أين ضاعت منه
أو كيف ولماذا ضاعت
ولكن لأنه أيضا لم يكن يعرف ماذا كانت أصلا ؟!
#ممدوح_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟