|
مفاعيل الذاكرة واستنطاق الكلمات في نص - ترمل ذاكرة - للكاتبة العراقية عالية طالب جبوري
أمل فؤاد عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 10:54
المحور:
الادب والفن
مفاعيل الذاكرة واستنطاق الكلمات في نص ترمل ذاكـرة للكاتبة العراقية عالية طالب الجبوري
من جملة تفاصيل الوعي الجديد هو حرصه على أن لا يكون حريصا .. ومن ثم تصبح الكتابة هي نوع من التلقي القسري لمفاهيم الوعي الباطني الذي يكشف عن نتوءاته وسوءاته العليلة والتي في ذات الوقت توظف هذا الكشف لتحليل بنية داخلية تستقطب اليها أو حولها جملة الأحاسيس والمشاعر لتفهم مردود هذا الكشف وتعليله بما يجب من منطوقات مفاهيمية تمنح للحضور شفافية تعين على استقراء كافة التفاصيل بإحساس مغاير للألم أو هو بمعنى آخر كشف يكشف في ذاته عن منطقة غائرة تتفهم منطوقها حين حصره في جملة من التعبيرات والاسترسالات المنسابة من خلال السرد او القص او حتى أبيات شعرية .. نقول أن هذا الوعي أصبح يفرض نفسه كلما ازداد الإنسان وعيا بمناطقه المعتمة وتخليه عن فجوره وقسوته في تحسس نتوءاته لتصبح لغة الكشف معنى يضيف للمعنى إنارة وتوضيح .. من هنا تسللني نص الكاتبة العراقية عالية طالب الجبوري " ترمل ذاكرة " وهو نص نتحسس من خلال هذا الترميل غير القصدي الذي وصفت به الكاتبة الذاكرة انعكاس لفعل القراءة ذلك أن النص ما هو إلا محاولة استقراء ذات خلجات عالية الحضور تعني بالتفاصيل الغائبة بأكثر مما تعني بالتفاصيل الحاضرة .. لتصبح الكلمات ممرا او معبرا لغائب هو في حد ذاته سر الانتظار الذي يغلف القصة او بنية النص .. هذا الغائب لعله كشف الذات عندما نتوسم التعامل معها بمواجهة صريحة بلا مقدمات تبريرية , ولربما هو اليقين أو الانتصار الأخير بإطلاقه الإنساني.. هي ما سعت إليه الكاتبة من خلال ما قدمته من صياغة جديدة مباشرة لتيار الوعي .. وما هو بتيار لاواعي بقدر ما هو وعي لهذا التيار الباطن .. على اعتبار ان توظيف تقنيات السرد في إفساح المجال للقبض على قفزات الشعور هو من الوسائل التي تصيغ إمكان للتجرد .. أو تقديم كتابة ذات صبغة مجردة رغم ما يغلفها من تفاصيل مباشرة محسوسة ومادية .. لربما هو التجرد من أردية الشعور الظاهر الى حيز الشعور الباطن .. ليس فقط لنقرأها إنما لتقدم لنا تفسيراتها ومبرر حضورها .. تتفرد مقدمة هذا النص بتقديم مباشر لموقف إنسان شامل او عام .. رغم لحظيته بمعنى أنه لحظة وعي بقرار .. للغوص في بناء من أصعب الأبنية .. تأخذنا الكاتبة / بطلة السرد إلى عالم من أخص العوالم على بساطته .. هو عود على بدء حيث ينتهي مطاف القدوم إلى حيث زمان / مكان المواجهة .. هو المبنى .. على أن هذا المبنى الذي يقف على مقربة منها ماهو إلا مبنى الذات هروبا منه لتعود اليه .. وهذه العودة ماهي إلا محاولة لإعادة القراءة .. تحققا من فعل الانتظار الذي يغلف الكلمات وما سره الكامن فيه سوى أنه يحقق تواصلا بنيويا مع الذاكرة التي اتخذت الكاتبة منه عنوانا أساسياً .. ورغم ما نستعشره من إنكسار إلا أن هذا الانكسار ماهو إلا خديعة اتخذتها الكاتبة لنعرج معها محطاتها التي تحاول استدراك اليقين عندها ورغم ما توحي بها العبارات من سقطة وتراجع ترهبنا في الخاتمة المنطقية جدا بذلك الاكتفاء الذي استشعرته وتتساءل حوله وكأنها توقف القارئ على ما تكشف لها للتأكيد وليس للنفي فالسؤال في خاتمة السرد ما هو إلا فجيعة للقارئ بمعنى أن الكاتبة أفجعته او صرعته بما طرحته عليه من سؤال كان جوابه ضمنيا داخل السرد .. في حقيقة الامر أن استكشاف البعد النفسي في أي نص يتطلب قبل مهارة القراءة وإن كانت ضرورية بالطبع .. يتطلب مهارة الكتابة ومن ثم صياغة الجذب والتفرد ومن ثم القدرة على تخطي الثقافات المكتسبة لتكشف الكتابة عن ثقافة الفطرة .. وهي ثقافة تعين على قراءة جدية وجادة .. تتيح مجالا من الكشف الذي لا يخلو من عدم البراءة .. وأقول عدم البراءة بمعنى أنها تراوغ القارئ حتى تأخذه الى مناطق بلا افتعال او أغطية .. لأن المهمة فيها هي الكشف عن الوعي أو الذاكرة المحملة بالذنب أو هي تمهيدا لفكرة الخلاص من الذنب .. ونجد هنا أن حواء تمارس طقس التعفف من خلال الكتابة النموذجية لتعطي لها مكانا وإمكانا ليس فقط في تلقي ما تفرزه الذاكرة إنما فيما يجب أن تأخذه من موقع وفاعلية في تلقي الكلمات والبوح بها أو التعبير من خلالها عن الدخول / الخروج من قالب أو مبنى الذات / النفس .. فمغزى القصة في نهاية المطاف هو هذه المحاولة التي تقع بين قطبي إرادة فاعلة ومنفعلة إلا أنها أيضا يستقطبها قطبي الإمكان / المستحيل .. لينتصر مزيج مركب منهما في معنى السؤال والوقوف عنده كخاتمة افتراضية تنتظر الجواب كل حسبما يتاح من كل قارئ .. إنه قرار موقوف على القارئ ومتروك له بعدما تعرى من خلال السطور ذلك التأرجح ما بين سؤال وجواب .. فقد أكثرت علينا الكاتبة علامات الاستفهام حول ما تراه وتلقاه وتتلقاه في آن وكان غايته تحصيل فعل السؤال الختامي كحدث فعلي وناتج ومنتوج في آن لفعل السرد على إطلاقه وبجزئياته وتفاصيله .. في النهاية نقول أن في هذه الأعوام وفي ظل الكثير من التحولات والتغيرات والكثير من السوادات والظلمات .. أصبح الكاتب يعي مفردة التضليل وايضا فاعلية ظلال الحرف والكلمة مما بات معه يتحمل مسؤولة عدم المباشرة في تناول صياغة عالمه الإبداعي حتى يتمكن من إثارة الأسئلة على طريقة التلقي غير المباشر وما ذلك إلا لأن الطرق المعبدة احتملت من البهتان بأكثر مما يجب .. فأصبحت الكتابة إعجاز بأن أتخذت لها ممرات عابرة لحدود الوعي الجاهز .. بأن تحفر لنفسها أمكنة هي في ذاتها تعتبر من حفريات الذوات التي تعرف الى أين تذهب وإلى ماذا تهدف . النص الأصلي " ترمل ذاكرة " للكاتبة العراقية عالية طالب جبوري
ما أن وطأت قدماها باحة المكان حتى بدا شعور بالهزيمة يغتال خطواتها، وألم مزعج يطوق عينيها، وغبار هائل يجول داخل رأسها مختلطاً بأصوات غريبة تشق حنجرتها وتعلو فتخطف تفاصيل من ذاكرتها وتسقطها تباعاً أمام عينيها، فيما يستمر الألم يضغط برعب حول أنفاسها. تعود بعد قرار حاسم استطال ليبتلع إصرارها، وكيف ستجيب التساؤلات وضحكات الانتصار عليها، وتلك العبارات المغلفة بسياط لن يكون بإمكانها استئصال تسللها إلى أذنيها. تطلعت باتجاه المبنى الذي بدأ يقترب سريعاً، سنوات طوال أضاعتها داخل جدرانه، وجوه وأحداث وحوارات وتحمل ونزاعات شاركت فيها كلها، وتحملت معظمها. فلم يكن أمر تعايشها وسط الآخرين يهمها كثيراً، بقدر ما يهمها الإحساس بالانتظار الذي روضت نفسها عليه. ترى ماذا تنتظر؟... سؤال اعتادته، واستمرأت عدم الإجابة عليه، يكفيها شعورها بالانتظار فربما سينتهي كل شيء يوماً ما، في أية لحظة. كان هناك شيء من مشاعرها ينتهي وتهتف لسقوطه دون أن تفهم كيف يحتفل المرء بزواله بكل حياد العالم. ويوم شعرت أن لم يعد لديها ما تسقطه، لم تتعب كثيراً بالبحث، فقد اكتشفت أنها لم تكن تحتفل بخوائها إلا لتبقي شعور انتظارها متوحداً فيه، ستسترجع كل ما ابتهجت لزواله ودفعة واحدة. سيعود؛ هي واثقة؛ يوماً ما ستراه أمامها حاملاً كل سنوات وحدتها بكفن جميل سيدفناه سوية، سيختاران قبراً جميلاً، ولن تبخل الأرض يومها بكل ترابها الذي حفظ وقع خطواتها وحيدة! ما بالها تخاف الاقتراب، ومن أين يأتيها هذا التوجس المريب، مما تخشى؟ النظرات التي اعتادت ذبولها، همس الإحالات السقيمة كثيرا ما حملت أثقالها، الاستهانة، وعلام كل ذلك؟ وهل بقي لديها بعض الإحساس بالألم لم تسقطه أمام توحد انتظارها ليعود اليوم شاهقاً يثقل خطواتها... أي انتظار جديد ستزاول، وكم من السنوات سيبقى عليها ترقبها واستمرار إحصاء تلك الهالات الزرق تحت عينيها، وآثار حدة التمزق المرسوم حول شفتيها كثيرا مما جعلاها تفكر بالتخلي عن ذلك الألم اللذيذ الذي يلاصق ترقبها. إلا أن تراجعها كان يجد دوماً ما يقتات عليه، فتعاود شطب كل ما أحصته من خطوط شاحبة فوق وجنتيها. يوما ما في زمن ما، أضاعته، نعم..؟ بكل غباء العالم فعلت، وسؤال قديم تتذكره كل لحظة: لماذا؟ أما كان يمثل حلماً تتمناه؟ وبغباء منها قررت أن تبقيه كذلك، نعم مؤكد أنه كذلك. ما أكثر ما رددت: ( لابد للحلم أن يبقى حلماً).. لذا أضاعته، فما كان بإمكانها أن تمسك بحلم لتجعله حقيقة حتى لو أضنت ذاتها بالبحث عنه... عملية غبية، لكنها أحيانا تقف صادقة مع نفسها حين تقودها إلى الأثر الحقيقي لكل ما أقنعت به واقعها ليشكل سبباً يجعلها تفقده، في داخلها كان هناك الصدق الذي عاشته لحظة ألغت فيها كل ذاكرتها التي تحجز سعادتها، وحين اقتحمتها ثانية حملت جسدها بعيداً عنه رغم ما استردته في تلك اللحظة من سنوات قحط شربته حد التسمم، وبح صوتها ملتاعا. - كيف سأتخلص من تلوثي؟ استدارت بسرعة خيل إليها أنها صرخت بعبارتها وهي تعاود النبرة القديمة ذاتها، فيما خطواتها تستمر حثيثاً باتجاه المبنى، اطمأنت أن لا أحد وراءها، كان المبنى قد اقترب أكثر ولم يبق لها إلا خطوات قصار. هو أيضا استدار يومها بعيداً، صدمته عبارتها، وبدا شعور بالتمزق يعلوه، لم يكن الأمر بيدها، شيء ما انكسر داخلها تشعر أنه سيجعلها تخجل من حمل جسدها بين الآخرين، بصماته سيراها الجميع، وأنفاسه ستطوف وراءها أينما حلت، وكل من يحيطها سيعرفها، وليسوا بحاجة لتحديد اسمه هي رائحة رجل غير شرعية. ولم تصرخ خوف أن تصدق صوتها - أيتها الشرعية - أنتِ تعذبينني، ودونك سيعذبني الآخرون. دخلت المبنى وشعور بالغربة يملأها، لم يكن الوجه وراء المنضدة مألوفاً لديها، اقتربت أكثر وهمست باضطراب، لم يسمعها الموظف جيداً، عاودت السؤال وهي تستذكر أسماء عديدة يبدو أن بعضها مازال موجوداً، كانت تلهث ودون أن تفهم ما يتعبها أهو ضعف ذاكرتها أم العودة للصراع مرة أخرى؟ وحاصرها شعور إرهاق عارم طوقها دون رحمة، فارتمت على أقرب مقعد قبل أن يكمل الموظف عبارته التي دعتها للانتظار، وشعرت ببعض راحة حين عاود الموظف أمامها حديثاً مع جليسها. أكان عليها في ذلك اليوم الذي هربت فيه من كل ما تريد، أن تسال لماذا ؟ مثلما استمرت تسأل نفسها كل يوم أكان ضعفاً حقاً عليها دفع ضريبته، أم كان نقاءً لم تحتمله وهي تدور داخل دوامة آثام لها صفة شرعية. صادقة هي مع نفسها حين تسترجع لحظة اتحاد روحيهما، فتسميها نبوءة عاشقين... وجريحة هي حين تلعن جسدها الذي ينزف ذاكرة مليئة بندم لا تعرف من أين يأتيها فيهشم كل إصرارها على النسيان. وفي كل هذا كان يقيناً ينز في داخلها ثائراً، إن هي إلا لعبة غبية، لكنها لم تكتشف حجم الألم الذي باستطاعة تلك اللعبة أن تسببه إلا بعد أن عاشت فيها بكل لوعتها، وضغط مشاعر الكبت الموجع المتأصل فيها، ولوثة البحث عن ماهيتها، وعطش الجفاف الذي غزا مساماتها، ونزف الألم الذي لا تعرف من أين يطبق عليها، ورغبة اتحاد دون ذاكرة نازفة، ولهفة نسيان قبل تذكر مؤلم وتصرخ حين تفقد ذاكرتها. ( كانت لحظة نقاء فقدت داخل واقع مشوه ) يبدو لها صوت الرجل الجالس قربها مهشماً، لا تدري لماذا؟ إلا إنه كذلك يبدو إنه مثلها عليه أن يقول الكثير، فيما هو لا يجد ما يقوله لنفسه. ماذا ستقول لهم بعد قليل، وما أدراها أن عليها أن تقول شيئاً، ربما من بقي منهم لا يهمه الأمر. أياماً طويلة مرت، من المحتم إنها غيرت فيهم اللهاث وراء أجوبة لا تعنيهم. وإن سألوا فما الذي يخيفها، ألم يحاصروا جوابها يوم قررت الرحيل بذلك السؤال المتوقع؟ لماذا تختفين؟ واسمك بدأ يظهر عليه جهد السنوات التي صنعته... ألم تجبهم حقاً، ألم يلحظوا إجابتها بتلك الابتسامة الشاحبة التي غزت وجهها؟ أن تكسر ذلك الطوق الرهيب فوق شفتيها لتتعب أجوبة. ليوم واحد فقط توسلت ابتسامتها الميتة أن تساعدها لتقول واعية كل ما لديها دون تردد، كانت ابتسامتها تصم أذنيها، ( أي اسم تراكم تتوهمون، هل ساعدني بالوصول إلى نفسي التي أراها تغرق دون أن أمد لها يدي، كل ذلك اللمعان الذي تتحدثون عنه لم يجذبه، عملت في كل الصحف عله يقرأه لامعاً كما تقولون فيأتيني، لكن السنوات بدأت تنتهي، والاسم يلمع وأنا انطفئ أملاً... معادلة غريبة أليس كذلك؟ أنا أذوي كلما سمعت حديثاً عني، وأسأل بعذاب موحش؛ ألم يقرأه للآن، ألم يعرف إنني أكتب له. في كل ما كتبت؛ في الحب، السكن الحياة، الجريمة، الرغيف، المجانين الأمية، السياسة كل شيء علني ألقاه. ويبقى سؤالكم مع أسئلتي دون ) بدأ صوت الرجل جوارها يشعرها بالانتماء؛ لا تعرف كيف ينبع، ولم تتطلع نحوه، ولم يفعل هو الآخر، كان ينتظر جواباً يأتيه مع موظف آخر ذهب حاملاً سؤاله، وصوته يذكرها بشيء ما لا تتذكره، ينبع من زواية يؤكد لها حدسها إنها داخلها، لكن من أين، لا تستطيع التحديد بدقة، إلا إنه مستمر بالتسلل إليها دون قيود ... دون قيود كما قالت له يوماً حين سألها ونظراته يبدو فيها الانبهار: كيف تكتبين؟ أجابت وهي تطوقه بذراعيها : أمسك القلم فيقتادني دون قيود ... ويضحك وهو يعلم أنها تجامله، وترتاح فوق صدره وهي واثقة أن لولاه لما كان هناك قلم يقودها، ولا حرف يشع داخل رأسها. علا صوت الرجل مفعماً بتهشم أكبر وهو يقول: - ستكون هذه أخر مرة، عليّ أن أرحل غداً دون إبطاء. سأخبرهم لماذا رحلت أنا أيضاً، ولماذا عدت، كلهم يضعون في رؤوسهم حلماً يأخذون منه مداد أقلامهم فيبدعون، أنا أضعت حلمي يوم هربت، ولأعاود البحث عنه أبحث من جديد، أي عذاب، كل سطر أكتبه كان بحثاً نازفاً بأيام انتظار تليه، ويوم قررت الرحيل لم يكن قراراً بالتوقف عن الترقب، بل كان تعباً أرهق حتى أحلامي التي بدأت تموت تباعا. لكنه لم يساعدني، نعم هجرت المدينة والقلم والأصدقاء، ثم ماذا، كل ما بقي عندي هو شعور بالانزواء، أتحدى أياً منهم أن يقول إنه لم يشعر به يوماً، ومعي آه؛ كان قاتلاً، لم يهدأ بحثي ولا انتظاري ولا غربتي ولا صخب ذاكرتي، لذا قررت عدم التنازل عن انتظار بحثي مجدداً. نهض الرجل جوارها، خطواته تقوده إلى اللا شيء، راقبه موظف الاستعلامات بإشفاق وهمس. سيعود مسرعاً ربما معه جواب جديد. عاد الرجل للارتماء فوق مقعده، شعرت بالحاجة إلى سماع صوته مجدداً، لكنه لم يتكلم، في صمته صوت تسمعه هي دون شك، أي صمت هذا المليء بالأصوات. تطلعت نحوه بلمحة خاطفة.. ولم تستطع تحديد من أين له كل هذا التهشم الذي يطغى على صوته، وحين رغبت بالتزود بنظرة أخرى؛ كانت ذاكرتها قد عاودت تسلق وجودها مرة أخرى. عشرون سنة على أخر مرة، أي تكدس رهيب، ترى أسيعرفها لو رأى ذلك الانطفاء الغريب في عينيها، وهل ستعرفه بعد أن نسيت حتى صوت تكسر صوته الذي أحبته هكذا؟ ولم يبق لدى أذنيها غير شعورها بأن في صوته شيئاً مميزا، لكنها لم تعد تذكره بوضوح.
نهض الرجل بوثبة واحدة ما إن دخل موظف الاستعلامات الآخر وارتفع صوت التهشم في صوته: - هل من جديد عنها؟ - ألم أخبرك، أنت من تصر بدا الرجل واهناً بحدة أزعجتها، استدار ببطء يجرجر جسداً باتجاه البوابة، لم يكن صوته الشيء الوحيد المهشم فيه الآن، كل ما فيه يبدو كائناً خرباً... وفجأة، اكتشفت من أين يأتيه ذلك الصوت الذي اقتحم ذاكرتها ... نعم.. مؤكد لديها ذلك الصوت.. لم تتحرك فيما هو يكاد يصل البوابة.. بل شعرت بغيظ يكاد يخنقها.. كان بعض غربة وأكداس توحش.. وخوف، خوف مقيت طالما أحاطها.. وقاومت رغبتها التي تكبر للتزود بنظرة أخرى، فيما خطواته تأخذه بعيداً. لم يستدر، ولم يفلت الوهن الذي يسير معه، ولم تسأل نفسها أهو اكتفاء مريح غزا كل مساماتها بسيل انبثق من كل مكان؟!.
#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين انغلاق النص وانفتاح المعنى في - الخطايا العشر - للكاتب إ
...
-
شفافية 3
-
شفافية 4
-
شفافية 5
-
شفافية 6
-
وسيم ..
-
قد تقترب ساعة .. الملاذ
-
سورة الكهف .. مشاكلة الهدم واعادة البناء
-
تشوف ..
-
من يسكنون .. انبعاثي
-
من مفاهيم الإيمان .. الإيمان والتقوى والإحسان
-
خلفية الستارة
-
شفافية .. 2
-
وجع .. امرأة 4
-
وجع .. امرأة 5
-
شفافية ..
-
وجع .. امرأة 2
-
وجع .. امرأة 3
-
الحلم والنهر والحنظل .. قراءة نقدية للكاتب المصري / محمد ندي
...
-
قراءة جديدة لانعتاق الروح .. تجربة ذاتية 9
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|