|
خطأ شائع في كتابة و فهم التاريخ.
أحمد الحادقة
الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيرا ما تعوق الانتماءات الوطنية ، كتابة و فهم المنهج التأريخي بشكل أقرب للحياد و الموضوعية.
فأثناء الحروب و الصراعات ، عادة تتخذ الدولة المهزومة أمام الشعب مبررا لهزيمتها. فقد يكون هذا التبرير ، تحريفا في موضوع و حقائق حول بعض الأحداثز و قد يكون مجرد لي عنق لبعض الأحداث عن طريق النظر إليها من زاوية أخري غير الزاوية المطلوبة .. أو إستخدام ألفاظ و شعارات رنانة لها تأثير علي كيفية إستيعاب الجمهور العادي لتلك الأحداث التاريخية.
و هذا ، يفرق بين الحكام الديكتاتوريون ، و الحكام الديموقراطيون ، في كيفية تعاملهم مع المعطيات التاريخية ، أو الأحداث التي ستصبح تاريخا فيما بعد. فالديكتاتوريون ، لا ينظرون إلي التاريخ كمنهج علمي موضوعي يضع الأحداث بشكل تسلسلي مترابط ، أقرب للموضوعية ، و خالي من أي تعصب ... بل ينظرون إليه كوسيلة أساسية للوصول إلي مرحلة عليا من الوطنية ، تفيد الحاكم و تحسن صورته أمام العامة ، و تسخر له الشعب لتلبية مطالب تندرج تحت الوطنية المزيفة. فمثلا ، خطاب تنحي الرئيس المصري السابق "جمال عبد الناصر" بعد هزيمة 1967 ، يضع الجمهور العام أمام إختيارين: 1. إما التضحية بالرئيس ، و بذلك الاعتقاد بالتضحية بأرض سيناء بعد إحتلالها. 2. أو التمسك به ، و نسيان مسؤوليته الكاملة عن الهزيمة ... و هذا ما حدث ! فالرئيس هنا ، خاطب العامة بلغة العاطفة. و قد سجل التاريخ هذا الحدث و ركز علي وطنية الشعب المصري و إرادته في إبقاء الرئيس .. و لم يشر التاريخ إلي إستراتيجية الرئيس في تأثيره علي الشعب عاطفيا كي لا يحاكمه يوما و يضعه أمام المسؤولية. و لذلك ، فجمال عبد الناصر ، هو شخصية وطنية مصرية ، بناها الوهي الوطني المتأثر بالخطاب العاطفي أثناء أوقات و أحداث معينة.
و نفس الوسيلة في تغييب عقول المصريين حول السبب الرئيسي في انتصار حرب أكتوبر 1973. فغالبية الكتب التاريخية ، توضح ان مصر انتصرت عسكريا علي إسرائيل .. مما أعطي انطباعا خاطئا علي أن الجيش المصري يتعدي الجيش الاسرائيلي في القوة. و المعروف و المثبوت هو عكس ذلك ... و أن الانتصار جاء من الناحية السياسية عن طريق مفاوضات و اتفاقيات في وجود شروط معينة من قبل القوة الكبري و المسيطرة (إسرائيل).
و هنا يتضح الوعي الديموقراطي ، و الوعي الديكتاتوري في عملية التأريخ .. و من ثم ، فهمها.
فالوطنية ، تضع شخصا ما ، أو حدث ما في هالة قدسية تمنع التقرب منها. و هذا ينزع عن الكتابة التاريخية أي موضوعية و حياد .. لأن التاريخ كمنهج علمي ، يجب ان يعتمد علي الرؤية النقدية للأحداث و الشخصيات .. و ليس التمجيد.
فالآن مثلا في مصر ، بعد عرض مسلسل "فاروق" ، الذي يتناول قصة حياة الملك فاروق منذ ولادته ، و حتي رحيله عن مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، تغير الكثير في وعي الجمهور العام حول شخصية الملك. فالكثير من الناس ، كانوا يظنون هذا الملك ، دائم في شرب الخمر ، و معاشرة نساء بشكل شرعي. لكن بعد عرض هذا المسلسل ، نظروا إليه كشخص وطني لم يكن بفكر سوي في الوطن. في نظري ، تلك النقاط التي تبدو متناقضة ، ليس شرطا أن تكون كذلك. فأحدها خاص بالحياة الشخصية .. و الأخري خاصة بالحياة العملية تجاه الوطن. هذا سبب رؤية متعصبة لشخصية الملك .. كأنه ملاك يمشي علي الأرض و يحكم مصر. و في نظري ، ليس من المستحيل وجود تلك النقاط في نفس اللحظة. فالحاكم ، ليس إما ملاك ، أو شيطان.
طبعا أنا هنا لا أحكم علي إطلاق علي شخصية الملك. بل أنا فقط أؤكد ان الوطنية تؤثر سلبا علي فهم و إستيعاب التاريخ ، موضحا ان مثل هذا العمل الفني ، لا يمكن ان يتخذ كمرجيعة تاريخية لتلك الحقبة التاريخية في مصر الحديثة. بل يكفي فقط كأداة لنشر نظرة جديدة من زاوية مختلفة لتلك الفترة. و هذا لأن المسلسل ، لم يناقش شخصية الملك من ناحية موضوعية نقدية .. بل ناقشها من ناحية وطنية ، و وضعه في هالة قدسية كبيرة.
فأنا أطلب من كتاب التاريخ في الوقت الحالي ، أن يراعوا هذا النقطة المهمة في كتاباتهم .. أي التفرقة بين المنهج العلمي النقدي للتاريخ .. و بين الوطنية و القدسية الانحيازية.
و من هنا ، يتغير فهمنا المطلق لكثير من الأحداث ، و التي أصبحت مسلمات تاريخية.
يحضرني هنا مثال ، و هو نظرية "المعجزة اليونانية" ، التي تعتبر إنجازات الاغريق القدامي ، هي خلاصة عقل إغريقي خالص. و هذه نظرة وطنية قدسية ، تتناقض تماما مع أسس الاتصال الحضاري بين جميع الحضارات. فالحضارات ، دائما علي إتصال و إندماج ، إما بالصراعات ، أو التجارة ، أو الهجرة ، و غيرهم ...
فأن نزعنا الوطنية عن كثير من مخلفاتنا التاريخية ، حتما سنصل إلي نتائج نسئم منها و نرفضها معنويا .. لكنها بالتأكيد في غاية الأهمية لفهم واقعنا الحالي ، و مساعدتنا علي تنبؤ و توقع المستقبل.
#أحمد_الحادقة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض من أوراقي السوداء !
-
جحا يحكم الشعب !
-
إبليس يدافع عن نفسه !!
-
الرئيس المؤمن .... قصة قصيرة
-
الدين ، و العلم .... هل يصح الربط بينهما؟
المزيد.....
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
-
قادة الاتحاد الأوروبي يناقشون تعزيز الدفاع والإنفاق العسكري
...
-
توسك يعلق على تصريحات ترامب حول فرض رسوم جمركية على السلع ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|