"إن الأمر يشبه الى حد كبير ما حصل للسود في جنوب افريقيا. لقد رأيت إذلال الفلسطينيين عند نقاط العبور وعند الحواجز على الطرقات، يعيشون المعاناة مثلنا عندما كان رجال الشرطة من الشباب البيض يمنعوننا من التجول"(1). بهذا الكلام وصف الأسقف الجنوب افريقي دسموند توتو، الحائز جائزة نوبل للسلام، زيارته الأراضي المقدسة. فغالباً ما جرى التشبيه بين التمييز العنصري في جنوب افريقيا والوضع الاسرائيلي ـ الفلسطيني إنما دون الافصاح عنه بشكل واضح في أي حال. إلا ان بعض العناصر تجعل المقارنة مغرية حتى وإن لم تكن بهذه السهولة.
فالنزاع في الحالتين كان تاريخياً وليد الاستعمار. فالمستعمرون البيض في جنوب افريقيا، تماماً مثل رواد الصهيونية، قد استقروا في بلد يعيش فيه شعب آخر. وكما جرى بالضبط في جنوب افريقيا فان المستوطنين في فلسطين طردوا السكان الأصليين، بما يعادل ثلثي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في الأراضي التي ستصير دولة اسرائيل في العام 1948، واستولوا على أراضيهم وممتلكاتهم وفرضوا على من بقي في ما بات يسمى "الدولة العبرية" قوانين تمييزية. إلا ان الاقرار بالطابع الاستعماري لقيام دولة اسرائيل لا يكفي لإيضاح المعادلة مع جنوب افريقيا العنصرية. وقد لفت جرشون دهافير، أحد الوجوه البارزة في علم الاجتماع الإسرائيلي الحديث الى أنه إذا كان الرهان في النزاعين يقوم على السيطرة على الأرض، فان كليهما قد قام في ظل ظروف سياسية واقتصادية مختلفة كان لها أثرها الخاص في تطور كل منهما وفي العلاقات بين المستعمرين والسكان الأصليين(2).
وفي الواقع سوف يتصرف الوافدون الجدد بطريقة مختلفة إزاء الواقع الديموغرافي للسكان الأصليين الذين اصطدموا بهم. ففي فلسطين سعى المشروع الصهيوني الى إنكار وجود شعب أصلي من غير اليهود يعيش على هذه الأراضي(3) مثيراً قضية "شعب بلا أرض على أرض بلا شعب". وقد هدف الى فرض هيمنة ديموغرافية يهودية عبر طرد الفلسطينيين عامداً في الوقت نفسه الى إعاقة استقلال اقتصادهم البنيوي وخصوصاً استقلال يدهم العاملة. فقبل العام 1948 لم تكن هذه اليد العاملة تشكل أبداً أكثر من الثلث من مجمل العمال المستخدمين في القطاع اليهودي(4)، أما عشية حرب حزيران/يونيو عام 1967 فان هذه النسبة لم تكن تتجاوز الـ15 في المئة من اليد العاملة في إسرائيل(5).
وقد اختلف الوضع في جنوب افريقيا فبدلا من طرد السود فان المستوطنين البيض سعوا الى السيطرة عليهم واستلحقوهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وقد ظل السكان الأصليون هم الغالبية الكبرى بفارق كبير وشكلوا منذ مطلع القرن العشرين نحو 75 في المئة من اليد العاملة في البلاد.
وبقي الأمر حتى العام 1948 حين فرضت الأقلية البيضاء في جنوب افريقيا النظام العنصري المعروف عبر مجموعة من أشكال التمييز القضائي والاقتصادي والسكني. وفي صلب هذه السياسة برزت عملية الفرز في الأراضي، مع إنشاء احتياط من اليد العاملة يحدده البيض، وذلك في محميات واضحة المعالم حيث فرض على السود ان يعيشوا. وقد شكلت هذه المحميات 13 في المئة من مساحة جنوب افريقيا.
وما بين العامين1951 و1970 صدرت أربعة قوانين مهمة(6) بموجبها أصبح هذا الاحتياط العمالي يعرف بالـ"بانتوستان"، حيث منحت الحقوق ومسؤوليات "الحكم الذاتي" للسكان الأصليين الذين حصلوا على حق تحديد سياستهم الاقتصادية وإدارة شؤونهم المدنية كما حياتهم اليومية. وفي المقابل كان عليهم التعاون مع المستوطنين في إدارة جميع المسائل الأمنية من دون أن يطالبوا بسياسة خارجية مستقلة. وفي العام 1974 بدأ العمل بالجنسية البانتوستية ومنذ العام 1976 حصلت عشر مقاطعات بانتوستية على الاستقلال ليخسر سكانها بالتالي مواطنيتهم الجنوب أفريقية.
أما في اسرائيل/فلسطين فلم تقم أي بنية على الأرض للفرز بين السكان، اللهم من العام 1948 الى العام 1966 حين أخضعت الحكومة العسكرية عرب اسرائيل لأذونات تنقل ولمنع التجول وتخصيص أماكن السكن منشطة الاستيطان اليهودي عبر مصادرة أراضيهم.
ففي حين أن النظام العنصري طمع في الأرض مع سكانها فان الاسرائيليين أرادوا الأرض من دون شعبها. غير أن هذه الرؤية اهتزت مع حرب حزيران/يونيو عام 1967 والتي غيرت المعطيات الديموغرافية في النزاع. فقد ظل حوالى مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة (في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية) مشكّلين في تلك الحقبة ما يعادل ثلث الشعب اليهودي المقيم على مجمل الأراضي التي سيطرت عليها اسرائيل.
وبالرغم من أن الحكومة الاسرائيلية واظبت على سياسة ترحيل السكان، الطوعية أكثر منها الالزامية، فان غالبية الفلسطينيين اختاروا البقاء. فما العمل إذن؟ إن النظر في الحل الذي عولجت به هذه المسألة الأساسية هو الذي يساعد في فهم التشابه البارز أكثر فأكثر مع وضع جنوب افريقيا بالرغم من الفوارق التاريخية.
فبعد حرب العام 1967 زادت إسرائيل من عمليات "الاسترداد" في الأراضي المحتلة. ومع فوز اليمين في الانتخابات العامة في العام 1977 نفذت حكومة مناحيم بيغن سياسة معقدة قامت على ضم الأراضي والفرز الديموغرافي. وفي موازاة ذلك قامت الحكومة العسكرية في الضفة الغربية وغزة بتسريع مصادرة الأراضي الفلسطينية والفصل بينها لإتاحة إنزال المستوطنين الاسرائيليين. وقد استمر هؤلاء خاضعين للقانون الاسرائيلي في حين أن الحكومةالعسكرية سوف تصدر سلسلة من القوانين النوعية لأدارة الشؤون المدنية والاقتصادية والقضائية للسكان الفلسطينيين.
وكان من شأن هذه المراسيم أنها خنقت الاقتصاد الفلسطيني معمِّقةً في الوقت نفسه ارتهانه والتحاقه بإسرائيل. فما بين العامين 1967 و1990 ظلت الحدود بين اسرائيل والأراضي المحتلة مفتوحة، وكان ما يزيد على ثلث اليد العاملة الفلسطينية يعمل خلالها في اسرائيل منتجاً ما يزيد على ربع الناتج المحلي الاجمالي في الأراضي المحتلة.
في العام 1993 بلغ عدد المستوطنات 145 والمستوطنين 196000 نصفهم يعيش في مستوطنات متجمعة حول القدس الشرقية(7) وذلك من دون المستوطنات التي أقيمت في القسم الشرقي من المدينة. وإذا كان الهدف من ذلك الوقوف في وجه المد الديموغرافي الفلسطيني فان التوسع الأساسي للمستوطنات وتوزيعها في كل الأراضي المحتلة يرسيان أسس الانفجار الجغرافي في كل من الضفة الغربية وغزة. وكثيرون هم المراقبون الذين يعتبرون أن نظام ضم الأراضي هذا والفرز الاجتماعي يضفي على السياسة الاسرائيلية طابعاً عنصرياً مغفلاً(8).
الا ان اعتماد النموذج العنصري في قياس العلاقات الاسرائيلية ـ الفلسطينية يطرح مشكلة. أولاً في ما يتعلق بالتحديد الجغرافي لـ "التمييز العنصري الاسرائيلي". فهل أنه يمتد في كل اسرائيل أم فقط في الأراضي التي تحتلها؟ فالواقع هو ان الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر يعتبرون مواطنين اسرائيليين وهذا ما لا ينطبق على وضع المقيمين منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. فالأولون ليسوا محصورين ضمن حدود محيط معين يمنع عليهم مغادرته، ولا مستبعدين من المسار السياسي الاسرائيلي كونهم يشاركون في الانتخابات تصويتاً وترشيحاً، حتى وإن كانوا يعانون شتى انواع التمييز، أما الآخرون فهم يشكلون شعباً خاضعاً للاحتلال في انتظار الحل السياسي لقضيتهم.
وإقامة المقارنة مع نظام التمييز العنصري يلقي الضوء على فرق آخر. فالمؤتمر الوطني الافريقي (ANC) الذي كان أصبح المنظمة السياسية الرئيسية بين السكان الأصليين رفض السياسة الانفصالية للبيض ودعا الى وضع حد لنظام التمييز العنصري والى تطبيق الديموقراطية على جميع المواطنين. أما من ناحية منظمة التحرير الفلسطينية فانها وافقت منذ العام 1974 على التقسيم كمشروع حل فقط مقابل تلبية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وفي العام 1993 اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كمفاوض شرعي وحيد لها ووافقت على فكرة التقسيم وعلى رسم الحدود وعلى وضع الأراضي الفلسطينية الذي كان لا يزال معلقاً.
أما الفرق الثالث فيتعلق بموقف المجتمع الدولي الذي لم يوافق أبداً على نظام التمييز العنصري ولا على قيام كيانات دولتية منفصلة للسكان الأصليين (عندما أرادت حكومة جنوب أفريقيا في العام 1976 أن تدخل ترانسكي، إحدى مقاطعات البانتوستان، الى الأمم المتحدة كدولة مستقلة رفضت هذه الأخيرة ذلك)(9). وبالعكس فان الأمم المتحدة دعت في ما يتعلق بفلسطين الى إقامة دولة أمة مستقلة كحل للنزاع.
والقرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أقر في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947 وعرف بمشروع التقسيم، دعا الى قيام دولتين يهودية وعربية متجاورتين. اما القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن وتم التصويت عليه في 22 تشرين الثاني نوفمبر عام 1967 فانه، وإن ترك موضوع الحقوق الوطنية للفلسطينيين غامضاً، لم يكن أقل وضوحاً في اعتبار أن السلام في الشرق الأوسط يجب ان يمر بإعادة الأراضي التي احتلتها اسرائيل خلال الحرب وبالاعتراف المتبادل بين جميع دول المنطقة. والقرار 242 هذا هو الذي شكل أساساً لمسار اوسلو.
وبالرغم من هذه الفوارق المهمة بين النزاع الاسرائيلي ــ الفلسطيني والتجربة العنصرية في جنوب افريقيا، فان أحداث السنوات العشر الأخيرة قد جعلتهما، يا للمفارقة، متشابهين. فاتفاق أوسلو، عبر إضفائه الطابع المؤسساتي على الفرز الاجتماعي وعلى ضم الأراضي في آنٍ واحد، قد أرسى عملياً قواعد السياسة "البانتوستانية" في الأراضي المحتلة التي تحولت مناطق احتياط بشري من السكان المشرذمين، غير قابلة للحياة اقتصادياً ومحرومة كل سيادة سياسية.
وتنفيذ اتفاقات اوسلو قد ادى في الواقع الى التفتيت المناطقي في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. ففي حين كان من المفترض أن تدير السلطة الفلسطينية منذ العام 1996 كامل الضفة الغربية تقريباً، فإنها وحتى تموز/يوليو عام 2000 لم تكن تسيطر عملياً الا على 19 في المئة منها (المنطقة "أ")(10). ويمكن القول بان المعارضة التي واجهها مسار اوسلو، أي العمليات الانتحارية وانعكاساتها في اسرائيل، كما ايضاً اغتيال اسحق رابين وانتخاب السيد بنيامين نتنياهو، كل هذا ساهم في تأخير إعادة الانتشار الاسرائيلي. وعشية انتفاضة الأقصى بقي اختصاص السلطة الفلسطينية محدوداً، إذ إن 59 في المئة من الضفة الغربية (ناهيك بالقدس الشرقية) و30 في المئة من قطاع غزة كانت لا تزال خارج سيطرتها.
ومع ان المستوطنات تبدو أقل أهمية مما كانت عليه في جنوب افريقيا، فإنها شكلت مدخلاً آخر الى سياسة "البانتوستان" في الأراضي الفلسطينية. فالأراضي في المنطقة "ج"، وهي بيد الاسرائيليين وحدهم، قسمت الضفة الغربية ثلاثة قطاعات كبرى، مقطَّعة هي بدورها الى محميات صغيرة من السكان بواسطة كتل المستوطنات الأربع الكبرى (القدس وأرييل شومرون وغوش إرزويب وبنيامين الوادي على نهر الأردن) وبواسطة الطرق الالتفافية حولها. وما بين العامين 1993 و2000 تضاعف عدد سكان المستوطنات (والقدس الشرقية ضمناً) ليصل تعدادهم الى 000 410 اي حوالى 15 في المئة من عدد سكان هذه الأراضي. وقد عمدت اسرائيل خلالها الى شق ما يزيد عن 400 كيلومتر من طرق الالتفاف وأنشات 72 مستوطنة جديدة(11).
ومن الناحية القانونية فان اتفاقات أوسلو قد قربت وضع الفلسطينيين من وضع سكان البانتوستانات.
ففي درجة أولى لم تجعل هذه الاتفاقات الشعب الأصلي هو المصدر الوحيد للسلطة في الكيان الفلسطيني. فرئيس السلطة والمجلس التشريعي المنتخبان ديموقراطياً لم يتمتعا الا بصلاحيات محدودة. فالحكومة العسكرية الاسرائيلية، التي لم تحل أبداً، هي التي كانت "تملي" عليهم كل الاختصاصات (المناطقية والمدنية والقضائية) التي يفترض بهم هم أن يمارسوها. وإذا كان المجلس والسلطة الوطنية قد توليا بشكل أساسي الاختصاصات المدنية او العملانية على 93 في المئة من الشعب الفلسطيني، فان سلطتهم الموقتة على الأرض شملت اقل من 19 في المئة من الضفة الغربية.
ثم ان اتفاقات أوسلو لم تنص في اي مكان على أن القانون الدولي يتقدم على القانون الاسرائيلي. وهي لم تضع حداً للاحتلال ولم تأتِ بأي شكل على ذكر اتفاقية جنيف الرابعة ولا على القرار 181 الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي أسست كما رأينا لشرعية دولية لدولة عربية على أراضي فلسطين التاريخية. وهي لم تعتمد كمرجع سوى قرار مجلس الأمن رقم 242 (والقرار 336 الذي اكده في العام 1973)، وكلاهما لا يحدد لا حق الفلسطينيين في دولة ولا مساحة الأراضي المحتلة ولا ترسيمة للحدود.
وثالثاً فان اتفاقات أوسلو أولت أهمية لإقامة تعاون وثيق بين الفريقين الفلسطيني والاسرائيلي بدلاً من الفصل بينهما. فكان من المفترض تشكيل لجان مشتركة اسرائيلية ــ فلسطينية في كل المجالات، إنما بنوع خاص في المجال الأمني الذي ظل كلياً تحت السيطرة الاسرائيلية. وهذا النوع من التعاون الأمني هو نفسه كان مطلوباً من البانتوستان في جنوب افريقيا.
والميزة الأخيرة في سياسة "البانتوستان" هذه هي طريقة معاملة الشعب الفلسطيني. فإضفاء الطابع المؤسساتي على تصاريح التجول وعلى إغلاق الحدود، والذي بدأ العمل به للمرة الأولى في العام 1990، سوف يضع الفلسطينيين في حالة شبيهة بالوضع الذي عاشه السود في جنوب افريقيا تحت في نظام تصاريح المرور، مع فارق آخر هنا أيضاً. فهذا النظام كان يهدف الى التحكم بدفق اليد العاملة الرخيصة للاقتصاد الجنوب افريقي بينما في فلسطين خضعت التصاريح لاعتبارات أمنية بشكل أساسي، إنما جاءت النتائج واحدة. فمع خريطة الرقابة المناطقية الاسرائيلية أدى نظام التصاريح الى تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة محميات بشرية غير قابلة للحياة ومن شعب مشرذم.
وفي مواجهة انتفاضة الأقصى التي بدأت في أيلول/سبتمبر عام 2000، سوف تعمد اسرائيل أيضاً الى مزيد من تطوير نظام التصاريح والى تقطيع الأراضي. وهكذا قررت في نيسان/أبريل عام 2002 أن تقسم الضفة الغربية وغزة الى ثماني مناطق رئيسية لا يحق للفلسطينيين ان يعيشوا خارجها من دون أذونات(12). وفي هذه الأثناء كانت المستوطنات تزداد انتشاراً دون هوادة، فما بين أيلول/سبتمبر عام 2000 وكانون الثاني/يناير عام 2003، أضيف ما يزيد على 2500 منزل و52 مستوطنة جديدة على سابقاتها(13). وجاء بناء جدار الفصل بطول لا يقل عن 600 كيلومتر بين اسرائيل والضفة الغربية ليرسم حدوداً تحددها اسرائيل من جهة واحدة، وهي تتبع في ذلك حدود العام 1967 وتزيد في عزل المناطق الفلسطينية الواحدة عن الأخرى(14).
وللأسف أن "خريطة الطريق" الصادرة عن الاطراف الأربع (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) لم تغير في شيء من منطق اتفاقات أوسلو. بل انها شددت على ضرورة تحقيق تقدم في التعاون الأمني وفي بناء المؤسسات الفلسطينية مشرِّعةً بذلك تدخل الحكومة الاسرائيلية في الشؤون الفلسطينية. وهي إذا كانت دعت الى انشاء دولة فلسطينية ضمن حدود موقتة ابتداء من العام 2005، إلا أنها لم توضح كيف يمكن لهذه الدولة أن تكون مستقلة وذات سيادة بدون أن ترسم حدودها بشكل نهائي. كما ان نصها يبقى مبهماً في ما يتعلق بثلاث مسائل حيوية أخرى: مستقبل المستوطنات ومصير القدس ومصير اللاجئين.
إلا أن من فضائل مشروع السلام الجديد كونه يوكل دوراً الى المجتمع الدولي وهذا ما لم تنص عليه اتفاقيات أوسلو. فهو، على الورق اقله، يجعل من القوى الأربع ضامناً للاتفاق ويفوض الى الولايات المتحدة بنوع خاص مسؤولية متابعة التعاون بين الفريقين عن قرب. غير أن هذه القوى الأربع ليس لها سلطة فرض قراراتها التحكيمية ولا وسائلها الرقابية. الى درجة بدا معها أن التجديد الأهم في "خريطة الطريق" يقوم على اقناع المجتمع الدولي بتحويل الأراضي الفلسطينية الى بانتوستانات، أليس انه وافق على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود موقتة بدون تفكيك المستوطنات وبدون القدس الشرقية عاصمة لها، فيما يترك للحكومة الاسرائيلية أمر إعادة رسم حدود العام 1967 كما يحلو لها...
إذن، بالرغم من الفوارق التاريخية فان تطور النزاع الاسرائيلي ــ الفلسطيني يقربه أكثر فأكثر من نموذج النظام العنصري في جنوب افريقيا. فهل ان هذا التطور سيكون موقتاً أم دائماً، علماً أن هذه "البانتوستانات" الفلسطينية ليست محددة بشكل واضح ولا بالحجم نفسه كما خصصت في ما مضى للسود، وأن اسرائيل قد خفت حاجتها الى هذه اليد العاملة التي أحلت مكانها منذ اكثر من عشر سنوات حوالى 000 250 عامل آسيوي او افريقي أو من أوروبا الشرقية؟ وإذا ما استمر تطور الوضع بهذا الشكل فانه سيقضي بأي حال على الأمل في حل قائم على تعايش دولتين، وهو خيار إذا تم التخلي عنه سوف يقضي بجعل اسرائيل دولة عنصرية وذات قوميتين في آنٍ معاً، اللهم إن هي لم تغامر في عملية "ترحيل" جماعي للسكان...
--------------------------------------------------------------------------------
* باحثة في مركز الدراسات الدولية، مؤسسة ماساتشوستس للتكنولوجيا، بوسطن:
Centre for International Studies, Massachussetts Institute of Technology (MIT), Boston.
[1] راجع صحيفة:
The Guardian, Londres, 29 avril 2002
[2] اقرأ:
Gerson Shafir, Land, Labour and the Origins of the Israeli-Palestinian Conflict 1883-1914, Cambridge University Press, Cambridge, 1989.
[3] منذ البدايات كانت فكرة طرد او ترحيل السكان الصليين ملازمة للصهيونية. راجع:
Nur Masalha, Expulsion of the Palestinians: the Concept of "Transfer" in Zionist Political Thought, 1882-1984,Institute of Palestine Studies, Washington DC, 1991.
[4] اقرأ:
Baruch Kimmerling, Zionism and Economy, Schenkmen, Cambridge Massachusetts, 1983, p. 51.
[5] راجع:
Statistical Abstract of Israel, Office central israélien de statistiques, Jérusalem, 2002, Table 16.15.
[6] القوانين التي عدلت في العام 1974 وهي:
Bantu Authorities Act de 1951, la Promotion of Bantu Self-Government Act de 1959, et la Bantu Homeland Citizenship Act de 1970.
[7] راجع:
Report on Israeli Settlements in the Occupied Territories, Fondation pour la paix au Moyen-Orient (FMEP), Washington DC, 2001, vol 11/6, table 1.
[8] اقرأ:
Uri Davis, Israel : An Apartheid State, London, Zed Books, 1987 ; Roane Carey (ed.), The New Intifada: Resisting Israel’s Apartheid, Verso Londres, 2001 ; Marwan Bishara, Israel/Palestine : Peace or Apartheid, Zed Books, Londres, 2001 (en français Palestine-Israël: la paix ou l apartheid, La Découverte, Paris, 2002); Law (1998) Apartheid, Bantustans and Cantons: The ABC of the Oslo Accords, Jérusalem et Palestinian NGO position paper (www.lawsociety.org/apartheid/palngo.html)
[9] اقرأ:
A prénom?. Kerby, South Africa’s Bantustans: What Independence for the Transkei, World Council of Churches, Genève, 1987.
[10] بحسب اتفاقية أوسلو الثانية التي عقدت في آخر أيلول/سبتمبرعام 1995، فان المنطقة "أ" A (٣ في المئة من الضفة الغربية) تخضع للسلطة الفلسطينية، والمنطقة "ب" B (٢٧ في المئة منها) تخضع لادارة مشتركة، والمنطقة "ج" C (٧٣ في المئة) تخضع للاسرائيليين وحدهم. راجع الخريطة المنشورة في اطلس الموند ديبلوماتيك في كانون الثاني/يناير عام 2003.
[11] راجع:
Report on Israeli Settlements in the Occupied Territories, FMEP, 2003, vol 13/2.
[12] راجع:
The Israeli Security Zones make up 45,25 % of the West Bank, including 158 Israeli Colonies, Applied Research Institute Jerusalem, 2002 (www.poica.org/casestudies/security-zones).
[13] راجع:
Report on Israeli Settlements in the Occupied Territories, FMEP, 2002, vol 12/2.
[14] حتى الان تم بناء 140 كيلومتراً من الجدار عازلاً 000 14 عائلة عن اراضيها وسائر المناطق الفلسطينية (Betselem 2003). اما الجزء الجديد منه الذي قررت انجازه الحكومة الاسرائيلية في أول تشرين الأول/أكتوبر فانه سيصل الى جنوب الضفة الغربية ليبلغ طوله 450 كيلومتراً. اقرأ:
Lire Gadi Algazi, "Un mur pour enfermer les Palestiniens", Le Monde diplomatique, juillet 2002.
جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم