أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حسين علي الحمداني - الشباب العربي.. مشكلاته وقضاياه















المزيد.....


الشباب العربي.. مشكلاته وقضاياه


حسين علي الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 10:16
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


الشباب العربي هل هو جيل عابث، لاهٍ يركض وراء اخر صيحات الموضة والعاب الفيديو؟ ام انه جيل منتمٍ له أسئلته الثقافية والاجتماعية ووجهة نظره الخاصة، وما هي مشكلاته وقضاياه؟
يوجد في الوطن العربي تقريباً 58 مليون شاب وشابة بين سن 24_40 سنة بعض الدول تعتبرهم مشكلة تعيق التطور بدل النظر اليهم كاستثمار للمستقبل. تتمثل همومهم بالبطالة والفقر والتغريب. يتطلع الشاب الى مستقبل بعيد المنال، الكثير يعاني من البطالة في بلدانهم ويتمنون الهجرة بحثاً عن الحياة المعقولة وابتعاداً عن التهميش، اقلية لديها امكانات الاستمتاع لها خيارات العمل الجيد، البعض الآخر تتوفر لهم الفرص الموسمية للاستمتاع ولكن غالبية الشباب العرب تشعر بنقص في الامكانات المتاحة مقارنة بنظرائهم في الدول الغنية.

اهتمام الاهل بالتعليم لم يحل مشاكل الشباب لان النمو الاقتصادي البطيء غير كافٍ لتوفير اماكن العمل المنشودة للمتعلمين. نسبة البطالة تتراوح بين17و35% ونصف العاطلين من الشباب المتعلم ومع ذلك فانهم يرون في تحصيل العلم وسيلة للعيش الافضل قصور التنمية في زمن الانفتاح الاعلامي يدفعهم الى الهجرة. فرص الهجرة غير متاحة وبعضهم يجازفون بـأنفسهم ويخاطرون ويركبون البحر.
تنظر اوروبا الى شبابها كاستثمار للمستقبل لذا فهي تؤمن لهم فرص التعليم ومراكز التدريب وتضمن لمن لا يحالفه الحظ في العمل دخلاً معقولاً.
* كيف نصف جيل الشباب اليوم؟
ـ انه جيل البطالة والمعاناة والتمرد نحو التغيير على الرغم من انه رأس مال المستقبل، يدور حول نفسه على قدم واحدة ويبحث اين يضع قدمه الاخرى، له شؤونه الخاصة به والبعض في حالة قطيعة مع الكبار.
* العوامل التي تحدد الدور الاجتماعي للشباب اهمها هي: التربية الاسرية، والثقافية ومستويات التعليم التي يتلقاها واسلوبها، اما في معترك الحياة فأول تجربة هي فرص العمل والجو العام الاجتماعي، الاداري والسياسي وهل هناك تخطيط اداري يستوعب المتخرجين لمنحهم فرص عمل؟
هناك الكثير من الدول تعتمد على العمالة الاجنبية التي بالتأكيد تنافس اليد العاملة الشبابية الوطنية.
* لقد فشل الاباء في ايجاد همزة الوصل بين الماضي العريق والحاضر المشوش الذي يفتقد الامان والقوة.
ـ الكبار على الصعيد الاقتصادي لا يتيحون المجال للصغار في الصعود اقتصادياً، هناك سيطرة وحجر من الكبار على كل حركة، لذا قرر الشباب السير في جهة اخرى وان يتخذو مبادراته بعيداً عن عالم الكبار، ويبتكر افكاراً تناسبه، الشباب ينشئون مؤسساتهم بغض النظر عن عالم الكبار ومؤسسات الدولة.
وعلى الشاب العربي ان يبحث عن المصادر المناسبة التي تعطيه الحرية ولا ييأس ولا يعلق اخطاءه على الكبار، اذا عانى الشاب من اخطاء الوالد بالتأكيد فان الوالد هو ايضاً يعاني من مشاكل ادارية في مؤسسته والعلاج لا يكون بالقطع بين الكبار والشباب.
* نحن نركز في بلداننا على التعليم فقط ولا توجد مراكز للحرف والمهن والتدريب التي نحن بأمس الحاجة لها والا نركز على التعليم المجرد.
هل الجيل العربي جيل منتممٍ له اسئلته واهتماماته ام انه جيل غناء ورقص وموسيقى؟
ـ يشكل الشباب الى عمر 39 سنة نسبة 72% من مجموع نفوس الوطن العربي بالتأكيد هناك اهداف مشتركة بين الشباب والكبار كما ان العزل بين هاتين الفئتين لا ينتج عنه شيء ايجابي لان الخبرات الموجودة لدى الاباء والامهات مهمة جداً له.
فليعتمد على نفسه ليفيد من خبراته وتجاربه كما ان عملية العزل مضرة جداً للطرفين، لا يوجد هم سياسي موحد وقد غابت القضية الواحدة وانتهى الهم الوطني العام من زمن النكبات والحروب المتكررة اما الآن فقد تكون الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة فرصة لجسر الهوة والفجوة التي كبرت في العقود الماضية والا فالوقوع في دوامة القضايا الشخصية والدوران حول الذات.
المؤثرات الاجتماعية في شباب الخليج
هناك عملية اصلاح اقتصادي في جميع دول الخليج التي تحاول تنويع الاقتصاد ومن ثم هي عملية اصلاح ولها نتائج ايجابية على شباب الخليج الذي يعاني من البطالة حتى وان كان الكثير منهم لا يبحث عن العمل لانه ليس بحاجة له ولكن بهذا نستطيع حل مشكلة العمالة الاجنبية في دول الخليج.
اليوم اصبح الشباب مفتوحاً على كل شيء من خلال القنوات ومن ثم ازدادت احلامه وطموحاته وآماله بالوصول الى الثراء والحياة الفارهة دون النظر الى امكانيات البلد. كما ان القدوة امر مهم في توجيه الشاب ولكن كيف نقنع الشاب بهذه القدوة والسير على خطاها هذا هو المهم. ويبدو ان المبادرات في حل مشاكله يجب ان تنطلق من المؤسسات المدنية والاهلية لان عصر الحكومات قد انتهى.
بعض المفاهيم الخاطئة السائدة بين الشبان
واليك بعضاً من المفاهيم الخاطئة السائدة التي ربما يتداولها بعض الشبان والفتيات من باب المسلمات او البديهيات وكانها قرآن منزل، او قول معصوم، والغاية من مناقشتها هي التعريف بوجه الخطأ فيها، وان نعرف ـ من خلال ذلك ـ ما هو الصحيح ايضاً، حتى نعتمد الثاني ونتبناه، وننبذ الاول وننأى عنه، لتستقيم ثقافتنا الاسلامية على المنهج الصحيح، وان يكون شبابنا هم الدعاة الى ذلك والعاملون به .
1. الدنيا مظاهر
يهتم الشبان بمظاهرهم، وتولي الفتيات مظاهرهن عناية فائقة كجزء من لفت انظار بعضهم لبعض. وقد ياتي الاهتمام بالمظهر الخارجي كصورة من التفاخر والتباهي على الاقران اصدقاء او صديقات .
واذا سألت احدهم، او احداهن عن السبب في المبالغة بالاهتمام بالمظهر، ياتيك الرد: "الدنيا مظاهر" .
والقرآن قد وصف الدنيا بانها دار لهو وغرور وزينة وتفاخر وتكاثر، لكنه اراد بهذا الوصف ان يذم هذا الوجه منها، والا فهو قد دعا الى الاخذ بنصيب من الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ) اي التمتع بملذاتها في غير محرم، واغتنامها كفرصة للطاعة وللابداع الانساني الذي يخدم الانسانية ويعمر الارض بالحق والخير والجمال والعدل .
ان تعبير (الدنيا مظاهر) ينم عن حالة ثقافية واجتماعية تولي العناية بالمظهر اهتمامها الاول بحيث يصبح مظهر الانسان لا جوهره هو القيمة .
فذو الملابس الفاخرة، والسيارة الفارهة والقصر المنيف.. انسان فاخر، وذات الملابس الزاهية الغالية، والزينة المترفة الباذخة من اساور واقراط وقلائد، انسانة من الطبقة الراقية .
ولا بد من التنبه الى ان (الفخر) هناك و(الرقي) هنا ليسا حقيقيين وانما اعتباريان، اي ان الناس وبسبب التخلف الثقافي يعتبرون المظاهر فخراً ورقياً .
وقصة ذلك الرجل الذي دخل الى مأدبة فلم يأبه به احد لان الدعوة كانت مخصصة لذوي المظاهر، وحين ارتدى ملابس فاخرة لفت الانظار وجذب الاهتمام، معروفة، حتى ا نه حينما جيء له بالطعام لم يتناول منه شيئاً، بل قدمه الى ملابسه، وقال لها: كلي، فهذا لك! فتعجب الحاضرون من هذا المشهد الذي يكشف عن ان الاهتمام كان منصباً على المظهر وليس على صاحب المظهر .
ولو اردنا ان نعرف حقيقة (الفخر) لقلنا ان من حق الانسان ان يفخر بقدراته ومواهبه وافكاره وابداعاته ومساهماته في خدمة المجتمع .
وان (الرقي) الحقيقي هو في النمو المطرد الذي نلحظه على تفكير الانسان وتعامله او تعاطيه مع الاشياء والاشخاص والاحداث .
ان واحدةً من ابلغ رسائل الحج التي يقدمها الاسلام لاتباعه هي ان الله لا يعبأ بأشكال الناس وملابسهم، بل بما انطوت عليه قلوبهم وسرائرهم، ورسالة ثوب الاحرام شبيهة الى حد كبير بالكفن الذي يلف به جثمان الانسان في آخر المطاف .
انها رسالة تقول للانسان ان ما يميِزك عن اخيك الانسان الآخر هو عملك وعلمك وتقواك، وما عدا ذلك فلا قيمة له ولا اعتبار سواء لبست الحرير او ارتديت الاسمال .
وهذا هو احد جوانب الصورة. اما الجانب الثاني، فاننا لا نريد من الحديث عن المظاهر ان نهمل مظاهرنا وان نرتدي الثياب المرقعة البالية، فالزي الجميل والنظيف يضيف على حسن الانسان حسناً آخر، لكننا نؤكد ونركز على الجوهر والمضمون اكثر من التركيز على المظهر والشكل .
فالثياب والزينة ـ حتى الفاخر والغالي منها ـ تبلى وتتغير الوانها وتهبط اسعارها وربما تسقط موديلاتها ـ اذا جارينا النظرة الى الموضة ـ لكن اخلاق الانسان وفكره واسلوب تعامله وشمائله لا تبلى، بل يمكن ان تتجدد وتزداد قيمتها مع الايام، فالله لا ينظر الى اجسامنا واشكالنا وازيائنا وانما ينظر الى قلوبنا، اي المحتوى الداخلي لكل منا، وفي ذلك يقول الشاعر :
اذا المرءُ لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميلُ
2 . شرف البنت
ومن المفاهيم المغلوطة الشائعة التي لا تستند على دليل قرآني ولا على حكم شرعي ولا على قيمة اسلامية، بل هي تتناقض مع المفاهيم الاسلامية، هو التركيز على (شرف البنت) دون (شرف الابن). فالشرف واحد، شرف البنت كشرف الابن، وشرف الشاب كشرف الفتاة، ولا ميزة للذكور في ذلك على الاناث، واي منتهك لحرمة شرفه ـ رجلاً كان او امرأة ـ مدان ومحاسب، فاذا اهدرت الفتاة شرفها، واساءت لسمعتها، وانحدرت في المباذل الرخيصة، فانها تكون مساوية في التردي الاخلاقي لذاك الشاب الذي ينغمس في الفواحش والمجون ويسكن المواخير والملاهي وبيوت الدعارة .
* لماذا اذن التركيز على شرف البنت ؟
ـ هي نظرة جاهلية لا تزال تعشش في عقول واذهان الكثير من المسلمين، اي ان رواسب الجاهلية التي كانت تئد البنات مخافة ان يتلوث شرف القبيلة ان هي هزمت وسبيت نساؤها واعتدي على شرفهن، ما زالت قائمة الى اليوم .
فالنظرة العشائرية القبلية تعتبر الاساءة الى شرف البنت اساءةً الى شرف العشيرة او القبيلة كلها، ولذا ـ فمن وجهة نظر عشائرية جاهلية ـ لا بد من (غسل العار) بقتل الفتاة التي استهانت بشرفها، وبالتالي بشرف قبيلتها، او دفنها وهي حية، اي وأدها تماماً كما كان يفعل الجاهليون مع الفرق في ان الاب في الجاهلية كان يئد ابنته وهي بعد طفلة صغيرة لا تعي من الحياة شيئاً، والاب في الفهم العشائري للشرف يئد ابنته وهي في ريعان صباها وشبابها. ولا بد من الالتفات الى ان الفارق الوحيد بين الفتاة والشاب في مسألة الشرف، هو فارق في النتيجة الظاهرة، اي في الحمل .
اما ما عدا ذلك فالشاب مرتكب الفاحشة والمستجيبة له بارادتها كلاهما على درجة سواء فيما يتحملان وزر عملهما المشين .
اُنظروا الى التسوية في العقوبة الالهية النازلة بالزاني وبالزانية: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، فالقرآن لا يميِز في عقوبة الزنا تمييزاً جنسياً، بل يوقع العقوبة على كل من مرتكبَي الفحشاء ويحمل الطرفين المسؤولية فيها، ولم يسقط او يخفف العقوبة عن احدهما تحيزاً او محاباة .
فشرف الرجل او الشاب هنا قد انتهك وسقط وتمرغ بالوحل بممارسة الزنا، مثلما سقط شرف الفتاة وانتهك وتمرغ بالوحل، ولكن المجتمع الذكوري الذي تقدم ويفضل الذكر على الانثى يتخذ موقفاً اشد من موقف الشريعة، فهو يجلد المرأة او الفتاة المرتكبة للفحشاء وحدها بسياطه، ويلقي باللوم والتبعة والمسؤولية على الفتاة او المرأة دون الشاب او الرجل .
اما القول بان شرف الفتاة من شرف اسرتها او قبيلتها، وانه اذا تعرض الى الاذى فكأنما تعرضت الاسرة والعشيرة كلها للنيل من شرفها، فهو مفهوم غير اسلامي ولا يقره القرآن البتة. فالله تعالى يقول: (ولا تزِرُ وازرة وزر اخرى) اي لا يصح ان يؤخذ البريء بجريرة المسيء، ولذا فما ذنب الاب او الاُم اذا كانت البنت لم تحفظ شرفها وسمعتها ولوثتهما بالفاحشة؟
انها وحدها التي تتحمل ما جنته يداها من سوء واثم، ولا يتحمل اهلها اثم ما فعلت الا بقدر ما يساهمون في دفعها الى ذلك. واذا رجعنا مرة اخرى للعقوبة الالهية المنزلة بالزانية والزاني، فاننا لا نجد اي اثر لعقوبة ثالثة تنزل او تترتب على المتعلقين بهما من ذويهما او اهلهما سواء الابوان او الاقرباء او العشيرة .
ومرة اخرى نقول: ان النظر الى مسألة الشرف هي نظرة اجتماعية اكثر منها نظرة اسلامية، فمن الامثلة الدارجة في مجتمعاتنا الشرقية قول بعضهم: "ان شرف البنت كعود الكبريت" يريدون بذلك انها اذا اباحت جسدها ـ في غير الطريق الشرعي ـ فانها تكون قد انتهت كانسانة شريفة وعفيفة، حتى ان قسوة بعض المجتمعات تصل الى درجة انها لا تسامح حتى الفتاة او المرأة (المغتصبة) علماً انها لم تقدم على العمل المشين طائعة مختارة، وانما مورس معها تحت الضغط والعنف والاكراه .
ولا ينبغي التقليل من تأثير ذلك على سمعة الفتاة وكرامتها وصحتها النفسية وعلاقاتها الاجتماعية، سواء في نظرة الجنس الآخر لها، او حتى في ابتعاد بنات جنسها عنها. ولعل فيما يعرضه القرآن الكريم من قلق مريم (عليها السلام) وخوفها من اتهام قومها لها حينما حملت بعيسى (عليه السلام) وهي الطاهرة العفيفة النجيبة يدلل على مدى حساسية هذا الامر (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا)ان شرف البنت حساس، لكن شرف الابن حساس ايضاً، وقد لا يكون كعود الكبريت، لكن ارتياد الاماكن الموبوءة، ومعاشرة العاهرات والمتخذات اخداناً، يجب ان يجعل من نظرة المجتمع اليه ان تكون من خلال شرفه ايضاً، لا من خلال رجولته او ذكورته او فحولته، وهذا ما تتناساه الكثير من المجتمعات الذكورية ذات النظرة المجاملة والمنحازة للرجل حتى ولو أهدر دماء شرفه .
3. الاتكاء على السلالة او (اللقب العائلي):
ما زالت النظرة الى اسم العائلة والشهرة واللقب والسمعة والصيت تلعب دورها في التأثير على هذا الشاب او تلك الفتاة كونهما منحدرين من اسرة ذات بريق اجتماعي أخاذ .
فكما انهما يتكئان على مجد الاسرة واسمها وسمعتها وبريقها الوهاج ، فكذلك نظرة بعض الناس اليهم على ا نهم من ابناء السادة النبلاء والاشراف او الاسر العريقة، يعكس عليهم بريقاً لم يشاركوا في صناعته.
وربما لعب اسم الاسرة دوراً آخر في التغطية على العيوب والمثالب والاخطاء، فابن الاسرة المعروفة المشهورة لا يُحاسب ـ اجتماعياً ـ كما يحاسب ابن الاسرة المجهولة المغمورة، الامر الذي نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "انما أهلك مَنْ كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد" .
والشريف هنا هو المتحدر من اسرة او سلالة معروفة في اوساط الناس، اما لاشتهارها بالتجارة او العلم او الادب او السياسة او الدين .
وهذا ايضاً من المفاهيم المغلوطة، فان ما ينبغي التركيز عليه هو: ماذا قدم او يقدم هذا الشاب او هذه الفتاة من اعمال تشير الى قدراتهما ومهاراتهما وانجازاتهما ، وذلك هو قول الشاعر :
ليس الفتى مَنْ قال : كان ابي
ان الفتى مَنْ قال : ها انذا
فرب (دكة) يصنعها الشاب بجهده الشخصي خيرٌ له من (منبر) كان يتربع عليه (ابوه) او (جده) او احد اعمامه او اخواله. اما اذا اراد الجلوس على ذات المنبر فليقدم من خلاله ما قدم ابوه او جده او اكثر من ذلك، حتى يليق باسمه هو لا باسمائهم هم، والا فالالقاب لا تُتوارث، اي انني قد احمل اسم العائلة واللقب الذي تتلقب به لكنني لا احمل غير الاسم، ولا ارث العلم او السمعة التي اكتسبوها بجهدهم وجهادهم وطول صبرهم واناتهم، خاصة اذا كنت قصير الهمة فارغ المحتوى لا اعيش الا على امجاد الماضي.
وربما يقع بعض الآباء او الاُمهات في الخطا عندما يزوجون ابنتهم من ابن العائلة الفلانية لمجرد الاسم الرنان دون النظر الى مزايا وخصال وخصائص شخصية المتقدم لطلب يد ابنتهم، وقد يسعى بعض الآباء والاُمهات في تزويج ابنهم من ابنة العائلة الفلانية للاسباب ذاتها، في حين ان اسم العائلة لا دخل له في سعادة الزوجين، وربما اذا تم التركيز على الاسم فقط بقطع النظر عن المواصفات الاخرى، فقد لا يحصد العريسان الا الندم .
4. الصداقة بين الجنسين
وهذا مفهوم خاطئ آخر، فليس هناك صداقة ـ بالمعنى الدارج للصداقة ـ بين الرجل والمرأة او بين الشاب والفتاة، فقد تتخذ العلاقة بين الجنسين صفة الصداقة في بادئ الامر، لكنها ـ ومن خلال تجارب كثيرة جداً ـ لا تبقى تراوح مكانها، اذ سرعان ما تتطور الى ما هو اكثر من ذلك، اي الى الحب والرغبة في الاقتران، وحتى اذا لم تصل الى هذا المستوى، فان حميمية العلاقة بين الجنسين لا تجعلها شبيهة بالعلاقة داخل الجنس الواحد الا بين كبار السن، فقد يعقد رجل متقدم في السن علاقة صداقة مع امرأة في مثل سنه، ولا يدخل (الجنس) كعامل حتمي فيها، وحتى في هذه الحالة فان هذه الصداقة ليست من لون وطبيعة الصداقة بين الجنس المتماثل .
فالحديث الشريف القائل: "ما اختلى رجل وامراة الا وكان الشيطان ثالثهما" لا يستثني عمراً معيناً، وان كان ذلك في اللقاءات والعلاقات والخلوات التي بين الشبان والفتيات والرجال والنساء اوضح واصرح، ولا يخفى ان دخول الشيطان على خط العلاقة بين الجنسين هو ما يوحيه اليهما من انجذاب عاطفي وجنسي ، قد يبدا وسوسة لكنه لا ينتهي بها .
ان الصداقة ـ سواء بين الشبان انفسهم او بين الفتيات انفسهن ـ كما هي الصداقة بين الرجال انفسهم والنساء انفسهن، تعني الحاجة الى علاقة اجتماعية يتم فيها التواصل والتبادل والتزاور والتفاني والتعاون والتشاور والبث للهموم والآمال. وقد يكون ذلك او بعضهُ موجوداً بين الجنسين، لكن العلاقة هنا يدخل فيها عامل اضافي كشرط اساسي ـ وان لم يكن شرطاً غير معلن ـ وهو عامل الجنس او الحميمية الزائدة التي لا تسمى صداقة، وانما معاشرة من نوع آخر .
ولعل تجربة البلدان الغربية في انشاء الصداقات كاشفة عن ان مصطلح الصديق الذكر (Boy Friend) والصديقة الانثى (Girl Friend) ليس دقيقاً في التعبير عن طبيعة العلاقة الجارية بينهما، فهي علاقة غرامية محمومة، او علاقة جنسية مباشرة، وقد تؤجل ممارسة الجنس الى سن معينة ولكنه لا يسقط من الحساب في اية علاقة بين الجنسين .
واذا اتيح لك ان تقرأ في صفحات التعارف في المجلات والصحف الغربية لرأيت ان طلبات الجنسين الراغبين في المعاشرة كاصدقاء تتحدث ايضاً عن علاقة صداقة مرشحة للتطور الى ما هو اكثر من ذلك .
5. صداقات لتمضية الوقت
وما دمنا في محيط الصداقة والاصدقاء، فان ثمة مفهوماً خاطئاً آخر يواجهنا في هذه الرابطة الانسانية التي يريد لها الاسلام ان تكون صحبة صالحة، وعلاقة وطيدة تعين على الدنيا والآخرة .
فالصداقات اليوم ـ في العديد من نماذجها ـ هامشية سطحية تهدف الى اللهو والثرثرة والسمر وتمضية الوقت، انها اشبه شيء بالقميص الذي يمل الشاب او الفتاة من لبسه فيميلان الى استبداله بآخر.
هذا اللون من الصداقات لا يقوم على اساس متين، ولذلك فان اركانه تنهار بسرعة، فما ان يختلف الصديقان، او المتعارفان على امر او موقف او حاجة معينة، حتى يتحولا الى عدوين متصارعين لا يراعي احدهما حقاً او حرمة للآخر .
انها صداقات وزمالات تجتمع بسرعة وتنفرط بسرعة.. قد يجمعها العمر.. او المدرسة، او المحلة، او النادي، ويفرقها: خلاف بسيط في الرأي، او مهاترة كلامية، او نزاع على فتاة، او سخرية لاذعة، او خديعة، او الخضوع لايقاع طرف ثالث.. وهكذا .
ان حجر الاساس القوي الذي تحتاجه الصداقات الحقيقية، هو الايمان بالله، والاخلاق الكريمة، والتقارب الثقافي، والانسجام العاطفي، والمواهب المشتركة، ومعرفة حقوق الصديق ورعايتها .
والا فصداقة لاهية، او عابرة، او مجرد تمضية وقت، ستنقلب على اطرافها وبالاً (يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً * لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني)، (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ الا المتقين).
ان اختيار الرفيق قبل الطريق قد يكون مهماً في السفر من مكان الى آخر، لكنه اكثر اهمية في السفر الدنيوي الى الآخرة. فنحن بحاجة الى الصديق الذي يقوي ايماننا، ويزيد في علمنا، ويناصرنا على قول وفعل الخير والحق، وينهانا عن قول وفعل الباطل والمنكر، ويدافع عنا في الحضور والغياب، وليساعدنا وقت الضيق والشدة، ولذا قيل: (المرء على دين خليله فلينظر احدكم مَنْ يخالل)
الصداقة اذن عقد وميثاق اخوة وتناصر وتباذل تزداد مع الايام والتجارب وثاقة، وليس لعبة نقبل عليها للتسلية ثم اذا مللناها تركناها .
6. عصر السرعة
ومن المفاهيم الخاطئة السائدة بين بعض شباب اليوم وفتياته هي ا ننا في عصر السرعة .
والعصر ـ والحق يقال ـ عصر سرعة، في النقل والمواصلات، والتواصل والاتصالات، والفضائيات والمعلومات .
ولكن.. ما دخلُ ذلك في عمل اقوم به ويراد منِي ان انجزه على خير وجه وكما يرام ؟
قد يكون دخله في ا نه يهيِئ لي مستلزمات العمل بسرعة اكبر من السابق. فبالامس كنتُ ـ مثلاً ـ استعين بمكتبة المدينة حتى انجز بحثاً او اعد دراسة، الامر الذي يتطلب مراجعات متعددة واوقاتاً كثيرة وجهوداً طائلة، واليوم المكتبة تقف ماثلة بين يدي وتنتظر اشارة منِي، او الضغط على أزرار معينة مما يمكنني من التسريع في اعداد البحث وانجاز الدراسة .
لكن البحث نفسه يحتاج الى زمن كاف حتى ينضج ويأتي مقنعاً متكاملاً، ولا يعفي الكاتب ان يتذرع بالسرعة ان كان بحثه او دراسته غير مستوفية للشروط، بل ان الامكانات المتاحة ـ والمشار اليها ـ تجعل الحساب عسيراً على الباحث الذي يقصر في بحثه، فالانتاج السريع غير المتأني كثيراً ما يكون باهتاً وعرضة للنقد وللنسيان بسرعة .
وقد تكون السيارة اختصرت لي الكثير من الوقت الذي كنت اضيعه في الطريق الى زيارة قريب او صديق، لكن طبيعة الزيارة ينبغي الا تقع تحت طائلة المقولة الشائعة (نحن في عصر السرعة) خاصة اذا كانت الزيارة مما يوطد العلاقات الاخوانية، او مما يعزز صلة الرحم، ويرطب الاجواء ويعيد ما تكدر من مياه الى صفائها، او حتى في دفع الهموم والغموم المتراكمة جراء اللهاث اليومي، او كانت مما يساعد في زيادة العلم والمعرفة .
لقد طالب الاسلام باختصار زيارتنا للمريض لان المريض بطبيعة وضعه الصحي والنفسي لا يتحمل الاطالة في الحديث والانفعال والمشاركة، ولكنه ـ اي الاسلام ـ لم يطالبنا باختصار زياراتنا لاخواننا واصدقائنا الاصحاء. نعم، نهانا عن الاثقال عليهم واضطهادهم في البقاء لساعة متاخرة. او البقاء عندهم رغم انشغالهم بامور اهم .
السرعة مطلوبة في جوانب ومرفوضة في جوانب
ففي اعمال البر والخير والاصلاح والاحسان ، العجلة مطلوبة ومحبوبة ولذا جاء في الحديث الشريف: "خير البر عاجله" .
وفي الاعمال التي تتطلب دقة ومهارة وصبراً طويلاً واتقاناً كبيراً، تغدو السرعة كمن يضع المواد الغذائية في قدر يعمل بالضغط البخاري لاجل ان ينضج الطعام بسرعة قياسية، والمتمتعون بذائقة جيِدة للاطعمة يقولون ان الطعام حتى يكون لذيذاً شهياً فلا بد من ان يُطهى على مهل وليس على عجل .
لقد اصبحت السرعة طابعاً للعلاقات والصداقات والانتماءات السريعة، وللزيجات السريعة، والمعاملات السريعة، والقراءات السريعة، والمتابعات السريعة والوجبات السريعة، ولذلك كثيراً ما انقلبت السرعة الى رد فعل عكسي، فالصداقة السريعة تتحول الى عداوة مقيتة، والزواج السريع ينتهي الى محاكم الطلاق والقراءة السريعة فعل عكسي ، فالصداقة السريعة الى الاستنتاجات الخاطئة ، والوجبات السريعة الى المصحات وعيادات الاطباء والصيدليات .
نعم ن لقد وصف الله تعالى الانسان بالعجلة في قوله : ( خلق الانسان من عجل ) .
فهو يتعجل الخير، ويتعجل النتائج ، ويتعجل الصعود الى القمة ، ويتعجل الوصول بسيارته الى مقصده ويتعجل قطف الثمار مايزرع وهي فجة ونسي ان “في العجلة الندامة وفي التأني السلامة “ ونسي في ظل عجلته وتسرعه ان “ من صبر ظفر ومن لج كفر “ مثلما نسي ايضاًان مجتني الثمر في غير وقت ايناعها كالزارع بغير ارضه .
جميل ان لانضيع اوقاتنا هدراً .
وجميل ان لانؤجل عمل اليوم الى غد
جميل ان نعجل بالبر .
ولكن الاجمل .
ان لانضحي بالجودة والاتقان والكفاءة العالية.
وبدلاً من ان يكون شعارنا (اسرع.ز فأنت في عصر السرعة) .ليكن شعارنا “رحم الله امرأ عمل عملاً فأتقنه



#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نستطيع أن نخلق جهازا تربويا يحمل رسالة
- صياغة مفاهيم جديدة
- العنف والإرهاب وأسبابهما
- لمن تكون انتماءاتنا؟
- بناء الديمقراطية
- المفهوم الحديث للتسامح
- الدين والدولة .. قراءة في الواقع العربي


المزيد.....




- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حسين علي الحمداني - الشباب العربي.. مشكلاته وقضاياه