أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - الهليون - قصة قصيرة














المزيد.....

الهليون - قصة قصيرة


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2118 - 2007 / 12 / 3 - 12:24
المحور: الادب والفن
    



الهليون النبات الذي يبحث عن الضوء، ينمو باستطالة فائقة، ساق خضراء وأوراق بيضاء صغيرة فقيرة اليخضور ينبت في أسيجة الحواكير والبيارات حيث شجيرات السنط والعوسج، ويظهر مرتاحاً بين صواريف الصبار (التين الشوكي)
والهليون معروف دولياً باسم الاسبرجس، يؤكل مع سلطات الخضار، أو يقطع ويقلى مع البصل والبيض .
لكن الهليون الذي عرفناه بعد أن غادرنا الكروم والحقول والبيارات، وتلحفنا ببطانيات الاعاشة ، تحت السقوف القرميدية في المخيم، هو ذلك الرجل النحيف الطويل الأشقر، والذي يسكن غرب المخيم في نهاية الشارع العريض، بيته مكون من غرفة واحدة ومطبخ ومرحاض ، وفسحة بالكاد تتسع لحصيرة صغيرة، يعيش وحيداً لا يزور ولا يزار، لا يعرف له أصدقاء أو أقارب، يجلس على كرسيه القصير أمام بيته يدخن، ويشرب الشاي، ويراقب الناس بصمت ، يضحك ويعابث العجائز والنساء، يهش لصغار الحارة، ويوزع عليهم القروش والتعاريف.. يردد جملته الوحيدة
- كله من خير أهاليكم
يضحك الأهالي على ذلك الخير ويتساءلون، من يقدم الخير؟ وهو الذي يكسح حفر المراحيض بمهارة معروفة، فهو فارس المهنة الوحيد في المخيم، لا ينافسه عليها إلا من اختار كسح حفرة مرحاضه بنفسه لضيق ذات اليد.
لا أحد يجادل حول أجرة الهليون، جنيه مصري كامل، وقطعة صابون لوكس، وزجاجة كولونيا (شبراويشي ثلاث خمسات)، اما أدوار الشاي فيتركها لجهود الزبائن، ويرفض رفضاً باتاً تناول الطعام عند أي زبون، لأنه وكما يقال ، يأنف من طبيخ الناس في المخيم.
أدوات الهليون مميزة، وتتناسب مع طبيعة عمله، جرادل التوتياء البيضاء الملساء، والطورية والكريك، والجاروف طويل الساق حاد البوز، لتنظيف الزوايا، ونبش الغائط من ثقوب جدران الحفرة .
يتحدث من قدر له دخول بيته بالصدفة، عن الترتيب والنظافة، ويثور الجدل حول ملابسه الثمينة النظيفة وأسنانه ناصعة البياض، برغم شراهته للتدخين .
اختلف الناس حول أصله، ردوه إلى يافا ، وحيفا، واللد ومنهم من رده إلى بيروت، ومنهم من قطع به سيناء إلى المنصورة، ومنهم من أفتى بأنه ابن غير شرعي لجنكية يافاوية من أحد الجنود الاستراليين.
والمعروف عن الرجل تعاطيه للعرق، فهو يشتري "بطحته" من أبي جريس مساء كل يوم ، ويدور في أزقة المخيم يدندن بصوت خفيض عذب، ثم يتسلل إلى بيت شوشانا الجنكية حتى في الليالي التي تكون الجنكية خارج بيتها تحيي فرحاً تاركة ابنتها دلال الصبية ذات السن الذهبية.
لا أحد لديه معلومات عن علاقة الهليون بشوشانا، ولا امرأة استطاعت الخروج بحكاية من بيت الجنكية تتعلق بالرجل.
***
اختفى الهليون عدة أيام ، ولم يظهر على كرسيه، فتفرق الأطفال في الأزقة وحول مجمعات القمامة، وكلّت أيدي من طفحت حفر مجاريهم لكثرة ما دقوا على بابه.. ولاحظ جيراته تكاثر "العِرس" وفحول الفئران في الحارة..
كسروا الباب فصدتهم رائحة الجيفة، كان الرجل قد تحلل، سيجارته المطفأة حفرت عميقاً بين أصابعه ، وبطحة العرق فارغة ترقد على بطنها وزجاجة كولونيا شبراويشي فارغة أيضاً..
وبعد أسبوع هبت الحارة على شوشانا، التي احتلت وابنتها دار الهليون، حاصرها الرجال فشمرت عن فخذيها ، فانفضوا عنها مذعورين ، وظل أحدهم يركض وعاد بالشرطة، فألقت القبض على الجنكية وابنتها الصبية التي اتشحت بالسواد..
وفي مركز الشرطة، وضعت شوشانا ساقاً على ساق وأشعلت سيجارة طويلة، وقدمت قسيمة زواج الهليون من ابنتها, ولأول مرة يعرف الناس أن اسم الرجل هو "عز الدين"، وأن الصبية دلال أصبحت أرملته..
وما زال الناس في المخيم يتحدثون عن زوجة الهليون الجميلة، التي كانت تقف عند باب الدار تضحك للمارة، فتبرق سنتها الذهبية في وجه الشمس، وترد على من يلاغيها :
- كثر خيركم .



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث شجرات يثمرن برتقالا - قصة قصيرة
- قصص سوداء
- أشلاء بؤرة العشاق للروائي أحمد حميدة
- فوزية مهران امرأة تقترف الوجد - مقاربة نقدية
- الوجوه الباهتة - مقاربة نقدية
- غزالة الموج
- من هنا وهناك- وقاربة نقدية
- من هنا وهناك
- الهدهد والديك الرومي
- مرآيا الأثير- قصة قصيرة
- امرأة في الحصار- قراءة في رواية بقايا امرأة للثاص باسل ناصر
- امرأفي الحصار- متابعة نقدية
- بحر رمادي غويط
- ثلاث عيون تيصرن كثيراً - قصة قصيرة
- في سيرة المنجد -قراءة في حرفة التنجيد اليدوي-
- سيرة المبروكة والعودة إلى بداية الحكاية
- جحش أبيض في سباق الخيول
- سيرة المبروكة والعودة إلى جذور الحكاية
- العشيرة
- هلال يحضن نجمة


المزيد.....




- -روائع الأوركسترا السعودية- تشدو بألحانها في قلب لندن
- التمثيل السياسي للشباب في كردستان.. طموح يصطدم بعقبات مختلفة ...
- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - الهليون - قصة قصيرة