|
رغم سلبيات تافهة وتجاوزات غير بريئة.. ألف مبروك للصحفيين .. وللوطن
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2125 - 2007 / 12 / 10 - 04:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
حضرت انتخابات كثيرة فى بلاد عديدة تختلف ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها وموقعها على ظهر الكرة الأرضية. ورغم هذه الاختلافات الواضحة لاحظت أن القاسم المشترك بين هذه الانتخابات هو أنها تتحول إلى احتفالية شعبية حتى يكاد الزائر الأجنبى يتصور أن هذا اليوم "عيد" نظرا لما تحفل به هذه المناسبة من بهجة لا يقتلها التنافس الشديد بين المرشحين. وهذا أمر يمكن أن نفهم سببه إذا تذكرنا أن يوم الانتخابات عيد حقيقى لأنه اليوم الذى يقرر فيه الناخبون مستقبلهم لبضع سنوات قادمة ويختارون البرنامج الذى يعتقدون أنه يحقق مصالحهم فى هذه الفترة. ولذلك ترى أن الناخب، رجلا كان أو سيدة، يأخذ معه أسرته وأطفاله الصغار، وكأنه ذاهب للاحتفال بعيد شم النسيم، خاصة وأن الأمن يكون مستتبا، والقانون محترما من الكبير قبل الصغير، ومقار الانتخابات جميلة ونظيفة، وقواعد اللعبة الانتخابية تحظى بقبول والتزام الجميع، والتنافس بين المرشحين لا يتجاوز الخطوط الحمراء ولا يهبط إلى المستويات المتدنية للغوغائية والإسفاف والضرب تحت الحزام. وقد بدأت انتخابات نقابة الصحفيين المصريين على هذا النحو المتحضر والحافل بالبهجة وإحساس الجميع بالمسئولية. ومرت عملية الاقتراع بسلام وسلاسة حتى قبل إغلاق الصناديق الزجاجية الشفافة بنحو الساعة. ففى هذه الساعة الأخيرة، والتى عادة ما تكون ذروة إقبال الناخبين، نشطت حملات ترويج الشائعات ضد مرشحين بعينهم، بهدف التأثير على موقفهم فى الصناديق الأخيرة، خاصة أن هذه الشائعات مدروسة بعناية ويتم إطلاقها فى الوقت الحرج الذى لا يجعل المرشح "الضحية" فى وضع يسمح له بإمكانية تفنيدها أو الرد عليها. ومع ذلك .. فإنه يمكن – مع التجاوز – القول بأن هذه أمور عادية وتحدث فى أحسن انتخابات، فما بالك وأن هذه الانتخابات تجرى فى بلاد تتحول فيها هذه المناسبة – كثيراً وفى معظم الأحيان – إلى ساحة قتال يزدهر فيها العنف من الجميع ضد الجميع وتروج فيها لغة "المال" ولغة "الدين". وخفف من إحساس الغضب من هذه التجاوزات غير الأخلاقية من بعض المرشحين "المحترفين" – بالمعنى السلبى لكلمة الاحتراف وليس المعنى الإيجابى – أن عمليات فرز أوراق صناديق النقيب تمت فى ظروف تتسم بالنزاهة والاحترام، وجرى إعلان الفوز الكبير للزميل مكرم محمد أحمد بصورة رصينة رغم أن الموقف كان مشحونا بكل عناصر الإثارة والتشويق. ولأن الأمور كانت تسير على هذه النحو الإيجابى، فقد أذعنت لمطالبة زملائى وأصدقائى المسئولين عن حملتى الانتخابية بالمغادرة والذهاب إلى المنزل والاستمتاع ببضع ساعات من النوم بعد عدة أيام مضنية وشاقة أمضيتها فى المرور على المؤسسات الصحفية، قومية وحزبية وخاصة، ومقابلة الزملاء، وشرح برنامجى الانتخابى، والرد على استفساراتهم وملاحظاتهم، فضلاً عن الاشتراك فى ندوات بالنقابة أو بقنوات التليفزيون والراديو المصرية والعربية والأجنبية، إلى جانب عملى اليومى المعتاد بالجريدة. وقد حدث .. حيث ذهبت إلى المنزل ولم أكن بحاجة إلى أدنى مجهود كى أغط فى سبات عميق، لم يوقظنى منه سوى مكالمة تليفونية بالغة الألحاح ردت عليها ابنتى التى اضطرت إلى إيقاظى بعد أن أبلغها أحد المسئولين بلجنة الإشراف على الانتخابات أن هناك تطورات خطيرة قد وقعت، ولا تزال، وأن هذه التطورات تستدعى من حضورى إلى مسرح الأحداث، أى المكان الذى يجرى فيه فرز أوراق صناديق المرشحين لمجلس النقابة. ولم يكن أمامى خيار آخر سوى ان أذهب بسرعة، وأنا بين النوم واليقظة، ورغم أن مكان الفرز يقع فى نقابة الصحفيين التى كانت تلبس ملابس العيد فى الصباح، فإنه بدا لى كما لو كان مكانا فى كوكب آخر تسوده الفوضى، والصراخ، والعصبية، ويكاد القاضى المسئول عن إعلان النتيجة يختفى خلف عدد كبير من الأشخاص الذين احتلوا المنصة، وفرضوا سيطرتهم عليها، بل أملوا "شروطهم" على القاضى كى يعلن النتيجة .. وإلا !! والأعجب من ذلك التطور اللامعقول هو أن القاضى أبدى قدرا غريبا من التردد والضعف والاستكانة. وإزاء هذا المشهد المنافى لأبسط قواعد الديموقراطية وأصول الانتخابات التى تجرى حتى فى بلاد تركب الأفيال .. لم أنتظر إعلان هذا القاضى للنتيجة وعدت إلى بيتى، وقمت بسرعة بتجهيز حقيبتى للسفر فى مهمة عمل تبدأ فى اليوم التالى وكنت قد قررت الاعتذار عن عدم القيام بها بسبب تزامنها مع الانتخابات. وفى طريقى إلى المطار عرفت تفاصيل النتائج التى لم تشغلنى بقدر ما شغلتنى ملابسات إعلانها. وفى فيينا، عاصمة النمسا الجميلة، التى يكسوها الجليد فى هذا الوقت من العام اكتملت معلوماتى عما حدث فى نقابة الصحفيين المصريين، وقررت إغلاق هذه الصفحة تماما والاهتمام بما أنا مقبل عليه من عمل جديد, لكن ما إن وصلت إلى العاصمة البلجيكية، بروكسل، حتى وجدت زملائى الصحفيين، المصريين والعرب، المشاركين فى المؤتمر ذاته يستقبلوننى بوابل من التساؤلات التى يغلب عليها الانزعاج والاستغراب، فضلاً عن سيل من المشاعر الجميلة التى أغرقونى بها ظنا منهم أنى حزين لخروجى من السباق بفارق ثمانية وعشرين صوتا. والحق أقول إنى لم أغضب لهذا السبب، بقدر ما غضبت من هذا المشهد المخزى الذى تكفل بتشويه يوم جميل ليس فقط للصحفيين وإنما أيضا لكل المصريين الذين يتحرقون شوقاً لانتخابات نزيهة. وأود أن أكون دقيقاً بهذا الصدد، فلست أشكك فى النتيجة النهائية بسبب الأصوات الثمانية والعشرين إياها، أو لأى سبب آخر، إنما أعرب عن أسفى للملابسات السيئة والسلبية التى شابت عملية إعلان النتائج، كما أعرب عن أسفى للجوء بعض الزملاء المرشحين إلى أساليب لا تتفق مع جوهر الديموقراطية، مثل الاعتماد على الانتماءات القبلية والعشائرية والعصبيات، ومثل الانزلاق إلى ترويج شائعات ضد خصومهم ومحاولة اغتيالهم معنويا مع سبق الاصرار والترصد. وها هى الانتخابات قد انتهت بحلوها ومرها، وعدنا جميعاً زملاء وأصدقاء وأبناء مهنة نفخر جميعا بالانتماء إليها. ومن بعيد .. وحيث أكتب هذه الكلمات من أوروبا التى لا يحول بردها القارص دون اندلاع المظاهرات والاحتجاجات والاضرابات، أبعث بشكرى وامتنانى ليس فقط لأكثر من ألف وثلاثمائة زميل أعطونى أصواتهم وإنما أيضا لبقية الزملاء الذين حجبوا ثقتهم عنى. فهذه هى الانتخابات وتلك هى الديموقراطية، ويكفينى هذا القدر الهائل من المشاعر النبيلة والجميلة التى غمرنى بها عشرات ومئات الزملاء فى هذا السباق الانتخابى. وأتعهد بأن أبقى خادما لمهنة الصحافة التى هى رسالة قبل أن تكون مجرد مهنة، وأن أبقى خادما لزملائى الصحفيين ومدافعاً عن مطالبهم المشروعة، سواء فيما يتعلق بـ "الخبز" أو "الحرية" أو الارتقاء بأصول المهنة إلى مستوى ومعايير عصر ثورة المعلومات. مع تهنئتى القلبية لأعضاء مجلس النقابة الجدد، وتهنئة قلبية خاصة لنقيبنا "الشاب" الزميل والصديق العزيز مكرم محمد أحمد. وكل انتخابات وأنتم طيبون.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة الفرنسية .. الثانية
-
نشرة حكومية .. لكنها تستحق الاحترام
-
يومان داخل عرين -حلف شمال الأطلنطى- .. يا حفيظ!
-
إنها الحرية .. يا غبى
-
أيها المجتمع المدنى الكسيح .. كم من الجرائم ترتكب باسمك؟!
-
جرثومة الكسل الاسلامية!
-
لا تقولوا أن -الفلوس- هى السبب !
-
أفراح وأحزان.. في احتفالية مكتبة الإسكندرية بعيد ميلادها الخ
...
-
ارفعوا أيديكم عن نقابة الصحفيين
-
برنامج الأخوان:طلب لجوء سياسى جماعى إلى الماضى
-
تصريحات ساويروس .. المهذبة
-
رسالة أمل .. من نوبل
-
الملك فاروق الأول .. والأخير!
-
فواتير الصيام -المضروبة- فى بنك تنمية الصادرات
-
النوبة تصرخ يا ناس!!
-
قرار شجاع .. حتى لو جاء متأخرا
-
بلد شهادات !
-
ثمانون جلدة للصحفيين .. وثمانون مليون جلدة للدولة المدنية ال
...
-
حتى فى إندونيسيا: الأصوليون يستغلون الديموقراطية .. لذبحها!
-
حرب الاستنزاف
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|