الاشتراكية العلمية
يكشف الاقتصاد السياسي النقاب عن القوانين الاقتصادية وظروف ومحفزات تطوير الإنتاج الاشتراكي ، فهو بذلك يبين لنا طرائق تطوير القاعدة المادية التقنية للاشتراكية. كما يدرس علاقات الإنتاج في حركتها الديناميكية وفي ارتباطها بتنمية وتحسين عوامل الإنتاج ونمو وزيادة فعاليتها . وهو بذلك يحاول وضع توصيف كمي ونوعي للظواهر والمشكلات الاقتصادية ، ويستخدم أحياناً الطرائق الرياضية والإحصائية للبحث في العلائق الاقتصادية بين الناس .
أولاً - السمات الأساسية لمرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية :
لا يمكن للاشتراكية أن تنشأ ضمن أطر العلاقات الرأسمالية . ولا تنضج في أحضان النظام الرأسمالي سوى المقدمات المادية التي تعمل على التحول من النظام الرأسمالي إلى النظام الاشتراكي . ولا يتم الانتقال إلى الاشتراكية على الفور وبشكل جاهز وناجز. بل لا بد من مرحلة انتقالية ، قد تطول أو تقصر ، يتم خلالها القضاء على مخلفات النظام القديم وإرساء أسس المجتمع الاشتراكي الجديد . وتسمى هذه المرحلة ، مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية . تبدأ هذه المرحلة بالإعلان عن قيام سلطة المنتجين السياسية ، التي تعيد لهم حقهم في حصيلة إنتاجهم ووسائل الإنتاج . وبعد أن تركز الطبقة العاملة السلطة السياسية في أيديها تشرع بالتحولات الاشتراكية .
إن بناء الاشتراكية وتحقيقها لا يتم دفعة واحدة ومباشرة بعد استيلاء البروليتاريا على السلطة ، بل يتطلب المرور بمرحلة انتقالية طويلة نسبياً يتم خلالها الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية . " وذلك لأن إعادة تنظيم الإنتاج أمر صعب ، ولأن إجراء تغييرات جذرية في جميع ميادين الحياة يتطلب وقتاً ، ولأنه لا يمكن قهر القوة الهائلة الكامنة في إدارة الاقتصاد بالطريقة البرجوازية الصغيرة والبرجوازية إلا بنضال عنيد طويل النفس . لذا يتحدث ماركس عن مرحلة كاملة من دكتاتورية البروليتاريا باعتبارها مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية " . [1]
ويتميز اقتصاد المرحلة الانتقالية بتعدد أنماطه . حيث نلاحظ في هذه المرحلة ثلاثة أنماط اقتصادية أساسية هي : [2]
1 - النمط الاشتراكي (تمثله الطبقة العاملة) .
2 - النمط البضاعي الصغير (تمثله الاستثمارات الفلاحية ، والحرفيون وغيرهم من صغار المنتجين الذين لا يستخدمون العمل المأجور) .
3 - الرأسمالية الخاصة (تمثلها المشاريع الرأسمالية الكبيرة في المدينة والريف والتي تستخدم العمل المأجور) .
ومن الممكن أن توجد أنماط اقتصادية أخرى غير الأنماط الثلاثة المذكورة أعلاه إذ تستمر خلال هذه المرحلة ، بعض العلاقات العشائرية والقبلية والإقطاعية .
وتبدأ مهمات بناء النظام الاشتراكي ، بالعمل على إنهاء وتجاوز تعدد الأنماط هذه بوساطة التدابير الاقتصادية التي تقود إلى إشاعة علاقات الإنتاج الاشتراكية على نطاق الدولة بكاملها.
وأثناء المرحلة الانتقالية لا بد من اتخاذ بعض التدابير والإجراءات منها :
- محاربة الاحتكارات الإمبريالية والبرجوازية الكبيرة المحلية والإقطاعيين .
- تطوير قطاع الدولة في الاقتصاد الوطني .
- فرض رقابة شديدة على نشاط رأس المال الأجنبي .
- تطبيق مبدأ التخطيط والاقتصاد المنهجي .
- تنفيذ الإصلاحات الزراعية وتشجيع الحركة التعاونية الزراعية في الريف.
وتختلف وتائر هذه التحولات الاجتماعية الاقتصادية وعمقها باختلاف البلدان، ولكنها تبقى بشكل عام المقدمات الفكرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء أسس النظام الاشتراكي . ويتضمن الانتقال إلى الاشتراكية خلق علاقات اجتماعية جديدة تختلف تماماً عن العلاقات الرأسمالية ولا يمكن خلقها ضمن الرأسمالية .
إن مدة المرحلة الانتقالية من الرأسمالية إلى الاشتراكية تختلف من وقت لآخر ومن بلد لآخر ، وهي ترتبط بالظروف التاريخية لكل بلد، بما فيها مستوى القوى المنتجة ، ودرجة تطور أشكال ملكية وسائل الإنتاج ، وميزان القوى الاجتماعية ، والتقاليد التاريخية والقومية ، كما أن للظروف الخارجية ووجود النظام الاشتراكي العالمي أثراً مهماً في تحديد مدة المرحلة الانتقالية . [3] وبعد انتصار الثورة الاشتراكية تبدأ مرحلة حل المهمات الأساسية للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية . وأبرز هذه المهمات :
- تصفية علاقات الإنتاج الرأسمالية ، والاستعاضة عنها بعلاقات اشتراكية .
- تصفية الطبقات الاستغلالية وإزالة استغلال الإنسان للإنسان والأسباب التي تولده.
1 - بناء القاعدة المادية والتقنية للاشتراكية عن طريق :
2 - بناء صناعة متطورة واستخدام التقنية العالية .
3 - التغلب على تعددية الأنماط في الاقتصاد الوطني .
4 - تحويل الإنتاج الحرفي الصغير تدريجياً إلى إنتاج اشتراكي تعاوني كبير.
5 - تعميم الثورة الثقافية . [4]
وكتب أنجلس يقول : " إن الاشتراكية تهيئ إمكان توفير الظروف المادية الكافية والمتحسنة من يوم لآخر للعيش لأعضاء المجتمع كافة ، وكذلك التنمية الكاملة الحرة وتلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية عن طريق الإنتاج الاجتماعي".
ويتم في مرحلة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ، ترسيخ أسس الاقتصاد الاشتراكي من خلال :
- بناء القاعدة الصناعية الاشتراكية .
- تطوير الزارعة ونقلها من الفردية إلى الجماعية عن طريق المزارع التعاونية ومزارع الدولة.
- إلغاء إمكانية حدوث الاستغلال .
- زوال علاقات التنافس والمزاحمة ، وعلاقات السوق العفوية .
- وترسيخ الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج .
وبما أن الاقتصاد الاشتراكي هو أساس الحياة في المجتمع ، فإنه يشترط تطور جميع الميادين الأخرى (السياسية ، الاجتماعية والثقافية) . وتسهم الدولة في جعل العمل الحاجة الحيوية الأولى لكل مواطن ، عندما تتحقق المصلحة المادية والمعنوية للمنتجين في جني ثمار الإنتاج . وهذه المصلحة تتحقق من خلال تطبيق المبدأ الاشتراكي لتوزيع الخيرات المادية حسب كمية العمل المبذول ونوعيته .
ثانياً - التناقضات الاقتصادية في مرحلة الانتقال : [5]
نتيجة لوجود أنماط وأشكال اقتصادية خلال مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية تختلف من حيث طابع الملكية وعلاقات الإنتاج . فمن البدهي أن تبرز خلال مرحلة الانتقال مجموعة من التناقضات الاقتصادية التي لا تتلاءم مع الطبيعة الموحدة والمترابطة لنمط الإنتاج الاشتراكي . ويمكن تلخيص أهم هذه التناقضات بما يلي :
1- التناقض الأساسي بين الاشتراكية والرأسمالية . لأن مجرد استلام السلطة السياسية لا يعني إزالة العلاقات الرأسمالية وبصورة كلية . إذ يبقى تأثير هذه العلاقات قائماً سواء أكان على الصعيد السياسي أم الإيديولوجي ، ولذا تتسم مرحلة الانتقال بصراع اجتماعي وسياسي قد يكون حاداً في بعض الحيان بين القوى الاشتراكية الصاعدة والقوى التي تعمل للعودة إلى الرأسمالية .
2- التناقض بين طبيعة السلطة السياسية والبناء الفوقي للمجتمع وبين انخفاض مستوى القاعدة المادية والتقانية وبخاصة في البلدان التي لم تشهد في السابقة تطوراً عالياً في مستوى التصنيع . ويتفاقم هذا التناقض كلما تعددت الأنماط والأشكال الاقتصادية خلال مرحلة الانتقال مما يزيد من صعوبات التغير في البنية الاقتصادية وتعميم أسلوب الإنتاج الاشتراكي بالاقتصاد الوطني .
3- إن أحد هذه التناقضات هو التناقض بين الصناعة الاشتراكية المتمركزة في إطار علاقات الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج الأساسية وبين تبعثر الإنتاج السلعي الفردي البسيط في المجالين الحرفي والزراعي . فاختلاف العلاقات والقوانين الاقتصادية في كلا القطاعين يؤدي إلى ظهور الخلل وفقدان التوازن في الاقتصاد الوطني . وحتى يمكن منع نمو أي شكل من أشكال العلاقات الرأسمالية في مجال الإنتاج السلعي البسيط أو الصغير وما ينجم عن ذلك من نتائج ضارة على تطور الاقتصاد الاشتراكي ، فإن الدولة تقوم في سبيل حل هذه المشكلة بإنجاز كل الإجراءات الاقتصادية والسياسية بغية تحويل الإنتاج السلعي الفردي البسيط إلى الشكل التعاوني والاشتراكي في الإنتاج .
نستنتج مما تقدم أنه يستحيل التعايش بين أنماط اقتصادية متناقضة في جوهرها وطبيعتها مع طبيبعة النظام الاشتراكي . وذلك خلافاً لما هو عليه في الأنظمة الاقتصادية الأخرى . ويعود ذلك لأسباب عديدة أولها - إن استمرار انخفاض مستوى القوى المنتجة في بعض الأنماط الاقتصادية كنمط الإنتاج السلعي البسيط لا يسمح بتطور العلاقات الاشتراكية . ثانيهما - إن تدعيم البناء الفوقي للمجتمع المتمثل بالسلطة السياسية والمؤسسات الاجتماعية والثقافية يشترط وجود بنية تحتية متمثلة في قاعدة اقتصادية متماسكة ومتطابقة مع البنية الاجتماعية والسياسية.
إن العلاقات الاقتصادية حسب النظرية الماركسية - اللينينية تجسد المصالح الحقيقية للطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة . إن المصالح الاقتصادية الحقيقية للطبقة العاملة والفئات المنتجة الأخرى في المجتمع الاشتراكي تتجسد في تطوير القوى المنتجة وزيادة إنتاجية العمل الاجتماعية . إلا أنه يستحيل تحقيق هذا الهدف دون حل للتناقضات الناجمة عن وجود أنماط اقتصادية مختلفة . فحتى يمكن إزالة شكل الإنتاج الرأسمالي وتحويل شكل الإنتاج السلعي البسيط لا بد من تطوير أسلوب الإنتاج الاشتراكي على المستوى الاجتماعي وهو يرتكز أولاً على تطوير القاعدة المادية التقانية للاشتراكية وعلى تجميع وتحديث العمل الزراعي وغير ذلك من قطاعات الاقتصاد الوطني .
ثالثاً - السمات العامة المميزة للاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي :
يتم الانتقال إلى التشكيلة الاجتماعية - الاقتصادية الشيوعية ، من خلال تحلل وسقوط النظام الرأسمالي . وتمر هذه التشكيلة ، خلال عملية تطورها ، بمرحلتين أساسيتين على التوالي : الأولى - هي الاشتراكية ، والثانية - هي الشيوعية . ويتم الانتقال من المرحلة الأولى " الاشتراكية " إلى المرحلة الثانية " الشيوعية " بشكل تدريجي ، وخلال فترة زمنية تطول أو تقصر ، وذلك حسب الخصائص التاريخية والقومية لكل مجتمع من المجتمعات . ونستطيع أن نحدد أهم الخصائص والصفات التي تميز الاشتراكية وفقاً لما يلي :
- الأساس الاقتصادي - الاجتماعي في الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج . وتصبح علاقات الإنتاج علاقات تعاون ومساعدة متبادلة.
- تصبح وسائل الإنتـاج ، وسيلة لتوفير زمن العمل ولتخفيف وطأته . من خلال زيادة إنتاجية قوة العمل بشكل عقلانية ومخطط ، وزيادة الثروة الاجتماعية بهدف تحسين رفاه الأفراد والمجتمع .
- يتصف العمل بطابع اجتماعي ، ولا يخضع لاستغلال .
- الهدف الأساسي للإنتاج هو تلبية الحاجات المادية والثقافية المتزايدة باستمرار ، للفرد والمجتمع .
- إن العمل واجب اجتماعي على أفراد المجتمع كافة القادرين عليه . والمساهمة في العمل هي معيار المشاركة في توزيع المنتوج الاجتماعي .
وبذلك يتم توزيع المنتوج الاجتماعي حسب نوعية وكمية ما أنفق من عمل في الإنتاج الاجتماعي . وتتحدد سمات المجتمع الاشتراكي في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفقاً لما يلي :
1- في الميدان الاقتصادي : يتحقق أسلوب الإنتاج الاشتراكي ، عندما تصبح ملكية وسائل الإنتاج تخص المجتمع بأسره من خلال ملكية الدولة والملكية التعاونية . ويكون هدف الإنتاج تحقيق الحد الأقصى من تلبية حاجات أعضاء المجتمع المادية والروحية . ويكون العمل واجباً مفروضاً على الجميع ، مع ضرورة تأمينه لسائر القادرين عليه ، ويجري الإنتاج هنا وفق خطة الدولة ، ويتم توزيع المنتوجات حسب العمل ووفقاً لمبدأ الاشتراكية ، الذي ينص : (من كل حسب كفاياته ، ولكل حسب عمله) .
2- في الميدان الاجتماعي : أهم الصفات التي تتصف بها الاشتراكية هي انعدام التناحرات الطبقية . ومع زوال التناحرات الطبقية في داخل المجتمع تزول التناحرات بين الأمم والشعوب . ويكون قانون حياة المجتمع هنا هو عناية الجميع بخير كل فرد وعناية كل فرد بخير الجميع .
في مرحلة بناء الاشتراكية لا يمكن تحقيق المساواة الاجتماعية التامة . فإن العمل لا يزال ينقسم إلى عمل ذهني وعمل جسدي ، إلى عمل صناعي وعمل زراعي وهذه الظروف توجد عدم التجانس في المجتمع على الصعيد الاجتماعي، ووجود الطبقات كالعمال والفلاحين ، والفئات أيضاً كالمثقفين . وهذا يؤكد استمرار ظهور بعض التناقضات غير التناحرية ، والتي يمكن حلها في إطار النظام الاشتراكي من خلال عملية التطور المستمرة .
3- في الميدان السياسي : يجب أن تكون السلطة السياسية في النظام الاشتراكي بأيدي المنتجين والشغيلة ، بقيادة الطبقة العاملة . مع وجود حزب طليعي يقود الدولة والمجتمع . ويتم حل القضايا الاجتماعية الأساسية ، على أساس اشتراك الجماهير الديمقراطي الواسع ، من خلال المنظمات الشعبية . لقد احتلت مسائل النضال الطبقي موقعاً مهماً في مبادئ الاشتراكية العلمية .
وأكد ماركس وانجلز على دور الطبقة العاملة الثوري في عملية التحويل الاشتراكي. هذا الدور الذي تحدده جملة من العوامل أهمها : [6]
آ - إن الطبقة العاملة هي القوة المنتجة الرئيسية في المجتمع .
ب - إنها الطبقة الأكثر معاناة من الاستغلال في المجتمع البرجوازي .
ج - إنها الطبقة الوحيدة صاحبة المصلحة في استبدال بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الملكية الاجتماعية .
د - إنها الطبقة الأرقى تنظيماً ، بين فئات المجتمع الأخرى من خلال عملها في مؤسسات الإنتاج وتعودها على الطاعة والانضباط ورص الصفوف .
هـ – إنها الأشد تقبلاً لأفكار الاشتراكية العلمية .
و - إنها الأكثر تقدما وثورية ، لأنها مرتبطة على الدوام ، بأحدث منجزات العلم والتكنيك ، فيما يتعلق بتحديث وتطور وسائل الإنتاج .
ولا بد من تعميق التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين ، والمثقفين والمستخدمين وسائر الشغيلة ، حينذاك تستطيع الطبقة العاملة أن تحرر المجتمع بكامله من الاستغلال . فالمجتع الاشتراكي الفعلي هو المجتمع الذي يحقق الشروط التالية :
- إلغاء الاستغلال والاضطهاد الطبقي والقومي .
- تصفية البطالة والجوع والبؤس والتخلف وعدم الثقة بيوم الغد .
- ضمان حق المواطن في العمل والراحة والتعليم والرعاية الصحية والسكن وتأمين الشيخوخة .
- استمرار نمو المستوى المادي للمعيشة ، وتوفير المعارف والثقافة العالمية والمحلية .
- مشاركة المنتجين في إدارة وسائل الإنتاج كل في المشروع الذي يعمل به. ومشاركته في الحياة اليومية للمنطقة التي يعيش فيها .
- كما ويسعى النظام الاشتراكي العالمي إلى ترسيخ السلام وتحقيق التعاون ونزع السلاح بين مختلف دول العالم .
ولا بد من الإشارة إلى بعض جوانب النقص في النظام الاشتراكي . مع أن هذه النواقص لا يمكن أن تحجب عنا حسناته وفضائله .
ويمكننا تحديد سمات المجتمع الاشتراكي (حالة الاتحاد السوفياتي) وفقاً لما يلي :
- وجود قوة منتجة جبارة ، وعلم متقدم، وثقافة طليعية، ويرتفع باستمرار مستوى المعيشة في المجتمع ، وتتكون ظروف ملائمة لتطوير الفرد من جميع النواحي.
- وجود علاقات إنتاج اشتراكيةِ، تحقق التقارب بين جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية المنتجة ، وتحقق المساواة الفعلية والحقوقية بين جميع الأمم والأقوام وتؤدي إلى تعاونها فيما بينها.
- وجود التنظيم الرفيع والإخلاص الفكري العالي والوعي السامي لدى الشغيلة ذوي النزعة الوطنية والأممية.
- سيادة قانون "عناية الجميع بخير كل فرد وعناية كل فرد بخير الجميع".
- توفر الديمقراطية الحقيقية عن طريق اشتراك المنتجين في حياة الدولة اشتراكاً متزايداً. والجمع بين حقوق المواطنين، وحرياتهم الفعلية وبين واجباتهم ومسؤولياتهم أمام المجتمع([7]).
في ظل الاشتراكية لا يمكن تحقيق المساواة الاجتماعية التامة . فإن العمل لا يزال ينقسم إلى عمل ذهني وعمل جسدي، إلى عمل صناعي وعمل زراعي. وهذه الظروف توجد عدم التجانس في المجتمع على الصعيد الاجتماعي، ووجود الطبقات كالعمال والفلاحين والفئات أيضاً كالمثقفين.
رابعاً - القانون الاقتصادي الأساسي للنظام الاشتراكي :
تسير الحياة الاقتصادية في أي مجتمع وفقاً لقوانين محددة ، وليس حسب رغبة الأفراد في هذا المجتمع . ولقوانين الحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي طابع موضوعي ، من خلال العلاقة بين الظواهر . وبذلك نرى أن النظام الاقتصادي في المجتمع تحدده علاقات الإنتاج أي العلاقات بين الناس في مجال إنتاج الخيرات المادية وتوزيعها وتبادلها واستهلاكها . أما أساس النظام الاقتصادي فهو شكل معين لملكية وسائل الإنتاج يحدد العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين الطبقات والفئات الاجتماعية في المجتمع . كما أن النظام الاقتصادي يوضح لنا مستوى التطور الاجتماعي ، ويحدد التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في التفاعل مع البناء الفوقي السياسي والحقوقي.
إن الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج تشكل أساس الاشتراكية الاقتصادي . وللاشتراكية قاعدة مادية وتقنية ، تتمثل بصناعة آلية كبيرة ومتطورة ، مع هيمنة العمل الآلي في جميع فروع الاقتصاد الوطني . [8] " والاشتراكية ، بإقرارها الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج ، تجمع الاقتصاد الوطني في وحدة متكاملة . ويغدو مجمل الاقتصاد الوطني مجالاً لدائرة من النشاط الواعي والهادف ، شأن الإنتاج في إطار كل مؤسسة على حدة . وفي المجتمع الاشتراكي يعي الناس القوانين الاقتصادية الموضوعية ، ويملكون زمامها ويستخدمونها في ممارسة البناء الاقتصادي ، لما فيه خير المجتمع بأسره " . [9]
إن القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية يبرز الخصائص لأسلوب الإنتاج الاشتراكي وهي تختلف بصورة جوهرية عن الأشكال التاريخية لأساليب الإنتاج ما قبل الاشتراكية . فإذا كان قانون لربح يشكل القانون الاقتصادي الأساسي للرأسمالية . فإن الرفاه الشامل(وتحقيق مبدأ تلبية احتياجات الأفراد المتزايدة وإشباعها) وتطور شخصية الفرد هو القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية . وهذا يعني الاندماج المباشر بين المنتجين ووسائل الإنتاج ، عندما ينتفي وجود أية مجموعة من الأفراد تحتكر وسائل الإنتاج الأساسية . وتصبح للقوى المنتجة طبيعة اجتماعية ويتم استخدامها لزيادة إنتاجية العمل ورفع مستوى المعيشة لأفراد المجتمع . وعندما يعمل المجتمع على إشباع حاجات الأفراد المادية والمعنوية فإن مصالح المجتمع تشكل في النتيجة مع مصالح الأفراد وحدة متكاملة لأن رفع مستوى الفرد من ناحية أخرى يزيد من مساهمته في الإنتاج الاجتماعي . وهذا يعني وحدة المصالح الاجتماعية والفردية ، الأمر الذي يؤدي إلى تحويل العمل إلى نشاط إبداعي . وبدلاً من التنافس بين العمال في سوق العمل فإن المباراة الاشتراكية تظهر بين المنتجين في الاشتراكية . عدا عن أن العمل الآلي وتسهيل الشروط وتحقيق المساواة في العمل تخلق الشروط المادية ليتحول العمل إلى نشاط إبداعي . وتتحول عملية إشباع الحاجات في المجتمع الاشتراكي إلى مسألة اجتماعية، وتقع على عاتق المجتمع بكامله.
" وحاجات الفرد لا تقتصر فقط على حاجاته الفيزيولوجية المعيشية ، وإنما تشمل حاجاته المعنوية الثقافية والاجتماعية بعده كائناً اجتماعياً . إن وحدة الحاجات المادية والمعنوية تنجم عن الوحدة العضوية التي تربط ما بين الفرد والمجتمع . ولأن الفرد يكون عادة في المجتمع الاشتراكي منتجاً ومستهلكاً ، فإن حاجاته لا تنحصر في إنتاج وسائل الاستهلاك ، وإنما أيضاً بزيادة وسائل الإنتاج وتطويرها " . [10] إن الحاجات الإنسانية لا تبقى ثابتة ، بل هي في تطور مستمر ، ولهذا يبقى لمفهوم الإشباع الكامل للحاجات الإنسانية مفهوم نسبي . إن تحقيق الإشباع الكامل يشترط تنمية الإنتاج ووضع السياسة الاقتصادية المناسبة .
" ويرتبط مستوى إشباع الحاجات بمستوى تطور القوى المنتجة ، ولكن الشيء الهام هو أن المجتمع الاشتراكي كتنظيم واع وهادف يستطيع أن يواجه الإنتاج والتوزيع لإشباع الحاجات الاجتماعية والفردية وفقاً لسلم أولويات تحدده وفرة الموارد المتاحة . ومن ناحية أخرى فإن المجتمع الاشتراكي يركز اهتمامه على توفير الحاجات الأساسية لكل أعضائه مثل الغذاء والمسكن والتعليم والخدمات الصحية . ومن ثم تزداد قائمة الاحتياجات التي يسعى إلى إشباعها مع زيادة الإمكانات المتوفرة لذلك " . [11] إن الهدف الأساسي للإنتاج الاشتراكي هو الوفاء باحتياجات المنتجين والشعب بكامله .
الاشتراكية نظام اقتصادي اجتماعي جاء ليحل محل النظام الرأسمالي وأهم ما يميز هذا النظام هو الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وانتقاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، والإنتاج الاجتماعي المخطط على نطاق المجتمع بأسره، والاشتراكية هي الطور الأول –وفقاً للنظرية الماركسية - للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الشيوعية.
وتتعارض الاشتراكية تعارضاً جذرياً مع الرأسمالية. لأن القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستبدال الملكية الاجتماعية بها يؤدي إلى تغيير الوجه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع. وبعد أن كان هدف الإنتاج هو تحقيق الربح لمالكي وسائل الإنتاج وابتزاز الطبقة العاملة والكادحين في النظام الرأسمالي، يصبح هدف الإنتاج في النظام الاشتراكي تلبية حاجات أعضاء المجتمع المادية والروحية، ووضع حد نهائي للاستغلال، كما أنه يفرض واجب العمل على الجميع لأن "من لا يعمل لا يأكل". وبذلك يتحول المجتمع من مجتمع تناحري، إلى مجتمع وحدة مصالح المنتجين والعاملين فيه . ويبدأ تطبيق المبدأ الأساسي للاشتراكية هنا "من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله". وتتأكد الوحدة الاجتماعية والسياسية والفكرية، وتبدأ الفوارق الطبقية والاجتماعية بالتراجع والاضمحلال التدريجي([12]).
ويتميز النظام السياسي للاشتراكية في هذا البلد أو ذاك ، بالدور القيادي للطبقة العاملة، والحزب الذي يقود الدولة والمجتمع، وضرورة التوفيق بين مؤسسات الدولة والمنظمات الاجتماعية، وباجتذاب الجماهير إلى إدارة المجتمع والدولة.
آلية عمل النظام الاقتصادي في الدول الاشتراكية :
تختلف دول المنظومة الاشتراكية فيما بينها من حيث مستوى تطور القوى المنتجة. كما تختلف مراحل تطور أسلوب الإنتاج الاشتراكي من دولة لأخرى . وتشترك جميع دول المعسكر الاشتراكي فيما يتعلق بالشروط الأساسية للنظام الاقتصادي الاشتراكي وهي:
1- الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج الأساسية.
2- تلبية حاجات الأعضاء المنتجين في المجتمع "الفردية والاجتماعية" الأمر الذي يعد أداة النظام الاقتصادية وهدفه وهذا يقتضي استلام السلطة من قبل الطبقة العامة، مع وجود حزب طليعي يقود الدولة والمجتمع .
3- تتم إدارة الاقتصاد الوطني بشكل مخطط ، ويجري الإنتاج وفق خطة الدولة.
4- إن قانون التوزيع السائد هنا، هو "لكل سحب عمله"([13]).
هذه هي الخصائص العامة التي تميز النظام الاقتصادي في الدول الاشتراكية عن نظيره الرأسمالي .
إن النظام الاقتصادي في النظام الاشتراكي لا تحكمه آلية السوق ونزعة الربح الفردي، بل تتحكم به بصورة أساسية الخطة الاقتصادية التي تهدف إلى تلبية حاجات المجتمع المتزايدة والتي تمثل تعبيراً عن أهداف المجتمع ورغباته. ويعد الربح وسيلة أكثر منه غاية في حد ذاته. ويستخدم السوق ضمن إطار التخطيط كوسيلة فعالية وخادماً بدل أن يكون سيداً متحكماً كما في النظام الرأسمالي .
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] -لينين ، المؤلفات الكاملة، المجلد38، ص385-386 .
[2] - ايلين وموتيليف، ماهو الاقتصاد السياسي، مصدر سابق ص367 .
[3] - انظر، الاقتصاد السياسي دليل العلوم الاجتماعية ، مجموعة من المؤلفين السوفييت، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي ت.د. فؤاد أيوب، دار دمشق - بيروت 85-1986 ، ص 357 .
[4] - انظر، الشيوعية العلمية ، معجم، المصدر السابق ص330-332 .
[5] - مقتطف ، د. محمد سعيد نابلسي ، الاقتصاد السياسي، كلية الاقتصاد والتجارة دمشق 1985 ص354-356 .
[6] - كلمينتييف وفاسيللييفا، المصدر السابق ص32-34 .
([7]) - أنظر : دستور الاتحاد السوفييتي ، القانون الأساسي، ص4-5 .
[8] - انظر : ما هي الاشتراكية ، المصدر السابق، ص88 .
[9] - ليونتييف، موجز الاقتصاد السياسي، دار التقدم، موسكو 1975 ، ص220 .
[10] - د. محمد سعيد نابلسي، الاقتصاد السياسي، جامعة دمشق 1985، ص413.
[11] - د. مطانيوس حبيب، الاقتصاد السياسي، جامعة دمشق 1984، ص246. كارل ماركس وفريدريك انجلز، المؤلفات، المجلد20 باللغة الروسية، ص 294.
([12]) - الشيوعية العلمية، معجم، دار التقدم، موسكو 1985، ص31-32 .
([13]) - S.Szfler I s. Marciniak, Ekonomia Ploityczna P.W.N., Warszawa 1974 , Str. 414