هل يمكن أن تسعى المرأة لنيل حقوقها و تعمل من أجل تحقيق مساواتها مع الرجل في ميادين الحياة إذا لم تتوفر لديها ثقة و قناعة بأنها مساوية له حقا ؟
تُنشىء المفاهيم الاجتماعية الفتاة الصغيرة على فكرة أساسية , أنَّ الأنوثة هي الخضوع و الطاعة للذكور و أنَّ شأن المرأة أقل من شأن الرجل و تحدد للأم المكانة الثانية في بيتها و تُهيىء الطفلة الصغيرة على أنَّ واجباتها خدمة الذكور في العائلة و أنَّ العمل الوحيد الذي يمكن للمرأة تحقيقه أن تكون زوجة و تحت جناح رجل و ليس زوجة بالمفهوم العصري للزواج الأُحادي الحضاري إنما أقرب لمفهوم المرأة المُعالة و بالتالي فدورها الخدمة و الطاعة و إنجاب الأبناء الذكور لزوجها حيث تنظر هذه المرأة بسبب التشوه الذي أصاب أُمومتها- تنظر -إلى أبناءها الذين خرجوا من رحمها باعتبارهم أبناء الزوج أولا .
و المرأة الغير مطيعة هي متمردة و هي أفعى يجب ضربها على رأسها كلما رفعت رأسها.
و الفتاة قطعة زجاج يمكن لأي كان أن يخدشها و يكسرها .
و ليلى يجب أن تطيع أمها طاعة عمياء و تسير في الطريق الذي حددته لها بدقة فلا تساعد العصافير الجريحة في الطريق و لا تكلم الغزلان و الأرانب لأن الذئب ( الرجل ) سوف يلتهمها ( يغتصبها ) و بالتالي تفقد حياتها ( عذريتها ) إن هي حاولت الاستمتاع بجمال الطريق و اكتشافه و التعرف على كائناته أكثر من اهتمامها بالوصول للهدف النهائي المحدد لها مسبقا و هو الوصول لجدتها لتكرار صيغتها تماما .
و الفتيات الصغيرات يُحَبِّبن بأنفسهن لحكمة إلهية بكونهن غير مرغوبات و بالتالي يلجئن لتحبيب أنفسهن لضعف موقفهن في الحياة و في العائلة مقارنة بإخوتهن الذكور , و لكن لو أنهن نسين أنفسهن فإن الحرمان العاطفي سيكون جزائهن و كي تحصلن على العاطفة يجب عليهن الرضوخ و الإقرار بمكانتهن الأقل بالنسبة للذكور و ذلك بطاعتهن لهم .
فهل المرأة حين ستسعى لنيل حقوقها و العمل لتحقيق المساواة هي متوازنة و مؤمنة بأعماقها بأنها مساوية للرجل في ظل هذه التربية و بالنظر للحالات النادرة التي تتلقى فيها الفتاة تربية لا تقوم على التمييز و لا تزعزع شعورها الطبيعي بالمساواة , و هذه حالات لا تُتاح إلا في بعض العائلات حيث يكون الأب غالبا هو من يحمل مفاهيم مختلفة عن مفاهيم محيطه , أو لدى بعض الأقليات الدينية او الأقليات الإثنية القادمة من خارج المنطقة العربية , و الأب بهذه الحالة سوف يخاطر كثيرا بمنح ابنته الثقة و الحرية لأن المجتمع لن يتعاطى معها بنفس الطريقة و سوف تجد أنَّ المرأة التي تُقر بأنها أدنى سوف تنجح أكثر في الحياة العملية و الزوجية لأنها تلجأ لسلاح الضعفاء , النفاق و الكذب و هو الأسلوب الأفضل و الأنجع بهذا المجتمع .
و لماذا تكون المرأة مساوية للرجل بنظر المجتمع إذا كانت القوانين في الدول العربية لا تساوي بين المرأة و الرجل فَتَعرُّض الإبنة لظروف زواج سيء و طلاق عسير بعد أن تتخلى عن كل حقوقها للحصول عليه , هذا كاف لإقناع الأسرة بالمثل الشعبي ( همّ البنات للممات ) .
و لماذا سينظر المجتمع نظرة مساواة و يفرح بقدوم الأنثى فرحه بقدوم الذكر في مجتمعات يغيب فيها دور المؤسسات العامة التي تصون حقوق الأفراد , و حيث صيانة الحقوق مسؤولية الفرد , و الأسرة الكثيرة الذكور مرهوبة الجانب و أسرة من الإناث مهضومة الحقوق حتى بالنسبة لأبسط الأمور كالعلاقة مع الجيران .
و حين تعمل امرأة على صيانة حقوقها لن تلجأ إلى المؤسسات العامة المشلولة بل تلجأ إلى العائلة و بالتالي هي مضطرة لقبول وصاية العائلة عليها أو تلجأ لطرف آخر و هذا يعني أن تدفع مقابلا عن ذلك ,أو -- و هو الأفضل--- أن تتنازل عن هذه الحقوق لتحفظ كرامتها و استقلالها .
حسنا و في مجال العمل هل ستُثبت المرأة جدارة وكفاءة تجعل المجتمع يقتنع بأن المرأة ليست ناقصة عقل و أنها أهل لتحمل المسؤولية ؟
طبعا ليس بالجديد على البلدان النامية القول بأن أي تحقيق وظيفي في معظم مجالات العمل ( و لا نقول كلها )
قائم على المحسوبية و لا علاقة له بالكفاءة و القدرة و لا يتم على أساس تقييم معايير الأداء و لا يتم اختيار احد لمنصب على أساس التوصيف الوظيفي أو أي من هذه الخزعبلات من مفاهيم علم الإدراة الحديث .
و المحسوبية هي احتساب شخص على شخص آخر و في الواقع تعني ان أُقدم لك خدمة كي تُقدم لي خدمة و أي ترقي وظيفي أو ترفيع أو حتى أتفه دورة تدريبية لرفع مستوى الأداء تحتاج للمحسوبية و ماذا ستقدم المرأة كي تتقدم وظيفيا , إما أن تقدم عنها عائلتها إذا كانت من أصحاب الصلات و النفوذ و حسب مستوى المردود الخارجي للمنصب المطلوب أو تقدم هي بنفسها في حال عدم تمتع الأسرة بهذا النفوذ و ماذا ستقدم امرأة في مجتمع مهووس بجسد المرأة , و بعض الأحيان إذا حققت المرأة صعودا جيدا و تحقيقا ذو عائد فان الأسرة تتجاهل كيف تم ذلك لان هذا التحقيق كاف لإسكات الجميع .
فكيف نريد للمجتمع أن يعتبر المرأة مساوية للرجل في مجتمع يخلط ما بين قيمة الإنسان و تحقيقه الحياتي و هل ستعتقد المرأة أنها فعلا مساوية له في مثل هذه التربية و غياب دور المؤسسات و سيادة المحسوبية في ظل أوضاع لا تحقق المساواة بين الأفراد و الحقوق فيه لا تُنال إلا بالقوة , و الحقيقة لا تقال كاملة .
و تتحول الإبنة إلى عبء و مصدر للقلق و المتاعب بينما الابن في الواقع هو من يحقق القوة و الحماية و الاطمئنان للأسرة.
تتلقى الفتاة كل هذه الجرعات في التربية المنزلية و تتلقى ما هو أسوء في المدرسة حيث القصص الخرافية ذات الرموز الجنسية تتداول بين الفتيات فتزيد هذه القصص من جهلها و شعورها بضعفها و مفاهيمها الخاطئة تجاه الحياة و أما في دروس التربية الدينية فتتعلم أنها عورة و يُعزز فيها الشعور بالذنب على أخطاء لم تقترفها و شعور بضآلة قيمة المرأة التي ستكونها مستقبلا و عدم محبة الله لها لأن اغلب أهل جهنم من النساء كما يقال لها و أسوء النتائج ستصيب الفتاة التي تتعاطى بكل صدق و جدية مع كل ما تسمعه . و تُلقن بأن الزينة هذا الميل الفطري الطبيعي فيها هو تبرج و كفر و تتعلم كيف تقمع ميولها الطبيعية و الغريزية و تستعملها فقط من أجل تحقيق المنافع و الغايات و المآرب دون ان يكون له علاقة بشعور إنساني عميق .
و أما ما تقدمه لها الفضائيات العربية أو شلة حسب الله الممتدة من المحيط للخليج فإما صورة مكررة لتلك التي تمنحها العائلة العربية الشعبية عن المرأة الأفعى أو المرأة المطيعة بجمودها و غياب الأسئلة من رأسها و هناك الصورة الأخرى التي تقدمها برامج تعتقد بأنها برامج حضارية و التي تقدم صورة أشبه بمس صيف و مس شتاء و مس كذا و كذا ,, فتعتقد الفتاة المراهقة أن هذه هي الفتاة أو المرأة الأمثل و هي صورة امرأة بلا طعم و لا لون و لا رائحة و لا ملامح شخصية واضحة و تتعلم الفتاة التكلم مثلها و المشي مثلها و التحرك مثلها فتزيد الحصار على عفويتها و تلقائيتها إن لم تكن هذه العفوية قد انتهت تماما .و تعيد رسم نفسها على تلك الصورة .
و حين يرى المجتمع المرأة في ميادين العمل و الوظائف و خصوصا المرأة التي حققت منصبا ما ليكُّون مفاهيمه حول المرأة الناجحة على صعيد العمل فإنه غالبا سيكرر المثل الشائع ( الله لا يحكم امرأة على أُمة ) .حيث يجني المجتمع نتائج تربيته التمييزية بين الإناث و الذكور في هذه المرأة التي تتصف بنزعاتها العدوانية الظاهرة بسبب شعور عميق بالدونية تجاه الرجال تعبر عنه بكراهية و أذية للنساء لمجرد كونهن نساء و يذكرنها بشعورها هذا و تمنح المجتمع صورة عن المرأة الناجحة و كأنها بالضرورة صورة امرأة مشوهه تطغى عليها نزعة التنافس المرضي و التسلط و هي بهذا التسلط تخفف من ألمها نتيجة التربية الخاطئة و هي امرأة عاجزة عن اكتشاف انوثتها أو يرى تلك المرأة الناصلة اللون ( و التعبير هنا لبيير داكو ) المُلغِية لعفويتَّها و تلقائيتها تماما و ليس فيها شيء طبيعي أو حيوي و هي امرأة رسمت نفسها حسب نماذج محددة و مقطوعة عن عمقها و ذات أنوثة مشوهة .
و إذا تابعنا الأفلام و المسلسلات فإن المرأة العربية هي المنافقة أو الراقصة أو الجشعة و لن تكون امرأة صالحة إلا إذا احتملت خيانة الزوج و حماقة الابن و ظلم الجار و جور المدير و استبداد الأب كي تفوز بالنهاية السعيدة حين سيندم كل هؤلاء على تصرفاتهم فجأة و يعودوا إلى رشدهم , أما الرجل فهو المغلوب على أمره مع المرأة أما في الأفلام الأمريكية و هي الأكثر سيطرة فالرجل فان دام الخارق و ستالون الناجح دوما و هي أشبه بصورة الإله الشاب المحارب لدى القبائل الرعوية.
ألم يحن الوقت كي تدرك المؤسسات التعليمية ضرورة إدراج مواد جديدة في مناهجها بدل المواد الكثيرة التي تصدع الرأس و تحشو الدماغ مواد تقدم بعض المعارف الإنسانية و المفاهيم الحديثة عن الأخلاق و تُعرف الفتيات و الصبيان بأنفسهن أكثر و تدرك منها الفتاة ما معنى امرأة و تدرك منابع قوتها و تتعرف إلى تاريخها و كذلك الرجل , فقد يتعلم هؤلاء الناشئة أنَّ الفتاة الصغيرة ودودة نعم ,و تحبِّب بنفسها و تلك حكمة إلهية رائعة نعم , و لكن ليس لأنها تشعر غريزيا بأنها أقل قيمة و موقفها اضعف من موقف أخيها و تربيتها حسنة و ثواب و إنما لأن هذه الفتاة الصغيرة هي أُم أولا و أم ثانيا و أُم ثالثا و أُم منذ يوم ولدت سواء أنجبت أو لم تنجب أُم و تتعاطى مع كل حياتها بدافع الأُمومة و هي ودودة مع أبيها لأنها في أعماقها هي أُم أبيها و أُم أخيها و أُم لكل ما حولها و لذلك فإن المرأة هي الحياة لأن الحياة هي أُم جميع كائناتها و بهذا الشعور و الحدس تتعاطى مع نشاطها و على المجتمع صيانة هذا الشعور و عدم تشويهه و عدم المساس من تلقائيتها فيحولها لكائن شرس عدواني مغتاب مفصول عن أهم مصادر قوَّتِه, كائن بلا لون و لا طعم و لا رائحة ,و كي تتعلم الفتاة الصغيرة ان ليس على ليلى الخشية من الطريق بل عليها السير فيه و العمل بما يمليه عليها شعورها الأمومي العميق فتساعد العصافير و تكلم الأرانب بل و تفتح سلة الطعام و تأكل و تطعم أصدقاءها و تهدي السلة لمن ينتفع بها من الكائنات و هي ان لم تفعل ذلك فكيف ستُميز الرجل الذئب الذي ينوي التهامها و الرجل الثعلب الذي يريد خداعها و الرجل الدولفين الودود و المحب الذي يقدم المساعدة دون مقابل و يمضي و الرجل الحصان النبيل , و كيف ستكون أما و الأُم هي الحياة و هي محجوبة عن هذه الحياة لا تتعرف حرارة الشمس و لا برودة الصقيع و كيف ستنقل المعرفة الغريزية التي لا تنتقل بالكلمات بل بالأحاسيس إلى أبنائها و تخبرهم عن كل هذه الكائنات و هي تعتقد أن كل هذه الكائنات شريرة و تريد التهامها .