|
المحتل في عون المستبد
حسن كريم عاتي
روائي
(Hasan Kareem Ati)
الحوار المتمدن-العدد: 2110 - 2007 / 11 / 25 - 11:46
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
المحتل في عون المستبد ما دام المستبد في عون المحتل هل تمثل الحرب لعبة الأقوياء ؟ وهل تمثل الحرب حلاً لازمات الحكام مع الشعوب ؟ وهل تمثل الحرب مخرجاً لمأزق حرج للقوي : سلطة وتسلطاً ؟ وهل تمثل الحرب خياراً مفضلاً للشعوب ؟
أسئلة منافقة ، لأنها تمتلك إجابات متناقضة ، شبيهة بتلك الوجوه التي تضمر ما يناقض علانيتها . فلا فرق بين تجهم دبابة لقوات غازية ، أو عجلة شرطة حكومة مستبدة . ولا فرق بين صرامة الجندي المحتل ، وبين عبوس رجال الشرطة السرية . ولا تكمن ثمة فائدة من المقارنة بين غبار طريق الغزاة ، الذي يغطي تفاصيل الاحتلال ، من بينها ذرائعه لها ، وبريق أسلحة جيش السلطة ( الوطنية ) الغاشمة .
فالاثنان يمتلكان شروط الأذى المشترك للشعوب ، باعتقادهم الوحيد المؤكد ، بأنهما حلاً : من سلطة محلية . أو : بأعتبارهما حلاً لازمة وطنية يمثلها الاحتلال المحتمل . أو التهديد الخارجي بتدنيس كرامة الوطن التي سرقها من أبناء الوطن ، قبل تهديد العدو الخارجي لها .
فالحرب لعبة سياسية أطرافها المتضررة ، أصلاً ، غير سياسية . إنهم عامة الناس الذين يبحثون عن هناءة العيش ، التي لن يجدوها ، أبداً ، بين طيات الحروب التي كتبها سلاطين تاريخ بلدانهم.
فإذا كان التوصيف الدولي للحروب يعدُها ( نزاعاً مسلحاً ) . أو المواثيق الدولية التي تسميها ( حروباً ) على وفق اتفاقيات جنيف . أو بوصفها ( حلاً سياسياً )أخيراً ، وأحياناً ناجعاً ،على وفق تعبير أطراف النزاع . فانها لدى الشعوب تمثل التوصيف الدقيق باعتبارها ( كارثة )إنسانية لهول ما يتعرض له أضعف أطراف النزاع . وهو : المدنيون والنساء والأطفال والشيوخ . أي أولئك الذين لن تكون لهم مصلحة ، أبداً ،في خوض غمار الحرب . فهم لن تتوافر لهم الشروط لان يكونوا من تجارها . ولن يحققوا الربح المتوقع منها . بل ستكون الأرباح المتحققة لأطرافها ، أو أحدهما ، على حسابهم دائماً .
ومن المفارقة أن يكون كلا الطرفين يدعي الحرص عليهم . فباسم الوطن يُدمر المواطن من سلطته ( الوطنية ) المستبدة ، وينتهي بتدمير الوطن أيضاً . وباسم المواطن يََُدَمِرُ الاحتلال الوطن ، وينتهي بتدمير المواطن .
إنها عملية تبادل الاولويات في التدمير . فلا يَعدُ أحدهما يضع مبرراً مقنعاً بتقديم الوطن على المواطن ، أو تقديم المواطن على الوطن . ونتيجة الاولويات تبقى كما تمناها المستبد ، أو تمناها المحتل . والفئات المتضررة في صمت مريب من سلوك كلا القوتين . تدرك كذب التبريرات . وتعرف ، إن لم يكن بيقينها فبحدسها ، الصدق المناقض لها . وتسكت على وجع ممض من هول المفارقة . ويزداد ذلك الألم مع ازدياد مساحة خساراتها ، التي يطبل لها المحتل أو المستبد ، بوصفها أرباحاً ، بل إنجازات بالغة الروعة تشرق في القريب شموساً تضيء الوطن وتنير ذهن المواطن الكسول ، الذي لم يدرك فداحة التغاضي عنها . فانها ستجعل من الوطن قبلة الشعوب الطامحة إلى الحرية في تبريرات السلطة ( الوطنية ) المستبدة ، التي صادرت الوطن قبل المواطن ، وتطلب منه الاعتزاز بإنجازاتها ، وتحويل فمه إلى قمع هائل الحجم يصح النفخ فيه بقوة هائلة تسبيحاً بحمد رب السلطة الذي وكله الرب بتحقيق العزة للشعب ، كما يحاول أن يصور ذلك . وستجعل من الوطن واحة سعادة في صحراء الجوار والجور الإقليمي الذي تناسى حقوق مواطنيه ، على وفق وعود المحتل ، التي تحمل أعناب الجنة وتينها وملائكتها وحورياتها ، وان كانت بشكل أدمي .
وفي كلتا الحالتين ، فان المواطن لن يرى في الواقع اليومي أو في تبريرات كلا الفريقين ما يخفف الألم الموجع بين الضلوع ، لإنجازات مؤكدة التحقيق للمستبد (الوطني ) أو المحتل ( الأجنبي ) ، والتي (تنغزه) مع كل شهيق أو زفير . فالمستهدف (هو) من خلال التصدي للمحتل ، أو (هو) من خلال إسقاط المستبد .
فالمحتل والمستبد ،دائماً، من عائلة واحدة ، تربطهما قرابة مصالح أقوى من قرابة الدم أو النسب . فهي رابطة نتاج فكر واحد ، وان تنوع في تبريراته ، غير انه يتفق في نتائجه .
فليس مستغرباً أن يكونا متحالفين في زمن ما ، لان ما يرغبان به لا يتناقض . وان تفاوت في حجم الحصة لكل منهما من لحم المواطن . وليس مستغرباً أن يتخاصما ، لان الاتفاق الصريح أو الضمني على تقاسمهما ذلك اللحم قد تم الإخلال به . والحصة الأوفى تكون لأكثرهم قدرة على تعرية الأخر دعائياً ، وأكثر قدرة على هزيمته ميدانياً . فهو الذي يجري إلى الحرب بخطىً أسرع للاستحواذ على ما انتزعه الطرف الثاني في معادلة الإخلال بتوزيع حق المواطن ،الغاية من الاحتلال أو الاستبداد ، أو الوسيلة بوصفه ضحية المستبد ومبرر دفاع المحتل عنه . والوطن والمواطن بوصفهما سبب دفع الاحتلال والتصدي له .
ذلك ما يجعل من ظاهرتي الكبت والغليان في حياة الأمم صعبة التوقع في توقيتها . فالشعوب صبورة حد اليأس منها ، وعنيفه حد تدمير ذاتها . وهي تدرك أن خصميها ( المستبد والمحتل ) معاً. وتدرك أيضاً : إن المحتل في عون المستبد ما دام المستبد في عون المحتل . وان مدة الصفاء بينهما لن تدوم إلى الأبد . وهو ما يفسر سهولة اجتياح البلدان ، وسهولة سقوط الطغيان .
#حسن_كريم_عاتي (هاشتاغ)
Hasan_Kareem_Ati#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اثر القص
-
سلاماً… افتتاح القتل طبعاً
-
دائرة الرمل
-
التنافذ
-
التنقيب في غرفة
-
بكتريا المتاحف
-
عزف منفرد
-
مناهل الظمأ
-
تخوم الماء
-
الرتيمة *
-
ليل الذئاب
-
تبادل الأشلاء
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|