مهدى بندق
الحوار المتمدن-العدد: 2110 - 2007 / 11 / 25 - 09:06
المحور:
الادب والفن
كانت بيروت ولاتزال في مخيلتي مدينة أسطورية ، موقعها علي خط طول القلب، وخط عرض العقل، حيث يمشي في طرقاتها وبين أهلها كثر من أرباب الأولب جمعا أو فرادي.. فتارة يمرح في شوارعها وأزقتها ديونيزوس بخمره ومجونه وتحرره من ربقة الأوامر والنواهي، وتارة يصعد إلى شماريخ أرزها أبوللو إله الشمس والشماء والرزانة أحيانا يتولي أمرها هوبنوس رب النوم فتنعس علي كتفه هانئة قديرة وأحيانا يدفع بهما غادرا إلى توأمه ثاناتوس ليحصد أرواح بنيها حصدا لكن سرعان ما يهبط اليها أورفيوس بقيثارته الساحرة ليعيدها من جحيم هاديس إلى عالم الضياء والأحياء بهيئة المعشوقة اوريري ذات الجمال والجلال والكبر النبيل. والعجيب حقا ان بيروت المتقلبة هذه كانت تصر ، في كل أحوالها، ألا تفلت من يدها كف أثينا ربة الحكمة ولهذا ظل مصدرا مبدعا للمنتج الثقافي باستمرارية تشبه استمرارية كرونوس اله الزمن .
أقول لعلها تزوجت نبتون إله البحر، فاكتسبت من صفاته أن تظل لونا لازورديا ، وأن تبقى خضما طهورا لايتلوث حتى وإن قذف بنفايات البشر ، أو تلقى في صدره أدرانهم .
من بيروت زوجة البحر الأبيض المتوسط تلقي المثقفون العرب هداياهم من أعمال ابن خلدون، وابن رشد. والقاضي عبدالجبار، والجاحظ، وعبدالقاهر وغيرهم من حداثي التراث جنبا إلى جنب رواد الحداثة المعاصرة: محمد اركون، وادوار سعيد، و محمد عابد الجابري، وعبدالله العروي، وادونيس، وجابر عصفور، وصلاح فضل.. فضلا عن شعراء المقاومة درويش، وسميح، وفدوي... والروائيين ذوي الخصوصية المبهرة: عبدالرحمن منيف، وغادة السمان، وجمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، وابراهيم اصلان، وخيري شلبي.. إلى آخر قائمة المبدعين العرب الذين أذاعت بيروت صيتهم في العالم بأسره
.تلك هي بيروت في عقلي وقلبي.. طائر الفينيق الذي يحترق كل يوم، لكنه ما يلبث إلا ساعات حتى ينهض من رماده مرفرفا مغردا من جديد.
#مهدى_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟