محمد فؤاد منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2110 - 2007 / 11 / 25 - 02:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما ينهار البناء فإن ذلك غالباً ما يحدث مرة واحدة فيأخذ بتلابيب بعضه بعضاً وساعتها لاتستطيع أن تحدد المكان الذى بدأ به الأنهيار !! هل سقطت المطابخ أولاً ؟ أم حجرات الصالون أم غرف النوم..؟ فالبناء إما أن يقف جميعه متماسكاً وإما أن ينهار فلا يبقى منه شئ.
شئ من هذا يحدث للأنسان عندنا ذلك الكائن الذى يحمل تاريخاً من القيم بين جنبيه والذى ظلّ متماسكاً وصلباً وشامخاً رغم ماكان يعانيه دائماً من ضيق ذات اليد أو من حصار المطالب الحياتية أو من قصور الأمكانيات مقارنة بالتطلعات والطموحات.
وفجأة وفى حمى السباق على كسب الأموال وهى الظاهرة التى صاحبت سياسة الأنفتاح تفسخ المجتمع وتفتحت شهية أبنائه على إبتلاع كل مايصادفهم فى سبيل الحصول على أكبر قدر من المكاسب وفى ظل العولمة والخصخصة لم يعد للقيم معنى ولاللأخلاق معنى ولاللدين ذاته أى معنى تحول كل شئ إلى تجارة رخيصة تستحل كل شئ وتدوس على أى شئ لتصل إلى ماتريد!!
لم يعد بالإمكان أن نحدد أى الأجزاء دبّ فيها الفساد أولاً؟.. هل هو نظام التعليم أم خراب الصحة أم تلاشى القيم أم أن روح الأنسان المصرى ذاته هى التى سُرقت منه بعد أن شملها الخراب وعمّها التلف!!
نحن أمام منظومة فاسدة تماماً حتى لم يعد بالإمكان إصلاح شئ دون آخر.. فقد الأنسان المصرى روح الأنتماء ضمن مافقد من مبادئ وقيم ، سادت قيم الفهلوة والشللية والشطارة والضحك على الذقون وأصبح المجتمع كله ينظر إلى أصحاب الثروات والأغنياء الجدد نظرة إكبار وإجلال لاتخلو من حسد دون أن يتوقف أحد ليسأل من أين ؟ وإلى أين ؟ وإلا أعتُبر أبلهاً يعيش خارج الزمن.
شباب الطبقات الدنيا من المجتمع أصبحوا يعيشون على أمل أن يجدوا أرضاً أخرى تحملهم وسماءاً أخرى تظلهم ، حلم الهجرة والعمل فى الخارج هو الذى يبقيهم على قيد الحياة ويحافظ على سلامتهم من الشطط.
هل نجحت إسرائيل فى أن تأخذ بالسلم مافشلت فى الحصول عليه بالحرب؟! سؤال لابد من الأجابة عليه لنعرف أين نحن؟ وعلى أى أرض نقف ؟ هل تلاشت روح الأنسان المصرى وإرادته لحد أنه لم يعد يتمسك بأرضه ولا بالثوابت التى كنا نرضعها صغاراً؟
إن عشرات الأسئلة تتسابق فى طرح نفسها ونحن نرى شباباً قد جرفتهم موجات الأنحلال فاأستسلموا للتيارات الوافدة وما تصبه فوق رءوسنا ليل نهار فضائيات لاهم لها سوى أن يعيش الشباب غائباً أو مغيباً عما يجرى من حوله أو ربما خاصم المجتمع فاأعتزل الدنيا وأستسلم لغيبيات تشده إلى الوراء بحيث أصبح كمن يسير بظهره حتى لم يعد يرى الدنيا إلا بعيون أبى حمزة وأبى عجوة والزرقاوى والزفتاوى وبقية القائمة الكريهة!!
وبين هؤلاء وأولئك نفرٌ كنا نعدهم من الأخيار حتى فاجأونا بمحاولة البحث عن الذات فى أرض العدو أو بين أصابعه .!!
ماالذى جرى فى مصر؟!
وأين أبناء عبد الناصر الذين كانوا يخرجون من الجامعة إلى أسوان رأساً ليشاركوا فى بناء السد العالى حتى يوفروا للأجيال القادمة مستقبلاً مجيداً !
وقتها كانت مصر تلاقى الأهوال فى سبيل بناء نهضتها فلم تهتز لوقف تمويل المشروع من البنك الدولى وأصرّت على الأعتماد على جهودها الذاتية وسواعد شبابها، فمابالنا بتنا ولاسواعد لنا نعتمد عليها ولاجهود ذاتية ولاشباب يصارع الصخر والنهر ليبنى نهضة ويستنقذ أمة.
أين ذهبت هذه الروح؟!أين بستان الأشتراكية؟ الذى قال فيه صلاح جاهين "على راس بستان الأشتراكية ..واقفين بنهندس ع الميه "لم يعد هناك بساتين ولامياه ولاأشتراكية ولاحتى حياء فى الوجوه.
أين بالضبط بدأ يميل مؤشر الصلاحية للأنسان المصرى إلى ناحية الفساد ؟وهل تم ذلك قبل الثورة أو بعدها؟
إنه سؤال صعب لأن نسبة من الفساد تكون موجودة فى كل عصر ولن ينتهى الفساد فى الأرض مهما حاول البشرأن يصلحوا من أنفسهم لأن الله لم يخلق ملائكة يمشون عليها وإنما خلق الأنسان بخيره وشره وخلق النفس البشرية فألهمها فجورها وتقواها.
ليست المشكلة إذن هى متى بدأ الفساد وإنما أن تزيد نسبته حتى تفوح رائحته فتزكم الأنوف ومع ذلك لاتستلفت إنتباه أحد..تلك هى المشكلة، لقد حافظ الشعب المصرى طوال تاريخه على وحدته الوطنية لأنه بمسلميه ومسيحيه كانت تجمعهم منظومة واضحة من القيم والمثل العليا و كان هناك إتفاق عام على أن السرقة فعل قبيح وأن سرقة المال العام جريمة لاتغتفر.
صحيح أنه كان هناك من لايؤمن بحتمية الحل الأشتراكى من كبار القوم وسدنة النظام ولكن هذه هى آفة الحكم فى كل آوان أن يلتف حوله من لايؤمنون بتوجهاته إلا إذا تحالفت مع مصالحهم وحققت لهم المكاسب عن طريق رفع الشعارات التى يعلنها النظام فلكل مسيح ٍ يهوذاه.
وليس صحيحاً أنه كلما ضاق الخناق على الناس وشحّت الأرزاق ظهرت المفاسد ! تلك مقولة خاطئة تدحضها التربية السليمة والتدين الحقيقى غير المصطنع وقديماً قيل " تجوع الحرة ولاتأكل بثدييها"..إن الفساد داء مكتسب تقف فى وجهه الأخلاق وتتصارع معه القيم النبيلة حتى حد معين ثم بعد ذلك لابد من سلطة القانون وسيف السلطان، فإذا تغلب مرة على هذا وذاك فإنه يستفحل وينتشر حتى لايقوى عليه شئ وربما يكون أمير الشعراء قد أجمل هذا المعنى فى البيت الشهير:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نعم.. مرة واحدة لإغماض العين عن المفاسد تكفى لأن يصبح جزءاً من نسيج المجتمع ومن أخلاقيات الناس وهو مانراه بيننا وحولنا حتى أصبح الناس ينظرون إلى من يعلِّق عليه على أنه مخبول لايعرف "أصول الشغل" أو ساذج جاء من كوكب آخر!!
فهل نتنظر حتى ينهار البناء؟!!
#محمد_فؤاد_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟