أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 2106 - 2007 / 11 / 21 - 10:39
المحور:
الادب والفن
كنت أهتف " آلو ؟ " وأنا أحاول أن أخترق ببصيرتي ضبابا سابحا من ذوب محيطات وجبال وسماوات مفتوحة. " آلو " أريد أن أجتاز بها كل المسافات لأصل إلي قلبه الصغير وأصب فيه حرارة شوقي ومحبتي.
- آلو ؟
من بعيد جاءني صوته الطفل رنانا مستفسرا وأنا أحاول أن أتصور تقاطيع وجهه:
- آلو .. من؟
هتفت :
- أنا .. أنا بابا يا حبيبي .
كنت أظن أنني سبحت في ماء الغربة دون أن أبتل وأنني راوغت الغربة ونلت منها الشهادة العلمية والعمل والحب والزوجة دون مقابل، لكني حين عدت إلي موطني رجعت هي بالولد إلي بلادها.
- بابا ؟!
- نعم . أنا . كيف حالك ؟
- بابا ؟ أهو أنت ؟
- نعم يا حبيبي . أأنت بخير ؟
- نعم . من أين تتكلم يا بابا ؟
-. من الشقة التي ولدت فيها. أتذكرها ؟
- لا . هل تشبه الشقة عندكم قصرا كبيرا ؟
- ليس كبيرة جدا ، لكن واسعة . في ركن من الصالة دراجتك الصغيرة كما كانت ، وصورك ، حتى علبة الآيس كريم التي تركتها يوم سفرك مازالت في الثلاجة . هل تذكر ؟
كنت أتضرع إليه أن يظل قابضا على خيط من الأعوام الأربعة التي قضيناها معا وأن يظل متذكرا.
- نعم . لكن أنا الآن كبرت ، بعد شهور سأدرس في الصف الأول.
- أنا أعلم . أنت أسد كبير وجميل. أريدك فقط أن تعرف أنني أحبك وأنني أفكر فيك طوال الوقت. طوال الوقت. سأتصل بك في اليوم الأول من كل شهر. ماشي ؟ اليوم الأول من كل شهر ؟
- هل عندك ملاهي للأطفال ؟
- نعم وفيها كل الألعاب. الجميع هنا يسألون عنك. أعمامك وعماتك، حتى الباعة في المحلات المجاورة للبيت.
- لكن أنا نسيت .
- سأنتظر عودتك ، واعلم أنني أحبك.
- بابا .. أنا أدرس اللغة الإنجليزية الآن ، ولي أصحاب هنا ، منهم فرانسوا ، وجان ، وميشيل ، وحين أدخل دار الحضانة في الصباح أضرب تعظيم سلام ، وأقول لهم : سلام، سلام .. إلي الدرس من غير كلام ، فيضحكون .
- لا تنسى سأكلمك اليوم الأول من كل شهر . وسأنتظر عودتك . هل سترجع ؟
- لا أدري ( ممطوطة ) قل لماما، هي التي ستقول هل نعود أم لا .
تحشرج صوتي مختنقا :
- مهما حدث تذكر دائما أنني أحبك .
هتف بحيوية ونبرة قاطعة :
- باي باي بقى .. أصحابي هنا في البيت لازم ألعب معهم .
وأضاف بأدب :
- فرصة سعيدة .
قالها كما لو أنه يسير بصحبة أمه وصادف رجلا غريبا في الشارع فقالها له بأدب الأطفال الذين يعرفون ما ينبغي قوله.
ظلت السماعة تطن في أذني فترة ببكاء طائر تاه عن السرب .
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟