|
عصمة النبي وتناقض القرآن
الختيار
الحوار المتمدن-العدد: 2106 - 2007 / 11 / 21 - 06:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول القرآن :
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ """"يَعْصِمُكَ"""" المائدة 67
من خلال هذه الآية نفهم أن الله قد عصم نبيه محمد بن عبد الله من الناس ، فماذا تعني هذه العصمة ؟؟؟
أولاً : العصمة في اللغة :
تحت مادة "عصم" في معجم العين للفراهيدي يقول : عصم: العِصْمَةُ: أن يَعْصِمَكَ اللهُ من الشّر، أي: يدفعُ عنك. واعتصمت بالله، أي: امتنعت به من الشّر. واستعصمت، أي: أبيت. وأَعْصَمْتُ، أي: لجأت إلى شيء اعتصمت به. قال: قل لذي المَعْصِمِ المُمَسِّك بـالأط ناب يا ابن الفجار يا ابن ضريبه وأَعْصَْتُ فلانا: هَيّأتُ له ما يعتصم به. والغريق يَعْتَصِمُ بما تنالهُ يده، أي: يلجأ إليه. قال: .................... يظلّ ملاّحه بالخوف معُتصما
تحت مادة "عصم" في لسان العرب - باختصار- نجد :
العِصْمة في كلام العرب: المَنْعُ. .... واعْتَصَمَ فلانٌ بالله إذا امتنع به. والعَصْمة: الحِفْطُ. .... العصْمَةُ: المَنَعةُ. والعاصمُ: المانعُ الحامي. والاعْتِصامُ:الامْتِساكُ بالشيء .... و في الصحاح للجوهري يقول :
عصم .... والعِصْمَةُ: المَنْعُ. يقال: عَصَمَهُ الطعامُ، أي منعَه من الجوع. .... والعِصْمَةُ: الحِفْظُ. يقال: عَصَمْتُهُ فانْعَصَمَ. واعْتَصَمْتُ بالله، إذا امتنعتَ بلُطْفه من المعصية. وعَصَمَ يَعْصِمُ عَصْماً: اكتسبَ. وقوله تعالى: "لا عاصِمَ اليومَ من أمر الله" يجوز أن يراد لا مَعْصومَ، أي لا ذا عِصْمَةٍ، فيكون فاعلٌ بمعنى مفعولٍ. .... قال ابن السكيت: أعْصَمْتُ القربة: جعلت لها عصاماً. وأعْصَمْتُ فلاناً، إذا هيَّأت له في الرحل أو السرج ما يَعْتَصِمُ به لئلا يسقُط. وأعْصَمَ، إذا تشدَّد واستمسك بشيءٍ خوفاً من أن يصرعَه فرسُه أو راحلته. قال الشاعر: كِفْلُ الفروسةِ دائمُ الإعْصامِ وكذلك اعْتَصَمَ به واسْتَعْصَمَ به.
هذا باختصار ، لمن شاء النصوص كاملة يجدها في الهامش .
ثانيا : تفسير الآية :
الطبري :
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } يَمْنَعك مِنْ أَنْ يَنَالُوك بِسُوءٍ , وَأَصْله مِنْ عِصَام الْقِرْبَة , وَهُوَ مَا تُوكَأُ بِهِ مِنْ سَيْر وَخَيْط , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَقُلْت عَلَيْكُمْ مَالِكًا إِنَّ مَالِكًا سَيَعْصِمُكُمْ إِنْ كَانَ فِي النَّاس عَاصِم يَعْنِي : يَمْنَعكُمْ .
ابن كثير:
وَقَوْله تَعَالَى " وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس " أَيْ بَلِّغْ أَنْتَ رِسَالَتِي وَأَنَا حَافِظك وَنَاصِرك وَمُؤَيِّدك عَلَى أَعْدَائِك وَمُظْفِرك بِهِمْ فَلَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَن فَلَنْ يَصِل أَحَد مِنْهُمْ إِلَيْك بِسُوءٍ يُؤْذِيك وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْل نُزُول هَذِهِ الْآيَة يُحْرَس كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن رَبِيعَة يُحَدِّث أَنَّ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - كَانَتْ تُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهِرَ ذَات لَيْلَة وَهِيَ إِلَى جَنْبه قَالَتْ : فَقُلْت مَا شَأْنك يَا رَسُول اللَّه قَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسنِي اللَّيْلَة قَالَتْ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعْت صَوْت السِّلَاح فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا سَعْد بْن مَالِك فَقَالَ مَا جَاءَ بِك قَالَ جِئْت لِأَحْرُسك يَا رَسُول اللَّه قَالَتْ فَسَمِعْت غَطِيط رَسُول - اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمه أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ بِهِ وَفِي لَفْظ سَهِرَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَات لَيْلَة مَقْدَمه الْمَدِينَة يَعْنِي عَلَى أَثَر هِجْرَته بَعْد دُخُوله بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَة ثِنْتَيْنِ مِنْهَا ....
و كامل النصوص تجدونها في الكتب المذكورة .
باختصار نجد أن العصمة في التفسير و في اللغة تؤديان معنىً واحداً و هو أن الله يمنع نبيه محمد من الناس ،أن يؤذوه أو ينالوه بسوء .
و لن نتكلم عن الأذى الذي لحق النبي في بلده الأول مكة ، لأن المائدة سورة مدنية ، فهذا يعني أن الآية نزلت بعد أن هاجر إلى المدينة ، و بعد أن اتخذ حرساً يحرسونه ، و هذا لم يكن ليتأتى له في مكة ، إذ كان المسلمون الأوائل مستضعفين ، اللهم إلا منعة رهطه من آل هاشم ، و هي لا تكفي و لا تُقارَن بالعصمة الإلهية .
إذاً القرآن يقرر بضمانة إلهية أن نبي الإسلام محمد كان في منعة من البشر . و الضمانة الإلهية نافذة لا رادّ لها ، و لكننا نقرأ آية أخرى تبدو مناقضة لهذه الآية ، حيث تقول :
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ """"" قُتِلَ""""" آل عمران 144
إن الله في الآية السابقة يضع احتمالية قتل محمد مقابل موته الطبيعي مثله مثل أي إنسان آخر ، فإما أن يموت المرء ميتة طبيعية أو يموت مقتولاً ، فلا ثالث لهذين الاحتمالين ، و السؤال الذي يطرح نفسه :
هل نسي الله ما قاله في سورة المائدة و العصمة التي منحها لنبيه و المنعة ليفترض هنا أنه يُمكِن أن يُقتَل ؟؟
المفروض أن الله دقيق جداً في تعابيره و لا ينسى ما يقول كما تقول الآيات "لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى" ، فكيف يجعل من قتل محمد أمر وارد و من خلاله هو (الله نفسه) بينما قال في آية أخرى أنه سيعصمه من الناس ؟؟؟
التناقض بيّن في الآيتين ، و نحن نفترض في الله أن يتحرى الدقة أكثر في كتابه ، فأين هذا من كلام تجار الإعجاز العلمي عن دقة التعبير القرآن و أنك لو بدلت كلمة مكان أخرى لاختل المعنى و غير ذلك من كلمات التخدير و التفخيم لهذا النص البشري المحض الذي يسري عليه ما يسري على غيره من الكتب .
في الخواطر القادمة سأركّز على التناقضات الواضحة في هذا الكتاب ، و التي لا يُفتَرَض أن يسقط فيها المنعوت بالكمال .
في الهامش :
سأنقل ما كتبته رداً على أحد الزملاء في منتدى اللادينيين حيث قلت :
الآن سأتكلم على موضوع مناسبة الآيات ، فأنا حين تكلمت في الخاطرة السابقة تكلمت على علم الله ، فلو كانت آية العصمة قبل آية القتل ، فنقول أنه ليس من المنطقي أن يعصمه ثم يفترض احتمالية قتله ، و إذا كانت آية القتل قبل العصمة ، فنقول أنه ليس من المنطقي أن لا يعلم أنه سيعصم نبيه أثناء حياته ، فيستحيل أن تنتهي حياته بالقتل .
أنا أتكلم عن العلم الإلهي ، و لا أتكلم عن مناسبات ، لذلك ذكرت مسألة أن الله يجب أن لا ينسى ، فعلم الله لا يدخل في تاريخية النص ، أي أنه - حسب القرآن - يعلم كل شيء ما مضى و ما سيأتي ، فلا يصح أن يفترض قتل النبي و هو يعلم عصمته ، و لا يصح أن يعصمه و هو يضع احتمالية قتله .
لمزيد من المناقشة أنظر : http://www.nadyelfikr.net/index.php?showtopic=6751&st=340#
#الختيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكلة القدر والتناقض بين التسيير والتخيير
-
جلسة مع سورة الرحمن 2
-
جلسة مع سورة الرحمن 1
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|