|
عاصمة ثقافية
غادا فؤاد السمان
الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 12:00
المحور:
كتابات ساخرة
ليليليليييييييييييش عاصمة ثقافية أعلنوكي
يُحكى أنه في غمرة عام قادم تُوضِّب دمشق فيه زينتها ومساحيقها وخلاخيلها وهشاشتها وأقنعتها المُسبقة الصنع لتُزفّ وإن على مضض إلى مخدع "الترضية " كعاصمة ثقافية بعدما تعاقبت عليها أزمنة الانتهاك وتكالبت عليها الأيادي القابضة، والسؤال عن أي ثقافة سيكون التباهي، عن ثقافة الاحتواء والإيواء العشوائي؟ ثقافة العاصمة الأموية التي تتآكل تباعا قضمة قضمة تحت أنياب الهدم والتشويش الديموغرافي منطقة تلو الأخرى؟ ثقافة المعالم المكتسحة والعادات المسلوبة والتقاليد الممحيّة؟ ثقافة التناقضات الأخلاقية الضارية؟ ثقافة البطالة واللهاث على لقمة العيش؟ ثقافة الأطماع والجشع المستفحل؟ ثقافة التبعية والكرامة المفقودة؟ ثقافة التهشيم والتهميش الفاحش والكبرياء المُعاق؟ ثقافة السكوت المزمن والخرس الإلزامي؟ ثقافة التلميع والمصطلحات الطوباوية المستبدّة؟ ثقافة مراوغة الإصلاح وتزوير التغيير المراوغ؟ ثقافة الأوكسجين "المكربن " والتلوث الغاشم؟ ثقافة الاختناق والاكتظاظ والازدحام الفادح؟ ثقافة المخابرات المدنية والمهاترات الإقليمية المُستفزّة؟ ثقافة دمشق التي غاب عنها معظم مثقفوها الأصليون ليحل محلّهم بدائل محسوبيات السلطة بكافة ألوانها؟ ثقافة الإقطاعية الجديدة والسلطة المتبرجزة؟ ثقافة بؤس المواطن والتفاؤل العاجز؟ ثقافة الإسفلت السرطاني والياسمين المؤمم؟ ثقافة التحولات الكبرى، بعد سقوط أرستقراطية دمشق التي كانت تصنع معادلا حضاريا لكافة الحضارات الأخرى، لترسيخ أسس ودعائم "الطفرة " الباذخة بضربة حظ، وضربة معلّم، وضربة قاضية دون حسيب أو رقيب أو قانون من أين لكَ هذا؟ ثقافة الثروة المُستجدّة والسمعة المُستبدّة والنفوذ الطائش؟ ثقافة "إنا فتحنا لكَ فتحا مبينا " على حساب "أولئك " وحساب "هؤلاء " وحساب "الذين "؟ ثقافة تعميم الالتباس، والتباس التعميم؟ ثقافة الثقافة التي لا ثقافة لها ولا ثقافة منها ولا ثقافة عليها؟ ثقافة التضييق الدولي والتضييق الدوري والتضييق المُتعاقب إمعانا في التضييق؟ ثقافة التطبيع المكابد، والمقاومة المُستعارة؟ ثقافة الكيل بالبشاشة، والكيد بالكمائن؟ ثقافة الاعتقال والتمييز والتحيّز والتعقّب والترصّد والتبرير والترصيع والتصنيع و"التَماحُك " والتفخيم والتنفيس والمكابدة؟ ثقافة تفريغ المثقف و"ترغيف " الثقافة كلقمة لا ككلمة؟ ثقافة العاصمة "المُقَرْوَنَة " والقرى "المُتعاصمة " والمُتعاظمة تحت طائلة الامتيازات الباهظة وفوق إرادة المنطق والمعقول والأحقيّة؟
ُ مرْهِقَةٌ إذن تلك المناسبة ونحن نحصي لأجلها غصّتنا برمّتها، تماما كما تحصي علينا وباستمرار كامل أنفاسنا، وأحلامنا، وتفاؤلنا، وتساؤلنا، و تساجلنا، واستفهامنا، وآمالنا، وطموحنا، وتطلعاتنا المنهارة... عاصمة ثقافية تَدين لنا، نحن الدمشقيون الذين حملناها وهنا على وهن، ووضعناها حرفا على حرف، وأطعمناها أيامنا خيبة على خيبة، وأطعناها بوجع جرحا على جرح. دمشق هل لا زلتِ دمشق التي كنتِ؟ أيّتها البسيطة بمنتهى العراقة؟ والأصيلة بمنتهى التعقيد؟ أيّتها القديمة التي أزالوا تغضّن المدينة منك وهم يواصلون بسط الطرقات والساحات والزوايا والأروقة الضيّقة والحواري المتلاحمة بتجميل ساذج وتعديل أحمق، ليقطّعوا شرايين الأزمنة المكتملة فيك نضجا وبوحا وذاكرة وملامح ومعالم وحميمية. أبعدوا أهلك عنك كالمصابين بالجذام والمحكومين بالموت البطيء بغربة طارئة وإذلال فادح عند أطراف أطرافك يا دمشق أيتها الفسيحة الكسيحة، ليعيدوا تأهيلك اغتصابا لك لا غصبا عنك وحسب، بعصا بلاستيكية وقبضة من حديد. دمشق أيّتها المطعونة بالعطش، والمذبوحة بالرياء، تمالكي تهالكك ريثما يستعيد بردى دفقه وحيويته وجبروته السليب. عاصمة ثقافية إذن أنتِ دمشق.. صدّقي الحكاية واضحكي بشغفٍ لطرافتها نيابة عنا، وذكري أولئك الذين يُطارحونكِ غرامنا، ويساومونكِ عشقنا، ويسلبونكِ رقيّنا، ليهدونكِ غيابنا، نحن الدمشقيون أينما كنا كنتِ معنا، روحا نابضة لا جثّة هامدة كالتي يقلبونها لنهبِ ما تبقّى فيكِ من بقايانا. عاصمة ثقافية إذن أنتِ دمشق.. دمشق أحمد شوقي، ونزار قباني، وسعيد عقل، وفيروز، والرحابنة. ليس انتهاك المكان فيك ما يوجع يا دمشق، بل ذاك الانتحال الأرعن، والادعاء السافر، والانتماء العقيم. نعم كل انتماء مستجّد فيك عقيم، لأنه فاقد لشرعية خصوصية العلاقة السرية القائمة بينك وبيننا. علاقة الحميمية الطاعنة في الدهشة والإبهار والزهو الأصيل. أنتِ مزيج من طباعنا وأمزجتنا ونزقنا ولهفتنا وحماقتنا وغرورنا وأنانا واعتدادنا الثقيل. ونحن خلاصة الحكاية، التي سيحكونها نيابة عنّا لتضحكي لفرط الدعابة ضحكة مجلجلة وإن بعد حين. كدمشقية أنا سأبتهج وإن عن بعد وأزغرد لتتويجك المنقوص لتغييبنا المتعمّد عنك وإقصائنا حتى عن هوامش الصورة، وحدك تدركين لماذا غيابنا مقررا وليس مقدّرا فقط يا دمشق فوجودنا يفضح التفاصيل، ونحن وحدنا من يملك الجينات السرية التي ورثناها سلوكا تلو الآخر وشموخا لا يعقبه غير الشموخ، زغردي معي دمشق بأعلى صوتك لعلّ الدمشقيون يستيقظوا من غفوتهم الطويلة وأطماعهم المتبادلة ومكائدهم المستعصية ببعضهم البعض وليليليليييييييييييييييييييش.
#غادا_فؤاد_السمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقل مباشر
-
الحيرة فيما اختاره الأخيار
-
عزيزي عزمي هذا الكلام لكَ وحدك
-
حوار مفتوح
-
رسالةمفتوحة إلى جبران تويني
-
البقاء في لبنان واجب والهرولة للخروج منه عار
-
روابط الأخوّة اللبنانية السورية المفككة
-
ليس دفاعا عن صدّام حسين
-
فساد المواطن في إصلاح التغيير
-
تضامن مع مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي
-
قلم قاصر
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|