الكونجرس الامريكى ومشروع دول القبائل

عصام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 648 - 2003 / 11 / 10 - 05:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

 الرئيس الامريكى بوش  لايزال مصرا على كفالة  تأسيس الديمقراطية الاميركية الحديثة في العراق ..والادارة الاميركية تؤكد على مفهوم الحداثة في الديمقراطية ناسية ان اول برلمان  في العالم الغربي تم تشكيله عام 1265 اي قبل اكتشاف امريكا بقرنين فيما كانت الامة العربية تحت حكم دولة المماليك التى قامت في مصر.
وتحت مظلة هذه الديمقراطية المزعومة التى يريد الامريكان التبشير بها ونشرها تكمن نار الاكتواء التى لابد للعرب السير عليها..ولنسميها نار "برنارد لويس" الذى وافق الكونغرس الامريكى بالاجماع على مشروعه عام 1983 الداعى لتقسم منطقة الشرق الاوسط الى كيانات عرقية واثنية  وهو  المنادى بتحويل كل قبيلة في الجزيرة العربية الى دولة.

هذه الطروحات التى تسعى لاغراق العرب بسيول الفكر الامريكى الجارفة ..آما آن لنا ان نقف لنلتقط انفاسنا ونشيد خزانات فكرنا الجديد الاكثر انفتاحا على واقعنا مستمدين العزم من منابع التراث الغنية نحو سلوك سياسى اكثر رحمة وانسانية مما هو موجود حاليا في ثكناث عساكرنا المدججين بالاسلحة المضادة للانسان وقيمه وسموه التى تمارس فيها شتى انواع التمارين والتجارب والفرضيات لغسل وتحجيم الفكر المعارض وتهشيمه  وتعجيزه لدرجة الافناء.
في هذا العصر الذى اصبح فيه العالم قرية صغيرة بفضل هذا التقدم التقنى الذى لم يكن لنا دور فيه لكى نساهم في وحدة هذا العالم ونخرج من مصيدة تصادم الحضارات  التى هى فكرة امبريالية بكل معنى الكلمة اخذت حجما لاتستحقه اوجدتها الامبريالية مع العولمة الجشعة التى تحاول افتراس كل الامم لكى تمنع وحدة العالم التى من خلالها يتم التوصل الى قيام حضارة انسانية شاملة .
الى متى نبقى بلدانا لم تبلغ سن الرشد السياسى ولابد من اعادة الوصاية عليها كما بشر فرنسيس فوكوياما التى صارت كتبه دستورا للمؤوسة العسكرية الاميركية ؟؟
تمثل السلطة واحدة من أهم القضايا التي شغلت الناس والجماعات والنخب والقادة باعتبارها أحد مداخل الإصلاح والتغيير، وكان الوصول إلى السلطة وسيلة معلنة للإصلاح والعدل ومبرراً للنزاع والحروب والصراعات بين الدول والأسر والجماعات، ويبدو أن العمل السياسي والإصلاحي العربي لم يشتغل كثيرا بآليات تنظيم انتقال السلطة وتداولها على أساس سلمي وعادل ويعطي الفرصة لجميع الناس بالتساوي في التنافس على السلطة واختيار الحاكم.
 غلبة حكم الأسر والعائلات التي كانت تتولى السلطة وينتقل الحكم فيها إلى الأبناء والأخوة والأقارب، والملفت أن الدولة الإسلامية بدأت بنموذج متقدم في اختيار الحاكم قائم على الشورى ولا يأخذ بالوراثة، وكان يمكن لهذا النموذج أن يغني التجربة الإنسانية في الحكم ويطورها لو أنه استمر، ولكنه توقف بعد ثلاثين سنة وتطبيقه على أربعة خلفاء (الخلفاء الراشدون632-661 م) ثم دخلت الدولة الإسلامية في مرحلة من حكم العائلات لم تتوقف من خلال اربعة عشر خليفة أموي قتل ثلاثة منهم ضمن مسألة الصراع على السلطة.
 والواقع أن النظام الوراثي في الحكم هو المتبع في المجتمعات الإنسانية كلها تقريبا، ولكن الدول الأوروبية طورت أنظمة الحكم فيها في القرنين الأخيرين تقريبا إلى أنظمة يقوم اختيار الحاكم فيها على أساس الانتخاب، وفي الدول التي اختارت الاستمرار في أنظمة الحكم الملكية تم الفصل بين الملك والحكم، فالملك يترأس السلطات ويشرف عليها ولكن الناس ينتخبون النواب الذين يحددون الحكومة حسب نتائج الانتخابات التي تتنافس فيها قوائم وأحزاب سياسية.
خريطة السلطة القائمة في الوطن العربي منذ قيام الدول الحديثة تشير إلى استمرار الوضع في الوطن العربي كما هو دون تغيير، وفي الدول التي استبدلت النظام الجمهوري بالملكي لم يتغير الوضع فيها كثيرا، وتحولت من حكم العائلات إلى حكم الأفراد الذين ربما يؤسسون لحكم عائلي كما قلت في مقالى السابق : "فيروس الجمهوريات الوراثية".
وعند الحديث عن مستقبل تداول السلطة في الوطن العربي والمشكلات والمعوقات التي تمنع قيام ديمقراطية حقيقية تفسح المجال للمواطنين اختيار حكامهم وممثليهم ومحاسبتهم أسوة بمعظم شعوب العالم ومجتمعاته حتى تلك الفقيرة والحديثة التكوين فإن تساؤلا بديهيا يثار عن موقف الإسلام من التعددية السياسية والحريات وتداول السلطة وتنظيم انتقالها على أساس عادل وسلمي، يفعّل التعددية السياسية ويدعو إلى المشاركة والعدل والمساواة بما يعني ذلك من حق الأمة في اختيار حكامها ومحاسبتهم، فالإسلام ليس سببا أو أحد الأسباب الثقافية والفكرية لتكريس الاستبداد واحتكار السلطة والنفوذ، فأين الخلل؟ وهل تفتقر الثقافة السياسية العربية إلى القيم والمبادئ الديمقراطية فتكون المشاركة والتعددية مطلبا غير ضروري أو ملح لدى الجماهير العربية، أو هي مجرد هواية تشبه تربية الطيور وجمع الطوابع والتحف الجميلة، أو هي أولوية بمرتبة حماية الزهور والطيور النادرة التي يخشى عليها من الانقراض، أو ما سوى ذلك من الهوايات والمشروعات الأنيقة والمعزولة، أم أن الواقع العربي الذي كونته قرون طويلة من التسلط والاستبداد أفرز تنشئة سياسية واجتماعية تكرس لدى العرب السلبية والامتثال للواقع.
وشهدت العائلات الحاكمة نفسها خلافات ونزاعات داخلية على الحكم مثل القتال بين الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد وهما سادس وسابع خلفاء الدولة العباسية(البالغ عددهم اربعين خليفة حكموا على مدى خمسمائة سنة)  الذى انتهى بمقتل الامين على يد المامون وانتهت هذه الدولة  بمقتل اخرهم المستعصم على يدى المغول عام 1258 الا ان الصراع بين العائلات الحاكمة  كانت  حالات قليلة بالنسبة للصراع بين الدول والعائلات الذي كان سمة بارزة في التاريخ الإسلامي وتكاد كل دولة قامت وبسطت نفوذها قد حققت ذلك بحروب وصراعات ثم تأتي دولة أخرى تهزمها وهكذا.
ولم تختلف عن ذلك ضمن قيام اربعة عشر دولة حكم عائلي بين عام 798 لغاية 1574 لحين سقوط دولة الحفصيون على ايدى العثمانيين  الذين احتلوا تونس . ثم قامت دولة المماليك في مصر (1250-1517م) وتعد دولة المماليك(54 سلطانا) سابقة في استيلاء الجيش والعسكر على الحكم والسلطة وكان للعسكر الأتراك نفوذ قوي في الدولة العباسية وصل إلى تبديل الخلفاء وقتلهم ثم تكررت الظاهرة في الدولة العثمانية(39 سلطانا) التى شهدت اغرب تقليد في تاريخ السلطة  فهذه الأسرة التي حكمت لمدة تزيد على الستمائة سنة كان يرث العرش فيها أحد أبناء السلطان فيقتل إخوانه وفق قانون متبع هو "قتل الإخوة" وحبس المرشحين للخلافة في سجن داخل القصر السلطاني "أقفاص" حتى يموتوا أو يخرج أحدهم من القفص ليصبح سلطانا إذا دعت الحاجة لذلك.
وتوصل الخلفاء إلى هذا القانون بعد حروب أهلية طاحنة بين الأخوة كادت تعصف بالدولة العثمانية، وحدث أن السلطان محمد الثالث قتل عام 1595 تسعة عشر أخا له واثنين من أبنائه، وصارت الأسرة الحاكمة مهددة بالفناء، وضعفت البنية الجسدية والنفسية لأبناء الأسرة حتى إن العديد منهم تولى السلطة وهو مصاب بالجنون او بالعلل والأمراض الجسدية، وكان الإعدام يشمل احيانا الأعمام وأولاد الأخوة، وبرغم هذا كله فإن نصف سلاطين الدولة العثمانية قد جاءوا إلى الحكم بعزل أسلافهم . واستمرت الخلافة العثمانية إلى سنة 1924م وفيها ألغيت الخلافة وأقيم بدلا عنها النظام الجمهوري العلماني. وكان آخر السلاطين العثمانيين هو السلطان عبد المجيد الثاني.
لماذا استيقظت تركيا مبكرا لتلتمس طريقها الى الديمقراطية حتى وان كانت ديمقراطية اوتقراطية في حين بقيت السلطة السياسة العربية ترواح في مكانها بين حاكم مستبد او عسكري مغامر يسعى للاستيلاء عليها؟
هل يستطيع المستر بوش نسف تاريخ سبعة قرون من تاريخ الحكم العائلي الذى تعاقب على العرب والمسلمين ليؤوسس لنا ديمقراطية الهمبرغر الحديثة؟؟ ام انها مجرد ذريعة تتلبسها امريكا لوضع مشروع برنارد لويس موضع التطبيق الفعلي؟؟
كاتب عراقي مقيم في تايلاند
مدير تحرير المجلة العلمية العراقية
www.iraqisciencejournal.com  

#عصام_البغدادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات