ترجمة عن الروسية نديم علاي
لقد أهدى لنا شاعر الشعب الداغستاني رسول حمزاتوف أسطورة اللقالق البيضاء رمزا للحداد و الذاكرة الحية , شاعر صدحت الأغاني بأشعاره لما يقارب النصف قرن في جميع أصقاع ما يسمى اليوم بالاتحاد السوفيتي السابق.
يعتبر رسول حمزاتوف اليوم وبلا منازع رمزا لجميع مواطني القفقاس أينما تواجدوا, ومهما تباينت معتقداتهم وآرائهم السياسية.
في بيت الشاعر في ــ ماخاجكالا ــ تلهبك المشاعر وأنت تتجول بين مقتنيات الشاعر الرائعة ... اللوحات الفنية, الأواني, التماثيل التي جلبها الشاعر معه من الأماكن التي زارها, مقتنيات أخرى , كل هذا يعود إلى اهتمام وعناية ــ باتيمات ــ زوجة الشاعر الهادئة.
ــــ انظروا إلى هذا المكان , حيث يشير الشاعر بإصبعه إلى مكان فارغ على الحائط.
في هذا المكان علقت مجموعة الرماح , كانت بسيطة ومتواضعة, لكنها تشكل جزءا من التاريخ , لقد حملتها أيدي أمام شامل حاج مراد , والد الشاعر رسول. في منتصف الثمانينات تسلل اللصوص إلى منزل الشاعر وسرقوا هذه الرماح , كم حزنت لذلك , ولكنني اقتنعت الآن بعدم جدواها.
لم أعد اليوم بحاجة إلى هذه الرماح .....
الأقرب إليٍَ هي اللقالق البيضاء ... ولكننا اليوم في زمن آخر... زمن يحتكم للرماح ... ليس المرآة أو الوطن كما كان الحال سابقا... إنها المرحلة ـــ بطل حمزاتوف الجديد ــ.
مراحل الشعر عندي تشبه ثلاث زوجات:
الأولى : قاسية وعنيدة...الحقبة الستالينية التي لا تعرف الرحمة , ورغم عناد وقسوة هذه الزوجة فقد كانت الحياة في كنفها آمنة ومهيبة.
الثانية : جميلة, ثملة بحريتها , لكنها داعرة, إنها المرحلة التي نحياها.
الثالثة : الزوجة.... التي نبحث عنها جميعا... وأنا واثقا من إنني سأجدها... آمل ذلك..... أن أجدها عادلة وهادئة, عن هذه الزوجة ابحث في قصيدتي ــ الصندوق الأسود ـــ في هذه القصيدة ستجدون كل ما هو خفي ومثير في حياة رسول حمزاتوف.
ولكنني غير واثق بان القراء الروس سيطلعوا على هذه القصيدة.... لقد فارق مترجمي شعري الحياة, فقد مات كازلوفسكي, كريبنوف, سالوجين ومعهم ماتت مدرسة للترجمة بأكملها, لولا هؤلاء لما سمع أحد ب موستايا كريما , كايسينا كوليفا ولا حتى برسول حمزاتوف!
ـــ كلماتكم تفضح حنينكم إلى العهد السابق, كنتم محظوظين لدى السلطة, وكانت تعتني بكم , النياشين, الهدايا, الرحلات, كتبكم طبعت بالملايين وبعشرات اللغات... كانت حياة الشاعر مرفهة.....!!!
ــــ الكثيرون يسألونني .. لماذا غادرنا أدباء جيلك ؟ منهم من سقط في رحى المعارك ومنهم من سلم روحه للسماء..ولازلت أنت بيننا إلى اليوم !!!
ـــ لقد هبت رياح السلطات كلها من فوق رأسي ...في الحقبة الستالينية أرادوا أن يقلدونني أنا ووالدي وسام ستالين وهو أعلى وسام في الدولة السوفيتية, قالوا لي إن القائد معجب بالفكرة.. ولكنه سألهم...كم عمر والده؟
أجابوه 74 ...والابن 28 !
فرد ستالين..... سنعطيها للوالد حمزاتوف, فالابن رسول لازال يافعا وعنده متسع كاف من الوقت!
فكانت الجائزة من نصيب والدي.
بعد ستالين جاء إلى السلطة أناس سطحيين... خر وشوف لم يرى فيَ كوسموبوليتيا حقيقيا , لكنه لم يلوح بقبضته, ولم يضع قيودا على الكلمة.
ولكني كنت صديقا مقربا من بر جنيف وقبل أن يصبح سكرتيرا عاما...
لقد عملت كل ما بوسعي من اجل أن لا يتوقف بحر إبداعي ..واعترف انه لم يجبرني أحد على اتخاذ موقف لا ارتضيه..وأنا فخور بكل كلمة خطتها يد رسول حمزاتوف.
ــــ والسلطة الحالية! تفرحك أم تحزنك؟
ـــ في الصباح تفرحني, وفي المساء تحزنني ــ مبتسما ــ . لقد تحدثت مع بوتين في العام الماضي وقلت له , ان السلطة والكنيسة قد عقدا قرانهما يا سيادة الرئيس! , فأين نحن من كل هذا ؟
لقد استمع لي بانتباه وقال:
لا تقلق يا صديقي رسول! أن السلطة والكنيسة يستخدمون كلمات أشعارك في صياغة بياناتهم !
ـــ في دستوركم الجبلي يأتي الرجل في المقدمة , الرجل المفعم بالرجولة , كرمح حاد! والمرأة تأتي ثانيا... دائما متأخرة...رغم التحسن الذي طرأ على وضعها... وفي المرتبة الثالثة يأتي الأطفال وكبار السن ... العلاقة بين الماضي والمستقبل... وبعد ذلك, الكرم والضيافة وحسن الجوار والصداقة... لو قدر للشاعر حمزاتوف أن يغير شيئا في هذا الهرم فبماذا سيبدأ؟
ـــ أريد أن أضيف شيئا وهو أن الرجل يجب أن يكون حكيما أيضا... الرجولة المسالمة هي التي يجب أن تنظم علاقته بالمرأة...أما بخصوص حسن الجوار, وكما تشاهدون فان أوربا تتقارب وتتوحد , أما نحن في القفقاس فنتقاتل تحت شعارات الاستقلال الدموية ... من منا بحاجة إلى هذا الاستقلال؟؟ لماذا تنفصل جو رجيا عن أرمينيا مثلا؟ والشيشان من افارتسا؟ الناس المستقلون والأمم المستقلة حقيقة واهية ) قبل عشر سنوات خاطب الشاعر رسول حمزاتوف الرئيس الشيشاني جوهر دودا يف بهذا القول, وقيل إن دوداييف لاذ بالصمت وخرج من الجلسة على مضض ( . كنت أسافر إلى جو رجيا كل نهاية أسبوع تقريبا , ومن هناك ادخل إلى أرمنيا وفي كل مكان تجد الأمان و حسن الضيافة أما اليوم فهناك حدود مصطنعة ونقاط تفتيش وإجراءات..الصورة محزنة بحق.
ألم تشعروا في موسكو يوما بعلامات عدم الترحيب؟ آلم يردد أحدهم من خلف ظهركم عبارة ) ماذا يعمل هذا الغريب هنا؟(
ـــ في إحدى المرات فقدت بطاقة الترام , وبالصدفة صعد مفتش الترام إلى الحافلة , وسألني عن البطاقة ؟ فأخبرته بأنني أضعتها, وفجأة ظهرت امرأة من بين الجالسين وهي تصرخ بصوت عال ـــ أنني اعرف هذا الرجل..صدقوني , انه من عصابات القوقاس, لقد رأيته بأم عيني يسلب الناس في القطارات الذاهبة إلى ضواحي موسكو
ـــ فألقي علي القبض واقتادوني إلى دائرة البوليس, أوراقي الثبوتية لم تكن معي, فطلبت الاتصال بالقنصلية الداغستانية في موسكو, بعدها أطلقوا سراحي , والآن كلما ترامت إلى مسامعي عبارة ) الخصوصية الوطنية للقفقاس ( أردد مع نفسي ....هل حقا هناك من خصوصية!
ـــ رسول حمزاتوف , هناك مفردة مهمة في حياة الشاعر حمزاتوف , إنها المرأة, الحب, إنكم معروفون في تغنيكم بالمرأة, في بيتك لا يوجد أحد غير النساء.. الزوجة.. بناتك... حفيداتك !
ـــ لم أجدك تضف شيئا...عندي كتاب اسمه جزيرة النساء, لقد عشت دائما في هذه الجزيرة ولا انوي الرحيل عنها أبدا, عندما كان الجميع يردد شعار يا عمال العالم اتحدوا ... كنت أنا أردد يا عشاق العالم اتحدوا!
لا زلتم أمناء على هذا الشعار وانتم في هذا السن؟
ــ لم أغادر هذا التنظيم ولو لحظة!
ــ هل لنا أن نعرف ما هي مساهماتكم في عضوية هذا التنظيم؟
ـــ فيما يتعلق ب ) العضوية !! ( .. بصراحة لا يوجد اليوم ما يبعث على التفاخر ـــ قالها بحسرة وهو يرفع كأس الكونياك ــ
دعونا نشرب بصحة الحسناوات ! املئوا كؤوسكم أيها الأصدقاء.. أما أنا فهذه هي كاسي الأخيرة ..... صدقوني حتى الكأس بدأت تهرب مني!