أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أنور مالك - المصالحة الجزائرية: بين قسوة المحاكم ورحمة الرئيس!!















المزيد.....


المصالحة الجزائرية: بين قسوة المحاكم ورحمة الرئيس!!


أنور مالك

الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 11:21
المحور: كتابات ساخرة
    


لسنا نود أن نعود بالتفصيل في هذه المقالة الموجزة لتلك الوعود المزركشة والوردية التي حملها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة خلال حملته الإنتخابية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، التي يعرف تفاصيلها القاصي والداني، وهي متناثرة في أرشيف كل الصحف المختلفة محلية ودولية... حيث ذهب بعيدا في وعوده وجعل 29 أيلول 2005 المنعطف البارز بين الجنة والنار، الكل يذكر ما ظل يردده في تجمعاته المختلفة من أنه "رجل مصالحة" وانه سيتخذ "إجراءات أخرى" لو وافق الشعب على مشروعه بأغلبية تخوله صلاحيات أوسع من تلك التي خولها له الميثاق نفسه، اعتقدت بعض الجهات الرسمية وذهبت أخرى إعلامية إلى أن الإجراءت المقصودة تصل بالمشروع إلى ذروته قد يكون العفو الشامل الذي كان في البدء ديدن الرئيس ورغبته في بداية الأمر، وقبل تدخلات من أطراف نافذة فضل الرئيس أن يسميها "التوازنات"، قلصت مسعاه إلى مجرد ميثاق يتلخص في إجراءات لصالح المسلحين والمساجين والمفقودين والمتضررين مما يطلق عليه "المأساة الوطنية"، قد شرع إستثناءات تمثلت في عدم إستفادة المتورطين في القتل الجماعي والقنابل في الأماكن العمومية وكذلك الاغتصاب، غير أنهم نالوا الوعد بالتعامل معهم برحمة وشفقة وسيعاقبون من دون تشديد للعقوبة، حتى أن الرئيس بوتفليقة أجزم أن ينظر إليهم بعين الرحمة والشفقة... الشعب الجزائري كعادته خرج عن بكرة أبيه ليقول نعم وبالإجماع، فقد مل الدم والعنف ورائحة الموت التي تنتشر في كل مكان، ويتطلع لغد أفضل تتحقق فيه رغبته في الأمن والعيش الكريم في جزائر دخل إلى قصر رئاستها بوتفليقة واعدا من أن تتحول لجزائر العزة والكرامة، بل أكثر من ذلك أن نجاح قانون الوئام المدني الذي أعاد لأحضان المجتمع أكثر من 6000 مسلحا مما كانوا ينشطون تحت لواء ما يعرف بالجيش الإسلامي للإنقاذ، بالرغم من المؤاخذات الكثيرة والإقصاء الذي يتعرض له الوئاميون، عدا قادة التنظيم من مدني مزراق الذي صار سياسيا تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس، إلى عيسى عبدالله لحيلح الذي صار شاعر الجزائر تحت دعم رئاسي متميز...

إن واقع التطبيق الفعلي لميثاق السلم والمصالحة جاء أعرجا وإن لم نقل مشلولا، والتي ولدت قوانينه بعد مخاض عسير، ومر على مرحلة أخرى أشدها خطرا أوصلت الرئيس بوتفليقة لرحلة علاج في باريس (مستشفى فال دوغراس العسكري) ظلت غامضة وتحوم حولها الشكوك المختلفة، حيث أن التنفيذ عكس الشعارات التي تغنى بها الرئيس وتغنى بها من سار في ركبه من العرابين، الذين غالبا ما يصنعون أعراس النظام ثم يختفون في أقبيتهم يتربصون لولائم أخرى تدر عليهم بالربح والنفوذ والمال... على سبيل الاستدلال نذكر منهم أحمد أويحيى رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب التجمع الديمقراطي – حزب الإدارة كما يعرف - الذي كان إستئصاليا حد النخاع، لا يؤمن إلا بالخيار الأمني دون سواه، وبين عشية وضحاها تحول إلى "رجل مصالحة" تيمنا برئيسه، مما جعل الكثيرين من المتابعين للشأن الجزائري يطرحون علامات إستفهام حول هذا التحول، فمنهم من إعتبر أن الرجل راجع أفكاره ومبادئه – إن كانت له مبادئ طبعا- وآخرون إستبعدوا هذه الفرضية عن رجل فضل أن يطلق على نفسه "رجل المهمات القذرة"، وذهبوا حد التشكيك في هذا المسعى وجزموا بفشله الذريع وهو ما حصل بلا شك، وكذلك نجد زعيم "حمس" الوزير سلطاني بوقرة الذي أطلق الكلام المباح ذات اليمين وذات الشمال، لم يتحقق منها إلا النزر القليل، وهو كما يعرف من أن الحركة ظلت حصان طروادة للسلطة الإنقلابية منذ عهد رئيسها الراحل محفوظ نحناح، وتحولت على حد بعض التعاليق إلى "حمار طروادة" في عهد زعيمها الحالي... طبعا عبدالله جاب الله رئيس حركة الإصلاح الوطني ظلت له مؤاخذات خاصة في ما يتعلق بتحميل مسئولية الأزمة كما يسمونها وهي في الأصل حرب أهلية مبيدة وقذرة، لقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة وعلى رأسهم الشيخين علي بن حاج وعباسي مدني، وهذا الذي لم تغفره له دوائر في السلطة أوصلت حزبه إلى الإنقسام والتشتت بعدما كان قوة فاعلة في المعارضة ولها وزنها السياسي الشعبي، ونجد لويزة حنون زعيمة حزب العمال وآخرين ليس المجال لأن نسترسل في حصرهم... وبين هذا وذاك ظل عبدالعزيز بلخادم أمين عام جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الذي يفضل تسمية نفسه بالحزب الحاكم، يصول ويجول ويملأ الدنيا ضجيجا بشعارات براقة ووعود لم يتحقق منها أي شيء، وذهبت في غبار ذلك السباق المحموم بين مختلف التيارات لكسب ود الرئيس ورضاه، وأهمها نيل صك الغفران من طرف السلطة الفعلية في الجزائر والمتمثلة في جنرالات المؤسسة العسكرية...

فشل مشروع المصالحة الجزائرية لا يختلف فيه إثنان الآن، ويعود أساسا لصراع بين لوبيات نافذة ومسيطرة داخل أعلى هرم الدولة، بين من يريدون جعل المشروع سياسي بحت ولأجل الإستهلاك الإعلامي وبين من يريدونه "واقعي" بعيد عن الديماغوجيات المزيفة والنظرة التي تحكمها الحسابات الشخصية الضيقة على حسابات مصلحة الوطن المهملة في كل مشاريع السلطة الجزائرية... وجد النظام الحاكم نفسه في مآزق حول هذا المشروع الذي لم تقدم الجهات المعنية تقريرا للشعب تكشف من خلاله نتائجه، وإن كانت أطراف أخرى ترى بأن السبب الحقيقي في فشله هو عدم إشراك كل أقطاب الأزمة إشراكا فعالا وعلى رأس ذلك قيادة الحزب المحظور، وقد تعرضوا لإجحاف لم يسبق له إجحاف، حيث أن الميثاق راح يحملهم كل المسئولية عن دماء الجزائريين، وبرر ساحة الجنرالات الذين وجهت لهم أصابع الاتهام بوقوفهم وراء الكثير من الأحداث التي ضربت العمق الجزائري، وأكثر من كل ذلك أن بعض المنظمات الدولية رأت فيه ما يسوء، حيث وجد النظام ضالته للخروج من مأزق المتابعات التي قد تلحق "جنرالات الجيش" وممن كانوا يقودون حملة محاربة ما يسمى بالإرهاب، لأنه أعطاهم حصانة مطلقة ومنعت الإجراءات القضائية في حق أي رجل أمن ولو ثبت تورطه في جرائم ضد الإنسانية، هذا أيضا إلى جانب طي ملف المفقودين الذي كان يؤرق النظام كثيرا، فسياسة "اللاعقاب" إنتهجها وأرسى دعائمها الميثاق في حق المسئولين في الدولة، وأعطاهم الحماية الشاملة مدى الحياة وعلى مر الأجيال، عكس الطرف الآخر والمتمثل في الإسلاميين الذين تعامل معهم الميثاق وفق أهواء النظام وطبق مكاسب خطط لها في الظل... على كل أن ميثاق بوتفليقة ماهو إلا ميثاق الجنرالات الذين أرادوا التأييد الشعبي لمخطط يحميهم دوليا وداخليا من المسئولية المباشرة، وخاصة في ما يتعلق بالمجازر التي ضربت المدنيين والعزل، وكل التقارير الدولية وحتى تصريحات عسكريين فارين تفيد بتورط هؤلاء في إبادة المدنيين وإرتكاب جرائم ضد الإنسانية (تعذيب، قتل خارج القانون، إختطاف قسري، التنكيل بالجثث...) تعاقب عليها كل المواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر... فنحن بصدد التنبيه فقط ولسنا بصدد الحديث المفصل حول هذا المشروع الفاشل ولا من أجل التفصيل في أسباب فشله الذريع وهي بادية للعيان ولا تحتاج إلى أي مراوغة من طرف السلطة أو حتى أبواقها، بالرغم من لجوء النظام لإستغلال بعض الأحداث حتى يبعث الروح في رفات ميثاق ميت، كما جرى في العملية الأخيرة التي أعتبرت محاولة لاغتيال الرئيس الجزائري، بالرغم من أنها تبدو مسرحية هزيلة كشفت عيوبها في تلك المسيرات "العفوية" ويقودها وزراء وزعماء أحزاب لتأييد الرئيس في مسعاه للمصالحة، هذا بعد أن وجه الإتهام رسميا من طرف الرئيس نفسه وحتى وزير داخليته لأطراف أجنبية لم يكشف عنها، وهي مسئولية خطيرة وجسيمة أمام الشعب الذي مل مثل هذه السياسة التي تعامله كأحمق وأبله، حماقة أن نصدق بأنه جاء رجل ملغوم الحزام يحمل قنابل بكيس بلاستيكي من وهران (غرب البلاد) إلى ولاية باتنة (الشرق الجزائري) معقل أحد خصوم الرئيس بوتفليقة وهو علي بن فليس وكذلك الرئيس الأسبق اليمين زروال الذي لم يظهر في أي مناسبة رسمية معه على عكس الرؤساء السابقين الذين ينتهج بوتفليقة سياسة الظهور معهم في المناسبات التاريخية، مما يكشف غضب زروال من خليفته حول الكثير من القضايا أهمها إقصاء "الشاوية" من دوائر القرار، بعدما كانت لهم السلطة الفعلية، وأيضا هي مدينة الجنرال خالد نزار أحد الأقطاب الذين صنعوا الحرب الأهلية وأشعلوا فتيلها ولم يحمل أدنى مسئولية طبعا... الخ، هذا يثير الكثير من الأسئلة المحيرة حول طبيعة هذه المجزرة التي ذهب بسببها أبرياء عزل، ساقتهم أقدارهم أو لقمة عيشهم لإستقبال الرئيس في مهرجانات مزيفة دأب عليها حتى وهو عائد من مستشفى كادت أن تذهب الرحلة بحياته، وتروج لها قناته اليتيمة كدليل على الإلتفاف الشعبي وشرعية الرئيس التي لا تضاهيها شرعية حتى لدى الدول الغربية !! ...

لقد كتبنا من قبل ومنذ أشهر عديدة مقالا عن الإسلاميين المعنيين بهذا الميثاق ولكن تم إقصاؤهم، لأسباب تتعلق بتقارير أمنية حول إمكانية التحاقهم مجددا بالعمل المسلح، وكما نعرف أنه تم إيداع ضباط مخابرات بين المساجين وجند آخرون لأجل هذه المهمة وبناء على تقاريرهم يتم الفصل في الملفات، وكما نعرف أيضا أن اغلب من أفرج عنهم هم في الأصل متهمين في قضايا تتعلق بالحق العام، كتهريب الرمال مثلا الذي أفرج عن أعداد كبيرة منهم تقارب المئة شخص من سجن الحراش لوحده، ونجد أيضا من ألحقت به تهما جديدة وملفات أخرى لا يعرف عنها شيئا ما بعد 04 آذار 2006 الذي بدأ فيه الإفراج عن المساجين، حتى يتم إقصاؤهم من هذا المكسب، وطبعا الملفات الجديدة محشوة بقضايا تتعلق بالإغتصاب والقتل الجماعي والقنابل في الأماكن العمومية وهي الحالات التي تم إستثناؤها في ميثاق بوتفليقة كما ذكرنا سابقا، وقد ذهبنا بمقالنا الذي نشر في كثير من الصحف وحتى في مواقع حقوقية على رأسها موقع اللجنة العربية لحقوق الإنسان، إلى توضيح نماذج من القضايا التي وقعت تحت طائلة التلاعب، وصل حد الإفراج عن مساجين الحق العام بدل من الإسلاميين المعنيين بالمشروع الشعبي...

لقد كانت قضية حسان حطاب أمير سابق ومؤسس ما كان يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال التي صارت "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" يثير الكثير من الفضول لدى الناس، وخاصة لما تحول عرابا لمشروع الرئيس حسب ما يروج له اعلاميا من طرف وسائل رسمية وحتى تلك التي تنعت بالمستقلة، لقد ذهبت مصادر صحفية من أن مصالح الرئيس خصصت له سيارة مرسيدس خضراء تحت تصرفه في حملته لأجل إقناع أتباعه السابقين بميثاق السلم هذا، وقد أشاد به بوتفليقة في خطاباته وحتى في خرجات إعلامية سابقة من باب إغرائه بالمشروع وطالما ردد في مداخلاته قوله: السيد حسان حطاب، إلا أن بعض الصحف عادت اليوم بشكل مخالف بعدما سلم نفسه وصارت قضيته تثير الكثير من اللغط وتسيل الحبر، بل أنها تشن الحملة عليه وتنعته بالإرهابي حسان حطاب، بعدما كانت تسميه من قبل حسان حطاب فقط، مما يدل على أنها تلقت أوامرا عليا في هذه الحملة المنظمة والتي تحضر لشيء ما، قد يصل إلى حد متابعته بقضايا تدخل في خانة الإستثناءات الثلاث مما يحرمه من الميثاق الذي كان عرابا له، وراهنت عليه السلطة كثيرا لإنجاح المصالحة هذه، وأكثر من كل ذلك أن وزير الداخلية يزيد زرهوني أكد مؤخرا من أنه يستوجب على حسان حطاب تسوية وضعيته وتصفيتها أمام المحاكم من دون أن يحدد طبيعة ذلك، وأهم شيء في تصريح الوزير أنه سلم نفسه بعد إنقضاء آجال المصالحة، وهو تمهيد لإقصائه من مشروع بدأ يخبو وتقترب أيامه من الموت مع نهاية عهدة الرئيس... مما يعني أمرين أساسيين يمكن تسجيلهما وهما:

- أن السلطة الجزائرية تخطط لأمر آخر بناء على قضية حسان حطاب، تريد أن تعيد به البريق لميثاق صار رمادا بسبب نار الفشل، ويتوقف طبعا على التعديل الدستوري الذي يفتح المجال لبوتفليقة نحو عهدة رئاسية ثالثة.

- أن السلطة غدرت بحسان حطاب بعدما تأكدت من عدم جدية وعوده أو فشلها في إنجاح مسعى الرئيس بين المسلحين، واستحالة التحاق ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بأي مسعى جديد حتى ولو كان العفو الشامل، وخاصة أن بعض المتتبعين للشأن الجزائري جعلوا منه المحطة الأخرى لمشروع عبدالعزيز بوتفليقة للعهدة القادمة إن حدثت، وقد أعتبر الغدر هذا هو السبب المباشر في رفض حسان حطاب لقانون الوئام المدني من قبل، ولا اعتقد انه سيكون من ضحاياها اليوم.

المحاكمات الأخيرة التي إنطلقت في عدة دورات جنائية جزائرية، أكدت من أن "الرحمة" التي وعد بها الرئيس ذهبت أدراج الرياح، إما أنه لم يستطع السيطرة على قطاع "العدالة" المريض، والذي أثبتت النتائج الفعلية للميثاق نفوذ جناح مناوئ للرئيس فيه، أو انه تراجع بعدما كان يعتقد النجاح المذهل على غرار ذلك الذي حققه الإستفتاء من مشاركة قياسية لم يسبق لها نظير... فقد حكم على المصري ياسر سالم بـ 15 عاما بالرغم من أن تهمته التي توبع فيها تتعلق بتجنيد جزائريين للقتال في العراق ليست من الإستثناءات الثلاث، وقد رافع في حقه المحامي الشهير منتصر الزيات وأكد من حق موكله الإستفادة من الميثاق، ونجد معه في القضية الجزائريين لحمر عواد وحاج نعاس اللذين حكما عليهما بالمؤبد، والملف الذي حكم عليهما من خلاله - طبعا - يشمله نطاق إبطال المتابعات القضائية، وقد اشرنا إليهما من قبل في مقالنا الذي نشر منذ أكثر من 8 أشهر حول الإسلاميين الذين أبطل الشعب متابعتهم وبقوا خلف القضبان، وتفردنا بذلك قبل الخوض الإعلامي في القضية، ونجد السجين حميد مباركي المتهم الرئيسي والوحيد في مجزرة سركاجي الشهيرة، وتهمه مما يشملها العفو وإنقضاء وجه الدعوى ولكنه لم يستفد وظل قابعا في زنزانته بالرغم من إستفادة آخرين في القضية نفسها من العفو... وقضية علالو حميدة الذي إعتبرته مصالح الإستخبارات الذراع الأيمن لحسان حطاب، دفعه ذلك إلى شن إضراب عن الطعام ولا تزال قضاياه تراوح مكانها بين التأجيل والتماطل...

نذكر في هذا المقام قضية السجين مالك مجنون وهو القاتل المفترض للمطرب القبائلي معطوب الوناس الذي أغتيل في 25 حزيران 1998، وقد قضى المتهم أكثر من ست سنوات في الحبس الاحتياطي وهو المتواجد بسجن تيزي وزو منذ سنة 2000 وقد استفاد في كانون الأول 2000 من انتفاء وجه الدعوى لعدم توفر الأدلة المادية، غير أن النائب العام لدى مجلس قضاء تيزي وزو استأنف لدى غرفة الإتهام والتي أمرت بتمديد حبسه، ويعتبر حبسه هذا خرق بارز للقانون الذي يحدد 33 شهرا للضالعين في ما يعرف بقضايا الإرهاب بالداخل و44 شهرا بالنسبة للمتورطين في قضايا بالخارج، وهو طبعا متابع في قضية إغتيال لا تبتعد كثيرا عن قضية إغتيال عبدالقادر حشاني أحد أهم زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، ومن طرف متهم مفترض – طبعا - المسمى بولمية فؤاد الذي إستفاد من العفو في إطار الميثاق، فماهو الفرق بين حشاني و معطوب؟؟ الجواب في جعبة الإستئصاليين الذين يسيطرون على دوائر نافذة في السلطة ووزارة العدل... لقد برمج القضاء الجزائري فتح الملف في هذه الدورة الجنائية لكنه لم يحدث ذلك وتراجعت عنه في آخر لحظة، على أساس أن القضية ستنقل للعاصمة للنظر فيها وهو ما يخالف قانون الإجراءات الجزائية، جراء خوف السلطة من ثورة القبائل مرة أخرى، وخاصة أن مليكة معطوب شقيقة المطرب تتهم السلطة بإغتيال شقيقها بل تجزم بذلك...

أيضا قضية ما يعرف بجماعة "أبو تراب" وهي آخر مجموعة لتنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) التي ظلت تثير الكثير من الغموض حول تأسيسها ودورها وخاصة منذ شهادة عقيد الإستخبارات السابق محمد سمراوي، وقد حوكمت المجموعة في 07 تشرين الثاني 2007، وكانت الأحكام قاسية جدا وصلت حد الإعدام في حق حسين القبي وهو كفيف الذي سلم نفسه وكان وراء عملية القبض على المجموعة، وصدر حكم الإعدام أيضا على عوار محمد، عزوق مقران، كركار رشيد... مما دفع محامي حسين القبي وهو السيد عبدالرحيم بوحنة للاحتجاج إعلاميا والإعلان عن قراره بالطعن في الحكم الجائر والقاسي لدى المحكمة العليا، أما بقية المتهمين فصدرت ضدهم أحكاما تتراوح بين عشر وأربع سنوات سجن نافذة... وقبلها حكم على شامة محمد المعروف بالقعقاع في 21 آذار 2007 بالمؤبد مع العلم أن القضايا التي توبع فيها قبل التطبيق الفعلي لقانون المصالحة لا توجد بها الإستثناءات الثلاث...

حكم على لقمان غلاب وهو مساعد حسان حطاب بعشر سنوات نافذة، بالرغم من أنه سلم نفسه لكي يستفيد من القانون وفي آجاله القانونية التي حددتها الجهات الوصية، وقد عاد حينها لبيته بأعالي العاصمة وبرفقة مصالح أمن ولاية بومرداس غير أنه أعتقل مجددا، وقد أرجع محاميه السيد أمين سيدهم السبب لسوء التفاهم بين مصلحتين أمنيتين ويقصد القضاء والمخابرات طبعا، وصدر أيضا المؤبد في حق خراف رابح من مدينة بغلية ولاية بومرداس، وكذلك بوبكر لزرق من ولاية تلمسان مع خمراوي ياسين من العاصمة اللذين حكما عليهما بعشرين عاما سجنا نافذا، وبتهمة الإشادة بأعمال إرهابية وهي طبعا من التهم التي يشملها العفو وإبطال المتابعة القضائية، وقد توبع فيها الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ المحظورة الشيخ علي بن حاج مؤخرا وأفرج عنه في إطار الميثاق، والكثيرون أيضا أفرج عنهم بإسقاط الدعوى في التهم نفسها بل توجد الأكثر منها درجة وخطورة... بغض النظر عن المساجين الذين أبطلت متابعتهم وتراجعت المصالح المعنية عنها بسبب خطأ إرتكبه القضاة حسب تصريح رسمي لوزير العدل الجزائري، كما حدث مع عبدالمجيد دحومان، عادل بومزبر، مراد يخلف وهم متابعون في قضية أحمد رسام المعروفة ومطلوبون أمريكيا، وكذلك محمد بن يمينة المطلوب من طرف فرنسا... ولا يزالون يقبعون في السجون.

القضايا كثيرة ولا يمكن إحتواءها مما يثبت ظاهرة الكيل بمكيالين في التعامل مع ملفات المساجين، وقد علمنا إحتجاجات الكثير من عائلات المساجين الذين رفض الإفراج عنهم وخاصة لما أكد محاموهم بحقهم في ذلك، نذكر مثلا عائلة السجين جمال الدين العسكري المحكوم عليه بالمؤبد عام 1993 المتواجد حاليا بسجن لامبيز (ولاية باتنة) وقد أكد محاميه حميد عيساني أنه من حقه الإفراج عنه، ونجد أيضا عمر جدي المتحدر من ولاية تبسة والمتواجد بسجن الشلف، أيضا جمال الدين بوذراع المتحدر من ولاية وهران والمتواجد بسجن سيدي بلعباس... الخ.

إذا وعود الرئيس بالرحمة قابلتها المحاكم بالقسوة الشديدة، بل حتى بالإجحاف في حق آخرين كان من المفروض أنهم بين أهاليهم منذ 4 آذار 2006 ولكنهم لا يزالون يقبعون في السجون وتحت الضغط الكبير في حالة إحتجاجهم على وضعيتهم القانونية... ولهذا قد إتضحت بعض المعالم التي تفيد بمعرفة الأسباب الحقيقية التي جعلت الفشل الذريع الذي رافق مشروع الرئيس وأوصله لنفق مظلم، هو النتيجة الحتمية لعهد وميثاق بين شعب يتطلع لغد أفضل من يومه البائس ورئيس كان عليه أن يكون في مستوى تلك التطلعات والعهود... ربما أراد له ذلك الفشل وتلك الخيبة بعض ممن لا مصلحة لهم في إستمرار بوتفليقة في الحكم، لأن نجاح المشروع يفتح الشهية لعهدة جديدة ترى السلطة الموازية أن التغيير نحو القبضة الحديدية وسيف الحجاج بدل العفو والمصالحة هي أولى الأولويات في ظل حرب شاملة تقودها أمريكا على ما يسمى بالإرهاب، وتحت مبرر مهم وهو وجود القاعدة رسميا في شعاب الجزائر...

ربما سنعود للقضية في شقها الآخر المتعلق بالفضائح المختلفة التي يشهدها القانون في جانبه الخاص بالمفقودين والتعويضات المالية لضحايا ما سماها المأساة الوطنية، وهي كثيرة ومتعددة جعلت من الميثاق أكبر دليل على خيبة الشعب في نظام أراد لنفسه النجاة من دماء جزائريين لن يغفرها لهم التاريخ أبدا...



#أنور_مالك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيعة والتشيع في الجزائر: حقائق مثيرة عن محاولات الغزو الفا ...
- الشيعة والتشيع في الجزائر: حقائق مثيرة عن محاولات الغزو الفا ...
- التعذيب في الجزائر:جلادون وزنازين سرية لا تراها الشمس
- مقاربات في الفساد الجزائري: ابوجرة سلطاني... قف!!
- من تداعيات الحرب الأهلية الجزائرية: عسكريون في ذمة المجهول!!
- الإسلاميون من وراء القضبان الجزائرية: حروب الجماعات وتناحر ا ...
- انطباعات في تفجيرات الجزائر: مسرحية الزعيم على أشلاء متفحمة! ...
- تنظيم القاعدة في الجزائر: بين حسابات النظام وأطماع الأمريكان ...


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أنور مالك - المصالحة الجزائرية: بين قسوة المحاكم ورحمة الرئيس!!