عادل صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 09:10
المحور:
الادب والفن
قصيدتان للشاعر الانكليزي توماس هاردي
ترجمة: د. عادل صالح
توماس هاردي (1840-1928)
ولد الشاعر والروائي البريطاني الكبير توماس هاردي في مدينة دورتشيستر بمقاطعة دورست الواقعة جنوب غربي انكلترة على ساحل القنال الانكليزي لأب يعمل بناء وأم مثقفة وطموحة زودت ابنها بالتعليم الذي يحتاجه حتى سن السادسة عشر حينما تولى تعليمه وتدريبه بعدها المعماري المحلي جون هكس لكي يصبح معماريا قبل انتقاله الى لندن عام 1862. في لندن التحق بالدراسة الجامعية وفاز بجوائز من المعهد الملكي للمعمارين البريطانيين ومن الجمعية المعمارية، الا انه لم تطب الاقامة له في لندن فعاد بعد خمس سنوات الى دورست حيث قرر التفرغ للكتابة.
تعرف على ايما لافنيا غيفورد عام 1870 بينما كان في مهمة لترميم كنيسة سنت جوليوت في كورنوول ليقع في حبها ويتزوجها في 1874 و رغم الجفوة التي حدثت بينهما الا ان موتها عام 1912 ترك بالغ الأثر عليه مما جعله يذهب الى كورنوول ليستعيد ذكريات حبه لها وليكرس مجموعته الشعرية قصائد 1912-1913 عن حزنه الشديد لفراقها. في عام 1914 تزوج هاردي سكرتيرته فلورنس دغديل التي تصغره بأربعين عاما والتي تعرف عليها عام 1905. الا ان موت ايما المفاجي بقي يشغله فيكتب عنها القصائد حتى نهاية حياته عام 1923 وكانت آخر قصيدة له عنها كتبها وهو على فراش الموت.
يشغل توماس هاردي حيزا كبيرا من المشهد الأدبي البريطاني ممتدا من الفترة النابليونية الى الحرب العالمية الأولى ليشهد عصرين أدبيين الفكتوري والحديث. على الرغم من انه بدأ النشر كروائي وقاص وواصل نشر رواياته خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الا انه كان يكتب الشعر خلال هذه الفترة دون أن ينشره، ولم يبدأ بنشر قصائده الا بعد أن قرر العزوف عن كتابة الرواية أثر هجوم شرس شنه النقاد المحافظون على آخر روياته جود الغامض التي نشرها عام 1895.
نشر هاردي أولى مجاميعه الشعرية عام 1898 بعنوان قصائد وسكس ثم مجموعته قصائد عن الماضي والحاضر عام 1902 بعد ذلك شرع بنشر مطولته السلالات وهي دراما شعرية ملحمية بانورامية عن الحروب النابليونية في 19 فصلا و 130 مشهدا نشرت بثلاثة أجزاء في الأعوام 1903 و 1905 و 1908 ، تعبر عن فلسفته ونظرته الى الحياة والتاريخ والقوى التي تحركهما. تظهر جميع شخوص الدراما بما فيها نابليون نفسه مجرد دمى تحركها وتدفعها نحو القيام بأفعالها وتقرر مصيرها قوة كونية عمياء غامضة يسميها هاردي ((الارادة الحلولية)) The Immanent Will.
في أثناء ذلك واصل هاردي كتابة القصائد الغنائية القصيرة فنشر عام 1909 مجموعة بعنوان أضحوكات الزمن ثم هجائيات الظروف عام 1914 تلتها بعد ذلك قصائد مختارة في 1916 ، لحظات رؤية في 1917، و قصائد غنائية متأخرة ومبكرة في1922 .
نظرا لأهمية الأفكار والمواقف في شعر هاردي فغالبا ما يوصف شعره بأنه تشاؤمي وسوداوي. وقد دافع الشاعر عن نفسه نافيا أن يكون كذلك مؤكدا انه يحاول ان يكون واقعيا وصادقا في نقل صور الحياة ومصائر البشر فيها. يقول هاردي بهذا الصدد: ((الناس يدعونني بالتشاؤمي، فلو كانت التشاؤمية هي الاعتقاد، كما كان سوفوكليس يعتقد، بان "الحال المثلى هي ان لا تكون قد ولدت"، اذا فانني لا أرفض هذا التوصيف...وانني حقا لأؤمن بان قدرا كبيرا من التفاؤلية المتحمسة والمتبجحة في الأدب الحالي هي في جوهرها جبن ورياء، ولا أرى اننا بامكاننا تحسين حال العالم من خلال جزمنا، مهما كان ذلك بصوت عال، بان الأسود أبيض...الا ان تشاؤميتي، ان كانت تشاؤمية، لا تنطوي على الاعتقاد بأن العالم ذاهب الى الجحيم...على العكس من ذلك، ففلسفتي الاجرائية هي بالتحديد الفلسفة التحسينية meliorist . أليست كتبي كلها ما هي الا دعوة ضد "لاانسانية الانسان تجاه الانسان"-والمرأة-والحيوان الضعيف؟...ومهما يكن ما فطرت عليه الحياة من خير أو شر فمن المؤكد ان البشر هم الذين يجعلونها أسوأ مما ينبغي. اننا عندما نكون قد تخلصنا من آلاف الشرور التي يمكن علاجها، حينئذ سيكون لدينا وقت كاف لكي نقرر ان كان الشر الذي لا يمكن علاجه ترجح كفته على كفة الخير أم لا."—رد هاردي على نقاده كما سجله الناقد وليم آرتشر في مجلة بول مول لعدد نيسان 1901 ص533.
يقول الناقد جون لفنغستون لوز في مقال له بـمجلة ييل ريفيو (نيسان 1926، ص522) ما يأتي: ((الأرض بالنسبة لهاردي بقعة مسكونة بالأشباح...لم أعرف شعرا يطغي عليه الاحساس بالحضور الدائم للأموات كشعره، وما من منتج شعري كمنتجه ينقل الينا هذا الاحساس بهكذا طريقة بالغة التأثير والجمال. انه تناقض غريب. فليس ثمة شاعر من الشعراء الأحياء، بخروجه على التراث، يبلغ ما يبلغه توماس هاردي في انتمائه الى عصره، وما كان لشاعر يكتب اليوم أن يكون بمثل شدة انتمائه الى هذه الأرض ألف عام مضت".
اما فيما يتعلق بقصيدتي الشاعر اللتين نقدم ترجمتهما هنا فانهما من روائع ما كتب في موضوعتي ذم الدهركما في القصيدة الأولى وتمجيد حياة الانسان العادية كما في القصيدة الثانية. فالقصيدة الأولى ((لم يتوقع الكثير)) كتبها الشاعر، كما يتبين لنا من عنوانها الثانوي، عندما بلغ السادسة والثمانين من العمر، متأملا فيها حال الدنيا التي ان جادت بشيء فانما تجود بحادثات لا ملامح لها ولا يعرف كنهها.
اما القصيدة الثانية، ((في زمن "تفكك الأوطان")) فقد كتبها الشاعر، كما يخبرنا هو في سيرته الذاتية، عام 1914 أي خلال الحرب العالمية الأولى، الا ان فكرتها الأصلية كانت قد أثارتها الحرب الفرنسية البروسية عام 1870وبقيت تختمر في ذهنه وتعتمل مشاعره حولها طوال أربعة عقود. وهي قصيدة يعلق فيها هاردي على انشاغالات الانسان العادية البسيطة الا انها بالغة الأهمية كالحب والعمل أزاء ما تفعله أحداث كبرى الا انها طارئة مثل الحروب.[تجدر الاشارة الى ان مقتبس "تفكك الأوطان" في عنوان القصيدة يتضمن احالة الى العهد القديم، سفر ارميا: ((انت لي فاس و ادوات حرب فاسحق بك الامم و اهلك بك الممالك، 20:51))]
لم يتوقع الكثير
(أو)
نظرة
(تأمل) في عيد ميلادي السادس والثمانين
صدقت وعدا أيها الدهر معي صدقت
صدقت فيما قلت لي، في كل ما قد قلت لي عما تكون أنت
وانني أقررت
مذ كنت حينذلكم طفلا
أفترش الأرض وأرقب السماء
بأنني ما كنت أرجو أن هذه الحياة
كانت ستغدو كلها عدلا.
قد قلت لي آنئذ، وطالما قد قلت لي
وقال لي الزمان
بذلك الصوت الذي يهتف في ابهام
تطلقه من حولي التلال والغمام:
((أحبني الكثير يائسين
أحبني الكثير في صفاء
بينا أبان البعض لي ازدراء
مذ ولدوا حتى تواروا في ثرى الفناء
فيا فتى لا ترتجِ الكثير
مما لدي من وعود أو عهود
فليس الا حادثات ما لها أسماء))
بهذه خاطبت
عقول من عقولهم صنوي
فانعم بها من حكمة وانعم بما أنذرت!
لكنني كمثلهم فشلت
في أخذ ما نصحت
وهكذا استطعت أن أواجه الحياة
أواجه الأحزان والآلام
تلك التي تأتي بها الأيام.
-----------------
في زمن " تفكك الأوطان"
ليس سوى مزارع يحرث بالفدان
يمشي وئيدا منهكا تعبان
يصحبه في حقله حصان
كهل ينوء في مشيته نعسان
ليس سوى خيط من الدخان
يصعد من بيادر القش بلا نيران
لكن ذا باق مع الأزمان
رغم ذهاب الملك والسلطان
وفي المدى ترى فتى ولهان
مغازلا فتاته يهمس في الآذان
عشقهما باق مع الأزمان
لكنما وقائع الحروب سوف تنطوي في عتمة النسيان
النص الأصلي
He Never Expected Much
(or)
A Consideration
(A reflection) on my eighty-sixth birthday
Well, World, you have kept faith with me,
Kept faith with me;
Upon the whole you have proved to be
Much as you said you were.
Since as a child I used to lie
Upon the leaze and watch the sky,
Never, I own, expected I
That life would all be fair.
Twas then you said, and since have said,
Times since have said,
In that mysterious voice you shed
From clouds and hills around:
"Many have loved me desperately,
Many with smooth serenity,
While some have shown contempt of me
Till they dropped underground.
"I do not promise overmuch,
Child; overmuch;
Just neutral-tinted haps and such,"
You said to minds like mine.
Wise warning for your credit s sake!
Which I for one failed not to take,
And hence could stem such strain and ache
As each year might assign.
In Time of The Breaking of Nations
Only a man harrowing clods
In a slow, silent walk
With an old horse that stumbles and nods
Half-asleep as they stalk.
Only thin smoke without flame
From the heaps of couch-grass;
Yet this will go onward the same
Though Dynasties die.
Yonder a maid and her wight
Come whispering by;
War s annals will fade into night
Ere their story die.
#عادل_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟