|
مسار تصغير الأمة من مؤتمر باريس 1913 إلى إعلان دمشق 2005
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 11:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يأت مطر إعلان دمشق من سماء صافية،كما يقال،فهو لم يكن حادثة مفردة فريدة بدون سوابق.بل إن ما يحكمه و يحكم تفكير القائمين عليه هو خط فكري بدأ منذ بداية القرن العشرين مع المؤتمر القومي في باريس عام 1913، و توج بتعاون الشريف حسين مع البريطانيين ضد الدولة العثمانية و محاربتها تحت قيادة لورانس،ثم عاد يطل برأسه بشكل خجول عام 1948 كما في تصريحات بورقيبة حول وجوب قبول قرار تقسيم فلسطين،ثم بشكل واضح بعد هزيمة 1967 و عبّر عن نفسه بقبول قرارات مجلس الأمن 242و 338 و اعتبار ما يسمى بالشرعية الدولية أساساً للحل في فلسطين المحتلة. يمكننا إيجاز جوهر هذا الخط الفكري بنقطتين جوهريتين،النقطة الأولى هي القبول بالاندراج في سياق الترتيبات الدولية للمنطقة العربية،و ذلك تحت ذرائع مختلفة أهمها: ذريعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه،و عدم القدرة على مجابهة القوى الكبرى،و ضرورة التعاون معها. فمؤتمر باريس عام 1913 ،رغم أنه قد أطلق على نفسه صفة القومي ، أعلن أنه يتحدث باسم "العرب العثمانيين" فقط،و بالتالي فهو تنصل من العرب الخاضعين للإحتلالات،و الوصايات الغربية.فبجرة قلم واحدة تخلى عن التفكير بمصير العرب الذين يعيشون غرب قناة السويس: مصر،و ليبيا،و تونس،و الجزائر،و مراكش،و عن عرب عدن ،و الكويت،الذين يعيشون شرق قناة السويس تحت الاحتلال البريطاني. فعل المؤتمر هذا رغم أنه أعلن نفسه قومياً عربياً،و لم يجرد العروبة عن العرب الخاضعين للإحتلالات الغربية ! ورد في وثائق المؤتمر أنه يعنى فقط بالعرب العثمانيين: " المقيمين في الولايات العربية العثمانية ...... و هو لا يهتم في الحاضر و لا في المستقبل بشيء له علاقة بالولايات المشار إليها ....".و لحل هذا التناقض اخترع القائمون على المؤتمر تعبير "العرب العثمانيين". و ليس خافياً على أحد أن هذا التزاماً بالترتيبات الدولية للمنطقة العربية،و بشكل أكثر تحديداً للدولة العثمانية،التي صارت وشيكة الانهيار،و اتفقت الدول الغربية الرئيسية على تقاسم ما تبقى من ممتلكاتها،فصار البحث جدياً عن الأدوات التي تساعد على تفتيتها،لذلك استخدموا الشعور الديني في البلقان ( اسلام – مسيحية )،أما هنا،في القسم العربي من الدولة العثمانية، فيحب استخدام الشعور القومي لأن أغلبية العرب يدينون بالإسلام،مثل الأتراك. وضع المشاركون في المؤتمر أنفسهم في الموقع الذي يلائم النظام الدولي سواء عن حسن نية أم بنية مبيتة،فهم لم يطرحوا برنامجاً شاملاً لإصلاح الدولة العثمانية،كما يفترض بأي مواطن ينتمي لدولة ما و يهمه مصيرها،إنما جعلوا مطالبهم جهوية و ألبسوها ثوباً قومياً،و هذا يتناسب تماماً مع مشاريع التهام الدولة العثمانية من قبل الغرب،لأن التفكير بنهوضها و إصلاحها ممنوع غربياً.و من جهة أخرى فإن الشعارات القومية التي طرحوها كانت توجب عليهم الإلتفات إلى ثلثي العرب الواقعين تحت الإحتلالات الغربية في المناطق التي ذكرناها و هذا يعني اصطداماً بالنظام الدولي،و خاصة بمستضيفة المؤتمر و راعيته فرنسا،و للقفز فوق المشكلتين اخترعوا تعبير "العرب العثمانيين"،أما حقيقة الأمر فإنهم قد جردوا أنفسهم من الصفة العثمانية بعدم اكتراثهم لمصير الدولة و تبنيهم مطالب جهوية،و جردوا أنفسهم من صفة العروبة بعدم اكتراثهم لمصير ثلثي العرب الواقعين تحت الإحتلالات الغربية،و بالتالي صاروا في وضعية مناسبة تماماً للمشاريع الغربية ، فلا هم دعاة لحماية الدولة العثمانية و تجديدها ، و لا هم حاملون للواء العروبة.و مهما قيل عن استقلالية المؤتمر يبقى أنه عقد في باريس و تحت رعاية فرنسية،وعند نهاية أعماله قدمت لجنة تمثل المؤتمر تكونت من كل من: عبد الحميد الزهراوي ،و سليم سلام،و الشيخ أحمد حسن طبارة،و محمد خليل بيهم.قدمت اللجنة نتائج المؤتمر إلى وزير الخارجية الفرنسي بيشون،و معلوم أن فرنسا لاعب أساسي في المنطقة في ذلك الوقت بالتشارك و بالتصارع مع بريطانيا، فقبل عام فقط من تاريخ انعقاد المؤتمر،في عام 1912 فرضت وصايتها على مراكش،و قبلها احتلت الجزائر و تونس،و من قبل،زمن نابليون،حاولت احتلال مصر و بلاد الشام،كما أنها لا تخفي مطامعها في منطقة شرق المتوسط.و نفس الأمر يقال عن بريطانيا التي انتقلت إلى احتلال مناطق شرق قناة السويس كعدن التي احتلتها عام 1837،و الكويت التي احتلتها عام 1912،دون أن ننسى مصر التي كانت محتلة قبل ذلك بوقت طويل،و مع ذلك قبل المؤتمرون بهذه الترتيبات،الإحتلالات،و وعدوا بعدم المس بها،أي أنهم تخلوا أولاً عن عثمانيتهم بعدم اهتمامهم إلا بمصيرهم الخاص،ثم تخلوا عن ثلاثة أرباع العرب و رضوا أن يتحدثوا باسم الربع الباقي فقط لذلك كان يجب أن يسموا مؤتمرهم،مؤتمر ربع العرب ! إن هذا النسق الفكري عاد ليطفو على السطح بقوة بعد هزيمة 1967 م بعد أن كان خجولاً عام 1948م. تجلى ذلك بالصراع حول القرارين 242 و 383 فقد رفضتهما القوى الثورية العربية الحقيقية،لأن القبول بهما يشكل تخل عن فلسطين و بالتالي اعترافا رسمياً بشرعية الكيان الصهيوني،أما القوى المندرجة في ترتيبات النظام الدولي فقد أعلنت قبولها بالقرارين المذكورين و بعضها اتخذ نفس المسوغات السابقة،إنقاذ ما يمكن إنقاذه،و عدم الرغبة بالاصطدام بالنظام الدولي،الذي صار اسمه " الشرعية الدولية ".و تدريجياً تحول القراران 242 و 338 إلى ثابتين من ثوابت النظام الرسمي العربي،و لدى شرائح واسعة من المثقفين،و من بعض القوى التي تدعي أنها ثورية.و بالتالي تخلوا جميعاً عن عروبة فلسطين.و قبلوا بسايكس بيكو بشكل مضمر لأن أول ترتيب من ترتيبات سايكس بيكو هو إنشاء دولة الكيان الصهيوني. و بعد مسيرة جديدة من الانهيارات و الهزائم جاء إعلان دمشق ليعلن صراحة قبوله بالشق الثاني من ترتيبات سايكس بيكو،أي الدولة القطرية العربية،فالموقعون على الإعلان ليسوا مهتمين سوى بالدولة القطرية " المتحد السوري" مع الحديث عن انتماء عربي غامض أسموه " المنظومة العربية "،لا بل تجاوز الإعلان أمر القبول بترتيبات سايكس بيكو نحو الإنفتاح على سايكس بيكو الأمريكية الجديدة التي بدأت تتبلور من العراق المحتل،فرأينا في الإعلان كلاماً عن "مكونات الشعب السوري" العرقية و الدينية.حدث هذا في المكان الذي اعتبر موئلاً للفكرة العربية و قلباً نابضاً للعروبة،في سوريا التي تموت بالمعنى الفعلي لا المجازي إن لم يكن لها امتدادات عربية ، و بذلك وثق رسمياً ما كنا نسمعه شفاهاً كلما تحدثنا أو كتبنا عن فلسطين و العراق ، حيث كان الرد يأتينا إما ساخراً أو مهاجماً،بلطف أحياناً و بسفاهة أحياناً،و مفاده أن علينا الاهتمام ببناء الدولة القطرية و كفانا اهتماماً بمشاكل خارج حدودنا.لقد ثبتت وثيقة إعلان دمشق هذا الأمر بشكل رسمي بأن قالت بمنظومة عربية و سخّرت نفسها لبناء سورية و لحل مسألة الاستبداد دون أية مقاربة لمشاكل المحيط العربي إلا عبر التعبير الغامض " منظومة عربية". و هنا أحب أن أنوه أن عدم التدخل بالمحيط العربي،الذي يطلبه النظام الدولي من القوى و الأنظمة العربية،هو عدم تدخل باتجاه واحد،أي ممنوع أن تتدخل دولة عربية في شؤون دولة أخرى من أجل صالح العرب أو لنصرة عربي.أما إذا كان التدخل العربي لصالح الغربيين فهو مسموح بل و مطلوب،و على سبيل المثال في الوقت الذي منعت فرنسا "العرب العثمانيين" من الاهتمام بمصير أخوتهم في الجزائر و مراكش،كما رأينا في مؤتمر باريس و التزم المؤتمرون بذلك،عادت في عام 1920 و جندت الجزائريين في جيشها الذاهب لاستعمار سوريا فسقط الكثير منهم بنيران أخوتهم في سوريا. كما رأينا أن الولايات المتحدة،التي تصر على أن تبقى مصر حبيسة داخل حدودها عندما يتعلق الأمر بمصالح العرب و المسلمين سارعت و أشركت الجيش المصري في العدوان على العراق عام 1991.أي أن التدخل وراء حدود سايكس بيكو مسموح إن كان لخدمة الغربيين و مصالحهم،ممنوع إن كان لهدف عربي.و كان القائمون على إعلان دمشق أذكياء فالتقطوا هذا الأمر على الفور،فقد لفت نظري صدور بيان عن إعلان دمشق يدين تفجيرات فنادق عمان ( بالطبع لا يمكن للمرء أن يقبل بما حدث في عمان ) لكن اللافت في الأمر أن الطيران الحربي الأمريكي و في نفس التوقيت كان يقصف الرمادي و كانت المعارك محتدمة في تلك المدينة بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب عام 2003،لكن الإعلان التزم الصمت حيال هذا الأمر،و لو كان الإعلان منسجماً مع ذاته بادعائه التفرغ لمشاكل سوريا داخل حدود سايكس بيكو لما تدخل في الأمرين،لكن بما أن التدخل في مسائل إدانة الإرهاب و محاربته أمر مطلوب من قبل النظام الدولي،تدخل الإعلان.في حين أن إدانة الجرائم الأمريكية في الرمادي أمر يغضب سادة هذا النظام ، و يعتبر تدخلاً فظاً في شؤون الآخرين،فأحجم الإعلان عن التدخل.لكن هل قصف المدن بالطائرات الحربية أقل إرهاباً و إجراماً من تفجيرات عمان ؟ بالتأكيد لا،لكنه الالتزام الذي فرضه النظام الدولي و قبله القائمون على إعلان دمشق ، و ينص على عدم جواز التدخل بشؤون المحيط العربي،و الاهتمام فقط بالبناء الداخلي،و حل مشكلة الاستبداد ضمن حدود سايكس - بيكو إلا إن كان التدخل يتم بمباركة من النظام الدولي. النقطة الجوهرية الثانية في هذا الخط الفكري – السياسي هي الاعتماد على رافعة خارجية لإحداث تبدل داخلي.لا ريب أن أوضاع العرب في الولايات العثمانية لم تكن على ما يرام،بل يمكن القول إنه لم يكن هناك ما يسر القلب بهذه الأوضاع لا سيما بعد استلام الإتحاد و الترقي السلطة و بدء سياسة التتريك،و يمكن القول إن وضع الدولة العثمانية كله لم يكن على ما يرام و يسير من سيء لأسوأ.لكن من قال إن أوضاع العرب الذين كانوا تحت السيطرة الغربية في مغرب الوطن العربي أفضل ؟ بل إن أوضعهم كانت أسوأ بكل المقاييس،و بينما كانت الهوية العربية محفوظة ضمن الدولة العثمانية و لا خطر عليها من التذويب،كان العرب تحت السيطرة الغربية يتعرضون لتذويب منهجي: حضاري،و ثقافي،و سياسي،مع إبادة جسدية إن أمكن،كما في الحالة الجزائرية.فإذا رتبنا الأولويات نتساءل :أيهما أخطر على العنصر العربي في ذلك الوقت، الدولة العثمانية و تخلفها و استبدادها،أم الاستعمار الغربي و همجيته التي تريد اقتلاع الحضارة العربية من جذورها ؟ لسنا بحاجة لكبير عناء لنجيب عن ذلك.اسأل أي جزائري أو تونسي أو مصري يجيبك على الفور.لماذا إذن تمت الاستعانة بالغرب على الدولة العثمانية ؟ في مؤتمر باريس كان هناك من يستجدي التدخل الفرنسي،و آخرون يسعون لمد السيطرة البريطانية من مصر إلى بلاد الشام،و كان هناك وطنيون قلقون على مصير العرب في الولايات العثمانية و بعضهم ربما كان قلقاً على مصير الدولة كلها. برر الوطنيون تحالفهم مع أنصار "الحل الخارجي"،فرنسي و بريطاني،بالقول إن تحالفنا معهم يبقيهم ضمن مجال العمل الوطني فلو تركناهم لذهبوا بعيداً .لكن في نهاية الأمر جاء "الحل"بالتدخل الخارجي . و تكرر نفس الأمر في إعلان دمشق فقد اختلط أنصار "الحل الخارجي" مع أشخاص وطنيين قلقين على مصير سوريا،و سمعنا بشكل شفهي نفس الذريعة السابقة " نحن نتحالف معهم كي نبقيهم ضمن الثوابت الوطنية،فإن تركناهم وحدهم ذهبوا بعيداً ". لكن عندما تمدد البنزين بالمازوت فإن درجة اشتعال هذا المزيج لن ترتفع بمعنى أنك لن تحمي البنزين من الاشتعال بدرجة حرارة منخفضة كما هو معتاد،بل إن هذا المزيج يصبح له درجة اشتعال البنزين و بالتالي تكون قد ضاعفت كمية المادة سريعة الاشتعال بدل أن ترفع درجة اشتعالها.و هذا ما حدث في الحالتين فبدل أن يتم تقليص أخطار أنصار "الحل الخارجي" عبر التحالف معهم توسعت جبهتهم ! في بداية الألفية الثالثة كررت المعارضة العراقية تجربة الشريف حسين بالاستعانة بالخارج،لكن بشكل أكثر وقاحة و بوعي كامل.فالشريف حسين كان ابن بداية القرن العشرين،محدود المعارف،خدعته شعارات الحرية التي ينادي بها الغرب.أما في الحالة العراقية فكل شيء كان مكشوفاً و كل الأوراق كانت فوق الطاولة: قوة إمبريالية،همجية،إبادية،لها مشروع امبرطوري معلن " نحو قرن أمريكي جديد "،متعطشة للنفط و لتأمين أمن إسرائيل،عانت منها كل الشعوب و خاصة العرب خلال نصف القرن الماضي،و مع هذا استعانوا بها ( عملوا تحت إمرتها ) بذريعة التخلص من الاستبداد،فكانت النتائج الكارثية . و في سوريا بعد أن شاهد المواطن العادي بأم عينيه كوارث هذه التجربة، تجربة الاستعانة بقوة خارجية بذريعة الخلاص من الاستبداد، صار لسان حاله يقول: جحيم الاستبداد و لا جنة الاحتلال، و مع ذلك بقي بعض المثقفين مصراً على إعادة التجربة العراقية و الاستعانة بالغرب الأمريكي، لا بل إن بعضهم رغم كل الكوارث التي جاء بها الاحتلال بقي يتغنى بالتجربة و يتحدث عن إيجابياتها، فأعلن أحد قادة إعلان دمشق " قائد من وراء الستارة " صراحة تقاطع مصالح " الشعوب" مع المشروع الغربي، و “ أبدع " نظرية "الصفر الاستعماري"، كما وجه قائد آخر " قائد علني هذه المرة " من سجنه شكراً للحكومة الأمريكية لقيامها بتخليص العراق من الطاغية، و للشعب الأمريكي لأنه دفع من دماء أبنائه و من ميزانيته ليساعد الشعب العراقي على التحرر ! هل يمكن اقتراح مسار بديل للتاريخ في الحالين ؟ ربما نعم، أتساءل هنا لماذا لم يبادر حزب اللامركزية، الذي كان مقره مصر، و إليه ينتسب الشيخ عبد الحميد الزهراوي رئيس المؤتمر القومي. لماذا لم يبادر إلى بلورة برنامج يجمع عرب المشرق و المغرب و يفك الارتباط مع أولويات النظام الدولي، التي تتلخص في الخلاص من الدولة العثمانية و اقتسام تركتها ؟ و لماذا لم تبادر النخبة الوطنية التي وقعت على إعلان دمشق، و أغلبها ينحدر من منشأ قومي، إلى بلورة مشروع يقترح حلاً لمشكلة الاستبداد بالتساوق مع حل مشاكل العرب جميعاً، بل لماذا وضعت هذه المشكلة بالتضاد مع مشاكل العرب. بمعنى لماذا يتوجب علينا إذا أرادنا حل مشكلة الاستبداد أن ننحاز إلى جانب المشروع الأمريكي فنتخلى عن فلسطين، و نصمت عن احتلال العراق، و نحبس أنفسنا داخل حدودنا! إن ياسين الحاج صالح حين كتب مقاله " في مديح الخيانة " كان يتأمل في مصير بعض من أعدمهم جمال باشا عام 1916 و هو يرى، بعد مائة عام، أسمائهم تزين الساحات و الكتب الدراسية. يقول ياسين: ((إن نظرنا إلى أنفسنا بعد مئة عام من ، فقد نتفاجأ بأننا لم ننجح في خيانة <هويتنا>، كما كنا عقدنا العزم. بلى لقد نجحنا. لكن <الخيانة> غيرتنا، فلم نعد نذكر أو نفهم وطنيتنا الثقافية/هويتنا التي خنّاها. ولم نعد نفكر في أننا أخذنا قرارا بالخيانة لأنه تكونت لنا ذاكرة جديدة ووطنية جديدة و... كرامة مختلفة. صرنا نحتفل بعيد الخيانة دوريا، وصار خونة الأمس آباء مؤسِّسين. هل نتذكر، اليوم، أننا في 6 أيار من كل عام نحتفل بذكرى خونة شنقوا قبل تسعين عاما؟ )) و لا أدري ما الذي جعل ياسين الحاج صالح يتبنى هذا التقييم العالي للذين شنقهم جمال باشا عام 1916 مع أن بعضهم ( بعضهم و ليس كلهم ) كانوا مجرد متعاملين مع السفارات الغربية،أكرر بعضهم و ليس كلهم.و كي لا ندخل بجدل كبير حول هذه النقطة لنتأمل نتائج ما صنعت أيديهم ،ثم نسأل هل هناك ما يشجع على تكرار تجربة "الخيانة " كما أطلق عليها ياسين. كان العرب حملة رسالة للبشرية كلها، ثم انكفؤوا إلى الرابطة العثمانية، و بعدها إلى الرابطة القومية بفضل "الأبطال “، و يا ليتهم حققوها، بل إن العطب و الزيف كان موجوداً في مشروعهم القومي منذ اللحظة الأولى، كما رأينا عبر تبنيهم مصطلح " العرب العثمانيين " فكان الانكفاء قطرياً، و اليوم يقترح علينا ياسين أن يقوم أبطال جدد، و حتماً سيتهمون بالخيانة كما يعتقد ياسين. يقترح أن يقوموا بانكفاء جديد، و بحجة بناء الدولة القطرية، التي لن يحققوها ،سيبنون دولاً طائفية. فهو يقترح استسلاماً تاماً للغرب،و مشاريع الغرب الطائفية في المنطقة واضحة.ألم يتأمل ياسين الكوارث التي سببها هذا النهج خلال مائة عام،و أهمها ضياع فلسطين،و التفتيت الذي جعلنا سجناء في دول لا تصلح لا لتحديث،و لا لتنمية،و لا لبناء علاقة سليمة بين السلطة و المجتمع لأنها دول مبتورة،مشوهة،تفتقر الموارد المتكاملة،فإن وجد السكان لم يكن هناك موارد طبيعية،و إن وجدت الموارد الطبيعية غاب السكان ...الخ،هل يمكن للجسد إذا قُطّع،كأن تبتر الذراع أو الساق،أن يعيش كأجزاء متناثرة! هل هو معجب كثيراً بأفعال "أبطاله" في الماضي،حتى يرغب "أبطاله/ خونته" الحاليون في التكرار و على مستوى أدنى " قطري / طائفي " بدل " قومي / قطري ". ألا تكفي تجربة واحدة عانت منها الأمة مائة عام حتى نكررها ثانية ! كما فات ياسين أمراً آخر،هو أن التاريخ لا يعيد نفسه مرتين إلا على شكل مهزلة فعام 2006 غيره 1916، و أهم فرق هو وجود مقاومة عربية فاعلة و منظمة و أول الغيث ما جرى عام 2006 و ليته تأمل معاني هذا الحدث التاريخي . و لنفس السبب (مأساة / مهزلة ) ،أيضاً، تُستبدل شخوص 1916 الجدية بشخوص أغلبها هزلي.انظروا حولكم...........
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحديث بالقتل و التدمير
-
عن الجدران العازلة والمعازل العنصرية و المقاومة
-
الكوليرا أصدق أنباء من توماس فريدمان
-
زيف عدالة الاحتلال
-
نعم أمريكا امبرطورية آفلة ، لكن هناك من لا يصدق
-
تجارة الخوف أحداث لندن كمثال
-
مؤتمر شرم الشيخ : على أمريكا تغيير المسار
-
المريض الأمريكي و العلاجات الوهمية
-
أشباح فانون
-
معنى صعود ساركوزي الأمريكي في فرنسا
-
العراق ليس قصة نفطية فقط
-
أوهام الفكر الطائفي الأزلية
-
في مديح البرتو فرنانديز
-
تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية
-
عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ
-
عزمي بشارة ونووي كوريا الشمالية
-
تصريحات بابا روما من زاوية أخرى
-
مساخر فكرية سورية
-
هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه
...
-
التفجع على خمسينيات القرن العشرين
المزيد.....
-
أردوغان يعلن عن -اتفاق تاريخي- بين الصومال وإثيوبيا: -اتفقا
...
-
أغذية تساهم في تسريع الشيخوخة
-
كيف تؤثر مهارات القراءة على دماغنا؟
-
زائر بينجمي غامض ربما غير مدارات نظامنا الشمسي
-
إسرائيل بدأت بتقسيم سوريا
-
أوستن لنظيره الإسرائيلي: ندعم عملية انتقال سياسي سلمية وشامل
...
-
أدونيس يدعو إلى -عدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي- في سوري
...
-
الجيش الإسرائيلي يبدأ الانسحاب من جنوب لبنان ضمن اتفاق وقف إ
...
-
محاكمة علي كوشيب أمام الجنائية الدولية تدخل مرحلتها النهائية
...
-
استهداف حراس المساعدات في غزة ومجزرة بمخيم النصيرات
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|