باسم الخندقجي
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 12:26
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
هكذا تحضر الإنسانية
هو اصغر وطن على وجه الأرض .. عليه ينام ويتأمل ويحلم ويسافر الأسير الفلسطيني إلى البعيد حيث الوطن الكبير ما يزال ينتظر عوده ...
البرش ...
سرير حديدي وأحيانا خشبي لا يتجاوز طوله المترين وعرضه اقل من متر .. عليه يقضي الأسير معظم ساعات حبسه الطويلة ..
إذن .. هو بمثابة صديق وفي من الجمادات لا يمتلك لغة سوى لغة الصمت البارد وكتمان أسرار وآهات و تقلبات صاحبة الليلية ...فعليه تدور أحداث أحلام اليقظة ويعتبر أيضا نقطة الانطلاق صوب ذكريات الماضي وفي غالب الأحيان صوب ذكريات المستقبل .البرش.ش .. ربما هو استقرار مؤقت يلجا إليه الأسير للنوم والكتابة والتململ الممل والكئيب في لحظات تعبر عليه بقسوة كلحظات الذاكرة مثلا ..
في نفس الوقت يمكن اعتباره بساط الريح الذي يسافر من خلاله الأسير إلى سماء طائرته الورقية والى جبال زيتونته وسهول أقحوانه .. إلى خبز أمه وقهوة أمه ولمسة أمه ... يسافر كي ينفصل للحظات عن واقع زنزانته المؤلم .. فبمجرد استلقائه على برشه لبعض التأمل .. حتى يعود رغما عنه إلى جو الاعتقال وإكمال معركة التحدي حتى نهايتها .. حتى الحرية ...
من جهة أخرى يزين هذا الوطن الصغير الأسير وسادة محشوة بالفرح والحزن والأمل والتمرد والعجز واليأس وكل ما يمت للتناقض بصلة ... ولو أن الوسادة تتكلم لقالت الكثير وكشفت للعالم الخارجي عالم آخر يعيش به الأسير بجميع جوارحه .. عالم يمكن تسميته من خلال مدن أحلامه عالم طفل بريء ... طفل كبير ليس أكثر ..
فالبرش والوسادة والغطاء أيضا أشياء جامدة صنعها وابتكرها الإنسان لتلبية احتياجاته الضرورية .. وتصل في اقترابها الشديد من الأسير وعالمه إلى حد اعتبارها أشياء مقدسة ... إذ أنها لا تشتكي ولا تتكلم بل تستجيب وتستمع وإذا ازداد الهذيان قليلا فبإمكانها البكاء بصمت لا عاقل لكي تعبر عن تضامنها ووقوفها بجانب صاحبها الذي تفارقه حتى نهاية الرحلة وبداية فجر الحرية ..
ويزيد الم الغصة حين يستنتج الأسير أن الأشياء التي صنعها الإنسان لتلبية احتياجاته أصبحت تفوقه دفئا وإنسانية !!!...
الاسير باسم الخندقجي
سجن جلبوع المركزي
الحكم مدى الحياة
منتدى غسان كنفاني
قيادي في حزب الشعب الفلسطيني
#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟