|
إسكب الناس حتى يراني أبي
عبدالحكيم الفقيه
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 09:57
المحور:
الادب والفن
الشبابيك عوراء والريح مجنونة والمؤذن أوقف ساعته وأنزوى إسكبِ الناس من صرة الوقت كي تستعيد التواريخ خفتها ويفر الغبار وتأتيك قافلة الضائعين وتعرف سر التقوس في قامة الضوء تعرف نقش الرمال ومملكة البحر والكائنات التي انقرضت كي تهد المسافة بين رموش السماء وكحل التراب إسكبِ الناس من صرر الذكريات وقل: هات ملعقة الشاي حتى أقلب فنجان هذا الصباح المبكر حتى أقلب حشد العصور وأوقف قافلة النمل عن سكر الأغنيات، إسكب الناس حتى يراني أبي وأجادله عن حياة القبور وعم رأى من وعود الإله التي أختط في كتب الأنبياء إسكب الناس حتى نقص لسان المؤرخ حتى نحرر أوقاتنا من ثقيل الكلام الصباح كعادته شاحب والنهار كما فات والدمع ينبع من سلسبيل الفؤاد
****
كأن هنا كهناك الكثير من الحزن يخلق كركرة من شجون ويفتح بوابة للعراك الزمان الذي مر أسأله: كيف عدت جديدا وكيف أقتحمت دروب الهلاك؟ لماذا تشيطن هذا الزمان المضارع في طرق الناس؟ هل سوف يأتي البعيد بأمنية الأغنيات وأجنحة للملاك؟ **** إسكب الناس كي نستعيد رواة الحديث ونتقن واقعنا وأعد للغات البداية هل كلما عبث الدهر قلنا السماءمدججة بالجحيم ونمنا على أمل في ارتشاف نبيذ الجنان اسكب الناس حتى نرتب ما ابتسر الزائفون ونصنع أجوبة للسؤال الذي جلدته القبائل عبر السنين وقل للمدائن: أين توارى الخرير الذي صار رملا؟ وقل كم سنبقى نحط على صدر قاتلنا شارة ووساما إسكب الناس حتى نزحزح هذا التجهم عن وجه صنعاء حتى ندل الشموس على ظلنا ونغني كما نشتهي فالنجوم خماسية الوهج والجرح مثل زوايا المربع هذا الزمان المسدس يقتات قلب العصافير والريش كالعهن ينفشه شاحبا في طريق النعوش وليل المدينة قاس إذن فاسكب الناس كي نتلقى وصايا الجدود ونعبر صوب غد لا يحاصره القاتلون *** إسكب الناس كي نبصر الهاربين وكي نتهجى نقوش الإله الذي كان من طيننا ونحاورهم ليقولوا لماذا تعدد دين السماوات والأرض مشغولة بالشجار؟ كأن سطور الوثائق زائدة وكأن النواقص زائدة والهراء الذي فرضته السيوف مشى فإسكب الناس كي نعرف الجن أو نحتمي بالجدار الذي لا يخون *** إسكب الناس كي لا يكون عمود الجريدة مقبرة للحروف وكي يختفي بهلوان الخليفة من طرقات المداد وخذا وترا من خيوط القلوب وغن قليلا على الرابيات الصباحات عباد شمس هنا والنهار المزخرف بالغيم ترسمه في زجاج نوافذها العاشقات وصنعاء في البين بين كعادتها لا حراك *** النهار هو البحر والناس أسماك والليل صنارة وشباك اتخذ لك زاوية للبكاء وكفكف غيمك أو فانشغل بانعكاسك في واجهات الزجاج ودع للشبابيك أن تتهجى المدى لا التواريخ صادقة في التقاويم كلا ولا فرح سيهد أساك *** إسكب الناس كي يصلحوا شأنهم ونرد إعتبار السنين التي بددتها الحروب ونرجع للأرض خضرتها والبحار العليل الحمامة في قفص والورود رمادية والكلام عويل هنا كل شيء يسير بلا وجهة زمن يدفع الناس أن يعبروه كجسر إلى فجوة وقبور وقافلة من غبار تسيرها الريح أنى تشاء وقلب حزين وذاكرة ورؤى *** إسكب الناس كي لا يكون الشتاتُ ولا تتمادى الجهاتُ ولا تعثر البوصلاتُ ولا يستمر الضياعُ تعوذ منه الزمان وغاص يؤرشف ذاكرة الشمس أعطى النجوم تقاليدها الباليات وفاض قليلا على حزنه وبكى قبل أن يخرج الفجر من أسره فإسكب الناس كي ترجع الطرقات لأقدامهم ويعود المدى *** إسكب الناس كي يدخلوا في سكون المقابر دون ضجيج وكي يتوارى من الورد شوك النشيج وكي لا يزنزن مثل العفاريت قلب الأريج إسكب الناس ثم اتخذ لك زاوية وتعبد أنى تشاء اتخذ لك قافية للغناء أو البوح أوفاكسر القافيات لتطلق عصفورة في الفضاء وقل كيف صار الكلام غبارا وصب الرياح على جمرة في المواقد لا تترك الذكريات مجمدة في رفوف الصقيع ولا تبتئس *** إسكب الناس كي لا أكون وحيدا هنا المدينة تصقل خنجرها والعيون التي تركت كحلها تستبيح الشرايين والأوردةْ الضجيج الذي يبتني سلما للوصول إلى القصر والصحف الغابرات وصمت الدروب هنا يتراكم همي وخوفي فأذكر حتفي وكم يصبح الموت بوابة للحياة إسكب الناس كي نتحاور عمن ينال الجحيم **** إسكب الناس كي لا تمر علينا البياض ونقبل أسطرها مكرهين ونسأل ريش الشواهين عن دمعات الدواة ونكشط حاشية للكلام المهين ونرجع بوصلة التائهين سيأتون من كل قبر عميق ومن كل معركة ومضيق يطلون حتى يلوح المدون كي يقلبوها معادلة الفارهين ونخلق عاصمة لا تزور أو تستهين *** إسكب الناس كي تستقيل اللغات وتعطي لقول القلوب المجال تعبنا من الوخز بالكلمات ومن وجع الزهر تحت الحوافر فرت سنون وهب الجنون ودق على باب شارعنا الموت دقت طبول الفجيعة في القارعات اهربوا واكتبوا خوفكم في التراب فما عادت الأرض دائرة وابشروا بالعذاب *** إسكب الناس كي لا تطل على شرفات الحقائق ما عبأ الوهم من قمر شاحب وتراب اسكب الناس كي نتخطى الإياب وكي لا يخور الذهاب إسكب الناس كي لا تظل الحمائم محكومة بالغراب اسكب الناس كي تعبر الكائنات على خيط قلب وتنسج اغلفة للشعاع وتهمي غيوما على جمرات العذاب سأجعل من دمعتي ضحكة رايتي لن انكسها كلما بهتت صب قلبي لها قطرة من دمي فإسكب الناس كي لا يداهمنا فجأة مهرجان الغياب **** إسكب الناس كي لا يصير التوحش ديدن هذا الزمان الذي صار لا يعرف الوقت إلا العقارب تحمل جلد الزهور تشير إلى الوهم تنسى الحقيقة كي تحتمي بالسراب كأني ضحكت كثير ا إلى درجات الدموع وأقرأ في الناس ما خبأوا في مخالبهم لم أر أسطرا للبراءة أو جملا لا تجيد الرواغ رأيت الهوى لعبة كالقلوب وشاهدت ما يجعل الرأس يبيض شاهدت مالا أقول إسكب الناس حتى يعود الأناس إلى روحهم **** للسنا حلكة والبهيم بريقْ كوكب تحت ماء الضياع غريقْ **** إسكب الناس كي لا نقيس بأوهامنا لا تضخ الدواة سطور الفراغ ولا نترك الظل كي نحتمي بابتهال الشموس نسجنا خيوطا من الحلم حكنا لنا راية تخلق الريح لو رغبت في التمايل ذاقت دمانا الطريقُ اكتوينا لنلقى مدى لا يحد فخارت علينا القباب وعدنا مرارا ومازال في القلب ورد وفي الروح مستودع الضحكات وسرب طيور مجنحة في الطريق إلى الرفرفة **** هل تهب الرياح أم العاصفة؟ فإسكب الناس كالضوء في اللحظة الخاطفة **** إسكب الناس ما عادت الأرض حالمة بالغيوم ولا وتر سيرن ولا مطر سيزور الشبابيك قاحلة كالقلوب البراري والسحب كاذبة كاللغات نرد التحايا وترجع صفراء كالموت مد الخريف سويعاته واستباح الفصول تقل دماء الشرايين يضمر وجه المغني ترّك المعاني تبكي الطريق كأن الكتابة ضرب من الصمت والصمت ضرب من الحزن والحزن ضرب من الموت هل صار للجب سقف السماوات
أواه يا ليت لي أجنحة كيف أفلت من هذه اللحظة الذابحة؟ **** إسكب الناس كي تحتمي باليقين الجبال وكي لا يدوم الوبال تنوح الحقول وتبكي النبال فما للمدائن خبرتها في الصعود على سلم الروح ما لانتظار الشموس بجدول روتينها بقعة لا نهار سترسمه في دفاترها لا ولا ريش طير سيقطن قلب الدواة هنا كل شيء تورم منكسرا بالفراغ وعوجاء أيامنا كالحروف إسكب الناس كي لا تطول ظلال الوقوف *** إسكب الناس حتى يراني أبي لم تكن آخر الكلمات سوى نظرة والسؤال عن الوقت أومأ لي بالخروج انتظرتُ كثيرا ومات المدينة في الفجر مرعبة كالقبور وواجمة لغة الريح بلل دمعي الطريق إلى قريتي وتورم دولاب ذاكرتي بالأسى *** قبل أن يكمل الله صيف الغيوم ومازالت الطين مبتلة فوق قبر أبي بذر الحزن حبة قمح على مهله ليرعرعها الدمع كالسنبلة
كم مضت سنوات تليها سنون وزادت قبور وجاءت شجون ومن نظراتي تطير الطيور فهل نرفض الموت كي نقبله؟ *** اسكب الناس حتى يراني أبي لم تقل لي السنون التي رحلت كيف شاخ الرنين على صخرة الصخبِ والغيوم التي شربتها الجبال لماذا بها ظمأ الحقبِ والسماء التي تصطفي من تشاء أتقتل كل الوجود لأجل النبي؟
يا الذي في السماوات ماذا يدور على الأرض أتعبني تعبي؟ *** إسكب الناس حتى يراني أبي أنكرتني الطريقٌ وساقية الماء والرعد حين يدوي ونحمي ملامحنا بالدعاء وكوفية البرد والفاتنات اللواتي أخذن من الوقت وقتي وغالطني الناس والجن والشعراء وصبوا على غصن قلبي الرماد وزادوا الجروح ومدوا الخصام كأن الزمان يضاعف أحزانه لم يجد غير قلبي الشفيف فأثقلني بالبكاء إسكب الناس حتى يراني أبي لم يزل صوت مذياعنا مرعبا والأغاني أسى والنهارات وارمة بالمساء وخوفي يفيض وصمتي لغات *** إسكب الناس حتى يراني أبي ذهب الوقت كي يتجدد والجن صار اسم قنينة والبلاد خراب ما تزال الخرافة مثل المشافي محصورة تحت جنح الذباب *** إسكب الناس حتى يراني ابي صار للقوم ذاكرة معطبة عرب سيبيعون صنعاء كي يرجعوا بالكلام التغرنط في قرطبة سيضيعون لا شرقهم شرقهم لا ولا الغرب كان لباسا لهم إنها الريح عاتية وهموفوق ظهرالبسيطة مثل الغبارالمكدس في المكتبة
**** ماالذي يجعل الفجر ليلا تكثف بالآه أيامنا تتكرر كالشاي لا ناي يلغي الشحوب المرتل لا عين فاتنة ترجع الروح من صمتها لا جديد سوى كومة من قلق فإسكب الناس حتى يراني أبي ليعلمني ربما مرة كيف يمضي الأرق *** إسكب الناس حتى يراني أبي كم سيغضب لو عاد من قبره ويرى الناس صاروا الذئاب سوف يصرخ بي : كيف لا تسرع الخطوات وتتبعنا لا تطيل البقاء على كوكب آيل في الخراب *** إسكب الناس حتى يراني أبي الحياة هنا لا محبة فيها ولا نغم أوذهول النجوم مواقيتها في الأفول والمناكب متعبة في الأراضي الذلول
والجنون يقرفص في هضبات العقول ****
إسكب الناس حتى يراني أبي ويرى تعبي
#عبدالحكيم_الفقيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدن العيد والحشرجات
-
انحسار
-
سيكولوجية الرئيس اليمني
-
غبار الطباشير
-
من مذكرات آخر أصحاب الكهف
-
ماذا ينتظر اليمنيون؟
-
المغني
-
النقود إله حقود
-
وخرجت من لغتي إلى لغتي
-
كاتم الجرح
-
للوقت أن يبكي كما نبكي
-
القات سيد وقتنا
-
عدن
-
أي بحر سيجرف هذي البلاد؟
-
من أي باب يدخل المعنى إلى مبنى القصيدة؟
-
قراءة في قصيدة نجاة بلبل -تأبين خيبة-
-
همهمة
-
نشيد أسعد اليمني
-
والبحر يصعد كي يغطي سوءة الجبل القتيل
-
وطن بخارطة كجرح القلب
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|