|
التحديث بالقتل و التدمير
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 2094 - 2007 / 11 / 9 - 12:33
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ما زلنا نتذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في ذروة القصف الصهيوني الوحشي على لبنان ، الذي يقول إن هذا القصف ضروري لولادة شرق أوسط جديد . و بالطبع لم تحدثنا الوزيرة يومها عن مواصفات هذا الشرق الأوسط ، الذي تلعب الطائرات و الصواريخ الصهيونية في لبنان و فلسطين ، و الأمريكية في العراق دور القابلة (الولادة) له . لأن هذا يجب أن يكون معروفاً بالنسبة لنا كما تظن الوزيرة ، فقد تعب الأمريكان و عملاؤهم خلال العقد الماضي و هم يشرحون مواصفاته ، و ينظمون الندوات و المؤتمرات حول علاقاته ، و عن الرخاء و لسلام الذي سيحل مع حلوله، حيث يرعى الخروف مع الذئب ، و ينام القط مع الفأر ، و بالتالي يصبح معنى قول الوزيرة الأمريكية نحن نقتلكم بالطائرات و الصواريخ كي نجعلكم تنعمون بالرخاء و السلام بالشرق الأوسط الجديد الذي سنبنيه. و مضمون هذا التصريح ليس غريباً أو نافلاً على الفكر الغربي ، و لا هو من بنات أفكار المحافظين الجدد كما يحاول البعض تصوير ما يجري ، بل هو طريقة تفكير ثابتة و ممارسة شائعة منذ صعود هذا الغرب إلى مسرح الحياة الدولية في القرن الخامس عشر الميلادي ، و من ثم استعماره للعالم . فقد وضع لنفسه مهمة لا تحتمل التأجيل أو النكوص و هي نشر الحضارة في أرجاء المعمورة المتخلفة ، البربرية ، الهمجية ، الوثنية . و في سبيل نشر هذه المهمة النبيلة ، تحضير العالم البربري ، يجب أن نتغاضى عن الخسائر التي تمنى بها الشعوب موضوع التحضير حتى لو كانت قتل ملايين البشر ، أو تدمير الدول ، أو دك الأسس المادية للحضارات ، و سميت هذه النظرية " نظرية الأضرار الهامشية " . إن نظرية تحضير العالم متعددة الوجوه و الأشكال ، مرة تتجلى باسم تنصير الوثنيين ، و مرة باسم التحديث ، و ثالثة كما هو الحال اليوم باسم نشر الديمقراطية و مكافحة الطغيان . في ذروة الحرب الفيتنامية برر صموئيل هنتنجتون حملة القصف الجوية الهائلة على الريف الفيتنامي ، أو ما سمي بحقول الرماية المفتوحة ، أو " مناطق الرماية الحرة " ، التي كانت تستهدف كل ما كان يتحرك على الأرض الفيتنامية ، و أدت إلى مقتل و تشويه ملايين الفلاحين الفيتناميين . برر كل ذلك اعتماداً على نظرية التحديث التي ترسم خطاً واحداً لتطور المجتمعات البشرية ، فهي إما مجتمعات مدنية صناعية حديثة تشجع الإبداع و تعلي من شأن الفرد ، و تعتمد على مؤسسات المجتمع المدني و على روابط أكثر إنسانية بين الأفراد ، أو مجتمعات ريفية زراعية متخلفة، ذات بنى تقليدية : عائلية ، طائفية ، عشائرية . تعتمد على الإتباع و التقليد ،كما تسحق روح الإبداع ، و لا تعترف بالفرد . و قد صنفت المجتمعات البشرية على طرفي هذا الخط ، فمقابل الولايات المتحدة الحديثة الصناعية ....الخ هناك فيتنام المتخلفة الزراعية . و هنا اكتشف العبقري هنتنجتون ، الذي اكتشف فيما بعد نظرية صراع الحضارات . اكتشف هذا العبقري أن الذي ينقل فيتنام من التخلف إلى الحداثة هو هذا القصف الوحشي . فقد كتب هنتنجتون في مجلة الشؤون الخارجية في عام 1968 قائلاً : " يبدو أن الولايات المتحدة في فيتنام قد عثرت بالصدفة شاردة الذهن على الإجابة على "حروب التحرر الوطني"فباستخدام القوة العسكرية في الريف "على هذا النطاق الهائل ، بما ينتج عنه هجرة ضخمة من الريف إلى المدينة ، ستتوقف الإفتراضات الأساسية الكامنة خلف المبدأ الماوي للحرب الثورية عن العمل . فالثورة المدينية تحت الرعاية الأمريكية سوف تقوض الثورة الريفية التي يثيرها الماويون )) " كتاب تاريخ الاستشراق و سياساته - زكاي لوكمان – ترجمة شريف يونس-دار الشروق " و بالتالي ، حسب هنتجتون ، فإن القصف الأمريكي الإبادي للريف الفيتنامي ينجز ثورة تحديثية . ثورة تنقل الناس من حياة الأرياف التقليدية التي تعتمد على الزراعة إلى حياة مدنية حداثية تعتمد على التجارة و الصناعة .ألا يصنف هذا الكلام في خانة جرائم الحرب ! لكن ما يثير الدهشة أكثر أن يتبنى نظرية "الأضرار الجانبية" هذه بعض من ضحاياها !فبعد العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 سمعنا نقاشات و تنظيرات امتدت من السجون و المعتقلات إلى الصحف و المجلات ،إذ اعتبر بعض هؤلاء أن القوات الحربية للولايات المتحدة عندما دمرت العراق قامت بهدم البنى القديمة المتخلفة فاتحة الطريق أمام تصنيع المنطقة بيد عاملة عربية و رأس مال عربي و عقول اسرائيلية ، و هذا سيؤدي في النهاية إلى نشوء طبقة عاملة حديثة منظمة يمكن لها أن تنجز مهمات الثورة الإشتراكية ( كانوا يومها لا يزالون مؤمنين بالاشتراكية) . ثم طور منظرو هذا الهراء ، الذي يستحقون أن يحاكموا عليه بتهمة الخيانة العظمى أو المساعدة على ارتكاب جرائم حرب على أقل تقدير. طوروا نظريتهم هذه الأيام فباتوا يتحدثون عن قيم الديمقراطية و العلمانية التي تنشرها القنابل الذكية و صواريخ كروز ، فهللوا للفجر الأمريكي المنبلج من الفلوجة المقصوفة بالفوسفور الأبيض ، أو تحدثوا بصوت أقل خفوتاً عن تقاطع مصالح شعوب المنطقة مع مشروع الغزو الغربي سواء كان مباشراً بشكل عسكري أم غير مباشر ، أو قالوا بنظرية الصفر الاستعماري معتبرين أن المنطقة تحت الصفر و الجيوش الأمريكية ستنقلها إلى الصفر . و كل هذه التنظيرات ذات جوهر واحد هو الإيمان بدور الغرب التاريخي في تحديث الشعوب و التغاضي عن الدمار الذي يسببه هذا الدور تحت نظرية " الأضرار الجانبية ". مع أن شيخاً جزائرياً بسيطاً قبل قرن و نصف تساءل بدهشة عندما قالوا له إن فرنسا جاءت لتحضيركم .تساءل : - لكن لما يحملون كل هذا البارود ؟
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الجدران العازلة والمعازل العنصرية و المقاومة
-
الكوليرا أصدق أنباء من توماس فريدمان
-
زيف عدالة الاحتلال
-
نعم أمريكا امبرطورية آفلة ، لكن هناك من لا يصدق
-
تجارة الخوف أحداث لندن كمثال
-
مؤتمر شرم الشيخ : على أمريكا تغيير المسار
-
المريض الأمريكي و العلاجات الوهمية
-
أشباح فانون
-
معنى صعود ساركوزي الأمريكي في فرنسا
-
العراق ليس قصة نفطية فقط
-
أوهام الفكر الطائفي الأزلية
-
في مديح البرتو فرنانديز
-
تجديد الثقافة الوطنية و معركة التحرر من التبعية
-
عصر الدكتاتورية العالمية يتمدد إلى علم التاريخ
-
عزمي بشارة ونووي كوريا الشمالية
-
تصريحات بابا روما من زاوية أخرى
-
مساخر فكرية سورية
-
هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه
...
-
التفجع على خمسينيات القرن العشرين
-
خمس قوى في مركب واحد
المزيد.....
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|