أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - آهات وعرانيس .. قصة قصيرة














المزيد.....

آهات وعرانيس .. قصة قصيرة


مجدي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 2091 - 2007 / 11 / 6 - 10:18
المحور: الادب والفن
    



آه .. آه.. آه .. آهات ثم آهات ثم آهات .. متقطعة و ممزقة و متواصلة .. تنفثها كتلة لحمية تمشي على قدمين .. و أنات كأنها منفلتة من ثقب طنجرة ضغط بحجم مبنى البنتاغون . هيكل عظمي مغطى بجلد رقيق ناشف ملقى بجانب حاوية القمامة و كأنه جزء منها أو هو القمامة .. لا اعرف إذا كان ضيفا طارئا عليها أم هو مقيم دائم عندها .. أقول هو إنسان بسبب لسانه الذي يعلو بصرخات آدمية أليمة وموحشة كأنها صادرة عن إنسان يشوى على لظى كومة من الجمر المستعر .. عيناه مستديرتان و تشيران إلى رأسه ببياضهما اللامع في العتمة .. أما قدماه و بقية جسمه فمن الصعب رؤيتهما أو التعرف على مكانهما لامتزاجهما بالقمامة والظلمة ... آهات معذبة يقذفها أعماق قلب بشري محروق أو مكسور أو مهزوم .. حدثتني : الآهات هي الآهات ...
خمنت بأنها النوبة القلبية المباغتة لقلبه المحروق بجسمه الهزيل .. ظننت أن عظامه تهشم بمطرقة حديدية ضخمة .. حسبت أن أحدا يقتلع أظافره من أناملها ...
أظهره ضوء سيارة إسعاف قادمة من بعيد .. من رأس الشارع .. أخذت معالمه تتضح أكثر فأكثر مع اقتراب السيارة .. كان مقرفصا على جنبه كالجنين في بطن أمه .. حملته السيارة للمشفى ... قال الأطباء : ليست نوبة قلبية .. و لا عظام تهشمت .. لا احد اقتلع أظافره .. إنما هي نوبة غذائية .. سوء تغذية ... أو غياب تغذية ، لم افهم بالضبط .. هنا الخيرات كلها وهناك تؤكل .
اتضح انه شاب في العشرينات من عمره ، قبل سنوات قليلة كان يحمل الأثقال ويشارك في مسابقاتها .. طردته إحدى الدول العربية .. عاد إلى غزة .. قصفت إسرائيل مشروعه الصغير و تحالف كل الكون ضده .. فقد أباه في حرب لبنان .. فقد أخاه الأكبر في اجتياح مدينة رفح .. فقد أخاه الأوسط برصاص طائش لاقتتال داخلي .. أمه ماتت كمدا .
ساعده احد الناس وقدم له مبلغا زهيدا من المال .. توجه لشاطئ البحر و افترش الرمال و اخذ يبيع الذرة المشوية تحت سقف السماء و حرها اللاهب .. تقدمت لشراء عرنوس ذرة بهدف المساعدة والفضول و ليس بهدف الشراء .. حدقت بجسمه النحيل .. جلده يكشف عن أعضائه الداخلية .. قفصه الصدري بارز من تحت جلده كأنه مصور بصورة أشعة اكس .. انه شاب صغير بعد .. حدثني قلبي : أولادنا أكبادنا تحرق على الأرض ...
ينصب الكانون الصغير .. يأخذ بحرق العيدان الخشبية التي يلملمها مع الورق المقوى .. يهف عليها بغطاء طنجرة قديم مسربل بالسخام و الشحار ، التقطه من القمامة على ما يبدو.. ومرات يهف بطرف جلبابه المتسخ بالسواد .. يضع شبكة معدنية صغيرة ويصف عليها اكواز الذرة النيئة بعشوائية و كأنها طابور عسكري مهزوم .. يقلبها الواحد تلو الآخر كالأسرى بين يديه .. تبدأ بالاحمرار والنضج على مهل .. على نار هادئة فتصبح كالحقيقة المشهرة في وجه السلطان .. ثم يأخذ بالنداء : " ذرة مشوية .. ذرة مشوية .. يلا قبل ما يخلص .. يلا يا حبايب ... " . و لأنه أخنف بعض الشيء يخرج الكلام مخنوقا و كأنه يتكلم من انفه .. و قد استغنى عن فمه فلا يستخدمه إلا للنداء و الصراخ عند الحاجة الماسة .. و لا يعرف الضحك .. أو أن الضحك لا يجد طريقا لفمه و قلبه المثقل بالغبن والجوع .
يتوافد المصطافون إليه الواحد تلو الآخر لشراء عرا نيس الذرة الشهية .. سمعت احدهم : يا الهي ما ألذ رائحة الشواء ! .. تمتمت : يا الهي ما أقسى رائحة الشواء ! . صرت اشتري منه كلما توجهت إلى ذلك المكان .. حيث يقف ليصطاد الزبائن بطريقة لطيفة خنفاء ومحببة للنفس .. توجهت إليه ذات يوم للاستمتاع بمذاق ما أبدعت يداه من شواء .. وجدته يهف على الذرة بشهادته الجامعية
[email protected]



#مجدي_السماك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جهنم نحن وقودها
- الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - آهات وعرانيس .. قصة قصيرة