سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 11:32
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
قبل اجراء الانتخابات التشريعية في العام 2006, كان التنافر بين خطي المقاومة والسياسة, يعود في أصله إلى التنافر بين أجندات الأحزاب, حيث تفتقر بعضها إلى الأجندة السياسية عمليا, فأجندة المقاومة عنوانها , مقاومة دون مساومة, فتأخذ دائما طابع تشويه الخط السياسي, وتوصيف السلطة السياسية ذات اللون الحزبي الواحد(فتح) بسياسة المساومة على حق المقاومة,وتُصنف كل من طالب بتهدئة وتيرة المقاومة أو ترشيدها بما يخدم الثمرة السياسية بوصف الخيانة, والامتثال للابتزاز والضغوطات الأمريكية الصهيونية, وعندما تم تطوير وسيلة جديدة فاعلة , ضمن خطط تطوير الهجوم للمقاومة, ألا وهي الصواريخ البدائية وتطويرها على مستوى المحتوى التفجيري, والمدى الاطلاقي, فزادت الضغوطات حينها على القيادة السياسية, مع زيادة فعالية تلك الوسيلة الجديدة المؤثرة, وقد طالبت القيادة السياسية بضرورة وقف إطلاق الصواريخ, تحت عنوان ((إسقاط الذرائع)) , ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا, حتى وصل النداء في بحثه عن مخارج التأزم, إلى تنظيم المقاومة خاصة الهجمات الصاروخية, وفق عملية ربح وخسارة بالموازين والمعايير السياسية, بل نودي لان تكون بقرار وطني جماعي من قبل الفصائل الوطنية والقوى الإسلامية, ولم تحظى تلك النداءات بأي اعتبار, وازدادت هجمة المقاومة وأصبح التنافس الفصائلي على مستوى تطوير مدى الصواريخ, والدقة في توجيهها الفاعل وإصابة الأهداف, وبالمقابل كان السخط من القيادة السياسية, لما عليها من مسئوليات تلزمها بها اتفاقيات, لضبط الأمن وتحميلها مسئولية السيطرة على الساحة الداخلية الفلسطينية المنفلتة, ولجم المقاومة وتحديدا القصف الصاروخي.
إلا أن قيادات فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية, بما فيها كتائب شهداء الأقصى, والمتفرع عنها انفلاتا عشرات المسميات, ولا تخضع نفسها مباشرة للتوافق مع قيادة الخط السياسي وأصحاب القرار رغم وحدة الإطار(فتح) ,فجميع تلك القوى والفصائل, اعتبرت النداءات السياسية خيانة وعار وطني, وطالبت القيادة السياسية بحل نفسها والالتحاق بخندق المقاومة !!! , بل وحصلت بعض فصائل المقاومة على تسجيلات للمستوى السياسي, والذي لم يخفي غضبه من التمرد على قرار الشرعية السياسية, بأنه يجب إطلاق النار على مطلقي الصواريخ, واستخدم التسجيل, كأداة تحريضية إعلامية.
فاشتدت حملة التعبئة الإعلامية من فصائل المقاومة وقوى العمل العسكري,ضد توجهات المستوى السياسي, وعبئوا الشارع من منطلق مطية الفساد والمحسوبية والفلتان والتفريط,ضد القيادة السياسية التي تقودها حركة فتح, ووصفها بالتآمر على المقاومة ومحاولة وئدها.
عبء المقاومة
بعدما أجريت الانتخابات التشريعية, وفازت حركة حماس بالأغلبية البرلمانية,مما خولها تشكيل الحكومة وتولي زمام المسئولية السياسية, حركة حماس التي كانت تظهر في صورة رأس الحربة للمقاومة, وتضرب عرض الحائط بأي نداء يطالب بالتهدئة أو الهدنة , فلا هدنة مع عدو ولا تهدئة مجانية, فقد ورثت جراء الانقلاب السياسي التشريعي الأول, استحقاقات وواجبات وتبعات سياسية, في أدناها وقف ولجم المساومة, وفي أعلى سقف لها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي, بموجب أن تلك الانتخابات هي إفراز لاتفاقية أوسلو الفلسطينية_الإسرائيلية.
إلا أن حركة حماس وحفاظا على ماء الوجه الأيدلوجي, ومن منطلق التمسك بطرفي خيط المعادلة(سياسة ومقاومة) أخذت تخفض وتيرة مقاومتها تحديدا على مستوى الوحدات الصاروخية الضاربة, حتى وصلت إلى التهدئة الكاملة أو الهدنة أحادية الطرف, وكان ذلك أول اضطرار للانسجام الجزئي ولو على مضض بين المسئولية السياسية والاستحقاقات الأمنية, إلا أنها كسلطة حاكمة وحزب أغلبية برلمانية, لم تطلب أو تجبر في ذلك الوقت أي من الفصائل والقوى الأخرى, وقف هجماتها الصاروخية أو العمليات العسكرية, هذا إن لم تكن تدعم بشكل غير معلن تلك الفصائل والقوى, في محاولة لتجنب تداعيات التناقض بين خطي السياسة والمقاومة, وعندما تعرضت كحركة للنقد بسبب التهدئة المحرمة سابقا, تحدث قادتها عن مقتضيات خاصة وتهدئة مؤقتة تتطلبها المرحلة!!!
بعد وقوع الانقلاب العسكري من حركة حماس على السلطة الشرعية التي تمثلها كأغلبية برلمانية لتسوق العديد من المسوغات لذلك الانقلاب , وليس هذا مجال حديثنا وقد أشبعناه قولا وتحليلا وفي محصلته طُعم وشرك ابتلعته ووقعت به حركة حماس بتهورها وحساباتها ومسوغاتها الخاطئة.
فأثناء الانقلاب والاستيلاء السريع على مقرات السلطة الأمنية ومخازن الأسلحة والذخيرة, وفي بث حي ومباشر من أماكن الحدث, سمع الجميع إذاعة صوت الأقصى تكبر وتهلل وتهدد وتتوعد العدو, فقد سقطت القلاع دون مواجهات بحجم الشرك, وقد ابتلعت الأرض اصواتا كانت مجلجلة لراديو الحرية, وراديو الشباب كقلاع إعلامية وقد صمدت أكثر من صمود المقار الأمنية,فكان النداء عبر صوت الأقصى بصوت الجهاد والنصر كما هيئ لهم , النصر على من أرادوا الالتفاف على المقاومة ووأدها من ناحية,, والتهديد والهدير والوعيد للكيان الصهيوني, والتلويح باستخدام كل أسلحة(أوسلو ودايتون) كما أسموها,,
احد المذيعين المنتشيين بالظفر العظيم قال حينها حرفيا (( يا ويلك ,, ياويلك ,, ياويلك ,, يا إسرائيل, ويا سواد ليلك,,من هذه الأسلحة المكدسة,, التي كانت بحوزة الخونة والمتآمرين,,سنحرق الأرض من تحت أقدامكم بها)).
وعليه أصبحت مقاليد الأمور كلها تحت سيطرة حركة حماس بعد الانقلاب, وتوقع البعض أن تشهد الفترة اللاحقة حربا ومقاومة ضروس مع دولة الكيان الصهيوني, والتي وقفت محايدة ولم تتدخل لإنقاذ لا جماعة أوسلو ولا جماعة دايتون!!!!!!!!!!!!
وقد انشغلت حركة حماس بملاحقة أبناء فتح وكل من أراد مقاومة الانقلاب, واستخدمت كل أدوات القوة والقمع للحفاظ على الغنائم الوهمية, ولا تدري انه الشرك الثاني الذي نصب لها ونفذ بيد أبنائها, لكنه هذه المرة شرك لانقلاب غير شرعي, بعد الشرك السياسي الأول الشرعي, فبعد الصحوة من نشوة النصر المزعوم والموهوم,كان المطلوب مزيدا من القوة والسيطرة على الجبهة الداخلية,لمنع القوة القادرة على استعادة قطاع غزة, فيما لو ثبت أن انقلاب حركة حماس العسكري, سيكون نقطة انطلاق لتصعيد المقاومة وتأجيجها, تلك القوة المراقبة لسير الأمور دون تدخل كما تدعي في الشأن الفلسطيني الداخلي, هي قوة الكيان الإسرائيلي, فكان الترقب سيد الموقف, لرسم الخطوط العريضة لمتطلبات المرحلة القادمة تكتيكيا واستراتيجيا.
وتفاديا لردود فعل صهيونية , قد تصل في مستواها لدرجة اتخاذ قرار صهيوني بالاجتياح, عمدت حركة حماس من طرفها لتمديد فترة التهدئة أحادية الجانب والتي استمرت لأكثر من عام على مستوى الهجمات الصاروخية, والتفرغ للحفاظ على مكتسبات الانقلاب العسكري على الشرعية الفلسطينية, كي يكون العنوان, لا شرعية غير شرعية حماس, وما من شك أن الحركة في بداية الأمر كانت تدعم القوى الأخرى وتغض النظر عن قصفها الصاروخي, حتى بات الوضع بعلاقته ومعادلته الخطرة الطردية يتجه صوب الاعتقاد, بأنه كلما زادت الهجمات الصاروخية, كلما تسبب ذلك في قصر عمر سلطة الانقلاب وعجل في إمكانية الاجتياح, والعكس صحيح, ففي العزل بين غزة والضفة مصلحة إسرائيلية كبيرة, وكي تكتمل المصلحة من عدمها يبقى الفيصل في مصير الهجمات الصاروخية ودور حماس في دعمها وتصعيدها أو في لجمها ووقفها بالمطلق, وبهذا تكون الكرة في ملعب حركة حماس لرسم معادلة هامة جديدة, ففي حال منع الصواريخ لا يتم توافق مصلحي بين القيادة الشرعية في رام الله وبين القيادة الإسرائيلي لخلق توافق يؤكد ضرورة إنهاء الانقلاب واستعادة قطاع غزة, وفي حال لجم ووقف الهجمات الصاروخية, يصبح التوافق على استعادة القطاع ضعيف جدا, ومصلحة إسرائيلية , لكنها قد تكون مصلحة فلسطينية كذلك على مستوى المسيرة السياسية, لان الرأس الشرعي في رام الله فالتهدئة في صالح المشروع السياسي كي لايتوقف, والضرر في استمرار سيطرة حركة حماس على القطاع,, ولكن أهون الضررين سياسيا,, هو استمرار سيطرة لحماس وتضييق خناق,, واستمرار وقف لإطلاق الصواريخ.
وعلى خلفية هذه المعادلة الغير مستقرة والمعقدة, يحدث التقارب بين المستويين السياسيين الفلسطيني الإسرائيلي, لكن حركة حماس في حال انتهاج سياسة صارمة لمنع إطلاق الصواريخ, لا تعمل لصالح السلطة الشرعية برام الله, لذلك كان متوقعا كما حدث من تسريبات لفتح قنوات سرية للاتصال بين قيادة حماس وقيادة الكيان الصهيوني, على أساس المصالح المشتركة, انطلاقا من إثبات حسن النوايا على استمرار التهدئة على مستوى القصف الصاروخي, وصولا إلى استفراد بالقرار على مستوى قطاع غزة كي تحدث هدنة يلتزم فيها الجانب الإسرائيلي, بوقف الاغتيالات والاجتياحات والقصف لقيادة وكوادر وعناصر الحركة في غزة, وبالتالي عزل السلطة الشرعية في رام الله بما يتعلق بأي قرار خاص بقطاع غزة.
لذا بدأ الجميع يلامس أن قيادة حركة حماس,والحكومة المقالة بدأت تتحدث بصوت مسموع عن ضرورة وقف الهجمات الصاروخية, وأحيانا طلب تقييد ذلك القرار بقرار أعلى من الداخلية في الحكومة المقالة, أو حتى بقرار جماعي, ويستثنى من ذلك بالخروج على النص, ردود الفعل العنيفة من جميع الفصائل عندما تتعرض قيادات وكوادر الفصائل للاغتيالات الصهيونية, وما دون ذلك فيفضل الاكتفاء بالمناوشات والاشتباكات الحدودية, وقصف تجمعات جيش الاحتلال والمعابر باستخدام قذائف الهاون والتي ليس لها اثر بالغ على الجيش وعلى الرأي العام كما باستخدام الصواريخ التي يتم تطويرها باستمرار,مع عدم إبداء السخط الصهيوني على تلك المناوشات واستخدامها كذريعة لاستمرار أعمال العدوان بكافة صوره اليومية جوا وبرا وبحرا كعدوان لا يحتاج أصلا إلى ذرائع, المهم وقف الهجمات الصاروخية على المغتصبات الصهيونية والتجمعات المدنية في اسديروت والنقب,والتي من شانها خلق رأي عام وتغذية مواقف غلاة التطرف أمثال(أفيجدور ليبرمان)قائلا : ((لا يمكننا أن نبقى نقول إن العملية تقترب, علينا أخذ المبادرة بأيدينا فالوضع لا يطاق وصواريخ المقاومة وصلت سديروت ومشارف نتيفوت ومشارف عسقلان هل سنبقى ننتظر حتى تصل صواريخ الفلسطينيين لأسدود ؟؟ ))
مما يجعل هوامش الحرية تضيق والخيارات تتقلص أمام القيادة السياسية والأمنية, وعدم جدوى اللعب على تناقضات معادلة الحياد واستثمار الفصل بين الضفة وغزة, والتوافق مع مالا يمكن الرهان عليه طويلا,, وهذا يضع حركة حماس أمام مزيد من المسئوليات ومزيد من الضغوطات إذا ما أرادت تفادي الاجتياح المدمر الموعود, والذي يرتبط اقترابه وابتعاده حسب الادعاء الإسرائيلي الكاذب, بالهجمات الصاروخية من عدمها.
فبقيت الكرة في الملعب الفلسطيني حيث تسيطر حماس على قطاع غزة, وما زاد الأمر خطورة وتعقيد, القرار الإسرائيلي الجديد باعتبار قطاع غزة((كيانا معاديا)) وما لذلك القرار من تبعات على المواطنين في غزة قبل حركة حماس, وفي المحصلة ذلك القرار يعني لدى العارفين وليس الواهمين, أن مسألة تسويف الاجتياح ماهي إلا مسالة وقت, وذر للرماد في العيون, حتى لو لم يطلق رصاصة واحدة على الكيان الإسرائيلي.
وبالتالي فاستمرار إطلاق تلك الصواريخ سيؤدي ,إلى توافق بين الطرف الفلسطيني(قيادة السلطة الشرعية برام الله) وبين الطرف إسرائيلي والتوافق المباشر والغير مباشر, على ضرورة إنهاء حالة الانقلاب والانفلات في رحلة العودة على بدء في قطاع غزة,كمصلحة فلسطينية إسرائيلية مشتركة, ولا يخفى على احد أن رئيس السلطة- أبو مازن لم يتحرك لا على مستوى دولي ولم نلمس أي تشجيع للكيان الإسرائيلي على الاجتياح من منطلق مساعدة ماتسمية الدولة العبرية((بالمعتدلين))
وحقا لقد اثبت الرئيس انه ابتعد عن الشبهة, ولم يسجل عليه أي إشارة بهذا الاتجاه, فما قاله قبل أشهر يعيده ويزيده حتى الآن, أن المخرج الواحد الوحيد هو تراجع حركة حماس عن انقلابها والاعتذار للشعب الفلسطيني وما لذلك من تفاصيل, ثم بدأ الحوار, وربما توقع الطرف الإسرائيلي بمراهناته السياسية والعسكرية الخاسرة, أن يتوسل لهم الرئيس أبو مازن كي يساعدوه على استعادة غزة وإنهاء الانقلاب العسكري, ودليل استخفاف الرئيس بالنوايا الصهيونية, ومراهنتهم الخاسرة سواء دعم الانقلاب أو الإبقاء عليه, أن الطرف الإسرائيلي بدأ بلغة سياسية منطقية من حيث الاتفاق الشامل مع م. ت.ف , وغير منطقية حسب مساهمة الكيان الإسرائيلي في زعزعة سيطرة الرئيس والسلطة على مقاليد الأمور من بداية عهد السلطة بسبب الأعمال العدوانية المتواصلة, مما اضعف مقدرة السلطة على تقنين العمل السياسي والعسكري ووضع ضوابط لكل منهما, فنجد حديثا بناء على تلك المنطقيات أن الكيان الإسرائيلي, بدأ يطالب الرئيس -أبو مازن كراس الشرعية, بتحمل مسئولياته ومطالبته كاستحقاق بضبط الأمن والسيطرة على الوضع في غزة,, حق سياسي يراد به باطل, فقد استفزهم عدم استغاثة الرئيس بهم, فأرادوا دفعه إلى إمكانية طلب رسمي كغطاء شرعي عربي ودولي بمطلب فلسطيني, للمساعدة في إنهاء الانقلاب,, وهذا مالا يحدث ولن يحدث بهذه الخديعة والآلية الصهيونية الخبيثة.
وقد تنبهت حركة حماس إلى ذلك الخطر الداهم, لان ذلك التوافق المرتقب, ربما يكون السيناريو العملي الوحيد كما يعتقد البعض, والقادر على استعادة غزة بالقوة, ومادون ذلك تكون بوابة الحوار بعد إحكام الخناق على حماس, وخلق حالة من التكسر وفقدان الاتزان بداخلها, مما يدفع إلى بروز تيارات أصبحت ذات صوت تتحدث بعدم جدوى الاستمرار في الانقلاب وتتجه للحوار, لان البوصلة تتجه إلى مزيد من عزلة الحركة عربيا وإسلاميا ودوليا,فحتى الحوار دون ضمانات لحركة حماس بالامآن جراء الأحداث الدموية الداخلية هو خطر بحد ذاته, إلا إذا كان حوارا تحت أمر واقع الانقلاب , يضمن بقاء عناصر القوة في يد حركة حماس, لصد أي أعمال ومواجهات فيما لو عادت السلطة, وتم تقوية وجود فتح في السلطة في قطاع غزة.
وعليه:
أصبح أمام حركة حماس في حال فقدان الأمل في حوار قريب, فتصبح الحركة أمام خيارين لا ثالث لهما, إما استماتة في لجم الهجمات الصاروخية بأي ثمن حتى لو أدى الأمر إلى الصدام المسلح مع فصائل المقاومة, وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي, كحد أدنى لمنع ذلك الاجتياح والذي لن يصبح ضرورة ملحة بل مؤجلة لدى قيادة الكيان الإسرائيلي, إذا ما توقفت العمليات الصاروخية بالكامل, أو الخيار الثاني : قبول التحدي وترك الباب مفتوحا على مصراعيه, أمام فصائل المقاومة لضرب العمق الصهيوني بقوة, يتم المراهنة حينها على إجباره لقبول الاتصالات السياسية ووقف العدوان ومن ثم التهدئة فالهدنة.
فالخيارين كلاهما مُر, فبالأمس القريب , كان أي لفظ أو تصريح يطالب بوقف الصواريخ كفرا ومن محرمات تكشف عن وجه أوسلو ودايتون, إلى ما لذلك من مسميات تقع تحت خانة الاستسلام والخيانة والعمالة, لكن البديل ربما يكون اشد مرارة وأكثر كارثية,فرغم الإمكانيات القتالية العالية بالرجال والعتاد والاستعداد, لدى حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في قطاع غزة, لكنها بالقياس البرجماتي العسكري وإمكانية اجتياح جوي شامل مدمر, قد يستبعد المدنيين بالكامل ربما إلى شواطئ البحر, قبل انطلاق الاجتياح البري الذي لا يراهن عليه دون غطاء جوي مدمر يسبق سلاح الدروع ومن ثم التحرك ارضيا بعد عدوان دموي جوي للقضاء على المقاومة, أو على الأقل شل فعاليتها وتدمير قدراتها وتفجير شراكها وألغامها الأرضية, فالقياس مع هذه القوة النازية الفاشية الصهيونية هي مقارنة حتما عبثية, ناهيك عن إعطاء الغطاء العربي والدولي للاجتياح الدموي, فتستحيل المقارنة, وتصعب التنبؤات بمدى الصمود.
أمام هذين الخيارين, والبديل الحواري بشروط القيادة الشرعية,كان لابد من مواقف عملية تلقى على عاتق حركة حماس بالدرجة الأولى, وعلى الحكومة المقالة كذلك, وعلى إفرازات أو إرهاصات التفسخ الحاصل على مستوى التوجه للحوار من عدمه, أن صح ما تطالعنا به وسائل الإعلام من بداية انفراط للتماسك داخل حركة حماس والخلاف على الامتثال لشروط الحوار, ودعم الوساطة المحلية والعربية والدولية.
بهذا التصور
فان أي عمليات إطلاق صواريخ وبكثافة, بالمحصلة ستعتبرها حركة حماس مؤشرات خطر وفقدان سيطرة, وربما تفسر على أنها موجهة لاستهداف وجودها, وزعزعة أو سحب البساط من تحت أقدامها في قطاع غزة, ما يتطلب اتخاذ إجراءات قاسية وصارمة بحق مطلقي الصواريخ, وما يمكن أن يسببه ذلك من احتكاكات ومناوشات بين حماس وبعض فصائل المقاومة وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي, الذي يرفض بتاتا أي مسوغات لما يطلق عليه المصلحة العامة, لكن إذا ماقررت حركة حماس أن وقف الصواريخ هو خيارها الأفضل, وقياس الأمور باستعراض القوة وحساب النتائج, فربما ترجح الكفة لصالح قوة حماس المتعاظمة في قطاع غزة, مع التضحية ببعض نتائج ذلك الصدام وصولا إلى إحكام السيطرة وفرض رؤيتها للمصلحة العامة أو المصلحة الخاصة .
وعندما انخفضت نسبيا وتيرة إطلاق الصواريخ كميا, مما حدا ببعض قيادات الكيان الإسرائيلي, من تيار لا يؤيد التعجل باتخاذ قرار الاجتياح, بل من تيار اشد مكرا وخبثا, منادي باستثمار الوضع الفلسطيني المتفاقم, للتخلص من الجميع بأيدي فلسطينية, ويظهر الصهاينة بمظهر الاحتلال الأخلاقي الرحيم!!!فعلى سوطهم وتصريحاتهم السياسية المتفائلة بإمكانية المنع الكامل لإطلاق الصواريخ, فأصبح هاجس وشبح الصدام العسكري الداخلي والكارثي يلوح في الأفق,على خلفية التحول المبدئي, انطلاقا من شعار متطلبات المصلحة العامة, ومقتضيات الوضع السياسي والأمني, مما جعل الشعار يعود من جديد,,,, لا للمساومة على المقاومة ,, ولا للمهادنة مع العدو ,, ولا للتهدئة المجانية, ولكن هذه المرة من معسكر مقاومة في مواجهة حركة حماس والحكومة الفلسطينية المقالة,, وليس مع ادعاء سلطة أوسلو وتيار دايتون,, فأصبحت الأحداث والأزمات تعيد نفسها.
وسط هذه المعمعة العبثية , والمراهنات الخطرة الغير مكفولة بأي ضمانة, والانكفاء عن إمكانية الحوار دون إعادة الأمور إلى نصابها قبل الانقلاب,, فربما تغفل حركة حماس أن لا عهود لليهود,, ولا أمان واحترام لوعود, دون التفريط في المقاومة, أو الالتفاف عليها وتقييدها بهامش سماح آمن, عندها تأتي المرحلة الصهيونية التالية حسب أيدلوجية (كيسنجر) الصهيونية(خطوة_خطوة) فلا تتوقف مطالبهم, وبعد اجتياز الاختبار الأول بمنع الصواريخ, والذي يمكن أن يكون له ثمنا صداميا أو قهريا باهظا, وله من التداعيات المستقبلية الخطيرة على روح المقاومة, فينتقل الصهاينة إلى الخيار الثاني فورا أو حتى ربما بدؤوا بالمطالبة بذلك, أي منع قصف قذائف الهاون, وإلا فالعودة للتلويح بشبح الاجتياح, وهكذا إلى أن تصبح غزة حزام امني ومحمية منزوعة الإرادة والمقاومة, وبالتالي مزيدا من الانجازات والتقدم صوب الشق الأساسي الاستراتيجي طالما نجحت الخطة, فعود على بدء لانتزاع الاعتراف الذي لا مفر منه لديهم ولدى الكل العربي والدولي, وهذه المرة علنا ولن تقبل في هذا السياق القيادة الإسرائيلية أو تكتفي بأي اتصالات سرية مباشرة أو غير مباشرة وكلها بالمحصلة اعتراف.
الأهم
أن قطاع غزة أصبح بفعل هذا الاستقطاب والتناقض, والمعايير والمحاذير, المسموح والممنوع ,المصلحة الوطنية العليا والدنيا, التهدئة والتصعيد, الاحتكام للقوة والصدام, الاحتكام لمنطق العقلانية الوطنية,الحوار والعناد ,كل تلك المتناقضات باتت على المحك العملي, وجميعنا على قناعة بأنه سواء أقدمت حركة حماس بحسابات خاطئة على قمع المقاومة وتحديدا الصاروخية,أو نجحت في ترشيدها وتقنينها عمليا, أو إطلاق يد المقاومة لمواجهة أعمال العدوان الإسرائيلي من اغتيالات واجتياحات حدودية دموية,فغزة ستكون مهما تم التأجيل والتدجيل الصهيوني, ونقل رسائل التطمين المخادعة مباشرة أو بواسطة أطراف ثالثة, فسوف تكون المحطة القادمة للعدوان الشامل, وسيتم اجتياحها جزئيا فجزئيا فكليا, لان المطلوب ضرب البنى التحتية للمقاومة وشل فعاليتها, بل المطلوب رأس المقاومة واغتيال قياداتها حسب أولويات الأجندة الصهيونية المدرج ضمنها قادة حماس قبل أو بعد غيرهم من القادة.
وسيتم استهداف المعتدلين حسب التوصيف قبل المتطرفين, وأكثر علما فان الكيان الإسرائيلي ورغم الضجة المفتعلة في مواجهة ماتسمية القيادة الإسرائيلية قصور القيادة المصرية في مراقبة الحدود ومنع الأنفاق وتهريب المتفجرات, والاحتجاج الإعلامي الفاتر, على إدخال كوادر وقيادات حركة حماس الخطرين حسب التوصيف الصهيوني, والعالقين على الحدود المصرية_الفلسطينية, على اعتبار أن تلك الحدود حتى وقتنا هذا(مصرية_إسرائيلية) أو تكبلها قيود اتفاقية ثلاثية(فلسطينية _إسرائيلية_مصرية), إلا أني اعتقد أن القيادة الصهيونية تريد كل هؤلاء الكوادر والقيادات الخطرة داخل سجن غزة الواسع نسبيا حسب توصيف معسكرات الاعتقال النازية,وهذا الاعتقاد ليس نابعا من فراغ, بل أن المؤامرة والأيدلوجية الدموية التاريخية الصهيونية تجدد نفسها, وقد سبق وان طرح (شمعون بيريس) رئيس الدولة العبرية الحالي عام 1989 في الاجتماع الصهيوني بفندق الملك داوود في القدس, ضرورة تجميع القيادات الفلسطينية المتناثرة في أرجاء العالم, وجلبهم إلى الضفة والقطاع وإعطائهم قطع أراضي غير إستراتيجية, ومن ثم حصرهم والقضاء عليهم بطائرة واحدة, إذا ماتطلب الأمر ذلك, وبالتاي يتحقق الهدف من الاجتماع,,
إنهاء المقاومة الباسلة(انتفاضة 1987) المباركة والتي دامت سبع سنوات سجلت المقاومة الشعبية والعسكرية أسطورة وملحمة تاريخية كادت تحقق أهدافها, فلزم الالتفاف عليها وتدميرها, وكانت أوسلو وتوقفت الانتفاضة, وعادت كثير من القيادات, وتم تصفية أهمها ومعظمها, واعتقال المتبقيين, مع إمهال تصفية آخرين, وتحقق الهدف الثاني لاجتماع القدس الصهيوني نسبيا, بالنجاح في الظهور بمظهر دعاة السلام وفتح بعض الدول العربية والإسلامية أبوابها السياسية والاقتصادية على مصراعيها, أمام الزحف السياسي والاقتصادي, والاجتماعي التطبيعي مع الكيان الإسرائيلي, فالمؤامرة على المقاومة أيدلوجية صهيونية ثابتة, لكن الطامة الكبرى أن تستخدم الطاقات الوطنية وحراب المقاومة لتصفية المقاومة ذاتها. فالرهانات السياسية أن لم تضع بحساباتها احتواء المقاومة فلن يتحقق أي انجازات سياسية, إفساح المجال لخط السياسي وبهامش يتناسب مع التوجهات الدولية والتطلعات الوطنية وفق امتثال لقيادة شرعية, لا تفرط في مقاومة إنما تجعل من التوافق بين خطي السياسة والمقاومة هو سيد الموقف, عندها نقول بإمكانية تحقيق أهدافنا وطموحاتنا الوطنية, والتفريط بالمطلق بالمقاومة من شانه جعل الخط السياسي عديم الجدوى, كما محاولة المقاومة طمس نفوذ وشرعية السياسة, سيجعل من المقاومة بندقية لا جدوى منها بل ضررها يفوق نفعها.
هذا وبالله التوفيق,,, والله من وراء القصد
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟