|
الخطر الذي يهدد الصحافة المصرية
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 13:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
توالت في فترة قصيرة سلسلة من الأحكام على الصحفيين بالسجن والغرامات بدءا من الحكم على هويدا طه في مايو هذا العام بالحبس ستة أشهر وغرامة عشرين ألف جنيه بتهمة " الإضرار بالمصالح القومية للبلاد " ، وانتهاء بحكم في 13 سبتمبر على أربعة رؤساء تحرير : " الدستور " ، و" صوت الأمة " و" الكرامة " و" الفجر " بالسجن مع الشغل لمدة عام مع تغريم كل منهم عشرين ألف جنيه ، وإحالة إبراهيم عيسى إلي محكمة أمن الدولة العليا – طوارئ بعد أن أصبح قلمه يشكل تهديدا للأمن القومي ! ومنذ أيام قلائل صدر حكم آخر على أمين عام حزب الوفد، ورئيس تحرير الوفد ، ومراسل لها بالسجن لمدة شهر. وتدهورت الأمور إلي حد صدور فتوى بوجوب جلد الصحفيين بين حين وآخر! التهمة في كل الحالات واحدة بصيغ مختلفة: الإضرار بالمصالح العليا، نشر أخبار كاذبة، الإساءة لرئيس الدولة، وما شابه. صحافة المعارضة إذن هي المسئول الأول عن تهديد المصالح القومية . فهل أن هذه الصحافة هي التي ساقت تسعة ملايين مصري إلي البطالة ؟ أم أنها هي التي جعلت 35 % من سكان مصر يعيشون في عشوائيات ؟ أم أن مقالات إبراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل وعادل حمودة وأنور الهواري هي التي دفعت بأربعة ملايين أسرة إلي تفضيل الحياة بدون مأوى؟ ثم أي المقالات تلك التي أدت إلي تفشي الأمية في 18 مليون مصري؟ وأي الصحف المعارضة هي السبب في الغلاء وتدهور مستوى التعليم وانحدار الأوضاع الثقافية وانتشار الرشوة بين كبار المسئولين ؟ أما عن نشر الأخبار الكاذبة ، فلماذا تنسى الحكومة أنها أول من ينشر تلك الأخبار ؟ ألم يصرح د. نظيف رئيس الوزراء في شهر رمضان بأن حكومته ستضبط الأسعار ؟ فارتفع سعر كل شيء بدءا من الدقيق والزيت والسكر وانتهاء بالبنزين ؟ ألا يدخل ذلك في باب نشر الأخبار الكاذبة على مستوى الجمهورية كلها ؟ لقد توحشت الهجمة على الصحافة وحرية التعبير وبلغت حدا غير مسبوق بعد نحو مائتي عام من صدور أول " جورنال " مصري عام 1813 ، وفي عام 1877 صارت الحرب الروسية – التركية حجر الزاوية في تطور الصحافة المصرية الشعبية نحو صحافة حرة ذات موقف ورأي . ومنذ ذلك الحين أحس الضمير الصحفي بأهمية دور الكلمة ، وقدرتها على تحريك الرأي العام . وبزغت منذ ذلك الحين صحف لا حصر لها ، تظهر وتقول كلمتها في وجه الدولة ، وتغلق ، وينفي أصحابها . وعلى الجانب الآخر ظهرت صحف أخرى كانت تحني رقاب الكلمات للسلطة ، كصحيفة المقطم التي قامت بأموال اللورد كرومر ، وصحيفة المؤيـد التي شاع عنها أن : " نصفها للأمير ونصفها للجماهير " . وللمرة الأولي في تاريخ مصر تصف إحدى الجرائد الخديوي إسماعيل حاكم مصر بأقذع الألفاظ فتقول إنه : " أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضي بالبلاد إلي الهاوية " وتأمر الحكومة بإغلاق الصحيفة ، وتنقب جريدة أخرى هي " مرآة الشرق " لمحررها إبراهيم اللقاني عن أسباب الفساد الذي تفشى وتكتب صراحة أن السبب هو الحكام الذين : " لا يعرفون شرعا ، ولا يرضون قانونا ، بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم ، وحاربوا العدل ، فطغوا وبغوا ، ونهبوا وسلبوا ، وفتكوا وهتكوا وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا " . وينشر أديب اسحق مقالاته النارية في جريدة مصر التي أنشأها فأغلقتها الحكومة بعد ثلاثة أعداد ، ونفت أديب اسحق إلي باريس فأصدر من هناك صحيفة " مصر القاهرة " وكتب فيها : " " سأكشف حقائق الأمور .. وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا أولي الأمر،ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما أمناء الأمة .. وقصدي أن أثير بقية الحمية، وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين ، ليعلم قومي أن لهم حقا مسلوبا فيلتمسوه ، ومالا منهوبا فيطلبوه ، وليستصغروا الأنفس والنفائس من أجل حقوقهم " . وعندما تجمعت نذر الثورة العرابية في سماء مصر ، احتشدت معها صحافة الموقف بأماني الثورة ، وظهرت صحف عبد الله النديم " التبكيت والتنكيت " في يونيه 1881 ، ثم " الطائف " ، وجريدة " الأستاذ " ، وفيها كلها حمل النديم على طغيان الحكام ، ووصف حالة البؤس التي وصل إليها الفلاحون ، وقضى النديم جانبا من حياته مطاردا وجانبا آخر منفيا دون أن يفقد إيمانه بشجاعة الكلمة ودورها . وفي عام 1909 قام رئيس الوزراء بإعادة تطبيق قانون المطبوعات لعام 1881 لوأد صحف المعارضة ، فكتب خليل مطران قصيدته الشهيرة التي جاء فيها : كسروا الأقلام هل تكسيرها .. يمنع الأيدي أن تنقش صخرا ؟ وبعد نحو مائتي عام من تاريخ الصحافة وصراعها من أجل حرية الكلمة يراد الآن للصحافة أن ترتد إلي الخلف ، إلي الزمن الذي حين منحت فيه الحكومة ترخيصا لسليم تقلا بإنشاء جريدة الأهرام اشترطت في التصريح ألا يتعرض صاحبها: " للدخول مطلقا في المواد البولوتيقية وامتثاله لقانون المطبوعات " ! ولم ينفع سجن الصحفيين ولا لا مطاردتهم في خنق الحقيقة أو منع أديب اسحق من أن يكتب مندهشا : " و اعجباه ! انا أمة عظيمة ولا قوة لنا ، وأرضنا خصبة ولا نجد القوت ، نشتغل ولا نجني ثمرة الاجتهاد ، ونؤدي الضرائب الباهظة فلا تعد كافية .. ونحن في سلم خارجي وحرب داخلية ، فمن هو ذلك العدو الخفي الذي يسلب أموالنا ويفسد أحوالنا ؟ " ، ولا منعت الأسوار يعقوب صنوع من أن يكتب عن الخديوي إسماعيل : " إنه فاجر يقتات بالكبائر ويتفكه بالصغائر " ، وعندما صدر قانون المطبوعات كتب صنوع : " اكسروا أقلامنا ، وسدوا أفواهنا ، فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا " ! هذه هي الكلمات التي لم يمنعها لا حبس ولا غرامة ، فظلت حية ، مقروءة ، وملهمة .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في محبة الوهم
-
من أطلق لرصاص على هند علام .. لكي أشكره ؟
-
من أطلق الرصاص على هند علام ..لكي أشكره ؟
-
من الأردن إلي شيكاغو
-
سلاطين المماليك وخيال الظل
-
روايات الكاتبة الروسية ناتاليا فيكو
-
الدولة والإخوان في مصر
-
احتباس حراري واجتماعي
-
النقد والمجتمع
-
ماتروشكا للاستبداد
-
أحمد عبد المعطي حجازي وقضية الحرية
-
فن الكذب
-
التعذيب للجميع .. مشروع قومي
-
معبر إلي وطن
-
الباب المغلق
-
معارك نقدية
-
غسان كنفاني .. زهور في حدائق جرداء
-
الطريق الشاق نحو الكتابة
-
جون شتاينبك ومنطق بيلون
-
تحرير متبادل بين حماس وفتح
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|