|
سرير الرمل- لسلام إبراهيم تنويعات سردية على موضوع واحد
نعيم شريف
الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 09:20
المحور:
الادب والفن
على امتداد ست عشرة قصة قصيرة في مجموعته الجديدة " سرير الرمل " ـ دار حوران دمشق ـ 2000 يحاول سلام إبراهيم أن يرصد التحولات التي تطرأ على مساحة الروح في احتراقها بنيران القيعان العميقة لمياه الذاكرة. ذلك أن هذا الرصد يستدعي استئناف عمل الماضي مع تصعيد فعال لعمل المخيلة المحتدمة والضاجة، ليكون الفعل القصصي بهذا المعنى اندغاما يؤدي بدوره إلى نمط من القص يتحقق عبر تجسده بموتيفات تسند هيكلة النصوص، وتكون بذات الوقت مادة تحقق هذه القصص. واللافت،أن الامتياح الدائم من بئر الماضي يحول السرد في قصص سلام إبراهيم إلى نوع من كشف حاد يقصد محاكمة التفاصيل وإدراجها ضمن سياق اللا توقع عبر اكسائها بانعطافات غير متوقعة تتوزع على أجساد النصوص جميعها. في مجموعة "سرير الرمل" هناك توق لمعانقة بهجة الحياة ورغبة حادة في تمجيدها. لكن هذا التوق يصطدم بآليات الواقع الصادم والصارم والتي تصادر هذه الرغبة وتسحقها، فتكون الخيبة هي الشيء الوحيد المتبقي من جسد الرغبة المشتعلة ببداهتها ونكوصها. ستسفر القراءة المتأنية لقصص المجموعة عن محاولة القاص الكشف عن تواطؤ حدث ويحدث بين ماضٍِ هو في خلاصته تاريخ للخيبة والألم والحزن على حاضر هو في أفضل حالاته امتداد حي لذاك الماضي بكل تباريحه ومواجده. إن واحدة من تجليات هذه الصلة هي هذا الحضور الطاغي لتفاصيل الماضي بكل أبعاده وخيباته وأحلامه المجهضة لتطل علينا من كوى النصوص بهذا الإلحاح والتكرار الذي يشير إلى محدودية وضيق العوالم التي يحاول القاص (السياحة) فيها. تشيع في أجواء المجموعة ظلال الحرمان والاضطهاد والفشل وتكسوها بطلاء الكابوسية محاولة إن تجسد حيثيات الجحيم الأرضي بكل حضوره وسطوته. في أغلب قصص المجموعة يكون الراوي المتكلم بضمير الأنا هو القاص ذاته. عدا شخصية يوسف المسماة ( حصار يوسف ). ومن خلال هذه التقنية القصصية تتضح حميمية السرد وصدقه كونه يجسد تفاصيل التجارب الشخصية والعائلية للقاص وآثار هذه التجارب والخبرات على راهنه كإنسان، على الرغم من خصوصيتها كتجارب ذاتية. ولعل الشخصية الرئيسية في جميع القصص وهي هنا ( القاص ـ الراوي ) تعاني من وطأة الشعور الفادح بالاضطهاد أو ما نسميه ـ البارانويا ـ وهو شعور متفاقم بالظلم والاستلاب إزاء الآخرين وإزاء الواقع الضاغط بجميع آلياته: " لم أدرك ما جنيته من ذنب" ص 45 من قصة أزقة الروح تستمد ذات الراوي ( موضوعها) من عوالم مفارقة وعصيه على أن تنال أو تُكرر باستدعائها لماضيها المخبوء ومحاولتها الاتكاء عليه أو تعدليه ومن ثم عرضه كرصيد وحيد وثمين. وهذا شكل من أشكال دفاع الذات ـ القاصة ـ عن نفسها بحكم كونها تعيش في عالم أخر مختلف تماما عن عوالمها ـ عالم المنفى ـ لا ينتسب إليها أو يرتبط معها بأي وشيجة أو آصرة وهو وجود إشكالي لا يني يعبر عن نفسه بهذه التمظهرت التي تأتي كاختبار واعٍ تمارسه الذات الواعية بانتقائها للتفاصيل المخبوءة وإعادة صياغة هذه التفاصيل نفسها وبصور مختلفة في كل مرة وهذه الإعادة التي تتم عبر المخيلة وبواسطتها لا تأتي كما حدثت بالفعل على أرض الواقع بل تسترجع بما ينبغي لها أن تكونه وحسب مقتضيات النص ووفق ما تتمناه ذات الراوي. فقصة مثل قصة " سرير الرمل " تكاد تقترب في موضوعها وحيثياتها من قصة " تآكل " ذلك أن الصدود والهجر لفراش الزوجية ولصفو العلاقة الماضية والإصرار في ثبات لا يريم على هذا الموقف من ـ قبل الزوجة ـ وهي زوجة الراوي هو لب هذه القصص وسبب كتابتها. فإذا تقدمنا بالقراءة سنجد أن قصة " جنية الأحلام " لا تختلف في جانب كبير في تفصيلاتها وموضوعها عن القصتين السالفتي الذكر. سيما الأمر المتعلق بمكابدات الراوي واحتراقه من صحراء الفراش الزوجي وحرمانه من متع كثيرة يعد بها جسد الزوجة ويجد الزوج في طلابها بينما هي عسيرة المنال عصية المطلب عليه. الصفحات (ص28ـ29). وهذه القصص تتشابه في كثير من موتيفاتها المشكلة لها وفي أسلوب المعالجة القصصية لها وفي طريقة طرحها. أما قصة " جورية الجيران " فهي قريبة إلى حد بعيد من القصة المسماة " أزقة الروح " من ناحية موضوعها، فهي عن مأساة البطل الذي تعيشه السبل ويحار في كيفية إيصال وردته محاكاة لفيلم شاهده في السينما ويبدو أن الفتاة ـ الحلم ـ في قصة "جورية الجيران" هي ذاتها في قصة "أزقة الروح". ولعل هذه الأخيرة تربطها صلة قرابة بقصة " اختطاف " ومحاولة البطل الحصول على لحظة مسروقة من الزمن ليرى فتاته ـ الحلم ـ والتي تقول له، " أتدري يا مجنون أني أحفظ جوريتك الحمراء التي ألقيتها قبل سنتين على التراب" ص45. والقصة الأخيرة تنسخ في جملة من جملها عن (خال القاص) الذي يئس من إصلاح ابن أخته ( دفعني بحنان قائلا لأمي: لا ينفع.. لا ينفع.. ابنك سارح.. بماذا لا أدري) ص55. بينما في القصة المسماة ( أزقة الروح ) يقول القاص عن خاله ليصف الموقف نفسه كما يأتي: " وقادني بصمت متوتر إلى أمي، رماني نحوها قائلا: خذيه إنه لا يصلح لشيء "ص94. فتأمل!!. لا يختلف الأمر كثيراً في قصتين أخريين من قصص المجموعة وهما (نخلة في غرفة) و (أخيلة العيون) فهما تتحدثان عن الإحساس الفادح والمر بالفقدان ومحاولة الذات تقبل الحقيقة المتجسدة بالغياب القسري لصديقه "هاشم" الذي قتل في الحرب. في القصتين تجوس اللغة مواطن الجرح الممتد الناغر في جسد الذاكرة المدماة، والتي تسفح نفسها على هامش عريض ينفرش ناثراً أحزانه ومواجده. سيكون لقصة (رؤيا الحفيد) امتياز خاص بها يجعلها تقف بفرادة بين قصص المجموعة ، فهي تمتلك منط السردي الآخاذ وذلك في التجلي الفني الذي أكسبته جمالية القص مع التناغم الهارموني لتداخل أزمنتها المحسوب بدقة ودربة تكاد أن ترتقي بها إلى آفاق عمل يستعير من الموسيقى انسيابها هبوطا وصعوداً، خفوتا ووضوحا، امتداداً وانكماشا فيتجسد كل ذلك بروعة تكاد تنطق. هذه القصة هي عمل فني راقٍ بامتياز، لأنها امتلكت زمنها الخاص معرضة عن منطق الزمن الكرونولوجي مستعيضة عنه بسيولة زمنها ورحابته، أنه زمنها الذي يعنيها زمن الرؤيا المتجذرة في أرض الواقع المنطلقة منه والعائدة إليه. تلك الرؤيا التي تجلت بتمظهراتها وانعكاساتها. القصص الأخرى والمكتوبة في أزمان متفاوتة لا تغادر ذلك المناخ العام الذي يربطها بـ (نغم) عام ينظم سارها وحيثياتها. وقصص المجموعة محكومة بنهايات يراد لها أن تصل إليها لا كما تحتمه شروطها الموضوعية بل بما يتواءم وبداياتها التي تكاد تفضح أهداف القصص من جملتها الأولى. (سرير الرمل) هي في نهاية الأمر أغنية الذاكرة التي انسرب رملها من أصابع الزمن وسيكون من المستحيل الإمساك به.
#نعيم_شريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف في الأدب الإنساني أو لعنتنا الدائمة
-
نساء الظّل: قراءةٌ في كتاب ميادة ابنةُ العراق
-
قراءة في كتاب حميد العقابي أصغي إلى رمادي
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|