أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدي يوسف - نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال















المزيد.....


نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2085 - 2007 / 10 / 31 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو لي أن نظام المثقف التابع ، كان هو النظام الطبيعيّ الذي حدّدَ العلاقة بين المثقف والحاكم : سواءٌ كان ذلك الحاكمُ نبيلاً إقطاعياً ، أو أمير مقاطعة ، دهقاناً ، خاناً ، ملكاً ، خليفةً ، قائد جيش أو جيوشٍ ، كنيسةً أو كنيساً ،
رئيسَ حرفةٍ ما ، عميدَ مؤسسةٍ للتعليم ... الخ .
بالإمكان القولُ إن تبعية المثقف هذه أمرٌ منطقيّ ، باعتبار أن المتبوع هو صاحبُ المالِ والمـآلِ ، هو المرجعية الأولى والأخيرة في التراتبية الاجتماعية / الاقتصادية ، وباعتبار أن ذلك المجتمع القديم لم يفرزْ بعدُ من التفاوت الطبقيّ وعلائق الإنتاج ما يتيح لصنوفٍ شتّى ( بينهم المثقف ) قدراً من الاستقلالية ، والموقف المختلف ولو جزئياً .
لكننا شهدنا ، مع ذلك ، ضيقَ المثقف والفنان ، ومحاولة كسر الطوق : الهروب من الملك إلى الأمير . الهروب من الكنيسة إلى الملك . الهروب من البلد إلى مستعمراته في ما وراء البحار ، وما إلى ذلك من مظاهر التملمُل . وربما نال المتمردَ أذىً ما بعده من أذى : سجناً وتعذيباً ، و صلباً أو حرقاً ( أو بالعقوبتَين في آنٍ ) .
ولدينا من الأمثلة ما يكفي : بشّار بن بُرْدٍ ، وغاليلو .
*
يُعتبَر العراق من المجتمعات الساكنة ، إنه أقرب إلى المجتمعات التي وصفَها ماركس ، بأنها مائيّــةٌ .
بتعبير آخر ، أرى أن تبلور الطبقات الاجتماعية في العراق لا يزال في الطور الأوّليّ . ليس من فرق واضحٍ ، مثلاً ، بين
البروليتاريا ، والبروليتاريا الرثّة . وغالباً ما تلبس البروليتاريا لبوسَ البروليتاريا الرثّة ، كما نشهد الآن بكل وضوحٍ .
الطبقة الوسطى لم تترسّخْ ، البتةَ ، لأسبابٍ مختلفة . والأشكال الاجتماعية المتخلفة الموروثة منذ قرون لاتزال فعّالةً :
بقايا العقلية الإقطاعية ، واندفاع العلائق العشائرية التي جرت محاولة إلغائها تشريعاً ، منذ نصف قرنٍ أو يكاد . إضافةً إلى هذا كله نجدُ أن التفسير الخرافيّ والغيبـيّ للكون والإنسان ، مع ما يستلزمه من ممارسات وطقوس ، هو السائد المتّبَع ، بل هو المتسلط الأكبر .
الأرستقراطية البغدادية القديمة ، بقايا أرستقراطية الحاضرة التاريخية في الإمبراطورية العثمانية ، تلاشتْ مع زحف الريف والأطراف على المدينة الجنينية ، فانتهت هذه الأرستقراطية مع انتهاء المدينة في العراق الحديث .
العراق بلدٌ بلا مدُنٍ .
إنها الطامّة الكبرى !
*
منذ تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات ، شهدْنا اصطفاف المثقف إلى جانب الحاكم ، حتى وإن كان هذا الحاكم أجنبياً ، جِيءَ به مع جنود المستعمِر ، وبعدَ القمع الدمويّ بالنار والغاز السامّ لثورة شعب .
الحاكمُ هو بيتُ المالِ ، وهو المآلُ في الوظيفِ العامّ .
حدثتْ استثناءات :
محمد باقر الشبيبي
محمد رضا الشبيبي
علي الشرقي
الرصافي
الجواهري ...
مِن هؤلاء مَن توقّفَ في منتصف الطريق .
الرصافي مضى في الطريق إلى آخره المأساويّ ، وقضى في الفلوجة مبعَداً .
وكذلك فعل الجواهريّ ، ليُدفَنَ مع زوجته ، في مقبرة الغرباء ، بالسيدة زينب ، من أرباضِ دمشق .
هل اختارَ سركون بولص هذا الطريقَ ، بلا ادّعاءٍ ؟
*
لم يكن الحاكم هو المتبوع الوحيد .
فالأحزاب العراقيةُ يمكنُ إدراجُها في قائمةِ المتبوعِ الطويلة .
ومن المؤلم أن هذه الأحزاب تعاملت مع المثقف والثقافة تعاملاً براغماتياً خالصاً ، تعاملاً ألغى استقلاليةَ المثقف وتأثيرَه في المجتمع العراقيّ .
لجأَ المثقفُ إلى هذه الأحزاب ، هرباً من السلطة ، ليجد نفسه أمام سلطةٍ أشدّ عسفاً من الحكّام الفعليين .
وحين صار الحزب حاكماً مطلقاً بالفعل ( البعث مثلاً ) ، أُلحِقَت الثقافةُ به إلحاقاً ، باعتباره قائدَ المجتمع أيضاً ، فقُضِيَ تماماً على أي إمكانٍ لاستقلالية المثقف ، ونُصِّبَ أمّيّونَ متحمسون قادةً لتنظيماتٍ ومنظماتٍ " ثقافية " .
مثالُ حزب البعث يمكن تعميمُه على الأحزاب الأخرى بلا استثناء .
المثقف يتبع مصدرَ رزقه .
وطُبِّقَ بصورةٍ فاجعةٍ المَـثَلُ القائلُ : جَوِّعْ كلبَكَ يتبعْكَ .
كان الشراء يتمّ بثمنٍ بخسٍ ، نكايةً وتشفّياً .
*
وأخيراً ، جاء الاحتلال ؛ ودخلَ مع دباباته وطائرات نقلِهِ مثقفون عضويّون ، هم الأدلاّءُ المتدرّبون المجرَّبون .
كانت مهمّتهم الأساسُ تمهيدَ طريقِ التعاون بين سلطة الاحتلال والجسم الثقافي العراقيّ المهتريء المنهَك ، الضامر
جوعاً ، والحائرِ في ما رأى من عجبٍ وضنَكٍ طوالَ عقودٍ ...
منظمةٌ ذاتُ تاريخٍ وطنيّ عريق ، مثل " اتحاد الأدباء " ، تنضمُّ إلى هيئةٍ خارج العراق ، يديرُها شخصٌ عيّنه بول بريمَر رئيساً لـما سُمِّيَ " المجلس الأعلى للثقافة العراقية " .
" اتحاد الأدباء " ذاتُهُ يتولّى تقديم استماراتٍ يكون أصحابُها على قوائم الدفع لدى المؤسسة المحلية الكبرى لسلطة الاحتلال ، مؤسسة المؤسسات في " منظمات المجتمع المدني " التي تعمل على تعبئة المثقفين والناس ، لصالح الاحتلال ، وتأطيرهم في خانة الراضين به ، وبحكومته العميلة ، تحت اسم " صندوق التنمية الثقافية " .
رئيس " اتحاد الأدباء " يكتب أطول نصٍّ في حياته ، عن ضرورة التعاون مع الاحتلال وسلطته المحلية العميلة .
ويُسَــلِّمُ دروعاً إلى عملاءَ نُصِّبوا وزراءَ .
البطالة ، بطالة المثقفين ، شاملةٌ .
إن لم تكن أيها المثقف تابعاً ، متَّ جوعاً !
فإنْ صرتَ تابعاً ، تولاّكَ الـخَـرَسُ .
لكَ أن تكتب ، مؤيداً ، عارفاً بالخطوط الـحُمرِ ، تسمّي الاحتلالَ تحريراً ، وتسمّي سلطةَ عملائه حكومةً عراقيةً .
إنْ خالفتَ أتاك ما أتى آخرين من قبلك : طلقةٌ واحدةٌ في مؤخرة الرأس .
طلقةٌ واحدةٌ في مؤخرة الرأس ، ها هي ذي الرقابة الجديدة .
كان نبيل ياسين في منتهى البراءة حين دافع في " بيت الشِعر " ، في نيويورك ، عن الوضع الحاليّ قائلاً : ليس في العراق رقابةٌ !
*
الزلزال الأعظم .
الزلزال المستمرّ منذ 2003 .
الزلزال الذي يهدد بحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ ...
هذا الزلزال لم يهزّ المثقف العراقيّ التابع .
يا جبل ، ما تهزّك ريح !
*
عقودُ التدمير الذاتي الثلاثة ، وما تلاها من احتلالٍ شرسٍ أجهَزَ على ما تبَقّى ...
هذا كله ، أزالَ ، تماماً ، البِنْـيةَ الثقافية .
لم يَعُدْ في العراق ثقافةٌ وطنيةٌ يُعتَــدُّ بها .
ثمّتَ أنقاضٌ ونقائض فقط .
*
هل من بديلٍ ؟
بالتأكيد ...
البديلُ هو في ثقافة المقاومة ، ثقافة تحريرِ التابعِ !

لندن 30.10.2007




#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر العراقيّ الوحيد - سركون بولص ( 1944-2007 ) ، يرحل في ...
- خريف باريس ، ربيع الأمل
- الاستنكار أضعف الإيمان
- قصائد نيويورك 3
- قصائد نيويورك 2
- The three coloniesالمستعمرات الثلاث
- قصائد نيويورك
- ديوان ُ صلاةِ الوثَنِيّ
- فرقة المشاة الثامنة الأميركية The American Eighth Infantry D ...
- ديوان حفيد امرىء القيس
- كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ
- ديوانُ الشيوعيّ الأخير يدخلُ الجَنّة
- سعدي يوسف رحالة في الشعر والمدن يحمل النهر في راحته ويقول: ل ...
- الشعرُ والجمهور
- مسرح دُمى Puppet Theater
- الخليفة ظِلُّ الله ، عبدبوش نوري المملوكي
- - المختارات- لها قصّتُها أيضاً …
- جوزيف كونراد في البَرّ اللاتينيّ
- العالَمُ كما لا نعرفُهُ
- مرةً أخرى : لِنَتَفادَ الحربَ الأهليةَ


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعدي يوسف - نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال