كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 12:11
المحور:
القضية الفلسطينية
كانت ولا تزال وستبقى هناك قضية في تركيا تسمى بالمسألة الكردية شاء الترك أم أبوا. فرغم وجود نضال مديد ومرير من جانب شعب كردستان تركيا في سبيل حقوقه القومية المشروعة وتقديمه الكثير من التضحيات على هذا الطريق وتحمل الدولة والقوات التركية الكثير من الخسائر البشرية والمالية وتدهور السمعة الحضارية على الصعيد العالمي , فإن الدولة التركية ترفض حتى الآن الاعتراف بوجود مثل هذه المسألة القومية وتحاول معالجتها بطرق عسكرية وأساليب ملتوية وعناد شوفيني غير معقول وغير مبرر تقود باستمرار إلى تعقيدات إضافية. ومن المؤسفأن الدولة التركية لا تريد أن تتعل ن التجربة العراقية التي عمرها 80 عاماًً.
لقد مرت الدولة العراقية بتجربة مع الشعب الكردي عمرها ثمانية عقود بالتمام والكمال , ولكن هذه الدولة اجبرت في المحصلة النهائية على الاعتراف بهذه الحقيقة شيئا فشيئاً بعد أن اقترنت بمزيد من التضحيات الغالية لم تكن في كل الأحوال ضرورية لولا الشوفينية العربية وغياب الديمقراطية والرغبة الجامحة في الهيمنة ورفض الاستجابة للحقوق المشروعة للشعب الكردي. وهذه الحقيقة تذكرني بالمثل المعروف لذلك الرجل الذي حُكم بواحدة من ثلاث عقوبات , إذ حكم عليه أما بدفع مائة ليرة ذهب أو تحمل مائة جلدة أو القبول بالجلوس على خازوق. حار الرجل في أمر هذه العقوات, فما العمل ؟ قرر القبول وتحمل مائة جلدة. ضرب عشرة أو أكثر بقليل , فلم يتحملها , فطلب الكف عن الضرب ورجا الحاكم باستبدال العقوبة والقبول بالجلوس على الخازوق. فلم يكن الخازوق بأسهل من الجلد عليه , فأجبر أخيراً على الطلب بسحب الخازوق من مؤخرته واستعداده على دفع الغرامة وقدرها مائلة ليرة ذهب! وهكذا ذاق كل العذابات حتى رضي بالغرامة. هكذا كان الأمر مع العراق , وهكذا سيكون الأمر مع تركيا إزاء القضية الكردية في تركيا. وهكذا هو شأن كل القوميين الشوفينيين في العالم.
ويبدو أن الدولة التركية تريد أن تجبر الشعب التركي والقوات المسلحة التركية على تحمل كل محن الصراع العسكري وتحميل الشعب الكردي في كردستان تركيا أضعاف تلك المحن والكوارث وكذلك الشعب لكردي في كردستان العراق لتصل بالمحصلة النهائية وبعد سنوات طويلة قادمة إلى الموافقة على تأمين المصالح والحقوق القومية للشعب الكردي هناك , كما فعل العراق.
ليس من حقي أن أتدخل بالشأن التركي , كما ليس من حقي أن أتدخل بالشأن الكردي لكردستان تركيا , ولكن من حقي كإنسان وكسياسي وكمدافع عن حقوق الإنسان وحقوق القوميات أن أشير ليس إلى التجارب السالفة من أجل عدم تكرار المآسي والكوارث حسب , بل وإلى التذكير المستمر بالحقوق القومية المشروعة لكل شعب من الشعوب في تقرير مصيره بنفسه أيضاً. ولكن السؤال الذي يدور في البال هو: ألا يرى الجميع بأن الحل السلمي التفاوضي هو الطريق الأسلم للوصول إلى معالجة عملية , فالحرب لم ولن تحل يوماً أي مشكلة حقاً , بل تفاقمها وتزيدها تعقيداً وصعوبة وتساهم في تعظيم الخسائر. وإذا ما اعتقد البعض بأنه المنتصر , فسرعان ما تظهر قضايا أخرى تزيل ذلك النصر أو تقرمه لتبدأ المشكلة من الصفر مجدداً.
القضية الكردية في كردستان تركيا هي من حيث الواقع العملي منفصلة عن القضية الكردية في كردستان العراق , وبالتالي من الخطأ بمكان أن نخلط بين المسألتين بما يقود إلى عواقب غير جيدة لكل الأطراف , رغم أنهما والشعب الكردي في إيران وكرد سوريا يشكلون أمة واحدة , كما هو حال الأمة العربية بشعوبها العديدة والموزعة على دول عدة.
وإذا أخذنا هذه المسألة بنظر الاعتبار , فأن من واجب القوى السياسية الكردية , والمقصود هنا بشكل خاص حزب العمال الكردستاني , سواء الجماعات المسلحة منها أم غير المسلحة , إبعاد الإشكاليات التي يمكن , وبهذا الشكل أو ذاك , أن تعرض التجربة العراقية والفيدرالية الكردستانية إلى مخاطر جمة لا شك في أن الجميع في غنى عنها. وهذا يعني عدم نقل ساحة المعركة بين القوى السياسية الكردية المسلحة في كردستان تركيا مع الحكومة والقوات التركية إلى إقليم كردستان العراق , إذ لا يتحمل الوضع في الإقليم, وكذا الوضع في العراق , أي هزة كبيرة إضافية , بل يحتاج إلى الهدوء واستتباب الأمن والاستقرار لمواصلة البناء وتعميق التجربة ونشر نورها إلى الأقاليم الأخرى من كردستان والشرق الأوسط.
وإذ نحن نطالب الكرد من حزب العمال الكردستاني وغيره عدم نقل المعركة إلى كردستان العراق , نطالب في الوقت نفسه الدولة والحكومة والقوات المسلحة التركية الابتعاد عن نقل المعركة مع حزب العمال الكردستاني إلى الأرض العراقية , إذ أن في هذه المغامرة الكثير من المخاطر القابلة للتوسع والاشتعال , خاصة وأن المنطقة فيها الكثير من المواقد القابلة للاشتعال. إن الصراع الدائر بين الحكومة التركية والقوات المسلحة التركية على السلطة وعلى سلطة القرار التركي يفترض أن لا يتحول إلى صراع بين الدولة التركية والدولة العراقية , بما فيها إقليم كردستان العراق , على الأرض العراقية وفي إقليم كردستان العراق بالذات.
ولا شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية , رغم تراجع سمعتها وهيبتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم , إلا أنها لا تزال قادرة على منع تركيا من المغامرة في اجتياح مناطق عراقية في إقليم كردستان بحجة مطاردة قوات حزب العمال الكردستاني. وعلى الصراع الأمريكي – الإيراني أن لا يسمح بمساومة بين تركيا والولايات المتحدة على إجرائين متبادلين , وهما :
* القبول باجتياح مناطق معينة من إقليم كردستان من جهة , في مقابل الموافقة على السياسة الأمريكية إزاء إيران وما يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة من إجراءات ضدها من جهة أخرى. إن مثل هذه المساومة يفترض أن لانقبل بها , كما أن علينا أن نعرف علم اليقين بأن الولايات المتحدة غير مستعدة للتضحية بالحليف الاستراتيجي التركي لأي سبب كان , إضافة إلى أنها غير مستعدة للتضحية بالعراق ككل , لكنها يمكن أن تقبل بمساومات مضرة في غير صالح العراق أو إقليم كرستان في محاولة منها لخلق توازن معين بين المصالح التي تسعى إليها بين الورقة العراقية والورقة التركية في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم .
لا شك في إن التشديد التركي يساهم في المزيد من الاستقطاب في صفوف الشعب الكردي ويساهم في تعبئة القوى ضد تركيا وضد سياساتها الشوفينية. كما أن على قيادة حزب العمال الكردستاني أن تدرك بأن سياساتها يفترض أن لا تساهم في تشديد الاستقطاب في تركيا , إذ أنها في غير صالحها وفي غير صالح الشعب الكردي هناك وفي إقليم كردستان العراق في آن. ولا نأتي بجديد حين نؤكد ضرورة وحدة الخطاب السياسي الكردي في إقليم كردستان العراق أولاً , والخطاب العراقي المركزي ثانياً , والتسيق الضروري بين المركز والإقليم ثالثاً إزاء الأوضاع الجارية , إضافة إلى أهمية هدوء وعقلانية هذا الخطاب واختيار ناطقين رسميين أكثر حنكة ودبلوماسية ووعياً وحساسية ليتحدثوا باسم المسئولين الكرد في العراق.
التهدئة ليست ممكنة حسب, بل وضرورية في المنطقة ولصالح الجميع. وعلينا أن نثق بأن أي تغيير عسكري في تركيا يؤدي إلى الإطاحة بالدستور وبحكومة السيد طيب أردوغان سوف لن يكون في صالح الجميع.
إن الشعب الكردي في العراق لا يخفي تعاطفه مع نضال الشعب الكردي في كردستان تركيا , ولكن هذا لا يعني التدخل في شئون تركيا أو في شئون قوى المعارضة الكردية في تركيا. ولكن الشعب الكردي وكذا الحكومة الكردية يسعيان إلى تحقيق قضية مركزية واحدة هي الحفاظ على وحماية فيدرالية إقليم كردستان التي عمر النضال من أجلها على الأقل قد بدأ منذ أن حصلت الموافقة على اعتبار أو إلحاق ولاية الموصل بالعراق في العام 1926 , علماًُ بأن هذا النضال سبق ذلك بكثير وبأشكال وأساليب عديدة.
علينا نحن في العراق عرباً وكرداً وبقية القوميات أن نعمل لحماية العراق الفيدرالي وفيدرالية إقليم كردستان بقلب دافئ وعقل بارد , إذ أن العكس يكون وبالاً على الجميع وغير مطلوب بطبيعة الحال.
إن وحدة الصف الوطني وتعبئة القوى الداخلية لا تستدعيان تحريك المشاعر القومية والنفخ فيها, إذ أنهما يمكن أن تصيب الشعب بالإحباط بعد فترة وجيزة حين يصعب تحقيق ما بشر به المسئولون. فتصعيد المشاعر القومية واللعب عليها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ تركيا والعراق والمنطقة ليس في مصلحة الشعب التركي ولا الشعب الكردي ولا الشعب العربي , بل ضدها جميعاً , وأن الحكمة وإعمال الفكر والمرونة في التعامل لتأمين الحلول العملية هي المطلوبة من الجميع حالياً.
لقد فشلت مفاوضات الوفد العراقي مع الحكومة التركية في أنقرة وعاد الوفد إلى العراق , إذ أبدى المسئولون الترك تصلباً شديداً وعناداً , بسبب صراعاتهم الداخلية , وطرحوا مطالب تعجيزية على الوفد العراقي لا يمكن تلبيتها , إذ أنها ليست في متناول أيدي المسئولين في العراق , ومنها تسليم قادة وأعضاء حزب العمال الكردستاني إلى الحكومة التركية. ولهذا يفترض الانتباه من احتمال القيام بهجوم عسكري مباغت على مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق يقود إلى عواقب وخيمة على سكان المنطقة بأسرها , وبالتالي لا بد للعراق أن يكون حذراَ ومنتبهاً للتحركات التركية حتى قبل اللقاء الذي سيتم بين السيدين بيوش وأردوغان في الخاس من الشهر القادم. كما لا بد من بذل المزيد من الجهود لإيجاد الحلول العملية للمشكلة.
28 /10/2007 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟