|
ازمة متعددة الوجوه
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 09:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سبق لتركيا ان جربت قبل سنوات سياسة الحشد العسكري ونجحت من خلالها في تفكيك وجود الـ( ) على الشريط الحدودي السوري كما ان دمشق طردت قادة المنظمة ما شكل فرصة للقبض على عبد الله اوجلان، وكانت تلك بداية لهدوء طويل على جانبي الحدود بعد ان كانت دبابات انقرة تزمجر قرب الحدود السورية مهددة بالتوغل، لكن تلك الحالة لم تكن بتعقيدات الحالة العراقية، فأنقرة تعرف جيدا ان لا حكومة اقليم كردستان العراق ولا حتى الحكومة العراقية بقادرتين على ايقاف التسلل عبر الحدود او حتى تفكيك معسكرات الـ ( )، بل انها وبحكم مشاركتها في اجتماعات دول جوار العراق التي يفترض انها تهدف لتحقيق الاستقرار في العراق، فأن تركيا تعرف بأن العراق ومعه الولايات المتحدة عاجزان عن الامساك بحدود العراق ووقف تدفق المسلحين رغم ان تلك الحدود التي يعبرونها ليست بوعورة الحدود العراقية التركية. كما ان تركيا تعرف جيدا انه، لا العراق ولا الولايات المتحدة هدد بالتوغل في اراضي اي من دول الجوار التي يأتي منها الارهابيون واحيانا بتسهيلات رسمية، رغم ان الشعب العراقي والقوات الامريكية اصابتهما اضرار بشرية ومادية فادحة بسبب اولئك المتسللين عبر الحدود، وبالمثل فأن تركيا جربت التوغل الفعلي في الاراضي العراقية ومنذ عقود لمطاردة عناصر الـ( ) واحيانا بالتعاون مع النظام العراقي السابق دون ان تحقق ولو جزءا مما حققته في الحدود مع سوريا، وهذه الحالة يجب ان تكون موضع درس واهتمام بالنسبة للقادة العسكريين في انقرة. ومع ذلك فهناك اصرار تركي على استخدام اساليب ثبت عدم جدواها بدرجة تدفع للتساؤل وفتح المجال امام اكثر من قراءة، تبدأ من ستراتيجيات الدول ولا تنتهي عند عتبة المصالح والاهواء الشخصية، فتركيا الدولة حصلت قبل ايام على ادانة من الكونغرس بسبب مذابح الارمن، وهي تعلم ان هذه الادانة ستبقى محفورة في الارشيف السياسي الامريكي كما انها ستدخل بقوة في ملفات المنظمات الدولية وبالمثل في اجندة الجالية الارمنية الناشطة في الولايات المتحدة، ويبدو ان احد اهداف الحراك التركي هو اشعار الولايات المتحدة بأهمية العلاقات مع تركيا وان تركيا قادرة على احراج الولايات المتحدة في مكان غير متوقع، خاصة وان واشنطن لا تستطيع ان تقف في وجه المحاربة التركية للإرهاب، واذا كانت تركيا تشعر بأنها قادرة على احراج واشنطن بمرورها عبر بوابة محاربة الارهاب، فأن واشنطن كلها شوق ورغبة لأن تنغمس تركيا في الجهد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الارهاب، فواشنطن بذلك لا تكسب فقط حليفا قويا وانما ايضا تكسب دولة اسلامية كبيرة يحكمها حزب ذو توجهات اسلامية، وهي دولة غير متورطة بأي شكل من الاشكال في دعم او ايواء الجماعات الاسلامية المتطرفة كما ان المجتمع التركي ظل بعيدا عن مؤازرة او تأييد او حتى التعاطف مع تلك الجماعات، والاهم ان تركيا واسرائيل بينهما علاقات طيبة لتمثل تركيا بكل ذلك شريكا ثمينا ومهما في محاربة الارهاب، ولا شيء اهم عند واشنطن في هذه الفترة من اسراف تركيا في استخدام عبارة (مكافحة الارهاب)، حتى وان كان المقصود حزبا قوميا ذا اصول ماركسية، فلا فرق بين بن لادن وكاسترو حين تحتدم المصالح والصراعات، ونتيجة لهذا التشابك تأتي تصريحات المسؤولين الامريكان مشوشة ومتضاربة وضبابية لكنها توحي لأنقرة دائما بأن الامريكان يؤيدون الجهود التركية وهم على استعداد للتعاون معها في مواجهة الـ( ) لكن بعد استنفاذ كل الحلول الدبلوماسية وهذا لا يعني بالضرورة ان واشنطن تؤيد الرغبة التركية بالتوغل في الاراضي العراقية، او انها ستتعاون بالفعل مع الاتراك، ومع ذلك لا يمكن تجاهل الرغبة التركية في لعب دور ما في العراق خاصة مع عدم الممانعة الامريكية. على نطاق اضيق، تمثل منطقة جنوب شرق الاناضول، حيث يعيش اكراد تركيا، منطقة تنافس سياسي ساخن بين حزب العمال الكردستاني التركي ( ) وحزب العدالة والتنمية، ولا يكمن التناقض فقط بين كون الاول ماركسيا والثاني دينيا، ولا حتى عند الرغبة القومية في الوطن الكردي المستقل عند الاول او حل القضية الكردية في اطار تركي ديمقراطي عند الثاني، بل ان مركز التناقض والمواجهة يكمن في العلاقة بالسلطة فالـ( ) يقاطع مبدئيا المؤسسات السياسية التركية، وان كانت بعض الاحزاب والاشخاص القريبون منه يشاركون في الحياة السياسية، الا انه رغم هذه المقاطعة سيطر ولسنوات طويلة على الشارع الكردستاني في تركيا حتى جاء زمن المنافسة مع حزب العدالة والتنمية ليسجل اردوغان وحزبه مكسبا مهما في الشارع الكردستاني، وليسجل الشارع الكردستاني في تركيا ابتعادا عن اساليب العمل المسلح من جهة وعن الاديولوجية اليسارية من جهة ثانية، وليبدأ بالميل الى الحلول البراغماتية من جهة ثالثة ، وهذا الوضع لا يدفع فقط بالـ( ) الى تفعيل نشاطه قبل ان يخسر مزيدا من مؤيديه، بل يدفع بحزب العدالة والتنمية ومن خلال وجوده في السلطة ايضا الى تصعيد المواجهة، فهو يعتبر نفسه قد حاز على تأييد اكراد تركيا بالانقضاض على الـ( ) والاهم انه يريد ان يفعل ذلك بأسرع وقت ممكن لأنه مثل كل حزب سياسي آخر لن يفي بكل الوعود التي قطعها في فترة الانتخابات هذا ان وفى ببعضها اصلا، لذلك لا يريد ان يرى في جنوب شرق الاناضول من يستفيد من ذلك الوضع، ويحصد الاصوات الغاضبة او المتذمرة مستقبلا. من المحرج توصيف وضع العراق في هذه الازمة المتعددة الوجوه والمتغيرة باستمرار فالسيادة العراقية والشعب العراقي والتجربة السياسية العراقية هي المتضررة الاولى من هذه الازمة وتبدو الدولة العراقية منزوعة الاسلحة ليس فقط على المستوى العسكري ولكن ايضا على المستويات السياسية والدبلوماسية، وهي فعلا ازمة كبيرة بالقياس الى وضع العراق وانهماك الساسة فيه بالوضع الداخلي وتداعياته، ويبدو ان المنفذ الوحيد امام العراق هو وضع اللاعبين الدوليين وجها لوجه وعدم التطوع او ادعاء القدرة على تطويق الازمة بسهولة مع التوجه نحو المنظمات والمؤسسات الدولية للتدخل من اجل حماية العراق والبناء السياسي في اقليم كردستان.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هاجس الزمن
-
الخطر العراقي
-
الاتفاق الشيعي...هدنة أم رؤية؟
-
تسييس الأمن
-
قرار التشويش الخشن
-
الهاشمي على باب السستاني
-
أسس الاتفاقات القادمة
-
الطريقة الفرنسية
-
ظاهرة القاعدة
-
صورة نصفية لمانديلا...من يتذكر دكلارك؟
-
الخواء السياسي والأزمة العراقية
-
الانسحابات المفيدة
-
برنامج المعارضة
-
نهاية صيف التوقعات
-
بوش في الانبار
-
قصف الجيران والواجب الامريكي
-
حصيلة كربلاء
-
وجه القاعدة
-
ضرب تحت الحزام
-
خطوة حاسمة
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|