أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول تدمر 4















المزيد.....

الرحيل إلى المجهول تدمر 4


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 07:38
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


كنا نتكلم مع الشرطي بصوت واحد:
يا أخي:
ـ كيف نقي المهجع من المطر. رد بصوت جهوري أقرب إلى الصراخ:
ـ أنا لست أخيك يا أبن القحبة. نبرة لم نألفها من قبل. تابع كلامه:
ـ أنتم أولاد القحبة.. أولاد الشرموطة.. أمكم لم تربيكم يا منايك. شتائم لا تعد ولاتحصى. ثاني مرة يا أولاد الوسخة لا تستخدموا هذه الألفاظ. عندما يطلب أحدنا منكم شيئاً. أو يطلب أحدكم منا شيئاً. لا تستخدموا هذه الألفاظ القذرة. ثم قال:
يجب أن تقول حاضرحضرة الرقيب أول. ثم قال متابعاً تحفه الزاخرة بالمعارف:
ـ بعد أن تحيوا أسيادكم يا شراميط.. تعرضوا ما تريدوه أوتطلبوه. هل فهمتم يا أولاد المنيوكة. ومضى يرشنا رشقات رشقات من الشتائم والسباب مرة أخرى.
ثم مضى يعلمنا كيف نستخدم الحبال المتمفصلة والمتحركة ما بين السقف ومكان وقوف السجين. صفيحة من النايلون على شكل صفحة مستوية. مثل الطائرة الورقية التي تطيرلأرتفاعات عالية. صفيحة متحركة.. تتحرك حسب توجيه الخيطان لها. جزء منها ثابت مربوط بالسقف عبر لاصق.. والأخر متفصل ومتحرك.
حركنا الحبال مرة إلى اليمين ومرة إلى الشمال إلى راحت الصفيحة ترتفع إلى الأعلى رويداً رويداً مثل لعب الأطفال. مضت ترتفع إلى أن أقتربت من السقف.. وسدت الفتحة التي في السقف.
الشراقة.. أو صفيحة النايلون استطاعت أن تمنع المطر من الهطول علينا.
أضحى كل شيء يسمى شراقة في سجن تدمر.
كيس الخبز.. يسمى الشراقة. الشباك التي نضع عليها ثيابنا.. تسمى الشراقة. الكيس الذي يملؤوا به الأشياء التي تجلب كالدواء أوالخضار.. إذا وجد.. تسمى الشراقة. الصفيحة المصنوعة من النايلون التي تغلق الفتحة التي في السقف.. أسمها الشراقة. جميع المواد المستخدمة في السجن أسمها الشراقة.
جميع السجناء لا أسماء لهم.
جميع السجناء لا أرقام فردية لهم.
جميع السجناء يلقبون بأسم المهجع الذي ينتمي له. إذا كان هناك عدد من السجناء من عدة مهاجع. أما السجين الموجود في مهجعه فيسمى من خلال لون حذائه أو ثيابه أو بيجامته. كأن يقولوا:
ـ أنت يا أبو الحذاء البني. أو أبو البيجاما الخضراء. أنت يا مريض.. أو أنت يا قصيرأو يا طويل. يا منيك.. يا أبن الشرموطة.. يا شرموط. وهكذا.
الشرطة كلها.
من مدير السجن إلى الضباط. من المساعدين إلى الرقباء. ومن العرفاء إلى الشرطة العادية أي المجندين. يسمون حضرة الرقيب أول.
اختصرت اللغة العربية كلها.. جمالها وغناها في بضعة كلمات لا غير.
عندما يخرج السجين. عندما يقف أمام الشرطي. يحيه ويتسمرفي مكانه. رأسه منخفضاً إلى الأسفل/مطأطئ الرأس/ ومغمض العينين. ويقدم نفسه. يقول:
ـ حاضرحضرة الرقيب أول.
ربما يضربُ أو يبصق عليه. أو يطلب منه أن يقبل حذاء الشرطي. أو يطلب منه أن يأكل الطعام من تحت أحذيتهم. أويبطحوه على الأرض ويضعوا أحذيتهم في فمه. أويضعوا أرجلهم في مؤخرته. أويصعدوا على ظهره. يرفسوه أو يتركه متسمراً في مكانه. ثم يطلبوا من بقية الشرطة أن تعذبه أو تشتمه أويضحكوا عليه. أو يطلب منه أن يزحف على كوعه وركبه مع الضرب بالكبل على ظهره ومؤخرته مع بصق وشتائم. أو يضعوا ثلاثة أو أربعة بيدونات/ البيدون عشرون ليتر من الماء/على ظهره ثم يطلب منه أن يزحف.
كثيرة هي المرات التي يطلبوا من السجين أن يغمض عينيه. ثم يعطوه الأيعازمن أجل أن يمشي إلى الأمام. عندما يمشي يصطدم رأسه بالجدار بكل قوة. يضحكون ملئ أفواههم الكريهة. يقولون كأنهم أكتشفوا شيء ثمين:
ـ العمى في عينوك.. ألا ترى أمامك.
مرات كثيرة نكون داخل المهجع عندما يقتربون. يتنطح أحد الشرطة.. ويطلب من مسؤوله المباشر أن يجلد أحدنا. يقول:
ـ أبوس يديك. أبوس رجلك. أبوس طيزك أن تسمح لي أن أخرج أحدهم/ يقصد سجين ما لا يعرفه على الأطلاق/ من أجل أن أجلده وأبرد قلبي به.
تخيل نفسك أن هذا الوحش كبلك ومضى يضربك إلى أن يشبع ويشفي غليله.
هذا السجان مجرد مجند أجباري. أي مجند غير متطوع. عسكري يقوم بالخدمة الألزامية عمره لا يتجاوزالثامنة عشر من العمرأوفي أقصى الحدود عشرون عاماً.
اتساءل:
ـ لماذا سكنت هذه العدوانية المنفلتة من عقالها.. الخالية من أي مبرر في قلب شاب صغير. يتمنى أن يجلد أنسان محجوز الحرية لا يعرفه ولم يسبق له أن رأه.
هذا هو الوطن الذي بناه حافظ الأسد وعائلته الكريهة.
بهذه الطريقة تفتتح العلاقة المشوهة ما بين الجلاد والسجين.
أحدهما يملك حذائاً كبيراً وطويلاً وملمع الشكل. بينما الأخرمنخفض الرأس والجدع ويتملكه الخوف.
بهذه الطريقة المشوهة شوهت شعوبنا وبلداننا على يد زعران وأولاد الشوارع.
هذه العلاقة المؤطرة في بلادنا مؤشرعلى الاحتقارالمتبادل ما بين الضحية والجلاد في بلاد الضياع والخراب والهزيمة.. في بلاد الجلادين.. في بلادنا. لا يظن كائن من يكون. إنه خارج هذه المعادلة الصعبة حتى لو كان جالساً في بيته. الجميع تحت الطلب مهما حاولوا أن يقنعوا أنفسهم إنهم في أمان.
العلاقة التي تحكم طرفي المعادلة هوالاحتقار المتبادل والخوف المتبادل.
يبقى الجلاد ينظر إلى ضحاياه بازدراء واحتقاروفوقية. من شأن أن يرفع الجلاد من شأن دونيته ووضعه الوضيع ومقامه الهابط.
احتقارالجلاد لضحاياه.. هونتيجة لاحتقاره لذاته ومنشأه الوضيع والمنحط. في تعذيبه لضحاياه هو عملية هروب من لحظة اليقظة الأولى من لحظات تكوينه الأول.
الجلاد إنسان تافه في تكوينه النفسي والخلقي والأخلاقي. في منشأه ونفسيته وحياته وتربيته. إن وصول هذه البضاعة التافهة إلى الحكم لم يغيرفي تكوينهم أي شيء. إنما بالعكس. السلطة عملت على كشف الغطاء الذي كانوا يتسترون به.. عن الثوب الحقيقي الذي كانوا يلبسونه.
لهذا يسعى النظام السوري بشكل دائماً مثل غيره من الأنظمة العربية على اصباغ كل حركة من حركاتهم وكل فعل من أفعالهم بصبغة الحضارة. للتأكيد على أنهم ليسوا من أصل وضيع ومنحط. سأتسأل ماذا كان سيكون حافظ الأسد وغيره من الرؤوساء العرب لو لم يكونوا رؤوس دول. كاتب مثلاً.. مفكر.. معلم. قاضي أوعطارمتجول. أشك أنهم يصلحون لشيء. المصلحة الوحيدة التي يصلحون لها ويتقنونها بأمتياز هو أن يكونوا جلادين مباشرين في قبو تحت الأرض. لا أكثرولا أقل. لا أستثناء لأي جلاد. سواء كان في الماضي أو الحاضرأو المستقبل.
كل جلاد مريض. لا فرق بين زيد أوعبيد. شرقي أو غربي. الجلاد هو جلاد فقط. الجلاد يعيش على دماء ضحاياه. مجرم بأمتياز. تخفيفاً لوقع الكلمة نسميه ديكتاتوري.
الجلاد يحب أن يسمع قبل أن ينام صوت الزعيق والعويل من فم ضحاياه. حتى يحس بالأمان.
رحنا نشفط الماء بالمكانس.
أغلقنا الفتحة التي في السقف من خلال تحريك الحبال الموصولة ببعضها. توقف المطروراح ينزل على الصفيحة المصنوعة من النايلون.
مددنا العوازل على الأرض. وضعنا البطانيات المهترئة عليها. رحنا نتساءل:
ـ كيف يمكن أن ننام في هذا المكان البارد. كيف يمكن لهذا العازل المهترء والبطانيتان القديمتان المهترئتان أن تحمي أجسادنا من البرد القادم من الأرض. لم يعطونا وسائد. /الوسائد دلال زائد عن اللازم/. أما اللحاف فلا يمكن أن يحمي جسد أو روح.
فتحنا حقائبنا وأخرجنا ثيابنا وفرشناها فوق العوازل. قسم كبيرمنا لم يجلب معه إلا منشفة فقط.. لأعتقادهم إننا في رحلة قصيرة. لعدم أدراكهم طبيعة المكان الذي سنذهب إليه. كما كان بيننا الكثير من المرضى. أجسادهم ضعيفة لا تقوى على الصمود والمقاومة. لذا توجب أن توزع الثياب على المرضى والأصدقاء والرفاق الأخرين من الثياب الموجودة. /أغلب أفراد مجموعتنا الأحد عشركانوا من المرضى وكبار السن/.
كما صنعنا من الثياب وسائدنا.
بعد قليل جاء الشرطي وتكلم من على السطح. راح يصرخ علينا:
ـ هل فرشتم العوازل.. مددتم فراشكم يا أولاد.. شتائم بالجملة والمفرق.
ـ نعم فرشناها حضرة الرقيب اول.
تعلمنا الدرس بأتقان.
ـ إذاً يا اولاد الشرموطة أدخلوا في فراشكم. وتابع:
ـ النوم يبدأ من الساعة السابعة مساءاً إلى الساعة السابعة صباحاً/ كنا نستيقظ في الساعة السادسة صباحاً لكن لا أدري لماذا/. الحركة ممنوعة أثناء النوم. يجب أن تناموا على سيفكم/ على جنب واحد/ولا تتحرك على الأطلاق. أي واحد يتحرك في فراشه سيجلد في الصباح. ممنوع دخول المرحاض خلال وقت النوم. ممنوع شرب الماء أو تناول الدواء إذا وجد في الليل. بأختصاريجب أن تتحولوا إلى جثة هامدة من أول المساء إلى الصباح. ثم قال:
ـ أي واحد.. أبن الوسخة منكم نراه يتحرك أويقوم بحركة ما سيجلد في الصباح. ثم أضاف:
ـ كل ساعتين يجب أن تتبادلوا المناوبة. يجب أن يبقى واحد منكم مناوب.. حارس. يقف تحت الشرقة/ الفتحة التي في السقف/ بأستعداد تام. يجب أن لا يتحرك على الاطلاق. كل ساعتين يتبدل واحد. التبديل يتم مع تبدل الشرطي الذي على السطح. ثم قال أسم مهجعكم الرقم/ 38/. أنتم المهجع الرقم /ثمانية وثلاثون/. هل فهمتم. وقال:
ـ تابع.
عندما يقول الشرطي /كلمة تابع/. سواء تكلم معنا من السقف.. أومن وراء الباب.. أو عند فتح الباب. نحييه بالقدم اليمنى. نخبط بالقدم اليمنى بقوة كبيرة وقاسية. يجب أن يفيق على أثرها كل النيام في السجن.
تسللنا إلى /الفراش/ كما كان يسمونه. برودة الأرض تتسلل إلى الجسد من خلال العازل والبطانيات التي لا حول لها ولا قوة في منع هذه البرد من الوصول إلينا. كما أن الثياب لم تفي بالغرض. النوم في هذا الدهليزالواسع لا يبعث على الاطمئنان. ولا يجعل المرء يخلد للراحة أوالنوم. لم أستطع أن أغمض عيني على الأطلاق. هرب النوم من جفوني وعيوني. غابت ملكة النوم عني. وليت وجهي نحوجهة اليمين مستغرقاً. حاولت.. وأحاول النوم. أقول لنفسي كيف يمكن للمرء أن ينام في الساعة السابعة مساءاً. إنه أقسى من الجلد نفسه. لم تمض خمسة دقائق حتى أحسست أن رجلي راحت تنمل من الخدروالاستلقاء على جهة واحدة. ماذا أفعل. هل أقلب على صفحة أخرى. إذا قلبت. سيرأني الشرطي. عندها ماذا أفعل. يا آلهي أحس بالوجع يتسلل ببطء إلى كل أنحاء جسدي. تكلمت مع الذي بجانبي بصوت منخفض جداً قلت له:
ـ هل نمت. قال:
ـ لا.. لا أستطيع النوم. أحس أن البرد سيأكل عظامي. قلت:
ـ هل تحس بالتنميل في رجلك وكتفك. قال:
ـ نعم. رجلي منملة ومخدرة بالكامل بالإضافة إلى كتفي وصفحتي. قلت:
ــ وما نفعل والليل في أوله. قال:
ـ لا أدري. لكن لا مفر من الصبروالجلد والتحمل.
وقف يوشع الخطيب مناوباً في مكانه. البرد الكانوني يلسعه ويهزه من كل الأطراف وهو متجمد في مكانه. بعد قليل جاء الشرطي وراح يخبط بحذائه على السطح بمنتهى القوة. بعد عدة شتائم متتالية كأفتتاحية لمقابلة أوللقاء ما. قال:
ـ يا أبن الشرموطة.. يا أبن.. لماذا لم تضعوا الطماشات على عيونكم. ليضع كل واحد من النائمين طماشة على وجهه وعينه. ثم أردف:
ـ بعد دقيقة واحدة سأرى الجميع مطمشين. بسرعة يا أبن.. شتائم.
فتح كل واحد حقيبته ووضع قطعة من القماش على عينيه يقي بها وجهه وصورته وعينيه.
عاد الصوت أقوى من السابق مزمجراً واثقاً من نفسه:
ـ الجميع يجب أن ينام والطماشة على رأسه وعينيه. من اليوم لا أريد لأحد منكم أن ينام بدون طماشة. فهمت يا أبن النذلة.. شتائم متتالية. ثم قال:
تابع.
حياه يوشع الخطيب بقدمه اليمنى بهدوء. استشاط الشرطي غضباً. راح يشتم ويلعن ويتوعد ويهدد:
ـ قلت لك أن تضرب رجلك في الأرض بقوة. هل أنت في حضن أمك يا منيك وتلعب في كس أمك يا أبن القحبة.
بدأنا لحظة الانفصال عن العالم.
مضت أيامنا في تحلل. رحنا نحلل تفاهات الأمور. التحية:
قوتها أوضعفها. ماذا قال الشرطي. ما تكلم. ماذا شتم. لهجة الشرطي. هل هو من الحسكة أم دمشق. من حمص أو اللأذقية. هل هو عدواني وحاقد جداً أم أقل. رحنا ننسى إننا سجناء سياسيون ولنا حقوق في بلدنا ووطننا. تغيرت أهتماماتنا ورغباتنا وأمالنا وأمانينا. لم نعد نتكلم في السياسة لأن الكلام ممنوع. لا نفكر في الغد لأننا نريد أن نمرركل دقيقة بأقل قدر من الوجع والقهر والشتائم والضرب. صارأهتمامنا منصباً على نوعية الطعام وكميته. الضرب.. نوعية الضرب. بالكبل أم صفع على الوجه. شدته. عدد الكوابل التي يرشقونا بها. عدد الصفعات التي يضربوننا بها. رحنا نعطي أسماء لكل سجان من خلال قوة طرق حذائه على السطح. نقدرحقده وكرهه من خلال الطرق أو الشتائم. نعطي أسماء أخرى للشرطة نسبة لما قاله لنا. كأن نعطي للشرطي أسم أو لقب الصرصور. لأنه قال لنا صراصير. وأخرقرد. لأنه قال لنا يا قرود. وذاك أسمه الهادي لأنه تكلم معنا بصوت هادئ ومنخفض. والأخرأسمه الغدارلأنه عذبنا من الشراقة أو الفتحة التي على السطح أو قال لنا يا غدارون.
حركة الشرطي وتنقله على السطح. تعلمنا بنوعية الشرطي وأنتمائه المذهبي والطائفي أيضاً. هذا علوي وذاك سني.. هذا مسيحي وذاك كردي.
لكن الجميع يخاف من الجميع. الشرطة تخاف من بعضها. كما أن الشرطة تخاف من السجناء. السجناء يخافون من السجناء.. ومن الشرطة. كما يوجد في بعض المهاجع مخبرون لصالح الشرطة تجعل الشرطة في حالة هياج وخوف وقلق في حال أبدى أي نوع من أنواع التعاطف. أنها الطاحونة القاتلة طاحونة القمع والخوف التي تأتي على كل أخضر وجميل ويابس وملون أيضاً.
تتدفق دفقات المطر على الشراقة المصنوعة من النايلون. طرق.. طرق برتابة وكآبة وملل مثل دقات الساعة الراحلة إلى زمن لا حدود لنهايته. ثم تتبعها رشقاتها الموجعة على شكل موجات متتابعة.
المكان فارغ. الصدى يملئ الفراغات الفارغة. المسافات الزمنية تسيرببطء.. تنقلنا من مكان إلى أخر. ونحن نغرف من معينها كل يوم خراب نفسي دافق. انفصال عن المكان. عن التوق للأمل.. للحب.. للحياة. آه لم نعد نلمح أي جمال. تزايت كثافة الانتماء إلى البعد عن الحياة وحركتها وجنونها الجميل. غابت الوجوه التي كنا نحن إليها. لم تعد في الذاكرة إلا بقايا صور في صور داشرة ومرمية في سلة الأحزان. غاب الخابوروضاع في غربة الانفصال عن الحياة. غابت حقول القمح وسريرالسنابل المضطجعة على حواف التلال النائمة على كفي. غابت النجوم والقمر ولون القمروعيده وبهجته. رحت ارتحل موقناً أن البعد بعيد. ارتحل من لهاثي الذي يطاردني. أبحث عن ملجأ وطاقة استند عليها. أحكي فيها عن هواجسي وهوسي وأحساسي بالانقطاع والانقلاع من الجذور. لأول مرة أرى الموت أملاً ورغبة وحقيقة واقفة أمامي.
لكم حلمت بالموت وخفت منه. أيام وليالي أتمنى أن يكون الموت صديقي ورفيقي. يحملني معه في رحلة الذهاب إلى رحلات البحث عن المجهول الأخر.
لماذا لم أمت. لماذا كنت الهث في البحث عنه. لماذا لم يأت وبقي قوياً جامداً في مكانه. لماذا بقي بعيداً وسيف السلطة فوق رأسي.. يلازمني في ليلي ونهاري يعذبني ويخرب كل لون جميل في ذاكرتي. ماذا بقي مني.. جسد أم هيكل أم لحم وعظم. الروح.. ماذا بقي منها وفيها. لا أدري. عندما يتغير الإنسان لا يعرف مقدار وحجم التغير الذي يطرأ عليه سواء كان نحو الأجمل او الأسوء.
هل سأرى الشجرة خضراء كما كنت أراها أم قطعة خشب مزروعة في الأرض. كيف سأرى المرأة. وكيف ساتعامل معها. هل تخشبت الروح لمرآها أم سأكون أكثر حساسية لجمالها وبهائها ورقة صوتها وعذوبتها. هل سأحب أبي وأمي كما كان في السابق.. أم إنه واجب نفسي وإنساني وأخلاقي.
لكن الخراب اليومي الذي تشربه لنا السلطة المتمثلة برجال مجرمون يحوزن على القراروالمال والتحكم في مصير البشرمن ملتهم.. من الناس الذين يجاورونهم في الدين والقومية.. لم تترك أي شيء على حاله.
لم ننم تلك الليلة الليلاء. خطواتها نبع من غابات اللهاث.
يتبع





#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرحيل إلى المجهول تدمر3
- الرحيل إلى المجهول تدمر2
- الرحيل إلى المجهول سجن تدمر1
- الملك السويدي كارل الثاني عشر
- الملكة السويدية كريستينا
- الرحيل إلى المجهول ما بعد النطق بالحكم
- الرحيل إلى المجهول النطق بالحكم
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 3
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 2
- الرحيل إلى المجهول محكمة أمن الدولة العليا 1
- الرحيل إلى المجهول العفو
- الرحيل إلى المجهول/قبل العفو
- الرحيل إلى المجهول التحول
- الرحيل إلى المجهول الوقت
- الرحيل إلى المجهول في سجن عدرا
- الرحيل إلى المجهول سجن عدرا
- الحافلة البرتقالية
- الرحيل إلى المجهول الترحيل
- الرحيل إلى المجهول سجن الحسكة
- الرحيل إلى المجهول غيض من فيض


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول تدمر 4