احمد مجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2081 - 2007 / 10 / 27 - 10:53
المحور:
القضية الفلسطينية
طرحت جولة رايس الأخيرة الفاشلة في تقريب وجهات النظر الفلسطينية الإسرائيلية، او مسعاها إذا كانت هناك فعلا مساع جدية لجسر الهوة ما بين الموقفين الفلسطيني- والإسرائيلي تساؤلاَ من نوع، ماذا لو فشلت المساعي الأمريكية في الخريف القادم ؟.
والفشل هنا ينطلق من تقدير نسبي وليس مطلق انطلاقا من جملة من المعايير التي تحدد الهدف او الأهداف التي يتوخى صاحب الدعوة الوصول إليها من خلال دعوته وفي ظل هذا التوقيت بالذات ، علاوة على الأهداف التي تسعى الأطراف المدعوة من تحقيقها عبر قبولها المشاركة في هذه الدعوة .
فالأمريكيون يسعون من هذه الدعوة تامين تكتل عربي وإسلامي عريض من خلال مشاركة هذه الدول في المؤتمر كشهود على العملية السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة ، مقابل تقديم دعمهم لها في إجراءات الحصار والضغط على إيران في صراعها المكشوف معها، وكذلك عزل سوريا وإضعافها او/و إغرائها بالمشاركة بالمؤتمر عبر صيغة سياسية ترضيها وذلك على طريق فك تحالفها مع إيران لأحكام العزلة على طهران، أما تمهيدا لإضعافها بعد سحب حلفائها منها او الى توجيه ضربة عسكرية لها ما لم تنجح الجهود السياسية والدبلوماسية مع وسائل الضغط والابتزاز الأخرى ، كما إنها تسعى إي الولايات المتحدة إلي توسيع التطبيع العربي والإسلامي الإسرائيلي عن طريق مشاركة عربية إسلامية أوسع في المؤتمر, ومن دول لم تشارك من قبل في لقاءات تحضرها إسرائيل, وهذا من أهم أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فضلا عن أن الإدارة الأمريكية ترى في نجاحها بهذا المسعى من المكن ان تقوي فرص الحزب الجمهوري في الاحتفاظ بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض لسنوات أخرى جديدة ، وتثبت ان نهج الإدارة الجمهورية بالتعاطي مع الأزمات الدولية وفي مقدمتها قضية محاربة الإرهاب هو الأنجح والأجدى ، وبذا تحبط مساعي الديمقراطيين من استثمار الفشل في العراق كنقطة انطلاق للهجوم عليهم وتغير المعادلة السياسي بالانتخابات الرئاسية القادمة .
فالفلسطينيون يريدون التوصل إلي إعلان يعالج قضايا الحل النهائي وهي: الحدود, والقدس, واللاجئين, والمستوطنات, والمياه, والأمن, ويسعون بكل قوة للحصول علي مكاسب حقيقية من هذا المؤتمر مع ضمانات بالتنفيذ ورقابة دولية وجدول زمني تحدد فيه مراحل التنفيذ عند كل مرحلة من المراحل ومسقوفة بسقف زمني أيضا.
بينما يرغب الإسرائيليون في إعلان مبادئ فضفاض عبارة عن وثيقة عامة (حمالة أوجه) يستطيع كل طرف قراءتها كما يشاء, ويسعون إلي عدم مناقشة القضايا الشائكة داخل المؤتمر, وتفريغه من مضمونه الحقيقي, وبالتالي عدم الاتفاق علي أجندة واضحة للوثيقة المشتركة التي ستصدر عن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في نهاية المؤتمر، علاوة عن التهرب من تحديد جدول وسقف زمني تهربا من أية التزامات يفرضها الاتفاق .
وإزاء هذه المواقف المتناقضة لكل طرف من أطراف العملية السياسية, فإن المؤتمر مهدد بالفشل من قبل توجيه الدعوة له, ويستلزم إعدادا جيدا, وتوفير الضمانات اللازمة لنجاحه نظرا للتداعيات السلبية التي يمكن أن تنجم عن عدم عقده, أو ربما تأجيله كما يتردد الآن، او الدعوة له والخروج بنتائج دونما المستوى المأمول كما حدث في محادثات كامب ديفيد أواخر عهد الرئيس كلينتون.
وبناء على جولات رئيسة الدبلوماسية الأمريكية المتعددة والتي مازالت تراوح مكانها ، واتضاح عدم الرغبة الأمريكية في ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل لجسر الهوة الواسعة مابين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي، وكذلك الأمر تلبية متطلبات حضور الأطراف العربية الأخرى المشاركة وفي مقدمتها العربية السعودية، وانحياز الوسيط الأمريكي كما جرت العادة خلال سنوات "الوساطة السابقة" وتبنى المطالب الإسرائيلية ارتباطا بالذرائع التي يطرحها للتنصل سلفا من مسؤولياته، فإن خطر عدم انعقاد المؤتمر يمكن ان يكون احد الخيارات المطروحة في حال لم تلبى متطلبات المشاركة الفلسطينية والعربية فيه ، وهنا يطرح تساؤل هل في مصلحة الولايات المتحدة وهي كما رأينا في حاجة ماسة لانعقاده ان تتخلى عن الدعوة له، وتوجه اللوم على الأطراف العربية والفلسطينية بإضاعة الفرصة الذهبية لانعقاد المؤتمر وتحمليهم مسؤولية فشله قبل ان يعقد، وتطلق العنان لإسرائيل في مواصلة إجراءاتها العملية على الأرض وتكتفي الولايات المتحدة أيضا بخيار الضغوط والابتزاز على لكل من إيران وسوريا.
قد يبدوا هذا السيناريو مستبعدا او ربما قد يكزن آخر خيارات الولايات المتحدة اللجوء لمنطق القوة والعنف فقط، وإدارة الظهر للحلفاء المحلين ، وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة علاوة على فقدانها ما تبقى من مصداقية في المنطقة وهي قليلة للغاية، فإنها تضعف من دور حلفائها وتعطي الفرصة للقوى المناوئة لها ولمشاريعها في المنطقة لان تعزز نفوذها وقوتها الجماهيرية وتكتسب حضورا أقوى من السابق وتكتل قوى جديدة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل وبذا تفتح أبواب المنطقة على مزيد من التوتر والصراعات والعنف التي يصعب تقدير أبعادها ونتائجها الخطيرة .
وقد تلجأ الولايات المتحدة إلى عمل توليفة مابين المطالب الفلسطينية والعربية من جهة والإسرائيلية من جهة أخرى لضمان نجاح عقد المؤتمر ، وهنا يصبح عقد اللقاء هدفا بحد ذاته وباعتباره حملة من حملات العلاقات العامة الخارجية التي تقوم به الإدارة الأمريكية ، وفي هذه الحالة وان مورست ضغوط وقبل الفلسطينيون والعرب المشاركة على قاعدة هذه التوليفة ، فإن النتائج الهزيلة وغير المقنعة سوف تؤدي الى ضرب مصداقية معسكر الاعتدال العربي والفلسطيني ، وقبل كل شيء إنهاء صدقية وجدية الولايات المتحدة في مقابل تعزيز نهج وقوة القوى المعارضة للسياسية الأمريكية ، ولن يجدي نفعا حينها لو كيلت التهم للجانب الفلسطيني او العربي بعدم قدرته او نضجه للقيام بالتزاماته اتجاه عملية السلام ، لان الخسارة ستكون على طرفي القوى المشاركة والداعية بنفس المسؤولية ولكن ليس بنفس تحمل النتيجة حيث ستوجه ضربة كبيرة لمعسكر الاعتدال العربي والفلسطيني ، وربما في مناخات ازدياد التوتر والصراع والعنف ان يفقد هذا المعسكر قوته لصالح الأطراف الأخرى وفي مقدمتها قوى الإسلام السياسي .
ان سوق هذه التقديرات عن الثمن الذي يمكن ان يدفع في حال فشل اللقاء الدولي لا يعني بأية حال من الأحوال ان نذرف الدموع على انفراط عقده او ندعوا للقبول بعقده بأي ثمن وبأية طريقة ، لكن المهم التركيز على المضمون ووفقا للمتطلبات التالية :
- الاتفاق علي تحقيق تسوية نهائية في إطار زمني محدد.
- أن تكون قرارات كل من مجلس الأمن والأمم المتحدة ومبادئ مؤتمر السلام في مدريد "أي الأرض مقابل السلام" ومبادرة السلام العربية هي المرجعية للقاء الدولي, بالإضافة إلي رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس بجانب دولة إسرائيل.
- الاتفاق علي آلية متابعة للتحقق من قيام الأطراف المعنية بتنفيذ تعهداتها المتفق عليها.
- أهمية دور الأمم المتحدة كمظلة وراعية للعملية السياسية في تسوية النزاع.
- ان يكون الاجتماع الدولي بمشاركة كافة الأطراف المعنية وعلى قدم المساواة وفي مقدمتهم سوريا ولبنان, وأن تشمل المفاوضات كل المسارات.
ان هذه المتطلبات وان كانت صعبة المنال على الوسيط الأمريكي لكنها ليست مستحيلة عليه، ومن الممكن لو تحققت ان تضمن مؤتمرا دوليا ناجحا وليس لقاء دوليا لأخذ الصور والعلاقات العامة ولن يكون مقدراَ على أي طرف ان يتحمل فاتورة الفشل
#احمد_مجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟