|
موافقة آل مبارك على الإجتياح التركي، قصة تكرار الخطأ
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2081 - 2007 / 10 / 27 - 03:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كراهية مبارك الأب للقراءة، شيء مفروغ منه، فقد تباهى بضحالة ثقافته مراراً، و هو تباهي ينم عن طبيعته و طبيعة حقبة حكمه. و لكن إذا كان مبارك الأب يكره القراءة العامة و المتخصصة، فإنه بلا شك أمي في مجال القراءة السياسية الخارجية، فحتى ألف باء السياسة الخارجية من الجلي إنه يجهلها، تلك الألف باء التي تقول بأن على أي قوة ألا تعمل على زيادة نفوذ أي منافس لها، لأن تلك الزيادة إنما تكون على حساب القوة التي سمحت بتلك الزيادة. مبارك الأب، و نتيجة أميته السياسية الفاضحة، و كذلك إفتقاره لروح الزعامة، و ضعف شخصيته، و عدم تقديره للبلد و الشعب الذي تسلط على مقاديره، عمل – و بلا كلل – على زيادة نفوذ كل قوة سياسية إقليمية منافسة لمصر في المنطقة، أعني هنا الشرق الأوسط و أفريقيا. ففي هذه الأيام حيث تتصدر المشكلة التركية – الكردية صدر الأنباء، يعود الخطأ الأول لمبارك الأب في تلك القضية للظهور، ففي أخر عقد التسعينات من القرن الماضي، حين هددت تركيا بعمل عسكري ضد سوريا، إن لم تسلم سوريا المناضل الكردي عبد الله أوجلان إليها، سارع أخينا - كما هو معتاد منه - ليضغط على الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لينفض يديه من المسألة الكردية، و يتخلى عن عبد الله أوجلان. أنا هنا لا ألوم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، فيما حدث بعد ذلك للمناضل أوجلان، و الذي نعلمه، بل ألوم مبارك، رئيس أكبر بلد متحدث بالعربية، فحافظ الأسد يجب إلتماس العذر له بعد أن وجد نفسه وحيداً في مواجهة العملاق التركي، فبدلاً من أن يذهب مبارك الأب ليظهر تعضيده لسوريا، و يعلن أن مصر تقف سياسيا و دبلوماسيا و شعبياً مع سوريا في مواجهة التهديدات العسكرية التركية البربرية، التي تظهر أن تركيا ما برحت تنظر للبلاد المتحدثة بالعربية على إنها لازالت ولايات و متصرفيات عثمانية، و بدلاً من أن يقوم بجولات مكوكية للعواصم العربية المختلفة لحشد التأييد العربي لسورية، بدلاً من ذلك ذهب ليضغط على النظام السوري ليسلم المناضل أوجلان، مما دعم من الموقف التركي، و دعم وضعه كقوة إقليمية، و أظهر أن للنظام التركي ذراع حديدية طولى قادرة على فرض إرادتها على المتحدثين بالعربية، و هذا عكس حقيقة إمكانات النظام التركي. نظام آل مبارك هذه الأيام - و مع عودة المشكلة الكردية للبروز، نتيجة التعنت التركي الشهير، و رفض تركيا لكل المبادرات السلمية التي سبق و أن تقدم بها الجانب الكردي طوال سنوات - يكرر نفس الخطأ، حين أعطى الموافقة المصرية الرسمية، و لا أقول الشعبية، لوزير الخارجية التركي، للقيام بإجتياح إقليم كردستان بشمال العراق، تلك الموافقة التي أصبحت مضمونة لكل من يطلب الإعتداء على أي شعب في المنطقة، فقد سبق أن أعطاها مبارك الأب لأمريكا ضد شعب الصومال و العراق، و من قبلهما ضد شعب ليبيا في عهد ريجان، و أعطاها بالفعل لأمريكا ضد إيران، و العام الماضي لإسرائيل ضد شعب لبنان، و ها هو أعطاها هذا الشهر – أكتوبر 2007 - لتركيا لتضرب الأكراد. الخطاً هو نفس الخطأ، رغم مرور ثمانية أعوام على الخطأ الإستراتيجي الأول، فلازال هذا النظام غير قادر على التعلم، فهو لا يتوانى عن العمل على زيادة نفوذ كل قوة إقليمية، غير واضعاً في إعتباره مصالح مصر الإستراتيجية، و غير مقدر لمكانة هذه الأمة، و ما تستحقة من وضع لائق بين أمم المنطقة و العالم. دعونا نتصور أن عبد الله أوجلان لازال حر طليق، بإفتراض أن مبارك الأب قام بدعم الرئيس الراحل حافظ الأسد في مواجهة تركيا، و أن عبد أوجلان لازال يقيم في سورية، أو حتى مصر، و التي كانت سابقا ملاذ المناضلين، و أن أوجلان أظهر مرونة كبيرة، و هي المرونة التي أظهرها بالفعل حين أعلن التخلي عن العنف كوسيلة للنضال، و حين خفض سقف المطالب الكردية، من الإنفصال التام إلى حقوق الحكم الذاتي في إطار الدولة التركية، مع التركيز على الحقوق السياسية و الثقافية و الإقتصادية من خلال هذا الإتحاد بين الشعب التركي و الكردي في الجمهورية التركية. ألم يكن هذا سيزيد من ثقل النفوذ المصري و السوري في المنطقة، في مقابل نفوذ دولة بثقل تركيا، أو دولة بفوائض مالية كبيرة، و تسيطر على الأماكن المقدسة الإسلامية، و أعني دولة آل سعود. إن أهم أسباب تدهور المكانة المصرية يتلخص في شخصية مبارك الأب، الذي يفتقد – كما ذكرت سابقا و مراراً – إلى روحية الزعامة، و ذلك لأسباب تتعلق بنوعية شخصيته، من ضعف واضح في أسس تركيبها، تجعله لا يستطيع أن يقدر إمكانته، و في حالته كرئيس دولة هي إمكانات الدولة التي يحكمها، بما يجعله يشعر بالضعف أمام أي قوة خارجية، يصل إلى درجة شعور مستحكم بالدونية، يجعله يزيد من قدر من لا يستحق التقدير، و يزيد الطين بلة هو ذلك الجهل الثقافي، نتيجة الكراهية المستحكمة للقراءة، و إحاطة نفسه ببعض الجهلة، فما قرأناه عن كيفية إدارة الشئون المصرية الخارجية سابقاً، و قبل خضوع مبارك الأب للوصاية، نتيجة التدني المستمر في قواه العقلية بحكم عامل السن، يدل على الفوضى الكارثية التي كان يتم بها التعامل مع مصالح مصر الحيوية، فما قيل عن أن ملف السودان كان سابقاً في يد يوسف والي، و أن ملف ليبيا كان في يد صفوت الشريف، يدل على التدهور الذي ينتاب السياسة المصرية في عهده، حيث حول ثقل مصر في المنطقة، من وسيلة لزيادة نفوذ مصر و حماية مصالحها، إلى أداة للضغط على الأنظمة الأخرى، فاتحاً الباب لكل القوى الإقليمية المنافسة لزيادة رقعة نفوذها، حتى لو كان هذا النفوذ على حساب مصر، أو حتى داخل مصر، كما مع النفوذ السعودي. إذا كان نجم مبارك الأب أصبح إلى أفول، و أصبح بالفعل خاضعاً للوصاية، كما حدث مع محمد علي الكبير في أعوامه الأخيرة، مع حفظ الفارق الشاسع بالطبع لصالح محمد علي الكبير، فإن مبارك الإبن، أو جيمي، بحكم جنسيته البريطانية – المصرية المزدوجة، لن يختلف كثيراً، لأن تلك الجنسية لهي دليل أخر على عقدة نقص، فما هي حاجة ابن رئيس في دولة من دول العالم الثالث، حيث الفساد اللا المتناهي و السلطة المطلقة، لجنسية أوروبية؟؟؟ إن تولي جيمي للسلطة في مصر، لن يزيد إلا من تدهور النفوذ المصري في مقابل إتساع النفوذ الإقليمي لدول أخرى، مثل دولة آل سعود و تركيا في الشرق الأوسط، و جنوب أفريقيا و نيجيريا في أفريقيا، و قد رأينا كيف لعبت جنوب أفريقيا دوراً كبيراً في الوساطة في القضية الليبية، و قد كان ذلك الدور - في جزء منه - نابعاً من إنها – أي جنوب أفريقيا - أعلنت مساندتها لليبيا في محنتها، متذكرة الدعم الليبي لشعب جنوب أفريقيا أبان نضاله ضد التفرقة العنصرية، و هو الدور الذي كانت تقوم به مصر في عهد عبد الناصر، و رأينا الدور النيجيري في مسألة دارفور. لقد تلاشى الدور المصري في الشرق الأوسط بعد أن وكلت أسرة مبارك آل سعود في إدارة السياسة المصرية الخارجية، و تلاشى كذلك دورنا الأفريقي، و الذي سبق أن بناه عبد الناصر، بعد أن نفض آل مبارك أيديهم من أفريقيا، و أصبحت أفريقيا تنتظر كلمة جنوب أفريقيا و نيجيريا في كل قضية أفريقية مهمة. لهذا فإننا كما نقول لا لمبارك الأب، فإننا نقولها أيضا لجيمي، فالأول أفسد، و الثاني لا يصلح لإصلاح ما أفسد الأول. إن أول ما تحتاجه مصر ليعود لها دورها و نفوذها، و تحمي مصالحها الحيوية الخارجية، هو رئيس واثق من نفسه، يرتكز على حب شعبه له، فخور ببلده و شعبه و حضارته، يعرف إمكاناته الذاتية و إمكانات الشعب الذي إليه ينتمي، تلك المعرفة التي تجعله قادر على قول لا، بكل وضوح و دون تلجلج أو تعلثم، إن رأى في قول لا ضرورة لحماية مكانة و نفوذ و مصالح شعب مصر.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من سيقود القطاع المصري المسيحي في الثورة القادمة؟؟؟
-
الثورة مسألة وقت فحسب
-
سيخرج الأزهريون أيضا
-
هذا هو حزب كل مصر
-
يد بندر في موسوعة الأرقام القياسية
-
لا تسمحوا لهم بإخافتكم من الثورة
-
إدعموا الفانوس المصري الأصيل في هذه الحرب الثقافية
-
يجب رحيل الإحتلال السعودي أولاً
-
نريد مسلمين كالطيور لا السلاحف
-
تهانينا لوائل عباس و تضامنا مع إبراهيم عيسى و الدستور
-
موسم القتل بدأ، فهل أنتم منتظرين؟؟؟
-
إنها تقدير للإبداع و الشجاعة و لفت للإنتباه
-
يا سحرة السلطة، الإخوان ليسوا بتلك القوة
-
اللهم لا تميته الأن، اللهم دعنا نثأر لأنفسنا أولاً
-
نعم تصادميين، و هل كان غاندي إلا تصادمي؟
-
الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر
-
من وراء جريدة الدستور؟؟؟
-
ثم هرع إلى بوش يستغيث به
-
إلا اليونسكو
-
الإصلاح يحتاج يد صارمة و تفويض شعبي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|