أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف هريمة - في محراب وردة...!!!














المزيد.....

في محراب وردة...!!!


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 2080 - 2007 / 10 / 26 - 05:23
المحور: الادب والفن
    


كانت لغةً تراودني كلما سولت لي نفسي أن أتحدث بكل اللغات. لم يكن في حسباني أن الحجر ينطق والكون يفقه، والورود تتكلم وكل شيء عنده بمقدار. كانت بداية جهلي انطلاق مغامرة خضتها بين معارك الحياة القاسية، وسط شوراع التيه وحارات الانكسار الثقافي. كنت أحسب بأن الكون مركزي يدور فلكه حول نفسي لا انفكاك له عني، ولا يستطيع أن ينفذ إلى مكامني إلا بسلطان. كانت بداية جهلي وردة صفراء وقفت وسط ظلام دامس، لتجعل من نفسها لغزا يعبث بخيالي، ويسخر من نفس لم تركع بمحراب الإنسان حينا من الدهر علوا وكِبْرا.
هل هي وردة مثل الورود؟
هل هو ظلام الواقع اللامحدود؟
هل هو لغز الأفق المسدود؟
لا أدري والحيرة تملكني.
كانت انطلاقة جهلي امرأة أصرت أن تخفي وجهها وأنوثتها وقلبها، مستترة بوردة وقفْتُ أمام محرابها ساجدا. وتحت قدماها مملكةٌ أسرَتْ جهلي بعلمها سائلا وعابدا. لم تشأ أن تظهر يوما لكي لا يحترق بصري، وكأني بموسى يخرُّ من قصور الإدراك صعقا. لكنها تركت لغزها ينفذ إلى أعماقي ليحولني إلى مريد بمدرستها، ويصفعني صفعة الواقع وقلة ذات اليد. تارة أقوم وتارة أغفو، وتارة ألهث وراء سر فقاعة صفراوية لونها.
لم أكن أعرف بأن اللغة تتجاوز الإنسان في أبعادها. ويكفيني وردة لكي تعلمني كيف لا أمشي في الأرض مرحا. فمهما ارتفعت ففي رفعتي انكساري، ومهما علوت أو تجبرت فلن يقبل الكون ومن فيه اعتذاري. وردة صفراء اختفى وراءها سر امرأة، كانت كفيلة أن تجعل مني رمزا للضعف الإنساني، وتلقنني بلغتها أصول الكمال الكوني.
كانت امرأة بجسم وردة صفراء فاقع لونها. كلما طلب الناظر رؤيتها أجابته الوردة بجواب العنفوان:" الإنسان أكبر من جسم وأنوثة مزورة...". وكأني بها تنحدر بالمسكين إلى مستنقع العربان، حيث تضيع الحقيقة ويختفي الإنسان. فالكل هناك لا هَمََّ له من المرأة إلا جسدٌ فاني تلتذُّ بطيبته اليوم في سُكْرٍ، وتعافُهُ غدا جثة هامدة لا يقبل عليها إلا ديدان اجتمعت على مأدبتها يوم حج أكبر.
" الإنسان أكبر من جسم وأنوثة مزورة..." هكذا كانت تحاورني. فالرحمة هي من تجمع بين طرفين ولو تعارضا أو اختلفا. وكأني بلغة الصدق تغدق عليَّ من رحماتها لتُسَكِّنَ الألم. وتبسط لي يد القدر أمشي فوقها بمراكب العدم. فلا يستهويني طول ولا عرض، ولا يغريني تمايل أنثى ولا رقة كلام فأسقط ضحية ببلاد الوهم. بلاد عبادة الجسم والفكر المقنع والمزدوج.
لكن ما هذا الظلام الذي يكاد يقتل حسنها وبهاها؟
سألت نفسي ذلك السؤال لمعلمتي وردة المعرفة. فلم تشأ أن تمانع أو تكابر، وهي مَنْ فتحت مدرستها لكل مَنْ لم يبْنِ بينه وبين الإنسان سور، كاتبةً على جدرانها:" حتى الورود تُعَلِّمُ...". جواب منبعث من الأفق الظلامي لواقع العربان. مؤشر خطير يرمي به ظلام انكسار تاريخي في بلاد الوهم. إنه ظلام الموت الملوح بندائه إلى كل فرد وكل جماعة، أبت أن تجعل من نفسها بعيدة عن مسار الإنسان. ذلك المسار الذي عاث فيه صناع ثقافة الموت والفروج فسادا. إنه ظلام المستنقع الذي يحصد كل يوم ضحية، ويرجع كل يوم خطوة إلى الوراء وخيط الرقيب لا يغيب.
ضحكتُ في نفسي ولم أُبْدِها لها. حتى ظنَّتْ أنني مجنون قد أصابني مرض المستنقع. إذ سمعَتْ بمرضاه قد تزايدت وفياتهم بشواهدهم، وبخروجهم إلى الشوارع والخبز في أيديهم، يتمتمون بأدعية وصلوات لعل نداءهم يُسْمِعُ الموتى وراء القبة المشرفة. الحرية تدير ظهرها والكرامة بينها وبينهم أمدا بعيدا، والركب أمامهم يحمل جوائز تخرجهم. فهذا منبطح على الأرض برتبة جيد، والآخر مكسورة رجله مع علامة حسن السيرة والسلوك. وذاك يلهث وراء وعود المستنقع، وفي يده خيط من الأمل منسوج بحبكة السياسة.
حينها سألتها ودمع العين يسبقني: ما سر لونك المنبعث من بين الظلام؟ هل هو سخرية منِّي، أم لم تمسسك فعلاً نوبة الأحلام؟ لماذا أنت امرأة بوجه وردة صفراء ولم تكوني حمراء أو خضراء؟ أهو تكبُّرٌ أم مشيٌ على خطى استحياء؟. أجيبي فالجهل قد وضعته بعتبة مدرستك، وارتديت لباس مريد يريد أن يكتشف دروسك ولغتك وعطائك، الذي يفوق ما تجود به الكثير من قضايا الإنسان.
ابتسمت في وجهي ابتسامة قرأت في ملامحها نظرات مشفق على حالي. وكيف لا وهي الشامخة شموخ تحديها، والراقية بلون الصفاء والنور يحميها. حّرَّكَتْ بسمتها جهلي من مكانه، وقالت له بلغة الورود:" لا مقام لك فارجع... ". وتفتَّحَ الأفق منيرا بلون ذلك الصفاء الأصفر. وتفتقت الأسرار من بين يداي ومن تحت رجلاي مؤذنة بميلاد لغة الورود. فقرأت على وجنتيها قصيدة تفكُّ رموز لونها الأصفر كتب على مطلعها:
وردةٌ أنا
والأصفر اختَرْتُه من بين الألوان
لوْناً أمحو به خطيئة الواقع
أضـيء به ظـــلــمة اليأس
وأكتب قصيدة بلا عنــوان
وردةٌ أنا
والأصفر رمزُ شمسٍ تطارد الظلام
تحيي الموتى
تبعث الأمل من جديد
وتهدم بلغة الرمز جدران الأوهام
هي امرأة توارت خلف ستار وردة، لتعلِّمني بأن اللغة تتجاوزني وتتجاوز ضعفي. وتتركني أمام مدرسة بلُغة فريدة وفي محراب مستقل، وبلسان الصدق البعيد عن المزايدات والمناقصات. كانت تريد أن تُحْدِثَ رجة في فكري، والوردة تخاطبني في صمت رهيب، لم تبُحْ لي إلا بما جادت به قريحتي واستوعبه عقلي. وما في الجعبة كثير في محرابها، ويكفيني جولة بين زواياه لأَخِرَّ صعقا من هول عبارة يقشعر منها جلدي وهي تردد:" حتى الورود تُعَلِّمُ... ".
ولكم تحيات يوسف هريمة



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَهْمُ سُورٍ...؟
- أنا ومستنقع العربان...!!!
- بلاد الوهم...!!!
- القرآن وأزمة التأصيل: حوار صحفي...
- الباحث يوسف هريمة التديّن إذا اصطبغ بالفكر الشمولي انتهى.. آ ...
- عين على منهج إبراهيم ابن نبي في قراءة القرآن*
- القرآن ومنطق الإقصاء
- إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
- إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
- الشفاعة المحمدية والامتداد العقدي المسيحي
- الفكر الإسلامي وأزمة البنيات المُؤَسِّسَة
- حفظ الدين وقصور نظرية مقاصد الشريعة
- ثقافة الاحتكار واختراق منتدى المعراج
- أُميَّة الرسول بين القرآن والمفهوم الثقافي
- التنوع الثقافي والتنمية المنشودة
- علم مصطلح الحديث وتأسيس الثقافة الروائية
- الأديان ومستقبل الإنسانية
- نزول عيسى مسيانية يهودية مسيحية في قالب إسلامي
- القرآن الكريم والتسلط باسم الدين
- ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف هريمة - في محراب وردة...!!!