أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة














المزيد.....

صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 640 - 2003 / 11 / 2 - 03:13
المحور: الادب والفن
    


رفض الروائي الكبير صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى الرواية العربية الذي انعقد في القاهرة ما بين 18- 22 أكتوبر الحالي . وتحولت كلمة صنع الله القصيرة التي تضمنت أسباب الرفض إلي منشور سياسي – ثقافي واسع التأثير . صنع الله إبراهيم سبق له أن رفض من قبل جائزة الرواية من الجامعة الأمريكية . وسبق له أيضا أن رفض القبح والاستغلال الذي ينهك بلادنا عبر كل رواياته بدءا من " تلك الرائحة " عام 1966 وانتهاء بروايته الأخيرة " أمري كان لي " . الفرحة العارمة التي هزت نفوس أصدقاء موقف صنع الله ، والكآبة التي حطت على خصوم موقفه تثير دهشة عميقة لا حدود لها . فليس للسرور الغامر في جانب وللغم الشديد في الجانب الآخر سوى معنى وحيد مؤسف ومؤلم : أن الشعور بالكرامة، والسلوك بعزة نفس أمر نادر الحدوث ، يستحق شموع الاحتفال على ضفة و قهوة سرادق العزاء على الضفة الأخرى . مرات قليلة في تاريخ الثقافة المصرية وقف فيها كتاب ومفكرون وقفة صنع الله إبراهيم . مرات قليلة تكاد تحصى على أصابع اليد الواحدة . الأولى عام 1930 حينما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان ، فارتفع صوت عباس العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد قائلا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"  وكلفته هذه الكلمة الشجاعة تسعة أشهر من السجن سنة بتهمة العيب في الذات الملكية. المرة الثانية عندما استقال أحمد لطفي السيد عام 1932 دفاعا عن استقلال الجامعة المصرية . الشعور بكرامة الكاتب أمر مألوف في الخارج ، فقد رفض جان بول سارتر جائزة نوبل في الأدب عام 1964 . وعام 1996 رفض الكاتب الروسي سولجينتسين أرفع وسام قدمه له الرئيس بوريس يلتسين معتذرا بقوله :" لا يمكنني أن أقبل وساما أو تقديرا من سلطة قادت روسيا إلي الكارثة " . وفي كل تلك الحالات لم يكن الأديب أو الشاعر أو الناقد هو الذي يتحدث ، بل المواطن المؤرق بهموم بلاده التي رسم صنع الله صورتها  بعبارة موجزة : "  لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم .. لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل " . إنها هموم لا تتعلق بشكل الرواية ، ولا بتطور قصيدة النثر ، ولا بحالة النشر والمؤتمرات . لقد جدد صنع الله إبراهيم بكلمته الصلة الحية بين الكلمة والمجتمع ، وبين الأديب والمواطن ، وبين الثقافة والوطن ، وأحرق بخطاب لم يستغرق عدة دقائق ركام سنوات من اللامبالاة ، والمنفعية ، واللهاث وراء طبول الذيوع ، والوقوف بأدب في مكاتب المسئولين عن نشر السلاسل ، وبطاقات السفر ، وتعيين أعضاء اللجان . لقد مزق الروائي الكبير الظلمة بكلمات كالومض : ظلمة المصالح المتبادلة ، والتواطؤ ، وخداع  النفس وخداع الآخرين ووضع المثقفين أمام أنفسهم قبل أن يضع الدولة أمام نفسها .

نعم . ثمة أديب لدينا يستطيع أن يقول : لا . وثمة قلم لدينا يستطيع أن يقول : لا . وكل خبرة إنسانية فردية تغدو خبرة للجميع . ومادام بوسع واحد أن يفعل ذلك ، فإن باستطاعة  الآخرين أن يقوموا بذلك . السؤال الحقيقي هو : ماذا بعد ؟ هل يصبح موقف صنع الله إبراهيم مزارا تقاد من حوله شموع التكريم ؟ أم يغدو نقطة انطلاق لتطوير حركة ثقافية وطنية تضع في أساس تفكيرها أن الأديب لسان حال الوطن ؟ وأن من حقنا أن تكون لنا كلمة مسموعة فيما يجري من حولنا ؟ فالخلاف مع المؤسسات الرسمية سهل ، لكن الاتفاق فيما بيننا على ما ننشده هو المشكلة . ماذا نريد ؟ وكيف نحقق ما نبغيه ؟ هل نحن بحاجة إلي ورقة عمل ثقافية تستند إلي جوهر كلمة صنع الله إبراهيم ؟ . وإذا لم نجد لتلك الأسئلة إجابات حية في الواقع ، فإن التاريخ سيذكر بعد عشرين عاما أن كاتبا شجاعا وروائيا كبيرا تمكن ذات مرة من التعبير عن رأيه بقوة ، بينما لم تكن هناك حركة ثقافية شجاعة تعبر عن موقفها بقوة . ويظل موقف صنع الله إبراهيم بطولة فردية ، بينما يحتاج الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي إلي الجميع ، لأن الواقع : " مرعب " ، ولم يعد بوسع الكاتب كما يقول صنع الله : " أن يغمض عينيه أو يصمت أو يتخلى عن مسئوليته " . ما الذي يمكننا أن نفعله لكي لا نواصل السير بأعين مغمضة ؟ ما الذي يمكننا أن نفعله لكي لا يصبح الشعور بالكرامة ولو لخمس دقائق فقط  حدثا مدويا ؟    

      كان صنع الله مختلفا منذ البداية ، كان الجميع في بدل أنيقة ، وهو الوحيد الذي مشى في قميص بسيط مفتوح خلافا لكل تقاليد الاحتفالات العريقة ، وصعد ببساطة ، وابتسم ببساطة ومكر الأطفال ، وقال الحقيقة ، ثم انصرف بسرعة كأنه تذكر موعدا في مكان آخر لابد أن يلحق به . غادر صنع الله ، وترك على المنصة رسالته الحارة الملهمة :  فتلكن الكرامة في حياتنا  شعورا مألوفا لا يثير الدهشة ولا يستدعي الغضب .

***

 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
- المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
- اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
- السياسة أقوى من الحداثة أو الحكايات المختلقة
- نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن
- إسرائيل من الحرب إلي الثقافة
- ذكرى ناجي العلي
- حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري
- وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية
- الخوف من الكتابة
- هــمـوم قــبـطــيـة في أحـزان بـلـدنـا
- بغداد التي في خاطري
- حكايات ألف ليلة وليلة للرئيس جـورج بـوش
- شموع على كف حوار متمدن
- 1948 الفرصة الضائعة
- الرئيس الأمريكي يعلمنا كيف نحيا
- الوطنية والديمقراطية في العراق


المزيد.....




- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة