|
الزواج المبكر قهر وقتل للمرأة
حنان أغنس شركس
الحوار المتمدن-العدد: 2074 - 2007 / 10 / 20 - 12:42
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تعتبر ظاهرة الزواج المبكر في المجتمعات العربية والإسلامية من الظواهر الخطيرة المؤثرة سلبية على حياة المرأة التي تنشيء جيلا إثر جيل ، بهم يتقدم المجتمع ويرتقي في السلم الحضاري أو متخلفا ينزل درجات إلى أسفل هذا السلم . تشكل هذه الظاهرة خطورة كبيرة على صحة المرأة وصحة أطفالها أيضا . لا تعني صحة المرأة خلو جسمها من الأمراض فقط كما أنه لا يحدد الوضع الصحي لها بمرحلة الإنجاب فقط لأن هذه المرحلة هي حصيلة واقع صحي للمراحل الأولى من حياتها في الطفولة والمراهقة ، ويمتد تأثيره إلى مرحلة الأمان والشيخوخة . إن الصحة الانجابية ترتبط بحقوق المرأة الإنسانية وتعني قدرة المرأة على العيش سنوات الإنجاب وما قبلها وما بعدها بكامل حريتها في الاختيار بمسألة الكرامة في اتخاذ قرار الإنجاب والحمل الناجح وهي بمنأى عن أمراض النساء ومخاطرها بل بصحة بدنية ورفاهية اجتماعية وصحة نفسية وسعادة إنسانية . إن الحقوق التي تتمتع بها المرأة عامة قليلة بسبب نظرة المجتمع لها وعدم المساواة بل التمييز ضدها لصالح الرجل تحت دعاوي الاختلافات الفسيولوجية أو البيولوجية ، إضافة إلى انخفاض دورها الاجتماعي بسبب وضع العراقيل أمامها من حيث أخذ مكانتها التعليمية والعلمية والأنكى من ذلك إجبارها على الزواج المبكر ( خوفا من العار وصونا للشرف ، عار الأسرة وشرف العائلة ؟ ؟ ) . هذه العوامل مجتمعة تلحق أشد الأذى بصحتها النفسية والاجتماعية والإنجابية والجنسية . إن تمتع المرأة في مرحلة ما قبل الإنجاب بالصحة يمكنها من تجنب أو منع العوامل التي تهدد صحتها وتمنع تعرضها لمضاعفات الإنجاب طيلة تلك الفترة مما يساعد على خفض الوفيات ، ولكي تكون المرأة قادرة على العيش سنوات ما قبل الإنجاب حياة مثمرة من الناحية الصحية يجب أن تتوفر التغذية الجيدة لها منذ الطفولة وليس فقط أثناء الحمل ، وهذا يؤثر ايجابيا على صحتها ويمتد إلى مراحل عمرها القادمة ، حيث أن التغذية السيئة خلال الطفولة يؤدي إلى عدم نمو الجسم بصورة سليمة ، ويخلق تشوهات في الجهاز التناسلي ، ويعرض المرأة إلى كثير من الالتهابات خصوصا أثناء الحمل والولادة ، مما يؤدي إلى حدوث حالات النزيف وتسمم الحمل و الولادات المبكرة والمستعصية . كي تكون المرأة قادرة على العيش سنوات ما قبل الإنجاب من الناحية الاجتماعية عليها أن تتمتع بكل مرحلة من مراحل نموها الاجتماعي ولا يصح أن يعجل بنمو الفتاة ويفرض عليها خصائص مرحلة على أخرى حتى تتمكن من تكوين خبرات تستجيب بها في المواقف الجديدة غير المألوفة ، كما عليها أيضا أن تكون متعلمة ومتسلحة بالمعرفة والوعي الكافيين اللتين تتحولان إلى مبضع لتشريح الواقع الذي تعيشه المرأة وفهمه ونقده باتجاه التغيير إلى الأفضل لأن هذا يرتبط ارتباطا وثيقا بتحسين التغذية وتحسين وضعها الصحي وقدرتها على إتخاذ القرار لكن تفشي الأمية لدى النساء وازديادها عن الذكور في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يؤدي عكس المرتجى ، كذلك عمل المرأة يساعد على توفر الامكانيات المادية ويزيد من مستوى معيشتها ورفاهيتها وفي نفس الوقت ينمي شخصيتها كما يعينها على أن تكون امرأة مستقلة ذات إرادة حرة وتعتز بذاتها ويجعلها قادرة على الإحساس بالأمان والاطمئنان والرضى والارتياح النفسي في بيتها وعائلتها ومجتمعها ، وتختار الإطار الذي سوف تعيش به وهذا الاختيار سوف يحررها من إرادة الغير فتقرر زواجها وإنجابها بنفسها . من الجدير قوله في هذا السياق أن مجتمعاتنا متمسكة بعادات وتقاليد بالية موروثة عن الأسلاف لها قوة القوانين تتحكم بالمجتمع ، ومن هذه العادات عادة الزواج المبكر الذي يفرض على الطفلة دون أن يسمح لها عمرها وتكويتها النفسي والاجتماعي والصحي بالزواج مما له الأثر السيء والانعكاس السلبي الخطير على حياتها وحياة أطفالها ومستقبل عمرها وبالتالي على مجتمعها . من الانعكاسات السلبية على صحة المرأة مثلا عدم تكامل نمو الغدد المسؤولة عن الطول وعدم انتظام الدورة الشهرية في سنها الصغير لأنها لا تزال في مرحلة النمو الجسمي ، والحمل في هذا العمر المبكر يبدد المخزون الغذائي في الجسم الذي يساعدها في بناء جسمها وبدل ذلك يذهب إلى الجنين وبالتالي تتعرض إلى الأمراض وإلى مخاطر الولادة كالعملية القيصرية لعدم نمو الحوض ، وتتعرض إلى فقر الدم الذي يزيد من خطر الحمل والولادة ، وتكرار الحمل والولادة يعمل على تدهور صحتها وتعريضها لمخاطر أمراض النساء كما تتعرض إلى الإجهاض لأن الجسم غير المكتمل النمو لا يكون مستعدا لاستقبال الجنين فيطرده ناهيك أن زيادة عدد الأطفال للأم الصغيرة يؤدي إلى إرهاق صحتها ، وعدم المباعدة بين الأطفال يؤدي إلى هرم المرأة المبكر وترهل جسمها وإلى خطر الوفاة . أما الانعكاسات على صحة الطفل فهو وفاته في العام الأول من عمره لأنه لا يأخذ العناصر الضرورية من الغذاء وهو في رحم أمه لقلة وعيها بأمور التغذية لصغر سنها فيخرج الطفل سقيم عليل ، كما يتعرقل نمو الطفل قبل أن يبلغ السنتين من عمره لعدم معرفة الأم الصغيرة بطريقة الرضاعة الصحية وعدم تناول العناصر الغذائية الضرورية أثناء الحمل وبعد الولادة اللازمة للنمو، وجهل الأم بإطعام طفلها الغذاء الصحي ينجم عنه ولادة الطفل قبل اكتمال التسعة أشهر أو ولادة أطفال قليلي الوزن وأطفال يكونون فريسة للأمراض . بالنسبة إلى مرحلة الإنجاب فهي جزء من صحة المرأة ، و رغم تقييم المرأة في المجتمع على أساس عدد أطفالها الذكور، وبالرغم من القيمة التي يعطيها المجتمع لدور المرأة كأم إلا أنه لا يعتني بصحتها الإنجابية فتموت أثناء الولادة وبعدها . إن نسبة وفيات الأمومة عالية جدا في سن الإنجاب في مجتمعاتنا ويعود ذلك إلى عدم الرعاية الجيدة أثناء الحمل والولادة وما بعدها . إن قدرة المرأة على أن تعيش خلال سنوات الإنجاب وما بعدها وبحريتها في الاختيار في مسألة الحمل الناجح تتطلب المقدرة في السيطرة على جسدها والحفاظ على كرامتها فالسيطرة على الخصوبة لهي عنصر أساسي لكرامة المرأة الإنسانية وبالتالي هو شرط مسبق وأساسي لقدرتها على ممارسة حقوق أخرى لتحقيق حاجاتها الأساسية ، لكن تبرز العوائق التي لا تمكن المرأة من السيطرة على جسدها ومنها العادات والمفاهيم الاجتماعية المتوارثة والتي تنظر إلى المرأة نظرة أدنى من الرجل وتستخف بالعقول عندما تدعي أنه حريص على مصلحتها أكثر منها أو أنه يفهمها أكثر مما تفهم نفسها ، والصحيح أن الأهل يسارعون في زواجها للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على كاهلهم مما يساعد على تحطيم حياة المرأة الصحية والنفسية والإنجابية والجنسية . من هنا يجب التأكيد على سن القوانين والتشريعات لتحديد سن الزواج في عمر مناسب للفتاة جسديا ونفسيا وعاطفيا وعقليا إضافة إلى ضرورة النضال الدؤوب المستمر من قبل مؤسسات المجتمع المدني وحركات تحرير المرأة التي هي جميعها أدوات للتغيير الاجتماعي لضمان مجتمع خلاق ومبدع ومتطور .
#حنان_أغنس_شركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2025..إليكم التفاصي
...
-
مبارك عليكن.. الوكالة الوطنية للتشغيل توضح كيفية التسجيل في
...
-
الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz: حقيقة زيادة منحة المرأة الم
...
-
عندي بسكليتة ما بعرف سوقا ركبنا عليها.. حدث تردد قناة وناسه
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب في قراءة في
...
-
الرفيقة لبنى الصغيري عضوة المكتب السياسي : البلاغ كان محط ان
...
-
الرفيقة نادية تهامي عضوة المكتب السياسي : مراجعة مدونة الأسر
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب : بناء مجتم
...
-
مصر.. تأييد حكم الإعدام لـ سفاح التجمع -قاتل النساء-
-
ينتظرها نقاش في البرلمان.. مدونة الأسرة بالمغرب تدخل مرحلة ا
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|