مجلة المحقق: مفيـــــد الجـــــــزائــري نسعى لبناء عراق ديمقراطي
وجهت مجلة المحقق التي تصدر في مدينة الحلة في عددها الاول، الصادر في ايلول الماضي، عدداً من الاسئلة الى الرفيق مفيد الجزائري ، وزير الثقافة وعضو المكتب السياسي للحزب، تتعلق بموقف الشيوعيين العراقيين من الدين. وأدناه اجابات الرفيق على أسئلة المجلة:
الحزب الشيوعي العراقي، حزب يمتد تاريخه النضالي الى العقد الثالث من القرن الماضي، اتسمت أفكاره بالطابع العلماني مما أدى الى تزايد المناؤين له والمعارضين لأفكاره والمحرضين على القصاص من اعضائه.لذا كانت نشاطاته السياسية في أغلب مراحله التاريخية نشاطات سرية صاحبها كبح جماح رهيب تمثل بالتعذيب والاعتقالات والاعدامات.لكنه يبقى وطني الاحساس على الرغم من أمميته.
هذا ا لجيل لم يعرف عن الشيوعيين الا النزر اليسير وربما الصورة القاتمة التي رسمت له، لذا تثار اسئلة راهنة تبحث عن أجوبة شافية.
< هل الحزب الشيوعي حزب الحادي?
< هل الحزب الشيوعي العراقي يمتاز باستقلالية الانتماء بعيدا عن الجمود الفكري?
< هل الشيوعيون يؤمنون بالتقية?
هذه الاسئلة وغيرها محور لقاء مجلة "المحقق" مع الاستاذ مفيد الجزائري عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي واول وزير للثقافة بعد سقوط النظام. الدكتاتوري.
< هل هناك تطور في العلاقة بين الدين والفكر الشيوعي. وهل نفى الحزب الشيوعي العراقي عن نفسه فكرة الالحاد، التي التصقت به لأعتماده على التفكير المادي?
û يتوقف تقدير مدى التطور في العلاقة بين الفكر الديني والفكر الشيوعي على الزاوية التي ننظر منها الى هذه العلاقة فاذا نظرنا اليها من زاوية تغلب الجوانب الشكلية على الجوهرية، والجوانب الثانوية على الاساسية، بدت لنا اقرب الى علاقة تباعد وتنافر. اما اذا انطلقت نظرتنا مما هو جوهري واساسي فسنرى انها علاقة تقارب وتواؤم.
والجوهري والاساسي الذي اعنيه هنا هو الانسان - ابن آدم، خيره وصلاحه وإحقاق حقوقه وتأمين سعادته وضمان حريته وكرامته، وبغض النظر عن الاختلافات والتباينات في المنطلقات والتصورات والمسميات والوسائل، فان الاساسيات السامية أنفة الذكر هي، بصيغة او بأخرى، ما يسعى اليه الدين والفكر الشيوعي وكل فكر انساني على حد سواء.
فالاسلام، مثلا، هو في أساسه صرخة في وجه الظلم والفساد والجهالة، ورسالة نور وعدل وخير للبشر حتى ان كثيرين اعتبروه دين الاشتراكية.
كذلك الحال بالنسبة الى الفكر الشيوعي . فهو فكر يسعى الى تغيير أحوال المجتمعات، بتحريرها من هياكل البغي والقهر والبؤس، وأصنام الجهل والجمود والتخلف، وإعادة بنائها على أسس الحرية والعدالة والخير للناس أجمعين.
اما تهمة "الالحاد" فقد ألصقت بالحزب الشيوعي العراقي عن قصد، بهدف الإساءة اليه وتشويه حقيقته، وابعاد ابناء الشعب عنه كي لا يتأثروا بأفكاره الانسانية العميقة، ونهجه النضالي المتفاني في سبيل الشعب والوطن، فينجذبوا اليه.
< الحزب يعتبر الأيمان والتدين من خصوصيات الانسان التي لا يجوز التدخل فيها?
û فالواقع الذي لا يمكن دحضه هو ان حزبنا يعتبر الايمان والتدين من خصوصيات الانسان، التي لا يجوز التدخل فيها وفرض رأي عليه في شأنها وينطبق هذا على عضو الحزب ايضا. ومن هنا فهو وحده الذي يختار، وبملء الحرية، موقفه من هذه المسألة ذات الابعاد العميقة.
ولهذا السبب فقد كان بين أعضاء حزبنا في الماضي، وبينهم اليوم كذلك، كثيرون من المتدينين مسلمين ومسيحيين وصابئة وغيرهم، ممن يؤدون الفرائض والطقوس الدينية المختلفة، من دون عائق او قيد.
والمؤسف ان تهمة" الالحاد"، التي ألصقتها بحزبنا وتلصقها جهات معلومة، لا تريد الخير لهذا الشعب وهذا البلد، انطلت وتنطلي على قسم لا يستهان به من ابناء شعبنا الطيبين المخلصين لذلك تتوجب مواجهتها بدأب ومثابرة، وفضح دوافعها واهدافها، والتدليل على بطلانها.
< يلاحظ ان الاحزاب الشيوعية في اغلب دول العالم اتجهت الى النضال الوطني، فهل يعني هذا تخلي الحزب الشيوعي عن مفهوم الأممية?
û النضال الوطني كان على الدوام من صلب الممارسة السياسية للاحزاب الشيوعية . فهذه الاحزاب وطنية بقدر ماهي أممية، بل ان صدق وطنيتها شرط لصدق امميتها وبالعكس فالشعور الأممي"الشيوعي" يعمق الحس الوطني.
وكلنا نتذكر القول الشهير لباني حزبنا يوسف سلمان يوسف "فهد" امام المحكمة:"كنت وطنياً قبل ان أكون شيوعيا، وحين اصبحت شيوعيا صرت اشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني".
< يلاحظ ان الحزب الشيوعي العراقي أخذ يختط لنفسه منهجاً بعيدا عن التنظيرات المقولبة، فما مدى درجة الانفتاح في ايديولوجية الحزب?
û منذ المؤتمر الخامس، قبل عشر سنوات، وحزبنا يعتمد "نهج الديمقراطية والتجديد" في عموم حياته الفكرية والسياسية والتنظيمية . وقد انطلق في توجهه الديمقراطي من حقائق لاريب فيها، برهنت وتبرهن عليها التجربة الملموسة، ويؤكدها المنطق السليم.
ومن هذه الحقائق كون الديمقراطية السياسية صنوا للعدل الاجتماعي والاشتراكية والشيوعية، لا ينهض أي منها، في غيابها، نهوضا صحيحا ولا يستقيم.
وما انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية، التي لم تعتمد الديمقراطية السياسية، وبرغم ايجابياتها الاخرى المعروفة، الا الدليل على ما نقول.
ومن هذه الحقائق ايضا ان بناء العراق الديمقراطي، الذي نتطلع جميعا اليه ونسعى من أجله، لن يتحقق الا على أيدي القوى التي هي نفسها ديمقراطية.. ديمقراطية في مناهجها ومواقفها وفي بنائها وفي حياتها الداخلية، في صياغة سياستها واختيار قياداتها وفي كل جوانب نشاطها. وعلى ذلك فلن نكون صادقين في ادعائنا السعي الى الديمقراطية ولاناجعين في تصدينا لمهمة بناء النظام الديمقراطي في العراق، اذا لم نكن نحن، كحزب سياسي، ديمقراطيين في الممارسة كذلك وليس في الفكر فقط.
والى جانب نهج الديمقراطية اعتمد حزبنا ويعتمد، كذلك نهج التجديد.
والتجديد، في الفكر وفي الممارسة، امر طبيعي وضروري لمواكبة التجدد الدائم غير المنقطع في الحياة نفسها وفي الواقع الاجتماعي المحيط بنا، والاحل الجمود والركود بفكر التنظيم المعني وممارسته، وتخلف وانتفى دوره.
وقد قيل ان النظرية " وهي انعكاس للواقع في فكر الانسان" رمادية، وشجرة الحياة خضراء أبدا . فاذا اردنا لفكرنا ان يتجاوز رماديته ويخضر وينبض باستمرار، فلا بد لنا من العودة في كل حين الى شجرة الحياة الخضراء والمتجددة دائما، وتجديد فكرنا وممارستنا انطلاقا منها.
على اساس من ذلك استبعد حزبنا، بالفعل من منظومته الفكرية والتطبيقية العديد من العناصر والمسلمات السابقة، التي تجاوزها الزمن وعافتها الحياة، واعتمد، بدلا عنها، عناصر وتوجهات مغايرة، تعبر عن الواقع الجديد والمتجدد لمجتمعنا. وسيظل يفعل ذلك ويجدد نفسه ما بقيت الحياة والواقع يتجددان.
< أما زال الحزب الشيوعي العراقي يتبع التقية وصولا الى اهدافه? علما ان هذا النهج كان قد جر ويلات كثيرة على الحزب?
û لم يتبع الحزب الشيوعي العراقي يوما التقية بمعناها المعروف، نعم، نشط سرا لعقود طويلة، غطت معظم حياته الممتدة سبعين عاما.
لكن خوض العمل السري بحد ذاته لايعني اعتماد التقية.
من جانب آخر ينبغي القول ان الحزب الشيوعي العراقي، مثل أحزاب اخرى عديدة، كان يلجأ الى النشاط السري مضطرا، بسبب حجب الحرية عنه من جانب الانظمة السابقة المعادية للديمقراطية، وحرمانه من حقه الطبيعي والقانوني في العمل السياسي العلني، فهو لم يمارس النشاط السري يوما عن رغبة واختيار. لذلك ترون انه يتخلى عن السرية ويخرج الى العلن والنشاط المفتوح والشفاف، حال توفر اجواء الحرية واحترام الحقوق الاساسية في البلد وهذا ما يفعله اليوم ايضا حيث يمارس نشاطه بصورة علنية شرعية، ولايجد نفسه مضطرا الى التحرك في السر.
ويبقى، اخيرا القول ان ما سبب الاذى الكثير لحزبنا في العقود الماضية، ليس النشاط السري الاضطراري بحد ذاته، وانما هو الكراهية القصوى التي ظلت الانظمة الرجعية والاستبدادية والقوى المعادية للشعب وللديمقراطية تكنها للشيوعيين على الدوام، لالشي الا لأنهم مخلصون للشعب اخلاصا غير محدود، ومدافعون ثابتون عنه، يسترخصون حتى أرواحهم في سبيل حقوقه ومصالحه المشروعة.
اجرى الحوار: سعد الحداد