|
الشمس والثلج والجبل
جمعة كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2086 - 2007 / 11 / 1 - 11:21
المحور:
الادب والفن
رأى الجبل غيمة تمّر في السماء ، نظر إليها متعجبا ً : هي كبيرة الجسم مثله ، لكنها أخفّ من الهواء .. تمنى الجبل أن يصبح خفيفا ً مثل الغيم ، يستطيع التنقل من مكان إلى لآخر . وهنا بدأت الغيمة ُ تسقط فوق الجبل نتفا ً بيضاء كالقطن ، قال الجبل لنفسه : " هذا الثلج آت ٍ من الغيم ِ ! " . مضت الغيمة مسرعة ، جاءت أخرى ، سقط الثلج بغزارة ، غمر القمم والسفوح والوديان ، بدا الجبل كمن يرتدي ثوبا ً أبيض . إستلقى الثلج فوق الجبل ، أراد أن ينام ، لكنه سمع صوت الجبل يقول : - أيها الثلجُ ! أنت ثقيل جدا ً جدا ً ، والغيمة أخف من الريش، كيف إستطاعت أن تحملك ؟. أجاب الثلج : - أنتَ واهم أيها الجبل . أنا إبن الغيمة ، وأمي أكبر وأثقل مني بكثير .. سكت الجبل ُ ، بدأ البرد يسري في جسمه ،كادت مفاصله أن تتجمد ، قال للثلج : - هل ستبقى هنا كثيرا ً؟؟ أجاب الثلج : - لا ادري .. جئت مع أمي من البحر ، لكنني لا أعرف كيف أعود إلى هناك ثانية ! سكت لحظة ، ثم إستطرد يقول : " إنني متعب جدا ً ، لا اعرف أين أذهب . سأنام هنا ! ". وسرعان ما غرق الثلج في نوم عميق ، مرّ ثعلب من هناك ، أعلن بأن الثلج قد مات ! . عندئذ حزن الجبل ، وإحتار في أمره ، وأخذ يفكر في حال نفسه : لا بدّ له أن يتخلص من الثلج . لو بقي الثلج هكذا في مكانه ، فلن يتحمله ! فهو بارد وثقيل .. أخيرا ً إهتدى الجبل إلى حلّ مناسب ،لم َ لا يخصص جائزة لمن يخلّصه من الثلج ؟ . في مطلع الربيع ، حين بدأت الحياة ُ تدب ّ في الكائنات ، إنتشر الخبر في أنحاء الجبل ، تجمعت الحيوانات ،كل واحد يحلم بالجائزة . قال الجبل : " لقد إخترت القمر حكما ً .. هل توافقون ؟". وافق الحاضرون . وبدأت المباراة . تجمعوا حول الثلج بأعداد غفيرة ، لكن أي منهم لم يتجاسر على بدء المباراة .. الثلج نائم ، وثقيل ، يلتصق بالجبل ، ليس من السهل رفعه ..! من الذي يتقدم أولا ً؟ من الشجاع الذي سيفوز بالجائزة ؟ .. صاحت دودة الأرض : "أنا". شرعت تتلوى بين الطين بجانب الثلج . تقدم هدهد ليلتقطها بمنقاره ، لكنه تذكر أنها تخوض مباراة شريفة ، فتراجع إحتراما ً للموقف . حاولت أن تحفر ثقبا ً في الثلج ، تململ الثلج في نومه وقال : " من هذا الذي يزعجني في نومي ؟ " . شعرت دودة الأرض أنها ستتجمد من البرد ، صرخت طالبة النجدة .. فضحك الجبل ساخرا ً منها ، ودوى صغير الضفادع ، فأختفت الدودة تحت الأرض خجلا ً ، ولم يرها احد بعد ذلك أبدا ً ! . تطلع الحاضرون إلى بعضهم . لقد فشلت دودة الأرض ، ولم تتمكن من رفع الثلج.. فمن الذي سينزل إلى الساحة بعدها ؟ . قفز قطّ بري وقف فوق الثلج برشاقة ، ثم إندفع يتلوى على صفحته بخفة ونشاط ، ناشبا ً أظافره الحادة فيه . قال الجرذُ أن القط شجاع وقد يفوز بالجائزة . وهنا زلّت قدم القط ، وسقط فوق الثلج كالميت ، بعد أن أصيب بكسور خطيرة في ظهره . عندئذ إنتشله كلب ضخم..
إتفق الجميع على أن القط كان سيهلك فوق الثلج لولا شهامة ذلك الكلب المحترم !
رفع الثلج رأسه ، نظر إلى الحاضرين نظرة ً باردة، تنطوي على التحدي. وسرعان ما استسلم إلى النوم مرة أخرى . عندئذ اندفع دب كبير إلى وسط الحلبة. لوح الدب بقبضته القوية مهددا ً ، وصرخ صرخة وحشية ، ثم صعد فوق الثلج ، نظر حواليه بغطرسة . صفق له الحاضرون بأعجاب ، وهمس الأرنب في إذن القنفذ : " الدب حيوان قوي ، سيزيح الثلج ، ويفوز بالجائزة " .
لطم َ الدبُّ وجه الثلج برعونة ، ونهشَ جسده في أكثر من موضع ، عندئذ إستيقظ الثلج ركلهُ ركلة ً قوية . وبلمح البصر ، إختفى الدب عن الأنظار . تدحرجت به كتلة صغيرة من الثلج جرفته نحو وادٍ عميق.
نظر الحاضرون إلى بعضهم بذهول : أين إختفى الدب ؟ لا أحد منهم يعرف ..! وإذن ليس من السهل إزاحة الثلج كما تصوروا . ومن يحلم بالجائزة قد يضحي بحياته في سبيلها . علقت أنظارهم جميعا ً بالغزال ، فهو أيضا ً قوي وسريع ، وتهيأ الغزال لكي ينزل إلى الساحة ، وفي نفس اللحظة سمعوا القمر يعلن عن إيقاف المباراة إلى وقت آخر .
إختفى القمر ، وتفرقت الحيوانات ، ثم أشرقت الشمس ، غمر ضوؤها وجه الأرض.
إستيقظ الثلج من نومه . جلس فوق الجبل يستمتع بضوء الشمس . لاح له البحر بعيدا ً عند الأفق . تمنى العودة إلى هناك ، فقد سئم من العيش في ذلك المكان المنعزل . فكر في وسيلة تمكنه من الرجوع إلى البحر. إستدار نحو شجرة جوز كبيرة ، طلب منها أن تساعده ، لكن الشجرة هزت رأسها بأسف ، قالت له : - خصص الجبل جائزة لمن يحملك إلى البحر،وأثناء نومك حاول كثيرون أن يحملوك،لكنهم فشلوا !! تمتم الثلج مع نفسه : " من يستطيع أن يحملني ، ينبغي أن يكون أكبر مني ! " بقي جالسا ً في مكانه ، فوق الجبل ، لا يعرف ماذا يفعل . إرتفعت الشمس في كبد السماء ، وأرسلت أشعتها اللاهبة ، فلفحت الحرارة جسده. خاف الثلج وبكى بدموع غزيرة . إنسابت دموعه حواليه على شكل سواق ٍ . جرت السواق عبر الوديان . توغلت بين الصخور ، طافت في البساتين ، عانقت كل زهرة . إتجهت نحو البحر ، عندئذ فقط عرف الثلج أن الشمس وحدها هي التي تستطيع أن تحمله إلى البحر . بكى في هذه المرة من شدة الفرح . إستمرت دموعه تجري نحو البحر ، وفرح الجبل . وحين بزغ القمر، إمتلأ الجبل بجموع المتسابقين ، كل واحد منهم يحلم بالجائزة . نظروا حولهم بأستغراب .. أين الثلج ؟ من حمله ؟ ومن الذي سيفوز بالجائزة ؟ .. إدعى الثعلب أنه هو الذي حمله ، ضحك الجبل ُ ساخرا ً ، أشار إلى القمر. تعلقت أنظارهم نحوه ، قال القمر ضاحكا ً : - الشمس اكبر منا جميعا ً . هي التي أذابت الثلج، فجعلته قادرا ً على الوصول إلى البحر . بقيت أنظارهم متعلقة بالقمر . أرادوا أن يسألوه عن الجائزة .. الجائزة الكبيرة التي حصلت عليها الشمس ، لكن غيمة بيضاء حجبت القمر عنهم . .. وظلت الجائزة سرا ًلا يعرفون عنه شيئا ً !!.
نينوى/ بعشيقة 12/9/1985
#جمعة_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الينبوع الحزين
-
الديك في مملكة الثعالب
-
لماذا هرب الحصان ؟
-
البيضة
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|