|
الثورة مسألة وقت فحسب
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2076 - 2007 / 10 / 22 - 07:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ما طالعتنا به أحد الصحف البريطانية منذ بضعة أيام، عن حالة الذهول التي إنتابت رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، عند مشاهدته الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بعد أن أصبح وسيط سلام، تفتح الباب لطرح الملاحظات. فإذا كان رئيس وزراء سابق لأحد الدول الخمس الكبرى في عالم اليوم، و صاحبة إمبراطورية سابقة لم تكن تغيب عنها الشمس، و كانت منطقة الشرق الأوسط أحد مناطق نفوذها، و لازالت مصالحها – أي بريطانيا – إلى اليوم عميقة و متشعبة و متنوعة في أغلب دول الشرق الأوسط، فهناك الوجود العسكري في العراق و بعض دول شبه جزيرة العرب، و التعاون العسكري الوطيد مع بلاد أخرى مثل الأردن و مصر، و التغلغل المخابراتي البريطاني صاحب المدرسة المعروفة في كل دول الشرق الأوسط، بالإضافة للمصالح الإقتصادية الحيوية في أغلب دول منطقتنا، و لكن رغم كل هذا الإرث القديم، و العلاقات و المصالح الحالية القائمة بالفعل، و بعد عقد كامل و يزيد في منصب رئاسة الوزراء، و الذي لم يغادره إلا منذ فترة وجيزة لا تسمح له بالتعلل بأنه كان بعيد عن مصادر المعلومات، و في دولة تعد أقدم ديمقراطية قائمة في الوقت الحاضر، و حيث الإعلام الحر المتنوع الإتجاهات، و حيث الجالية الإسلامية الكبيرة و القديمة الجذور و التي يشغل بعض أبنائها مناصب رفيعة، و حيث تجمعات المعارضة من معظم دول الشرق الأوسط - من كل إتجاه و لون - تعمل بحرية، رغم كل هذا لم يعلم سيادته بحقيقة الأوضاع المزرية التي يحيا تحت ظلها أغلب الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، إلا بعد أن غادر المنصب، و كأن المنصب كان عصابة تعصب عينيه و سدادة أذن، تمنع عنه رؤية الواقع و سماع الحقيقة. إذا جاز لنا أن نصدق قوله، على إعتبار أن السلطة مفسدة، أو في حالته تصيب صاحبها بالصمم و العمى الإنتقائي، فلا يسمع و لا يرى، و لا يصدق، إلا ما يتوافق مع مصالحه و هواه. فإن هذه الحقيقة التي أدلى بها توني بلير تفتح باب السؤال الكبير الملح و الذي يشغلنا كمصريين، عن مدى حقيقة إتصال النخبة الحاكمة الحالية، و بخاصة الأسرة الحاكمة، بحقيقة الواقع المصري، خاصة إنها – و أعني الأسرة الحاكمة الحالية – في السلطة منذ ربع قرن، أي إننا لو قارناها بتوني بلير سنجدها تفوق مدة حكمه بما يزيد عن عقد و نصف العقد، مع الفارق الكبير في الأوضاع بين البلدين، فلا يوجد إعلام حر بمعنى الكلمة في مصر، يصبح بالتالي رافد أخر للمعلومات للممسكين بزمام السلطة، يوازن بين ما يصلهم عبر المصادر الرسمية، فالأسرة الحاكمة لدينا لا يصل إلى سمعها و بصرها إلا ما تسمح به الحلقة المحيطة بها، و يزيد ذلك إنعزالها عن الشعب، و عدم إحتكاكها بكافة طبقات الشعب المصري، في مختلف المحافظات، فمبارك الأب لم يزر المحافظة التي فيها ولد و نشأ إلا لماما. أما الصعيد لم إذا إستثنيا منه الأقصر و أسوان، و اللتان كان يزورهما على فترات إلى أن إكتشف منتجع شرم الشيخ و إستراح إليه، كان في عداد المحافظات المغضوب عليها و التي كان يطبق عليها سياسة الحكم العسكري و العقاب الجماعي، كتلك المطبقة في سيناء على سكانها الأصليين في الوقت الحاضر، و طبقت على بورسعيد – حتى خنقت - بعد محاولة الإغتيال الفاشلة أثناء زيارته لها. حتى الزيارات التي قام مبارك الأب بها أبان الحملة الإنتخابية في 2005، لم تكن إلا زيارات إما مفبركة، كما ثبت في زيارته الشهيرة لأحد المزارعين و إحتساءه الشاي معه في عشته، أو إنها زيارات نخبوية، كنا نرى فيها نفس الوجوه المعروفة لدينا، و التي أصبحت كالمعية الملكية، تنتقل أين إنتقل مليكها. إنهم منعزلين، و يزيد الأمر سوء أن الوريث، ولد و نشأ في ظل تلك القوقعة المحكمة الإغلاق، فلم ينشأ حتى كأي طفل لأسرة ثرية، يتعامل مع أقرانه على قدم المساواة، و لم يحيى كأي مواطن، و لو كان ثري، فلم يحدث يوم أن وقف في إشارة مرور. إنه و دون إفاضة في أمر يعلمه الجميع، و أصبح مكرر، بعيد عن الواقع المصري الحقيقي بدرجة خطيرة، فمبارك الأب على الأقل كان مواطن عادي حتى تولى منصب نائب الرئيس في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، و توني بلير لم يجلس على كرسى السلطة إلا عشر سنوات و بضع أسابيع، و رغم ذلك كانت كافية لألا يعرف الحقيقية، أما مبارك الإبن فلم يكن يوماً مواطن عادي، إن أفضل تصنيف له - في رأيي - هو إنه من صنف أولياء العهود المدللين في الأسر الملكية، الذين ولدوا و ملاعق الذهب في أفواههم، و حرص أبائهم على إبعادهم عن كافة أشكال المعاناة، و حرصوا على زرع نوع من التعالي في نفوس أبنائهم تجاه المحكومين من مواطني بلادهم، و كأنهم خلقوا من رخام و نحن من طين، فلم يعرفوا للمعاناة طعماً، و لم تعد لديهم أية إحاسيس بالمشاركة الإنسانية تجاه الأخرين من الذين يعانون، أو بالأحرى تجاه ضحاياهم. هذا المثال، أي الملوك الذين يولدون مرفهين معزولين مشربين بالتعالي على بقية الخلق، فيأنفون من الإحتكاك بالمحرومين و المعدمين، و لا يجيدون بناء إتصال مع الواقع الذي تحياه أغلب شعوبهم، و لا تتسم ردود أفعالهم مع طلبات شعوبهم بالواقعية، و يكون الأمن هو هاجسهم و سندهم، و يتصورون بأن حصونهم الأمنية مانعتهم من غضبة المواطن العادي، نجده كثيراً في كل الثورات، نجده في الثورة الفرنسية مع لويس السادس عشر و زوجته ماري إنطونيت سليلة الأسرة المالكة النمساوية آنذاك، و جهازهم الأمني و أعني حرسهم السويسري المرتزق الشهير، و نجده في الثورة الروسية مع نيكولاس الثاني و حرسه من قوات القوزاق، و في الثورة الإيرانية مع شاه إيران محمد رضا بهلوي، و جهازه الأمني الدموي السافاك. و هو نفس المصير الذي لاقاه أيضا الحكام الذين و إن لم يولدوا و ملاعق الذهب في أفواههم، إلا أن مدتهم طالت، و زاد إنعزالهم، و صموا آذانهم و عصبوا عيونهم عن الحقيقة، و صورت لهم أحلامهم المريضة إن المواطن العادي في بلادهم يرتعد من إسمائهم بفضل أجهزتهم الأمنية، فهكذا سقط إيريك هونيكة في ألمانيا الشرقية و جهازه الأمني ستاسي، و الذي على شاكلته تشكلت أجهزة المخابرات في العديد من دول الشرق الأوسط و منها مصر، و تشاوشيسكو في رومانيا و جهازه الأمني سوكرتريات، و ساموزا في نيكارجوا و حرسه الذي كان يدعى بالحرس الوطني. هذا هو مصير الحكام حين يترفعون على شعوبهم، و حين يبتعدون عن الإتصال بالواقع، فيصمون آذانهم عن سماع انات ضحايا جورهم، و لا يؤذوا أبصارهم بمشاهد الجوع و العري و الألم و العفونة الناتجة عن فسادهم، و يسيرون في طريق غيهم لامبالين بتساقط ضحايا لسياساتهم كل يوم. إننا نسير في مصر في نفس الطريق، طريق الثورة، لإن لدينا نفس النوعية من الحكام، و نفس الكم من ضحايا الفساد و العسف، و هم في كل مكان، و في كافة الطبقات، و من كل الأديان و المذاهب، و النتيجة ستكون نفس النتيجة، و المسألة مسألة وقت فحسب. أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسنية بوخارست - رومانيا 17-10-2007
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيخرج الأزهريون أيضا
-
هذا هو حزب كل مصر
-
يد بندر في موسوعة الأرقام القياسية
-
لا تسمحوا لهم بإخافتكم من الثورة
-
إدعموا الفانوس المصري الأصيل في هذه الحرب الثقافية
-
يجب رحيل الإحتلال السعودي أولاً
-
نريد مسلمين كالطيور لا السلاحف
-
تهانينا لوائل عباس و تضامنا مع إبراهيم عيسى و الدستور
-
موسم القتل بدأ، فهل أنتم منتظرين؟؟؟
-
إنها تقدير للإبداع و الشجاعة و لفت للإنتباه
-
يا سحرة السلطة، الإخوان ليسوا بتلك القوة
-
اللهم لا تميته الأن، اللهم دعنا نثأر لأنفسنا أولاً
-
نعم تصادميين، و هل كان غاندي إلا تصادمي؟
-
الكراهية في الصغر كالنقش على الحجر
-
من وراء جريدة الدستور؟؟؟
-
ثم هرع إلى بوش يستغيث به
-
إلا اليونسكو
-
الإصلاح يحتاج يد صارمة و تفويض شعبي
-
الدولة الفاطمية، هذه هي الحقيقة
-
لأنني أريد نتيجة و أرفض الوصاية و لا أخشى المنافسة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|