|
-الوثيقة- في شكل -عمود فَقْري-
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 12:24
المحور:
القضية الفلسطينية
رئيس الفريق الفلسطيني المفاوِض أحمد قريع تحدَّث عن التصوُّر الفلسطيني لـ "الوثيقة المشترَكة (مع إسرائيل)"، والتي أسْمتها رايس "وثيقة تشرين الثاني"، بما يَجْعَلها تشبه "العمود الفَقْريُّ"، فالفلسطينيون يريدون، على الأقل، أن تشتمل "الوثيقة" على فقرة واحدة لكل قضية مِمَّا يسمَّى "قضايا الحل النهائي"، أو "القضايا الأساسية"، بحسب الوصف الذي تُفضِّله وزيرة الخارجية الأمريكية على الوصف الأوَّل (قضايا الحل النهائي).
و"قضايا الحل النهائي"، التي لم تُبْحَث من قبل في شكل جاد وجوهري وعميق (ومأساوي أيضاً) إلا مرَّة واحدة في منتجع كامب ديفيد عام 2000 بين كلينتون وعرفات وباراك، وبدأ بحثها الآن في "مفاوضات الوثيقة"، إنَّما تشمل "الحدود (النهائية بين الدولتين)"، و"القدس (الشرقية)"، و"اللاجئون"، و"المستوطنات"، و"المياه"، و"الأمن". وعليه، لا بدَّ لهذا "العمود الفَقْريُّ"، أي "الوثيقة المشترَكة"، من أن يتألَّف، على الأقل، من ستِّ فقرات.
قريع أدْرَج الحل (من حيث الجوهر والأساس) لمشكلة "المستوطنات" في الضفة الغربية في سياق الحل لمشكلة "الحدود"، موضحاً أنَّ الطرف الفلسطيني يريد "وثيقة" يتَّفِق فيها الطرفان على أنَّ "حدود 1967" هي حدود الدولة الفلسطينية المقبلة، من حيث الجوهر والأساس، فـ "تبادُل الأراضي"، الذي يجب أن يكون على شكل "تعديل طفيف لهذا الخطِّ الحدودي"، يصبح، عندئذٍ، "إمكانية"، قد تتحوَّل إلى واقع.
الأمر الجديد، أو الأمر الذي يبدو جديدا، في الموقف التفاوضي الفلسطيني، كما شرحه وأوضحه قريع، هو التحدُّث عن "تبادُل الأراضي" مع إسرائيل بوصفه "إمكانية" قد تتحوَّل إلى واقع، مع إبداء إصرار على أن تكون "الوثيقة" واضحة لجهة "النسبة"، أي لجهة حجم الأراضي التي يمكن تبادلها بين الطرفين، في إطار اتِّفاقهما على إدخال "تعديل طفيف" على "خطِّ الرابع من حزيران".
ولكن، ما هي المعايير التي وِفْقها يفاوِض الطرف الفلسطيني توصُّلاً إلى حلٍّ لمشكلة "الحدود" يتضمَّن إمكانية "تبادُل الأراضي"؟ إنَّها ثلاثة معايير أساسية هي: السيادة الفلسطينية على المصادِر المائية في الضفة الغربية، والتي تسعى إسرائيل إلى الاحتفاظ بسيطرتها الدائمة عليها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، والحفاظ على الوحدة الجغرافية للضفة الغربية بوصفها (مع القدس الشرقية) جزءاً من إقليم الدولة الفلسطينية المقبلة، وَجَعْل الاستيطان الإسرائيلي مُرَكَّزاً في أقلِّ وأضْيَق حيِّزٍ ممكن من الضفة الغربية (والقدس الشرقية).
و"النسبة" هنا إنَّما تُذَكِّرنا بالسبب الذي أفْشَل مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية في عهد رئيسها السابق حافظ الأسد، فإسرائيل أبدت استعدادا لإعادة مرتفعات الجولان التي تحتلها إلى السيادة السورية باستثناء جزء ضئيل جدا من تلك المرتفعات؛ ولكن احتفاظ إسرائيل بالسيطرة عليه يَمْنَع سورية من بسط سيادتها على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، خزَّان المياه الأساسي بالنسبة إلى الدولة اليهودية، ويَحُول، بالتالي، بينها وبين الحق في المطالبة بجزء من مياه تلك البحيرة.
إنَّ الاتِّفاق ضِمْن "الوثيقة المشترَكة" على نسبة الأراضي التي يمكن تبادلها مع مراعاة "نوعية" تلك الأراضي هو أمْرٌ في منتهى الأهمية بالنسبة إلى الفلسطينيين ودولتهم المقبلة، فهذه "النسبة" يجب أن تكون، في جانبيها الكمِّي والنوعي، عاملاً إيجابياً بالنسبة إلى مطلب الفلسطينيين أن يسيطروا على كل المصادِر المائية في الضفة الغربية، وأن يحافظوا على الوحدة الجغرافية للضفة، وأن يجعلوا القدس الشرقية عاصمة لدولتهم، وأن تُحَلَّ مشكلة "حقِّ العودة" للاجئين الفلسطينيين، ولو جزئياً، بما يمكِّن المفاوِض الفلسطيني من الادِّعاء بأنَّ اللاجئين الفلسطينيين لا يعودون إلى الضفة الغربية (بوصفها جزءاً من إقليم الدولة الفلسطينية المقبلة) فحسب، وإنَّما إلى أراضٍ كانت قبل حرب حزيران 1967 جزءا من إقليم دولة إسرائيل، والذي لم يكن كله يحظى بالشرعية الدولية المستمدَّة من "قرار التقسيم".
وإلى "المعايير الثلاثة" تلك يمكن ويجب إضافة معيار رابع هو أن لا ينطوي "التبادُل الجغرافي" على "تبادُل ديمغرافي"، فتبادُل الأراضي في إطار التعديل الطفيف للحدود بين الدولتين يجب ألاَّ يشمل أي جزء من الأراضي التي يقطنها الفلسطينيون الذي يسمُّون "عرب إسرائيل". إنَّ مشكلة "الحدود" يجب ألاَّ تُحل بما يسمح لإسرائيل بحل ما تسمِّيه "مشكلة القنبلة الديمغرافية".
إذا نجح المفاوِض الفلسطيني في أن يُضَمِّن "الوثيقة المشترَكة" حلاًّ (مبدئياً) لمشكلة "الحدود"، ولمشكلة "الاستيطان" بالتالي، يتَّفِق مع تلك المعايير الأربعة فعندئذٍ يمكننا أن نَنْظُر بإيجابية إلى "لقاء أنابوليس" في تشرين الثاني المقبل.
ولمعرفة النجاح من الفشل لا بدَّ لـ "الوثيقة" من أن تتضمَّن فقرة واحدة على الأقل يلتزم فيها الطرفان أن تكون "القدس الشرقية" عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن تكون "القدس الغربية" عاصمة لإسرائيل، على أن يبحثا في تفاصيل هذا الاتِّفاق، وتنفيذه، في المفاوضات التي ستُجْرى بعد "المؤتمر الدولي". وفي هذا الصدد، ليس كافيا، ولا يمكن أن يكون كافيا، أن يُلَمِّح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى احتمال أن "تتنازل إسرائيل عن سيادتها على بعض أحياء القدس الشرقية"، كمثل مخيم شعفاط، الذي ليس بجزء من البلدة القديمة في داخل القدس الشرقية، والتي فيها يقع الحرم القدسي.
ولا شكَّ في أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يفاوِض الآن توصُّلاً إلى حلٍّ نهائي مع الفلسطينيين يُوافِق، في محتواه وشكله، ما يعانيه من ضعف داخلي قلَّما عاناه رئيس وزراء إسرائيلي من قبل، لن يَقْبَل فقرة خاصَّة بقضية القدس الشرقية يمكن أن تُفَسَّر وتُفْهَم على أنَّها استعداد إسرائيلي للتخلي عن السيطرة (أو السيادة) عن كل، أو معظم، القدس الشرقية، وعن كل، أو معظم، بلدتها القديمة (التي تضم المسجد الأقصى وقُبَّة الصخرة وما بينهما) على وجه الخصوص، فَجُلُّ ما يمكن أن يقبله رئيس الوزراء الإسرائيلي هو أن تكون "الأحياء العربية" في القدس الشرقية جزءاً من إقليم الدولة الفلسطينية المقبلة، وأنْ تُحل مشكلة الأماكن الدينية فيها حلاًّ مُتَّفَقاً عليه.
أمَّا الفقرة الخاصَّة بالحل المبدئي لمشكلة اللاجئين فلا بدَّ لها من أن تصاغ بما يُظْهِر ويؤكِّد للعالم، وللاجئين أنفسهم على وجه الخصوص، أنَّ عودتهم لن تكون إلى أراضي الدولة الفلسطينية "فقط"، وأنَّ المفاوِض الفلسطيني لم يقبل، ولن يقبل أبدا، أن يأتي الحل النهائي لمشكلة اللاجئين بما يُوافِق مطلب إسرائيل أن لا يعود إليها أي لاجئ فلسطيني، وإنْ بدا موافِقاً على أن تُحَل المشكلة نهائيا بما لا يؤدِّي إلى أن يُتَرْجَم "حق العودة" بحجم من العودة يتعذَّر بل يستحيل معه التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للنزاع بين الطرفين، فمفاوضات السلام إنَّما يَحْكمها ويتحكَّم فيها ميزان قوى إنْ سمح بعودة لاجئين فلسطينيين إلى إسرائيل فلن يسمح بذلك إلاَّ إذا كانت "الرمزية" هي جوهر هذه العودة.
وأحسب أنَّ هذا التنازل الفلسطيني الكبير يجب أن يقترن بأن يلتزم المجتمع الدولي عبر "اللقاء الدولي" المقبل تذليل كل العقبات من طريق جَعْل الدولة الفلسطينية المقبلة المكان الذي فيه يمكن ويجب أن يُحل الجزء الأعظم من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين فمن غير ذلك يَفْقِدُ معناه شعار "الدولة الفلسطينية للشعب الفلسطيني بأسره".
إنَّ من الأهمية الفلسطينية بمكان أن نرى "الوثيقة المشترَكة"، إذا ما قُيِّض لها أن ترى النور، على شكل "عمود فَقْريٌّ"، ولو في الهيئة التي تصوَّره فيها رئيس الوفد الفلسطيني المفاوِض.. وأن نرى "زمن" التفاوض بعد "مؤتمر الخريف"، و"زمن" تنفيذ ما انتهى إليه هذا التفاوض من اتِّفاق، مُجَدْوَلَيْن على نحو واضح ومُفَصَّل، فالفلسطينيون هُم الآن في أحوال لا تسمح لهم بأن ينتظروا أكثر من ستَّة أو سبعة أشهر للتوصُّل إلى اتِّفاق على الحل النهائي في المفاوضات التي ستُجْرى بعد "اللقاء الدولي"، وإن كان في مقدورهم أن ينتظروا وقتا أطول لـ "تنفيذ" الاتِّفاق كاملاً.
التفاوض بلا جدول زمني (للتوصُّل إلى اتِّفاق نهائي ولتنفيذه) إنَّما هو تفاوض من أجل "اللا حل"، ومن أجل بذر مزيد من بذور الصراع؛ ولا يدعو إليه، ويأخذ به، إلاَّ كل من له مصلحة في الإبقاء على النزاع بلا حلٍّ، وفي جَعْلِه يشتد ويعنف، وفي تحويله إلى نزاعٍ بين الفلسطينيين أنفسهم.
وإذا كان للعرب أن يروا شيئاً في منتهى الأهمية الآن فهذا الشيء إنَّما هو "مصير الفرصة الأخيرة للسلام"، فمصيرها إنَّما يتضح ويتأكَّد بين الآن ومنتصف الشهر المقبل، ففي مفاوضات "وثيقة تشرين الثاني"، وفي "الوثيقة ذاتها"، يمكن ويجب أن يتقرَّر مصير تلك الفرصة التي تتحدَّى الدول العربية جميعا، مع "مبادرتهم"، أن يعرفوا كيف يكونوا أهلاً لها، وكيف يكونوا أهلاً لمواجهة الوضع الناشئ عن فشل تلك الفرصة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
-
كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ
...
-
ال -فَوْفضائي- Hyperspace
-
الأيَّام الصعبة!
-
بعض من الجدل الذي أثارته المقالة: أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- ا
...
-
أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- الدكتور زغلول النجار؟!
-
الفساد غير السياسي!
-
بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر
...
-
نظرية -البعرة والبعير.. الأثر والمسير-!
-
-خريطة- عباس
-
-الاتِّفاق- الذي ينهي -النزاعين- معاً!
-
شهر رمضان.. لَمْ يُنْزَل فيه الغلاء وإنَّما القرآن!
-
-مؤتمر الخريف-.. بعد شهرين أم بعد زلزال؟!
-
-بلاك ووتر- هي هوية الولايات المتحدة!
-
خبر علمي يُقَوِّض مزاعم الملاحدة!
-
ساعة ضرب إيران.. هل أزِفَت؟
-
بوش يَتْرُك -الراية البيضاء- لخليفته!
-
-الديمقراطية- ليست مِنَ -الكُفْر-!
-
6 سنوات على -عالَم بوش بن لادن-!
-
ليَنْطِقوا حتى نَخْرُج عن صمتنا!
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|