|
-التنازلات- الفلسطينية
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 2070 - 2007 / 10 / 16 - 11:44
المحور:
القضية الفلسطينية
تكاثرت في الأيام الأخيرة الأحاديث عما يسمى بـ "التنازلات" الفلسطينية في المفاوضات الجارية مع الجانب الإسرائيلي، مع اقتراب موعد اللقاء الدولي المفترض انعقاده في نهاية الشهر القادم في الولايات المتحدة. وإذا ما استغربنا من دعوة بعض الأقلام، في وسائل الإعلام العربية، القيادة الفلسطينية للتعامل "بحنكة وليونة"، وتحذرها من عدم تقديم "تنازلات للجانب الإسرائيلي"، فإن الاستغراب الأكبر حين تسمع أصواتا وتقرأ مقالات تتهم الجانب الفلسطيني بأنه قدم تنازلات، وتتعامل مع هذا الادعاء كحقيقة واقعة ثم تشرع بنشر استنتاجاتها، التي في صلبها التخوين والتشكيك. هذه المعالجة ليست لائحة دفاع عن أية جهة كانت، ولكنها تحذر من إغراق الشارع الفلسطيني في بلبلة سياسية إضافية، في مرحلة دقيقة وصعبة تمر بها القضية الفلسطينية، في ظل اختلال تام لموازين القوى في العالم، لا يخدم القضية الفلسطينية، لا بل يتعامل معها بشكل عدائي، أو من منظور وكأنها مجرد "قضية إنسانية"، في أفضل الأحوال، وقضية "إرهاب"، على الأغلب، وليست قضية تحرر وطني، وحق بدولة وسيادة وانهاء جريمة حرب مستمرة منذ 60 عاما. إن الحقيقة الواضحة، هي أن كل مفاوض فلسطيني يعرف تماما أنه حتى إذا تجرأ على "تقديم تنازلات"، فإن الشعب الفلسطيني سيرفضها وسيبقى اتفاقه حبرا على ورق، لأنه لم يعد للفلسطيني ما يتنازل عنه. إن مشاهد التخوين والتشكيك تتكرر كثيرا في السنوات الأخيرة، والأصح منذ انطلاق العملية التفاوضية العربية الإسرائيلية، وبالذات الفلسطينية الإسرائيلية، فإذا هناك من ذاكرته ضعيفة، أو يريدها كذلك، أو إذا هناك من يسعى إلى تغييب تجارب الماضي، فإننا نذكره بالماضي القريب جدا. فكم مرة تم زج القيادة الفلسطينية في مرحلة الرئيس الراحل ياسر عرفات، في زاوية الخيانة، وبشكل خاص حينما توجه إلى مفاوضات كامب ديفيد في صيف العام 2000، يا حبذا لو أن بعض قنوات التلفزة تعيد لنا بعضا من ندواتها السابقة، لنرى نفس الوجوه التي تخوّن وتشكك اليوم، هي ذاتها التي تعاملت مع "بيع فلسطين" على يد عرفات كتحصيل حاصل، وهي نفس الوجوه التي سارعت يوم رحيل عرفات لتزفه لنا شهيدا: اغتاله الاحتلال لأنه لم يرضخ في كامب ديفيد، ورفض أن يبيع ما تبقى من وطن. أليس في ذلك استغباء لعقول الناس. ومما يزيد بؤس الحالة السياسية الفلسطينية، لغة المزايدة الفارغة من أي مضمون واقعي ملموس، والأنكى من هذا هو الخطاب المزدوج والرقص في أكثر من عرسين في آن واحد، وتلوين خطاب نفس الجهة، بحسب موقعها الجغرافي الآني، مما يزيد من حالة البلبلة السياسية، وهذا أيضا ليس محض صدفة، فقد ولى عالم الصدفة منذ زمن بعيد. من حقنا توجيه الاتهام لسعاة البلبلة، لأن هذا نهج مستمر منذ فترة طويلة، مما يجعله نهجا مقصودا ويسعى إلى خربطة الأوراق، مع معرفة مسبقة أنه حين يقع شعب، كشعبنا الفلسطيني، في حالة من البلبلة السياسية الخطيرة، فإن جاهزيته للنضال ستتراجع، وهذا ما يحصل على أرض الواقع. حين يتم خلط النضال الوطني التحرري المشروع بممارسات عصابات إرهابية خارجية، فإن هذا يشوه صورة هذا النضال أمام الرأي العام العالمي، وإذا قلنا إن هذا ما سعت إليه إسرائيل والحركة الصهيونية، ومن خلفهما الإدارة الأميركية، فإن هناك أذرع إعلامية "من ذوي القربى" تساهم في هذا الخلط، من باب تشجيع خطابات التطرف الفارغة والتقلب في المواقف بشكل مذهل، إلى حد خلق فوضى عارمة في الرؤية السياسية الواضحة، تحت أغطية مزيفة، مثل "الانفتاح الإعلامي"، أو "الجرأة" المزعومة، وما شابه. لقد تلقى نضال التحرر الوطني الفلسطيني في السنوات الأخيرة ضربات جدية، أفقدته الكثير من الأوراق الرابحة في ساحة الرأي العام العالمي، وهذا بفعل تدخل أجندات غريبة عن أجندة المشروع الوطني الفلسطيني، لا تخدم القضية الأساس... قضية التحرر، وأيضا بفعل مغامرات لم تأخذ بالحسبان ضرورة استخدام الأساليب الناجعة في النضال، التي تساهم في الدفع نحو الهدف، ولا تشده للخلف، وهناك مغامرات لم يكن هدفها سوى كسب أوراق هشة على الساحة الداخلية الفلسطينية، حتى ولو كانت على حساب المسيرة النضالية. لقد أصبحت الدعوة لقراءة الواقع بكل حذافيره، متهمة بالتخاذل والرضوخ للأمر الواقع، وهي اتهامات باطلة زائفة، كل هدفها إبعاد الجمهور الواسع عن رؤية الحقيقة، فلا يجوز للنضال الفلسطيني التحرري أن يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه الوطنية من دون قراءة الواقع، من أجل وضع آلية النضال المناسبة للمرحلة والكفيلة بتحقيق الهدف. إن من يعتقد ان الشارع الفلسطيني يشهد حالة نضال شعبي زخم، فمن الأفضل له أن يعيد حساباته ويقرأ مجريات الأمور من جديد، وإذا ما اتفقنا على حالة التراجع هذه، فعلينا معرفة الأسباب. فلربما ان التهمة الأسهل هي تلك التي نوجهها للقيادة الفلسطينية الحالية، ولكن الحقيقة هي أن هذا التراجع هو نتاج عدة عوامل، ساهمت أطراف فلسطينية بزرعها في الشارع الفلسطيني، والخروج من هذا المأزق يحتاج إلى جهود وإعادة ترتيب أوراق، وأن يسترد للجمهور الفلسطيني الواسع زمام المبادرة ليقود النضال الشعبي العام. لقد صدق من وضع معادلة: "إن النضال التحرري من دون رؤية تفاوضية هو نضال عبثي، وكذلك الأمر فإن أية عملية تفاوضية من دون نضال جماهيري شعبي زخم، هي مفاوضات ضعيفة". إن القيادة الفلسطينية ليست في وضعية تسمح لها رفض المفاوضات، أو رفض المشاركة في اللقاء الدولي، فالحكم عليها ليس بمجرد مشاركتها، بل بما تطرحه في تلك المفاوضات. إن الطاقم الفلسطيني المفاوض بحاجة إلى دعم شعبي يعزز مكانته ليس فقط أمام المفاوض الإسرائيلي وإنما أيضا أمام الأسرة الدولية، وهذا الهجوم المنفلت وغير المبرر على طاقم المفاوضات الفلسطيني، يضعفه، وهذا ربح صاف للدعاية الصهيونية، لتبرير استمرار تهربها من مستحقات الحل، والتي في مركزها مزاعم "عدم وجود شريك فلسطيني للسلام". لا نعيش في أحلام وردية، ونعرف أن إسرائيل اليوم ليست معنية بالتقدم الحقيقي نحو الحل، واللقاء الدولي سيكون مجرد حدث بروتوكولي، يضاف إلى أرشيف اللقاءات الشبيهة. ولكن في نفس الوقت يجب ان نعرف ان إسرائيل الحالية كما في فترات سابقة ضعيفة جدا أمام وحدة حقيقية للشعب الفلسطينية، وهناك حاجة للتذكير مجددا بأن التجربة قد أثبتت بشكل قاطع أن إسرائيل أضعف ما تكون أمام النضال الشعبي الفلسطيني العام، كما كان في انتفاضة الحجارة التي انطلقت في نهاية العام 1987 واستمرت خمس سنوات، وقلبت موازين القوى داخل الشارع الإسرائيلي نفسه، وكانت إسرائيل الدولة المحاصرة عالميا، وتوجهت مرغمة إلى عملية سياسية طالما رفضتها.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيناريوهات دورة الكنيست الشتوية
-
تعليمات إبنة -الموساد-
-
تقسيم القدس والإجماع الصهيوني
-
جوانب أخرى للغارة على سورية
-
بحث علمي: الشبان الأمريكان اليهود يبتعدون عن إسرائيل
-
الصمت الإسرائيلي ومهمة المحللين الإسرائيليين في قضية الغارة
...
-
بلعين: التجربة والنموذج الشائك
-
محاولات تغيير نظام الحكم الإسرائيلي ستبقى مناورة
-
حماس تجبي الخاوة
-
أولمرت والحسابات الداخلية
-
بن غريون أول من بادر إلى استيطان القدس والخليل
-
نتنياهو حضيض سياسي جديد
-
دورة صيفية برلمانية اسرائيلية تنقل الأزمة إلى الدورة الشتوية
-
باراك القديم الجديد
-
مقايضة المستوطنين بالفلسطينيين
-
عام على الحرب وإسرائيل تترقب
-
معركة السبت في اسرائيل بين الديني والاقتصادي
-
محمود في حيفاه وعلى كرمله
-
أولمرت يدخل دائرة حسم مصيره
-
الشريك الفلسطيني والسياسة الإسرائيلية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|