ملخص:
"العولمة" ليست ملاكاً ولا شيطانا
وبالتالى فليس المطلوب "التبرك" بها وقبولها دون قيد ولا شرط ، أو تجنبها واجتنابها كما لو كانت رجساً محرماً
العولمة – بالاحرى – عملية تاريخية ، أساسها الموضوعى هو ثالث ثورة تشهدها البشرية ، بعد الثورتين الزراعية والصناعية.
هذه الثورة الثالثة ، نعنى الثورة العلمية والمعلوماتية تخلق مع العولمة "فرصاً" غير مسبوقة فى تاريخ الانسانية ، مثلما تخلق "تحديات" هائلة تهدد ملايين غفيرة بالمزيد من التهميش والتمييز والافقار .. وربما الابادة الجماعية.
وبين الفرص والتحديات تتبلور وتتشكل بالتدريج ملامح وجهان للعولمة ، أحدهما يمكن تسميته بالعولمة "المتوحشة" ، والثانى اختار لنفسه اسم "العولمة البديلة".
الأول عنوانه منتجع دافوس السويسرى فى أحضان ثلوج جبال الألب والثانى محله المختار مدينة بورتو الليجرى تحت أشعة شمس البرازيل الدافئة.
ومثل الطاقة النووية التى يمكن أن تستخدم فى صنع الأسلحة النووية المروعة ، ويمكن أن تستخدم أيضاً من أجل رفاهية الانسانية من خلال تطبيقات مدنية وسلمية لا حصر لها .. كذلك الحال بالنسبة للعولمة.
ومثلما لا يمكننا ان نعطى ظهورنا للطاقة النووية بسبب استخدامها فى صنع الاسلحة القاتلة ، فإننا لا يمكن ان نرفض العولمة برمتها بسبب وجهها السلبى.
ثم أن العولمة المتوحشة والعولمة البديلة لا يفصل بينهما سور صين عظيم ، بل هما يتبادلان التأثر والتأثير ويقوى أحدهما او يضعف تبعا لعوامل كثيرة ، أحدها العامل النضالى من جانب القوى التقدمية والمستنيرة فى العالم.
وعلى سبيل المثال فإذا كانت عولمة دافوس تلح فقط على إلغاء الحدود الجمركية بين دول العالم ، وتحطيم الحواجز أمام حركة رأس المال ، فان عولمة بورتو الليجرى تلح على إلغاء الحدود أيضاً بين البشر.
واذا كانت الاولى ترى ان الشركات متعددة الجنسيات هى الأولى بالرعاية فان الثانية تناضل ضد تحويل شعوب العالم إلى سلع ، وضد تهميش غاية الشعوب والقضاء على تنوعها الثقافى واستنزاف مواردها وتخريب البيئة المحيطة بها ، وفرض إرادة وهيمنة القطب الأمريكى عليها.
وفى سياق هذه العملية التاريخية ، فاننا لسنا إزاء خيار "نظرى" ، بل نحن – بالفعل- أمام تيارين محددين للعولمة . واذا كان ثالوث بريتون وودز (صندوق النقد والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية) يمثل الاطار المؤسسى للتيار الاول ، فان العولمة البديلة انتزعت لنفسها اطاراً مؤسسياً موازياً ليس فقط فى بورتو الليجرى وإنما ايضا فى سياتل وواشنطن وبراغ وكويبك ثم فى 15 فبراير الماضى الذى جعل "نيويورك تايمز" تعترف بأن العالم أصبحت به قــوتين عظميين :الولايات المتحدة والرأى العام العالمى.
وبالتالى فان الخيار ليس هو ما اذا كنا مع العولمة او ضدها .. فهذا خيار زائف ووهمى.
الخيار بالاحرى هو بين عولمة دافوس وعولمة بورتو الليجرى .. أيهما من مصلحتنا ان نقف فى صفه.
هل نقف مع عولمة دافوس التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، والتى هى فى التحليل النهائى العدو الاستراتيجى لحركة التحرر العربية ، والتى تمثل اسرائيل احدى دعاماتها الأساسية جنبا إلى جنب مع الشركات متعددة الجنسيات، أم نقف مع عولمة بورتو الليجرى التى تناهض أمركة العالم وتعارض الغطرسة الاسرائيلية والاحتلال الانجلو أمريكى للعراق ، كما تطالب بإسقاط الديون عن العالم الثالث ، وتناصر قضاياه.
الغريب حقاً .. أنه رغم أن الخيار المنطقى واضح .. فان كثيراً من المصريين والعرب مازالوا مولعين بتقليد القطط التى تحب "خناّقها"!
العولمـــة المتوحشــة والعولمـــة البديلــة
حيرة العرب بين دافوس وبورتو الليجرى
رغم أن كلمة "العولمة" لم تعد جديدة ، ورغم أنها تتردد بكثرة مفرطة وتفرض نفسها – بمناسبة ودون مناسبة – لدى الحديث عن موضوعات شتى ، فانها ما تزال كلمة ملتبسة وغامضة.
وهى فوق ذلك ترتبط بتداعيات وردود أفعال متباينة ومتضاربة .
لكن الملفت للنظر أنه رغم تمتعها بأنصار متحمسين ، فى مختلف القارات فإنها تحظى أيضاً بعداء جبهة بالغة الاتساع من البشر فى سائر أنحاء العالم ومختلف الثقافات.
والمدهش أيضاً أن معسكر الاعداء ليس مقتصراً على بلدان العالم الثالث – كما يعتقد الكثيرون – بل انه موجود أيضاً ، بل أساساً ، فى عقر دار العولمة المفترض ، أى الولايات المتحدة الأمريكية . إذ تبين مسموح الرأى العام أن نصف سكان أمريكا على الأقل يعتقدون أن "العولمة" – أيا كان المعنى الذى يفترضه الناس لهذا المصطلح – تضر بأكبر مما تنفع( ) ، كما أن درجة مماثلة ، ان لم تكن أكبر ، من العداء للتكامل الاقتصادى العالمى شائعة فى أوروبا( ) . وربما كان هذه هو السبب فى أن حركات الاحتجاج الكبرى على العولمة لم تنشأ فى بلدان العالم الثالث ، وإنما نشأت أولاً ، وبالدرجة الأولى ، فى الغرب عموماً ، والولايات المتحدة خصوصاً.
وهذا الموقف المعادى للعولمة فى أمريكا لم ينشأ من فراغ ، بل جاء نتيجة عدد من العوامل :
• فبالرغم من التوسع فى التسعينات ، فان أجر العامل العادى .. لم يكد ينمو منذ 1973 ، بعد تزايد مطرد بنحو 2.25 فى المائة سنوياً عبر السنوات الخمس والعشرين السابقة.
• وعانى الرجال الموجودون في قاع توزيع الدخل من انخفاض ضخم فى أجورهم ، فى واقع الأمر ، فى حين اختفى نمو الدخل بالنسبة للنساء الموجودات فى القاع.
• وأثارت حقيقة أن الأمريكيين ذوى الأجور الجيدة استمروا فى حالة مرضية، بينما كان يعانى الركود أو التدهور الاقتصادي من لم يكن لهم مثل هذا الحظ ، السخط على تنامي عدم المساواة.
• .. وأصبح من المسلم به على نطاق واسع ، ان القلق ينتاب كثيراً من العاملين من الطبقة الوسطى ، الذين يواجهون التهديد "بإنقاص عددهم" أو "إعادة هندستهم" . ذلك أنهم وهم يشاهدون فقد أصدقائهم وجيرانهم وظائفهم يرتعدون من أن الدور سيحل عليهم.
وهناك إجابة واحدة تتردد بتواتر متزايد فى قاعات الكونجرس ، والأحاديث التليفزيونية والإذاعية ، وربما على موائد العشاء فى البيوت فى شتى أنحاء البلاد ، وهى أن "العولمة" – أى تزايد الارتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والبلدان الاخرى – هى السبب الرئيسي فى الأنباء الاقتصادية السيئة التى ذكرناها تواً.
والمنطق الكامن وراء هذا التفسير مغر . ويحدد الشكل (1-3) ثلاثة مقاييس للعولمة زادت بصورة كبيرة منذ مطلع السبعينيات ، عندما بدأت الاتجاهات المعاكسة المبينة فى الشكل (1-2) . فقد زادت الواردات ليس فقط من الناحية المطلقة ، وانما أيضا بالنسبة لحجم الاقتصاد ، مما وضع ضغوطاً قوية على أجور ووظائف العمال الأمريكيين ، وفى الوقت نفسه ، زادت الشركات الأمريكية بصورة أكبر من استثماراتها فى الخارج ، الأمر الذى أدى فى اعتقاد بعض النقاد، إلى تصدير الوظائف الأمريكية للخارج وممارسة ضغط نزولى على أجور العمال المتبقيين بعد ذلك . واكثر من هذا ، أن نسبة المهاجرين من سكان الولايات المتحدة، تضاعف تقريباً خلال الخمس والعشرين سنة الماضية ، مما أضعف بدرجة أكبر قدرة الأمريكيين الأقل مهارة على المساومة( ).
الشكل (1-2) : الانباء السيئة
انخفض نمو الاجر الحقيقى
النسبة المئوية السنوية للتغير
2.5
2
1.5
1
0.5
صفر
-0.5
-1
92-1996 73-1992 48-1973
اقل العمال أجرا أسوأهم حالا
النسبة المئوية السنوية للتغير (ب)
50
40
30
20
10
صفر
-10
-20
-20
عدم المساواة الاسرية أخذة فى التصاعد
معدل الدخل: القمة/ القاع (جـ)
الشكل (1-3) : مقاييس مشتركة للعولمة
الواردات من السلع والخدمات
نسبة مئوية من الناتج المحلى الاجمالى
مجمع الاستثمار الامريكى المباشر فى الخارج
نسبة مئوية من الناتج المحلى الاجمالى
المهاجرون
المهاجروم
المهاجرون
المهاجرون
نسبة مئوية من سكان الولايات المتحدة
الهلع من العولمة
ورغم ان المدافعين عن العولمة فى أمريكا يرون أن "المبرر الفكرى للهلع من العولمة ضعيفاً" فانهم يعترفون بأن هذا الهلع له "جاذبية فى السوق السياسية" ( )، والسبب فى رأيهم هو أن الخوف من التكامل العالمى ناجم عن رصيد كبير من القلق العام من النمو البطئ للدخل ، واحتمال فقد الوظائف ، وتزايد عدم المساواة، وفقد السيطرة الظاهرى على المصير الاقتصادى (للولايات المتحدة)( ).
فاذا كان هذا "الهلع" من العولمة موجود فى الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل ، فماذا عساه أن يكون خارجها وبالذات فى العالم الثالث ؟
الطبيعى أن تضاف إلى ما سبق أسئلة أكثر خطورة مثل :
• هل العولمة هى شكل جديد ، وعصرى ، من أشكال الاستعمار ؟ أم الامبريالية ؟ أم ما بعد الاستعمار ؟
• هل هى هيمنة القطب الواحد على النظام العالمى ؟
• هل هى أمركة العالم ؟
• هل هى الغزو الثقافى؟( )
وهذه الأسئلة ليست مجرد هواجس نظرية ، وإنما لها ما يبررها فى الواقع المعاش :
• فهناك هذا التزامن بين صعود العولمة وبين عودة الاستعمار ودبلوماسية الزوارق الحربية بأكثر اشكاله التقليدية القديمة فجاجة ووحشية ، كما هو حادث فى أفغانستان والعراق.
• وهناك هذا المسعى المحموم لجعل العولمة مرادفاً لأمركة العالم ، وهذا ليس استنتاجاً مبنياً على إصابة العالم الثالث بمرض الارتياب والتفسير التآمرى للتاريخ ، وإنما هو اعتراف من "مفكرى" الإدارة الأمريكية الجدد ومنهم توماس فريد مان الذى قال بصراحة مذهلة أن "العولمة هى الأمركة" ، فالولايات المتحدة قوة مجنونة ، ونحن ( يقصد أمريكا ) قوة ثورية خطيرة ، وأولئك الذين يخشوننا على حق . فصندوق النقد الدولى يصبح مجرد قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة . ففى الماضى كان الكبير يأكل الصغير ، أما الان فالسريع يأكل البطئ"( ).
ولسنا إزاء كلمات لمجرد كاتب أيا تكن علاقاته مع مراكز صنع القرار فى واشنطن، وإنما نحن إزاء نهج رسمى عبر عنه الرئيس الأمريكى جورج بوش نفسه بقولـه "ان هذا القرن سيشهد انتشار القيم الأمريكية وانماط العيش والسلوك الأمريكى".
والأهم من فريدمان وبوش حقيقة ما يحدث فى الواقع ، ومن أبرز هذه الحقائق مثلا أن "ماكدونالدز" أصبحت رمزاً من رموز العولمة فعدد المطاعم التى تمتلكها ماكدونالدز فى العالم وصلت 28 ألف مطعم بدأت فى أمريكا وانتشرت حتى تجاوزت اوروبا واليابان والخليج العربى ومصر حتى جنوب أفريقيا وزائير ، والمدهش أن طابور السيارات التى اصطفت فى مدينة الكويت عند افتتاح اول فرع لماكدونالدز عام 1994 بلغ طوله عشر كيلو مترات !
وهناك هذا الخلل البشع فى الاقتصاد العالمى والهوة المتزايدة بين الاغنياء والفقراء فى ظل العولمة ، حيث تمثل مجموعة الدول الاغنى 20% من سكان العالم فقط وتملك 86% من إجمالى الناتج المحلى العالمى ، بينما مجموعة الدول الوسط تمثل 60% من سكان العالم ولا تملك سوى 13% من إجمالى حصة الناتج العالمى ، وتبقى مجموعة الدول الأفقر التى تمثل 20% من سكان العالم ومع ذلك لا تحصل إلا على 1% فقط من الناتج العالمى ، كما تسيطر المجموعة الاولى على 82% من إجمالى صادرات العالم ، والمجموعة الثانية على 17% ، ولا يتبقى للأخيرة التعيسة سوى 1% .
ونفس الشيء تقريباً نجده فيما يتعلق بالاستثمار المباشر فى العالم حيث تحتكر مجموعة الدول الأغنى نحو 68% ، ومجموعة الدول الوسط نحو 31% ، ولا يتبقى لمجموعة الدول الأفقر سوى 1%.
اكذوبة القرية العالمية الواحدة
* وهناك حقائق بشعة تجعل الهواجس المشار إليها كوابيس حقيقية ، منها :
1- من بين كل مائة أسرة تكونت أواخر الثمانينات فى مدن العالم النامى ، هناك 72 أسرة تعيش فى مدن الصفيح والاكواخ ، ويقدر أن نحو 100 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 14 و 19 عاما يعيشون فى الشوارع بعيدا عن منازلهم وأسرهم.
2- كل عام يموت فى العالم ما يزيد على 585 ألف امرأة بسبب الحمل . وتعانى سبعة ملايين امرأة من مشاكل صحية خطيرة ، كما تعانى 50 مليون امرأة من أثار صحية مختلفة نتيجة الولادة . وتجرى نحو 20 مليون عملية إجهاض غير مأمونة فى البلدان النامية كل سنة ، يموت خلالها حوالى 70 ألف امرأة أى 13% من مجموعة وفيات الامهات فى العام .
3- خمس الاطفال لا يصلون فى دراستهم إلى الصف الخامس الابتدائى وحوالى 20% لا يحصلون على ما يكفى من الطاقة الغذائية والبروتين.
4- أكثر من مليار شخص لا يزالون محرومين من الحاجات الرئيسية ، ومن أصل 4.8 مليار نسمة فى البلدان النامية يفتقر حوالى ثلاثة أخماسهم إلى الوسائل الصحية الأساسية ، وحوالى الثلث لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة ، والربع لا يتوفر لهم السكن الملائم.
5- بين حوادث الوفاة التى يبلغ عددها 2.7 مليون سنوياً بسبب تلوث الهواء هناك 2.2 مليون حالة سببها التلوث داخل الأماكن المغلقة و 80% من الضحايا هم من فقراء أرياف البلدان النامية.
6- من المرجح أن يعيش ربع سكان العالم عام 2050 فى بلدان تواجه نقصاً فى الماء العذب ، وهناك الآن ما يزيد على 430 مليون شخص يعيشون فى بلدان تتأثر بضغوط لها علاقة بالماء او تواجه ندرة فعلية فى الماء.
7- نخسر ما يزيد على 30 ألف نوع من الحيوانات والنباتات كل سنة من أصل نحو 14 مليون نوع ، على الرغم من أننا لا نزال نعتمد اعتماداً شديداً على ما يقل عن 40 ألف نوع للغذاء والسكن والوقود والملبس.
وبناء على هذه الحقائق المرة يمكن القول بثقة أن العولمة بصيغتها الحالية إذا كانت قد حملت بعض التغيرات الايجابية للبشرية ، فإنها فى الوقت ذاته حرمت العالم الفقير من فرصة المشاركة الفاعلة فى القرية الكونية الصغيرة ، فالعالم وفق منظور الفقراء والمطحونين فى رحى الاقتصاد العالمى الجديد يمكن تسميته "قرية الفقراء التى يحكمها أغنياء دول الشمال".( )
وهذا يعنى عدم دقة التعبير الشائع القائل بأن العالم فى ظل العولمة أصبح قرية كونية صغيرة.
ترمومتر درجة حرارة العولمة
ولا تكمن عدم الدقة هذه فقط فى التباين الشديد بين الشمال الغنى والجنوب الفقير ، وإنما تكمن حتى فى التباين بين دول الشمال ذاتها .
كيف ؟
يقول عالم الطبيعة البريطاني اللورد كيلفين: " عندما يستطيع المرء قياس ما يتحدث عنه, ويعبر عن ذلك بالأرقام, فإنه يكون قد بلغ شيئا من المعرفة بما يتحدث عنه. ولكن عندما لا يكون بمقدور المرء قياس ما يتحدث عنه, ولا التعبير عنه بالأرقام, فإن معرفته بالشئ عندئذ تكون ضئيلة ولا تشفي غليلا".
ولعل عبارة "لا تشفي غليلا" هي أصدق وصف لما يدور من محاورات حول العولمة في وقتنا هذا. ويبدو أن ثمة اتفاقا في الآراء على أن العولمة- سواء في صورتها الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو البيئية- تعرف بزيادة مستويات الاعتماد المتبادل عبر مسافات شاسعة. لكن قلة من الناس هي التي انبرت لمحاولة قياس مستويات الاعتماد المتبادل المشار إليها. فكيف نستطيع –على سبيل المثال- تحديد مدى اندماج بلد من البلدان في الاقتصاد العالمي؟وكيف نبرهن على أن العولمة تمضي بسرعة في طريقها دون تباطؤ؟ وكيف نقيس درجة انتشار شبكة الانترنت عالميا؟
وعالم العولمة, شأنه في ذلك شأن الكون الطبيعي الذي حاول اللورد كيلفين فهمه, قد يشكل مفهوما أوسع من أن تحيط به مجموعات القياسات الإحصائية التي تستخدم اليوم لهذا الغرض . لكن ذلك التحدي نفسه لم يثن علماء الطبيعة عن سعيهم الدائب لقياس القوى التي يعتمد عليها استقرار الكون بدرجة أكبر من الدقة. ولا ينبغي لهذا التحدي أن يثني الذين يسعون إلى فهم أكبر للعولمة وأثرها على العالم المعاصر عن أن يواصلوا جهودهم في هذه السبيل.
واذ نضع هذا التحدي في حسباننا, نقدم في هذا الصدد مؤشر ا.ت,كيرني-فورين بوليسي للعولمةA.T.Kearney/Foreign Policy Magazine Globalization Index الذي يقدم دليلا شاملا عن العولمة في 50 بلدا من البلدان المتقدمة وبلدان الأسواق الصاعدة في العالم. ويعتمد المؤشر على تطبيق مفهوم الهندسة العكسية على العولمة وذلك بتحليلها إلى أهم مكوناتها. وهو يورد تعبيرا كميا لكل بلد على حدة من حيث مستوى الاتصالات الشخصية عبر الحدود الوطنية من خلال توليفة من البيانات المتعلقة بالرحلات الدولية, والمكالمات الهاتفية الدولية, وتحويلات المغتربين وغيرها من التحويلات المالية عبر الحدود. كما يضع خارطة لانتشار استخدام شبكة الانترنت لا تقتصر على تقدير عدد مستخدميها الذي يتزايد بصورة مستمرة, وإنما تورد تقديرا لعدد أجهزة الكومبيوتر الرئيسية والخوادم الآمنة المستخدمة في الاتصال والحصول على المعلومات وإجراء المعاملات التجارية عبر الانترنت.
كذلك يقيس مؤشر العولمة درجة الاندماج الاقتصادي وذلك من خلال تتبع حركات السلع والخدمات بما ينطوي عليه ذلك من تغيير في انصبة مختلف الدول من التجارة الدولية, ويقيس مدى حرية الحركة عبر الحدود الدولية من خلال مقارنة الأسعار المحلية والدولية. ويرصد هذا المؤشر كذلك تحركات الأموال من خلال جداول لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ورؤوس أموال محافظ الاستثمار الداخلة والخارجة, وجداول للمدفوعات وحصيلة الدخل.
ونظرا لتنوع العوامل التي يشتمل عليها مؤشر العولمة تنوعا غير مسبوق, فإننا نرى أنه أداة فريدة وقوية لفهم القوى التي يتشكل منها عالم اليوم. وقد جاءت نتائج قياس المؤشر لهذا العام مذهلة. فالكثير من المفاهيم التي يتمسك بها كل من أنصار العولمة وخصومها تتهاوى أمام قوة الأرقام الصريحة بدءا من قياس وتيرة ونطاق التكامل العالمي وخصائص"فجوة التكنولوجيا الرقمية" وانتهاء بقياس أثر العولمة على التفاوت في الدخل, ودرجة التحول الديموقراطي, والفساد.
هذا المؤشر قد لا يعطي إجابة فاصلة على السؤال الذي يدور حول ما اذا كانت العولمة تحقق من الخير أكثر مما يترتب عليها من شر,لكن هذا المؤشر يتيح نقطة انطلاق موضوعية لحوار ظل يعتمد حتى الآن على أدلة سردية وليس على حقائق تجريبية.
أصحاب السبق في العولمة:
على مدى السنوات الأخيرة, شهدت مؤشرات التكامل العالمي نموا ملحوظا, فقد ارتفع عدد المسافرين والسائحين الدوليين, وأصبح متوسط عدد المسافرين الآن حوالي 3 مليون مسافر يوميا, بعد أن كان مليون مسافر فقط في عام 1980 . وتوضح بيانات صدرت عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن الاستثمار الأجنبي المباشر قفز بنسبة 27% في عام 1999 حيث بلغ 865 مليار دولار, وهو رقم غير مسبوق, بينما زادت تدفقات الاستثمار قصيرة الأجل وطويلة الأجل عبر الحدود الدولية إلى أكثر من الضعف بين عام 1995 وعام 1999 . ونظرا لانخفاض تكلفة المكالمات الهاتفية الدولية وارتفاع مستويات النشاط عبر الحدود الدولية , وصل حجم المكالمات الهاتفية الدولية إلى أكثر من 100 مليار دقيقة في عام 2000 وهو رقم غير مسبوق. ومع وصول عدد مستخدمي شبكة الانترنت الآن إلى أكثر من 250 مليون شخص, وهو رقم يتزايد باستمرار, نجد أن المزيد من البشر من سكان الأصقاع النائية في العالم أتيحت لهم الآن فرص الاتصال المباشر على نحو لم يكن متاحا من قبل.
وتطور تكنولوجيا المعلومات يعزز عملية العولمة بطرق تتخطى مجرد تسهيل الاتصال. بل هناك دول تخشى أن تكون شبكة الإنترنت أداة لهيمنة الثقافة الأمريكية, بينما ترى دول أخرى في شبكة الإنترنت عاملا حفازا على إيجاد تجمعات ثقافية عالمية بدءا من مشجعي الهوكي المغاربة الذين يتابعون فريقهم المفضل في كندا, وانتهاء بمظاهرات مناهضي العولمة التي تنظم ضد كل من منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي. كذلك فإن شبكة الانترنت وسيلة غير مسبوقة لنشر الإيديولوجية بين جمهور عالمي, سواء أكانت إيديولوجية أنصار الديموقراطية في الصرب ممن أعادوا توجيه بث محطاتهم عبر الانترنت أم كانت إيديولوجية المتمردين الشيشان الذين يديرون إذاعة خاصة بهم عبر الانترنت.
ولكن ليس من السهل قياس التأثير الكامل لتكنولوجيا المعلومات على الحياة السياسية والاجتماعية, إنما من الممكن رصد تأثيراتها على القطاع الاقتصادي. فتكنولوجيا المعلومات تمكن الدول من تحقيق مستويات أعلى من التكامل الاقتصادي فيما بينها, وليس أدل على ذلك من نشاط الأسواق المالية التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات المتطورة للتداول في تريليون ونصف تريليون دولار حول العالم كل يوم. أما بالنسبة للولايات المتحدة, فإن تدفقات السندات والأسهم عبر الحدود أصبحت الآن أكثر 54 مرة مما كانت عليه في عام 1970 ,وزادت التدفقات المماثلة 55 مرة في حالة اليابان و60 مرة في حالة ألمانيا.
اذا نظرنا إلى هذه النزعات الإحصائية نجدها لأول وهلة تعزز الاعتقاد الشائع بأن العولمة "تزيد من ترابط العالم على نحو يحوله إلى سوق الكترونية واحدة تتحرك بسرعة الضوء" وذلك على حد تعبير "والتر ريستون" الرئيس السابق لمؤسسة "سيتيكورب"المالية. ولكن اذا ألقينا نظرة فاحصة على تلك النزعات الإحصائية نجد أن سرعة التكامل العالمي الآن لا تزيد عما كانت عليه قبل سنوات, بل إن خطاها قد تكون أبطأ من ذي قبل.
لماذا تظل العولمة متباطئة حتى مع نمو مؤشرات التكامل التكنولوجي بصورة متضاعفة وذلك بحساب عدد الأجهزة الرئيسية لخدمات الانترنت وعدد مستخدمي الشبكة وعدد الخوادم الآمنة لتوفير الاتصالات بشبكة الانترنت؟ اذ يستفاد من البيانات المتعلقة بطائفة متنوعة من الأسواق المتقدمة والنامية أن التكامل الاقتصادي العالمي قد تباطا إلى حد كبير. فالانخفاض في الحجم الكلي للتجارة مع البلدان الخمسين التي يغطيها هذا المؤشر يدل بالتأكيد على هذا التباطؤ. والمتهم الأول وراء هذا هو سلسلة الأزمات المالية التي تتابعت آثارها في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في أواخر التسعينات. لكن النمو الكبير في محافظ الاستثمار والاستثمار الأجنبي المباشر هو الذي ساعد على تخفيف حدة التباطؤ, الأمر الذي أسهم في عودة حجم التجارة العالمية إلى التزايد منذ عام 1999 . ونتيجة لذلك, نرى اليوم وضعا يتباطـأ فيه سير العولمة الاقتصادية حتى مع تسارع سير العولمة التكنولوجية.
وقد اتسمت خطى بعض الدول في التكامل مع سائر دول العالم بسرعة فاقت خطى دول أخرى. وأكثر بلدان العالم عولمة الآن بلدان صغيرة يسمح لها انفتاحها بالحصول على السلع والخدمات ورؤوس الأموال غير المتاحة لها داخليا. وبعض الحالات نجد فيها العامل الجغرافي لعب دورا هاما في دعم التكامل بين الأسواق. فعلى سبيل المثال تحق هولندا منافع من موقعها عند مصب نهر الراين –من بين عوامل أخرى-فهو الذي يربط عددا من البلدان يصل نصيبها من حجم تجارة هولندا إلى75%. وفي حالات أخرى, مثل حالة كل من السويد وسويسرا, نجد صغر حجم السوق وطابعها المحلي مع توافر العمالة المتعلمة ساعد على نشأة شركات عالمية حقيقية تستطيع التنافس في أي مكان في العالم. كذلك فإن هناك عوامل أخرى عديدة أسهمت في دمج دول صغيرة أخرى في العولمة, منها النمسا-على سبيل المثال-حيث تستفيد من حركة السياحة والسفر المكثفة, ومنها أيرلندا التي لعبت فيها تحويلات العاملين المغتربين باعداد كبيرة دورا هاما في دمج اقتصاد أيرلندا مع العالم الخارجي.
أما سنغافورة- وهي بلد صغير جدا- فتعتبر أكثر الاقتصادات عولمة في العالم, اذ تتفوق بفارق كبير على أقرب منافسيها من حيث حجم السفر عبر الحدود, وارتفاع نصيب الفرد في المتوسط من المكالمات الهاتفية الدولية الصادرة إلى حوالى 390 دقيقة سنويا. كذلك تفخر سنغافورة باستقبال حركة سياحة دولية مستمرة تبلغ سنويا ثلاثة أمثال إجمالي عدد سكانها. وعلى العكس من ذلك, نجد الولايات المتحدة تستقبل سدس ما تستقبله سنغافورة من سائحين وزائرين, وتسجل ربع ما تسجله سنغافورة من نصيب الفرد في المتوسط من المكالمات الهاتفية الدولية الصادرة سنويا.
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت محاولات جاهدة من جانب سنغافورة للحفاظ على المستويات العالية لحجم التجارة والاستثمارات الأجنبية ومحافظ الاستثمار, وهي كلها عوامل تدعم تفوقها في درجة العولمة, وربما يعود السبب في ذلك –في جانب منه- إلى الأنفلونزا الآسيوية, ما دامت الأزمة المالية قد طالت آثارها الأداء الاقتصادي امنطقة جنوب شرقي آسيا بأسرها. لكن بطء سنغافورة في خصخصة الصناعات المملوكة للدولة, وعدم قدرتها على إقناع الدول المجاورة بالدخول في اتفاقية تجارة حرة, والقيود الشديدة التي تفرضها على التوسع في استخدام الانترنت, كلها عوامل ساهمت في إبطاء تكاملها الاقتصادي مع البلدان الأخرى.
وهناك بلد آخر يحتل موقعا متقدما على مؤشر العولمة وهو هولندا, لكننا نجد العوامل المؤثرة في حالته عوامل اقتصادية في الجانب الأكبر منها. ففي غضون سنوات قليلة وجه الهولنديون استثمارات ضخمة إلى بلدان أخرى كما استقبلوا كذلك استثمارات أجنبية ضخمة بصورة لا تستطيع بلدان أخرى استيعابها. ففي أعقاب اصلاحات جذرية ألغت القيود وعززت مرونة العمل , زادت الاستثمارات الأجنبية في هولندا من 8% من إجمالي الناتج المحلي في عام 1995 إلى أكثر من 19 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 1998 .وبالمثل, زاد الحجم الكلي لمحافظ الاستثمار من 5% إلى أكثر من 30% من إجمالي الناتج المحلي خلال نفس المدة, وهو يعتبر أكبر معدل نمو في محافظ الاستثمار في العالم, اذ يبلغ ضعف نظيره في كل من فرنسا وألمانيا, وخمسة أمثال نظيره في المملكة المتحدة.
ومع انضمام كل من السويد وفنلندا إلى موجة تطوير الاتصالات عبر الانترنت, وتحقيق كل منهما منافع مماثلة على صعيد التكامل مع سائر العالم, نجد تصنيفات درجة العولمة في حالة تغير دائم, فقد تنزلق سنغافورة من موضعها على القمة خلال السنوات المقبلة, حيث إن البلدان التي اصبحت في وضع يمكنها من الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات العالمية بصورة أفضل أو تقدم على إصلاحات أوسع نطاقا لجذب التجارة والاستثمار الأجنبيين توثق الآن علاقاتها مع الدول المجاورة.
إلا أنه رغم توافر علامات الانفتاح بين هذه الدول المتصدرة لقائمة العولمة, هناك دول أخرى عديدة تظل عند مستويات دنيا من التكامل, كما أنه لا توجد دلائل على إمكانية حدوث تغيرات في أوضاعها في القريب العاجل. ومن ثم فهناك سبب وجيه يحمل على الاعتقاد بان البلدان التي تتصدر قائمة العولمة تسبق من وراءها بمسافات متزايدة.
هوة التكنولوجيا الرقمية:
هناك تباين واضح بين مختلف البلدان في درجة مشاركتها في التحول نحو الاقتصاد العالمي الجديد, ففجوة التكنولوجيا الرقمية التي تفصل بين البلدان المتقدمة من جهة والأسواق الصاعدة من جهة أخرى يمكن وصفها بأنها هوة التكنولوجيا الرقمية. فعند النظر إلى مقاييس عديدة ذات صلة-بدءا بدرجة انتشار مستخدمي الانترنت وانتهاء بعدد أجهزة الكومبيوتر الرئيسية التي توفر الاتصال بالانترنت- نجد الجانب الأكبر من النشاط الاقتصادي المتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتركز في البلدان الصناعية.
لكن هناك فجوة تكنولوجية رقمية أخرى فيما بين البلدان الصناعية ذاتها, فقد تكثف استخدام شبكة الانترنت بصورة واسعة جدا في الولايات المتحدة, بينما لا تزال كندا-الدولة المجاورة لها- متأخرة عن ذلك بكثير. وفي البلدين معا, هناك أكثر من 25 % من السكان يتمتعون بالدخول على شبكة الانترنت (حسب أرقام 1998 وهي آخر سنة تتوافر عنها أرقام بالنسبة لهذا المسح). لكن هناك تقديرات أحدث ترفع هذه النسبة إلى 40% بالنسبة للبلدين معا. والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة وكندا تتصدران العالم في عدد الخوادم الآمنة الصالحة لاتصالات التجارة الالكترونية, الأمر الذي يدل على أن شبكاتهما المتطورة في استخدام الانترنت يمكن استخدامها بصورة فعالة لتعزيز الأنشطة التجارية والاتصالات الشخصية على حد سواء.
وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا , نجد دول اسكندنافيا كذلك تحتل موقعا متقدما بين بلدان العالم في تكنولوجيا الاتصالات. ففي عام 1998 بلغت نسبة سكان السويد الداخلين على شبكة الانترنت 39%, ارتفعت إلى 44% وفق نتائج مسوح أحدث. وتتصدر فنلندا والنرويج قائمة الدول من حيث عدد اجهزة الكومبيوتر الرئيسية للربط بشبكة الانترنت, فيبلغ المتوسط فيها 70 خادما لكل 1000 نسمة ممن لديهم وصلات مباشرة للدخول على الانترنت.
واذا كان هناك إقليم يمثل درجة التحول نحو التكامل العالمي, فإن هذا الإقليم هو اسكندنافيا, فقد حولت كل من السويد وفنلندا والنرويج ثقلها التقليدي في مجالات الهندسة والصناعات التحويلية إلى المساهمة في طفرة تكنولوجيا المعلومات مع استمرار فتح أبوبها أمام تدفقات التجارة والاستثمار.
لكن انطلاقة اسكندنافيا التكنولوجية ليست شيئا مفاجئا, ففي القرن الماضي كانت السويد في طليعة البلدان التي حققت أقصى استفادة ممكنة من الاتصالات الهاتفية, حيث وفرت الهاتف كوسيلة لاختزال المسافات حتى في الأصقاع النائية من أراضيها وهي أصقاع تسكنها أعداد قليلة جدا من السكان. ومنذ ثلاثين عاما كانت شركة إريكسون-أكبر شركة إلكترونية في السويد-من بين الشركات الرائدة عالميا في صناعة أجهزة الاتصال المحمولة, أما في العشر سنوات الأخيرة فنجد السويد قد سبقت إلى احتضان تكنولوجيا الانترنت. وتعتبر مدينة استكهولم أكثر مدن العالم استخداما لشبكة الانترنت, حيث تصل نسبة مستخدمي الانترنت إلى 60% من سكانها.
وباستخدام نفس المعايير, نجد فنلندا المجاورة للسويد على أعتاب ثورة تعتمد على الانترنت. ففي عام 1995 كانت فنلندا أعلى دولة في اسكندنافيا من حيث الربط بشبكة الانترنت. وقد ساعدت تكنولوجيا المعلومات الشركات الفنلندية على مواجهة ضغوط المنافسة عن طريق تنويع أسواق الصادرات وتخصصات العمالة.وتوضح دراسات أجريت مؤخرا أن أكثر من ربع صادرات فنلندا تتجه الآن إلى بلدان خارج أوربا, بعد أن كانت هذه النسبة أقل من 20% في عام 1990 ,كما أن أكثر من نصف موظفي أكبر 30 شركة فنلندية يعملون الآن في مواقع تابعة لها خارج فنلندا, بينما كانت هذه النسبة 15% فقط في عام 1983 . وعلى الرغم من أن بلدانا أخرى حققت تقدما كبيرا في معدل استخدام شبكة الانترنت, نجد أن فنلندا تشهد مستويات متزايدة من التجارة والاستثمار دفعت بها إلى المرتبة الخامسة على " مؤشر العولمة", وهو أعلى من المرتبة التي كان يمكن أن تصنف عندها منذ سنوات معدودة. وثمة رمز آخر لنجاح فنلندا وهو استثمار سوق "نوكيا"- الشركة الفنلندية العملاقة في مجال الاتصالات عالميا- حيث إن حجم رسملة أسواق "نوكيا" أصبح يفوق إجمالي الناتج المحلي لفنلندا.
وكون أن السويد وفنلندا وباقي بلدان اسكندنافيا استطاعت دفع التطورات التكنولوجية بالغة السرعة مع الإبقاء على نظام الضرائب والرقابة على نشاط قطع الأخشاب يطرح تناقضا غير متوقع يعطل الافتراضات التقليدية القائلة بأن ارتفاع مستويات الرقابة يعرقل العولمة. ولكن ماذا عن مجالات الرقابة الشديدة نسبيا التي لم تشهد حتى الآن الانطلاقة التكنولوجية؟ لا نذهب بعيدا للدلالة على ذلك اذ يكفي أن ننظر إلى القارة الأوربية لنرى التأثيرات السلبية لبيئة النشاط غير الملائمة على التكامل. بل إن معظم بلدان منطقة اليورو التي تحتل مراتب منخفضة من حيث انتشار استخدام الانترنت تحتل كذلك أدنى المراتب بين البلدان العشرين المتصدرة للعولمة.
وقد أدت المخاوف من وجود تفاوتات بين البلدان الصناعية والبلدان النامية, خاصة في معدلات استخدام الانترنت , إلى نقاش دائر على مستوى العالم ككل حول فجوة التكنولوجيا الرقمية في العالم. وهذه الفجوة ليست بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية, وإنما بين التقدم التكنولوجي المتواصل في بلدان امريكا الشمالية واسكندنافيا من جهة وسائر بلدان العالم من جهة أخرى. فهاتان المنطقتان تقفان معا على جانب واحد من أرض فيها فالق تكنولوجيا رقمية عميق بينما سائر العالم يبدو وقد تخلف هناك على الناحية الأخرى من الفالق.
واذا كان يراد للبلدان النامية أن تعبر هوة التكنولوجيا الرقمية هذه, فإن عليها أن تبذل جهودا تفوق غيرها من البلدان حتى يمكن عبور تلك الهوة. لكن اختبار كيفية استخدام تلك البلدان لمواردها المحدودة يشكل معضلة حقيقية, وتعتبر اختيارات ماليزيا مثالا على ما يمكن أن يؤدي إليه سوء الاختيار في هذا الصدد, فقد أنفقت ماليزيا أكثر من ثلاثة ملايير ونصف مليار دولار على مشروع "المسار الرئيسي للوسائط المتعددة Multimedia Super Corridor“ من أجل جذب الاستثمارات وتعزيز قدراتها في مجال التكنولوجيا المتطورة, بينما هناك 70% من المدارس الابتدائية لا توجد بها أجهزة كومبيوتر, وحوالى 10% منها لا توجد به توصيلات مياه أو كهرباء كافية. والنتيجة هي أننا أمام حالة تتوافر فيها بنية أساسية تكنولوجية مذهلة بدون ان يكون هناك رأسمال بشري كاف يدعم تلك البنية الأساسية التكنولوجية.
وفي دول أخرى نجد أن تنمية استخدامات الانترنت لا يمكن أن تمضي قدما ما لم يتم حل مشكلات جوهرية تتعلق بالبنية الأساسية التكنولوجية. ففي شيلي, وهي واحدة من أكثر الأسواق الصاعدة ازدهارا, نجد 57% من خطوط الهاتف الثابتة , 58% من إجمالي عدد المشتركين في خطوط الهاتف المحمول تتركز في العاصمة وحدها, بينما معظم مناطق شيلي لا توجد فيها إمكانية الدخول على الانترنت. كذلك فإن تخلف قطاع الاتصالات في أفريقيا جعل جانبا كبيرا من هذه القارة لا يزال محروما من الدخول على شبكة الانترنت. فعلى سبيل المثال, لا تزال دولة مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية بدون وصلة مباشرة مع الانترنت, وفي عدد كبير من البلدان الأقريقية لا يتعدى مجموع مستخدمي الانترنت بضع مئات في البلد ككل( ).
ومن المفيد بهذا الصدد أيضا أن نلقى نظرة على الجدولين التاليين حول عدد مستخدمى الانترنت، وعدد اجهزة الكمبيوتر لكل ألف من سكان العالم عام 2000، لكى نرى الفوارق الكبيرة التى تجعلنا نتحفظ كثيرا قبل ان نستخدم تعبير "القرية الكونية الالكترونية الصغيرة".
عدد مستخدمى الانترنت
الدولة عدد مستخدمى الإنترنت (بالألف)
أمريكا 95354
اليابان 47080
ألمانيا 24000
المملكة المتحدة 18000
فرنسا 8500
إسرائيل 1270
الكويت 150
الامارات 735
الصين 22500
مصر 450
سوريا 30
لبنان 300
السعودية 200
المغرب 200
تونس 100
الجزائر 50
ايران 250
تركيا 2000
الهند 5000
عدد اجهزة الحاسب الآلى لكل ألف من السكان عام 2000
عدد اجهزة الحاسب الآلى لكل ألف من السكان عام 2000 الدولة
585.2 أمريكا
315.2 اليابان
336 ألمانيا
337.8 المملكة المتحدة
304.3 فرنسا
253.6 إسرائيل
130.6 الكويت
153.5 الامارات
15.9 الصين
22.1 مصر
15.4 سوريا
50.1 لبنان
60.2 السعودية
12.3 المغرب
22.9 تونس
6.5 الجزائر
62.8 ايران
38.1 تركيا
4.5 الهند
التفسير التآمرى.. والتحليل العلمى
لكن السؤال الآن بعد كل هذه الحقائق هو: هل يعنى هذا أن العولمة مؤامرة أمريكية للهيمنة على العالم، وان هذا العالم، وبالذات العالم الثالث، يجب ان يناصبها العداء بالتالى؟
الاجابة هى أن العولمة عملية تاريخية، أساسها الموضوعى هو الثورة العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية التى افسحت المجال أمام هذا "التداخل الواضح لامور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدولة ذات السيادة او انتماء الى وطن محدد او لدولة معينة ودون حاجة الى اجراءات حكومية( ).
أى أن " العولمة وفقاً لهذا التحليل ، هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي، عند منتصف القرن الماضى تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها ، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية ، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية أيضاً ، ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله . العولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره، قد تمت . بعبارة أخرى ، أن ظاهرة العولمة التي نعيشها الآن هي طليعة نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي ـ إلى هذا الحد أو ذاك ـ إلى الأطراف بعد حصرها هذه المدة كليا في مجتمعات المركز ودوله . في الواقع لان عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق بلغت حد الإشباع بوصولها إلى أقصى حدود التوسع الأفقي الممكنة وشمولها مجتمعات الكرة الأرضية كلها ـ باستثناء جيوب هنا وهناك ـ كان لابد لحركية نمط الإنتاج الرأسمالي وديناميكيته من أن تفتح أفقاً جديداً لنفسها وان تتجاوز حدوداً بدت ثابتة سابقاً، عن طريق نقلة نوعية جديدة بدورها تأخذ الآن الشكل المزدوج لعولمة دائرة الإنتاج ذاتها ونثرها في كل مكان مناسب تقريباً على سطح الكرة الأرضية ، من ناحية وإعادة صياغة مجتمعات الأطراف مجدداً ، في عمقها الإنتاجي هذه المرة ، وليس على سطحها التبادلي التجاري الظاهر فقط ، من ناحية ثانية ، أي إعادة صياغتها وتشكيلها على الصورة الملائمة لعمليات التراكم المستحدثة في المركز ذاته "( ).
وإذا كان الفكر الليبرالي الجديد Neoliberal هو الناظم الجوهري "للعولمة" فإن الليبرالية الجديدة تتجه الآن ضد الدولة القومية نفسها ، كأداة ضبط وتنظيم، أي أداة تدخل ولجم على الصعيد القومي وعلى الصعيد العالمي ، والفكرة المطروحة حالياً إن الرأسمالية تنشط الآن على المستوى الكوني ، مديرة حركة رأس المال ، والخدمات والسلع وبالطبع العمل . وهكذا فإن الاقتصاد المعولم يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية ، مما يزيد في إمكانات الصراع والتنافس ، ويريد من دور الشركات متعددة الجنسية ويحولها إلى شركات فوق قومية Trans – Nation ورأسمال طليق بلا قاعدة وطنية محددة وبإدارة عالمية . ويبدو أن "العولمة " لم تفقد الدولة القومية الكثير من وظائفها كناظم وضابط اقتصادي فحسب، بل إن انتهاء الحرب الباردة ، من جانب ثان ، ساهم مع العولمة في تقليص وظائف الدولة العسكرية ـ الأمنية … إلى حد غير قليل( ) .
مجتمع الموجة الثالثة
هذه التطورات الجذرية لم تنشأ من فراغ، وانما جاءت ثمرة لطفرة كبيرة جدا لم نشهدها من قبل فى اواخر القرن العشرين واوائل القرن الحالى يمكن ان نسميها طفرة التكنولوجيا الحيوية.
وبموجب هذه الطفرة اصبح ممكنا للمعارف المتاحة للانسان فى مجال العلوم الطبيعية ان تتضاعف مرة كل عشر سنوات، فى حين انها كانت فى الماضى تستغرق فترة تتراوح بين ثلاثة او اربعة قرون، وان التغيرات التى حدثت فى الخمسين عاما الاخيرة تفوق كثيرا ما حدث فى خمسين قرنا من الزمان فيما سبقها.
واذا كانت الثورة الزراعية قد استغرقت اكثر من ثمانية آلاف سنة ، فان الثورة الصناعية لم تستغرق الا اقل من ثلثمائة سنة، فى حين اننا قد دخلنا ما يسمى بالموجة الثالثة، او المجتمع ما بعد الصناعى، او "مجتمع الموجة الثالثة" فى وقت قصير جدا .. فمجتمع الموجة الثالثة قد بدأ فى الولايات المتحدة فى متنصف خمسينيات القرن الماضى وقبل اكتمال ذلك القرن تشكلت معالمه الى حد كبير وتعاقبت تطوراته بشكل غير مسبوق فى الاكتشافات العلمية، وفى التفجر المعرفى، وفى ثورة الاتصالات الفائقة( ).
وفى سياق هذه الثورة المذهلة استطاع العلماء ان يحققوا نوعا من التزاوج بين الكمبيوتر والعقل البشرى على أجهزة كمبيوتر متطورة.
واذا ما دخلنا فى هذه العملية من التفاعل بين التنمية الهائلة والشاملة لامكانات العقل البشرى فضلا عن التطور الهائل فى الهندسة الوراثية والتقدم المذهل فى الانسان الآلى والتحكم عن بعد، والتقدم الكبير فى التكنولوجيا فائقة الصغر،فنحن فى اطار منظومة جديدة تشكل نقلة نوعية فى قدرات الجنس البشرى، ثورة فى آفاقها كنا لا نستطيع مجرد تخيلها ولكنها اليوم حقائق علمية تثبت على ارض الواقع( ).
وفى اطار هذه التطورات فانه فى سنة 2010 سيكون هناك كمبيوتر له نفس مستوى الذكاء البشرى، وفى عام 2030 سيكون هناك كمبيوتر ذكاؤه يعادل ذكاء ألف انسان، وبمضى منتصف القرن ستكون هناك شرائح تزرع فى المخ البشرى وتعطى إمكانات هائلة فى النظر والسمع والذاكرة والذكاء .. وبحلول نهاية القرن سيكون هناك تزاوج شبه كامل بين السوبر كمبيوتر والانسان.. والانسان الآلى والانسان.. وسيصبح فى الامكان أن يحدث التقاء الانسان بالانسان وبالانسان الالى عبر الزمان والمكان بالسمع والبصر والاحساس والعاطفة( ).
كل هذا يدفعنا دفعا الى النظر الى العولمة نظرة موضوعية باعتبارها عملية تاريخية، لا باعتبارها ملاكا او شيطانا.
وبصفتها عملية تاريخية، فانها مثل العملة لها وجهان، لا يجب لاحدهما ان يخطف ابصارنا عن الآخر.
فنحن – من ناحية – ازاء ما يمكن تسميته بالعولمة المتوحشة، التى تتماهى الى حد بعيد مع امركة العالم واطلاق يد الشركات متعددة الجنسيات فى سائر قارات الدنيا دون حسيب او رقيب .. الى اخر هذه الممارسات التى اشرنا الى جانب منها.
ونحن – من ناحية ثانية – إزاء ما يمكن تسميته بالعولمة البديلة. فمن اصطلح على تسميتهم بناشطى حركات الاحتجاج ضد العولمة لا يمكن اعتبارهم رافضين للعولمة، حيث ان هذه الاحتجاجات ذاتها من المناسبات التى تتسم بدرجة عالية جدا من العولمة فى عالمنا المعاصر، فالذين يسيرون فى مظاهرات الاحتجاج فى سياتل وملبورن وبراغ وكوبيك وغيرها ليسوا أطفالا يعيشون فى تلك المدن، بل هم رجال ونساء يتوافدون بأعداد كبيرة من جميع انحاء العالم على موقع الحدث من اجل اعلان شكاوى ذات طابع عالمى( ).
وعندما نستشهد بهذه الحركات الاحتجاجية فاننا لا نتحدث عن بضعة مئات او بضعة آلاف من النشطاء، بل نتحدث بالاحرى عن حركة تاريخية واستثنائية غير مسبوقة تضم ملايين البشر وآلاف المنظمات والشبكات الأهلية. وهذه الحركة التاريخية هى التعبير الاهم عما نسميه بالعولمة البديلة. لدرجة ان جريدة أمريكية مهمة مثل "نيويورك تايمز" اعترفت بأن العالم المعاصر اصبحت فيه قوتان عظميان.. الأولى هى الولايات المتحدة والثانية هى الرأى العام العالمى.
وكان يوم 15 فبراير 2003 يوما بارزا فى تاريخ هذه الحركة "المعولمة" حيث تدفقت الملايين على شوارع وميادين عواصم العالم الكبرى لتعلن رفضها للحرب الانجلو امريكية على العراق، وعلى كل الممارسات الفجة لـ "العولمة المتوحشة".
وعندما نتحدث عن العولمة البديلة فاننا لا نستشهد فقط بمظاهرات الاحتجاج المليونية التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية، وإنما نلفت النظر الى واقع مؤسسى لهذه العولمة البديلة.
فبإمكاننا اليوم ان نرى "عنوانان" للعولمة.
أولهما للعوملة المتوحشة التى اختارت منتجع دافوس السويسرى لكى يكون مقرا مختارا لها ومنبرا لترويج وتسويق سياساتها وتوجهاتها.
وثانيهما للعولمة البديلة التى اختارت مدينة بورتو الليجرى البرازيلية لكى تكون عنوانا لها وساحة لطرح استراتيجياتها وتكتيكاتها.
والطريف أن القمتين، قمة دافوس وقمة بورتو الليجرى، تنعقدان فى نفس الوقت سنويا.
وبهذا الصدد فانه يجدر أولا وقبل كل شئ الانتباه الى ان هذا المنتدى الاخير ليس ضد العولمة بصورة مطلقة كما اسلفنا، وانما هو مع المناداة بعولمة بديلة
ترفض تحويل شعوب العالم إلي سلع، وترفض تهميش غالبية هذه الشعوب والقضاء علي تنوعها الثقافي واستنزاف مواردها وتخريب البيئة المحيطة بها، وفرض إرادة القطب الأمريكي الواحد عليها.
وإذا كانت الوجوه التي تحضر منتدي دافوس معروفة ومألوفة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمشاركين في منتدي "بورتو أليجري". لذلك يجدر إلقاء بعض الضوء علي أهم المنظمات المشاركة في هذا المنتدي.
فهناك "شبكة العالم الثالث" التي تضم عددا كبيرا من المنظمات غير الحكومية في آسيا وأفريقيا المدافعة عن البيئة. و"حركة المواطنين" الفرنسية، التي تتعاون جريدة "لوموند ديبلوماتيك"
وحركة "اتاك" التي تضم 28 ألف عضو و 230لجنة محلية، وتشكلت لها فروع في 40 دولة، وتطالب بفرض ضرائب علي الصفقات المالية وتوظيف الأموال الناجمة عن النضال ضد أشكال اللامساواة، ونجحت في فرض وجودها علي الساحة الفرنسية.
و"يوبيل الجنوب" الذي يدعو دول الجنوب إلي الامتناع عن تسديد الديون لأنها منحت غالبا إلي حكومات شمولية وفاسدة سخرت الأموال لصالحها، ولأنها حصيلة نهب الشمال لثروات شعوب الجنوب خلال قرون الاستغلال ويمثل "يوبيل الجنوب" تحالفا يضم 85 حركة وحدث في 42 بلدا وكان هذا التحالف قد أطلق مبادرة تشكيل "محاكم الديون"التي أقيمت في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية.
و"صوت الفلاحين" وهي حركة تضم حوالي 51 مليون عضو موزعين علي ما يقرب من ستين بلدا معظمهم من الفلاحين المحرومين من الأرض، وصغار المزارعين، والسكان الأصليين في أمريكا اللاتينية وتمثل كونفيدرالية الفلاحين في فرنسا، التي يقودها جوزيه بوفيه واحدة من أبرز الحركات الأوروبية المنضوية تحت لوائها وتناضل هذه المنظمة ضد سياسات الشركات متعددة الجنسية، وضد الشركات التي تلجأ إلي تعديل الزراعات جينيا.
وجمعية "المواطن العام"، وهي أكبر جمعية أمريكية للدفاع عن حقوق المستهلكين والتحذير من نتائج تحرير التجارة ومن أن العولمة الحالية تخدم الشركات متعددة الجنسية وحدها علي حساب شروط العمل والصحة والبيئة.
و"حركة المحرومين من الأرض" البرازيلية التي تشكلت عام 1980 للنضال من أجل فرض الاصلاح الزراعي.
وحركة "أصدقاء الأرض"التي تشكلت في أمريكا عام ،1969 وهي تضم حاليا أكثر من مليون عضو موزعين علي 66 بلدا وتبلغ ميزانيتها حوالي 200 مليون دولار.
و"الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان"، وله منظمات محلية في 90 بلدا.
وبناء علي مداولات المنتدي في العامين السابقين تشكلت أممية للاعلام البديل تحت اسم "انديميا" تغذي ما يقرب من 60 موقعا موزعة في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا كما تأسست وكالة اعلام باسم "سيراندا" كي تغطي نشاطات المنتدي الاجتماعي العالمي. وما يهمنا أن منتدي بورتو أليجري - اضافة إلي ذلك كله - يتبني القضية الفلسطينية ويدافع عن الشعب العراقي ويدين الحملة الأمريكية علي الشعوب العربية.
والسؤال الآن هو: أيهما أولي باهتمامنا.. منتدي دافوس الذي لا هم له سوي اقتسام بترول العراق والعرب بأبخس الأسعار وأبشع السبل، أم منتدي بورتو أليجري الذي يقف معنا ضد ضرب العراق ونهب مقدراته؟
أيهمها أولي باهتمامنا.. منتدي دافوس الذي استخدمه الإسرائيليون للترويج لسياساتهم الاستعمارية والعنصرية أم منتدي بورتو أليجري الذي يناصر الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة؟
أيهما أولي باهتمامنا، منتدي دافوس الذي لم نر منه سوي تكريس آليات فرض شروط الشركات متعددة الجنسية علي شعوب وبلدان الجنوب، أم منتدي بورتو اليجري الذي يطالب باسقاط الديون، بل ومحاكمتها باعتبارها نهبا صريحا.
السؤال مطروح. ويحتاج إلي إجابة.