أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إبراهيم راشدعبد الحميد - البصرةُ ..ووجهٌ آخر!















المزيد.....


البصرةُ ..ووجهٌ آخر!


إبراهيم راشدعبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 2064 - 2007 / 10 / 10 - 07:58
المحور: كتابات ساخرة
    



للبصرة الخالدة ..بصرة شط العرب
قرّة عين العرب والمسلمين وجهان
بصرة تمتّع بها وبخيرها وبجمال صحبة أهليها الطيبين البسطاءــــ والذين يكرهون كل جبّار متكبّرــــ وبالشخصيات التي برزت شعبيا وثقافيا بما لا حصر له أناسٌ متّعهم الله بما كان لهم وما كتب !
وقد قرأت كثيرا عن مزايا البصرة كبلد وكقوم وأهالي وكثرما قيل عن طيبتهم وبساطتهم وعلوّ هام أهلها في العلم والأدب والفنون بل حتى في السياسة والحرب وقبل كل هذا وذاك كرمهم وضيافتهم ووجههم الطلق للغريب والقريب .يثني كثيرون على تسامحهم المحبب
واحتضانهم للغريب والفقير والمعوز وإكرام الناس على اختلافهم ..لقد قرأت مؤخرا مقالا أفاض في ذكر مناقب البصرة وأهل البصرة وبما أنني من أهل البصرة أصلا جدا جداً رأيت ان ما يذكر إنما هو صحيح تماما ولكن للبصرة وجهٌ آخر كما قلت ولن أكرر المناقب الإيجابيّة للبصرة فقد سبقني من افاض في ذلك وأسهب وله في نفوسنا وعلينا نحن أهل البصرة القديمين واجب الشكر..وحق ردّ الجميل
ولكن ..
ما زالت غصّة في نفوسنا وحسرة على أؤلئك الذين قضوا في الحسرة والعوز الإجباري والذين وقعوا تحت الظلم الإجتماعي المتنوع بلا مسوّغ وبلا ذنب
لا أجانب الواقع إذا قلت أن البصرة للأسف الشديد احتفظت بمعالم مؤسفة عديدة منها مثلا أنها ظلت تحتفظ بمبغى عام من بين مختلف المدن العراقيّة وغير العراقيّة في كل المحتوى الإقليمي.لم يعد هناك مثل ذلك ولا في أي مدينة عراقيّة أبدا ولكن البصرة وبفضل عدد من السماسرة المجرمين ظلّت تحتفظ بذلك إلى اليوم حتى شنّت القوى الإسلاميّة عليها حملة شعواء
إن هؤلاء السماسرة (القوادون) للأسف لعبوا دورا مؤسفا وخبيثا ونتنا بين الفئات المستضعفة وكذلك مختلف الفئات الأخرى من الأهالي وتاجروا بالرقيق الأبيض كما يُقال وعملوا على رفع أو خفظ شرائح اجتماعيّة واسعة بأساليب خسيسة لا يردعهم دين ولا فضائل الأخلاق ولا أية مُثُل أخرى وقد وجدوا لهم في فترة متأخرة مكانا في أعمال المقاولات دون أن يتخلّوا عن وسائلهم وأدواتهم المألوفة ،كما أنهم في فترات أخرى لاحقة وجدوا لهم مكانا مناسبا في الأجهزة السرّيّة والقمعيّة للحكومات المتنوعة
لقد اتبعوا أرذل الطرق والوسائل وبتخطيط مسبق ودؤوب لتلويث سمعة أسر عريقة ومعروفةوأشخاص صالحين والعبث بالتوازن الإجتماعي لصالح فئات متطلعة للتسلق بأي ثمن وبأرذل الوسائل ..
كنا نجد عتاة هؤلاء السماسرة يتصدرون عددا من المقاهي والدكاكين وهم ينفشون أجسامهم كالقطط السمان (عتاوي المطابخ)ولا يجرؤ أحد على أن يمسّ لهم طرف .لقد كانت هناك عصابات وزمر تقف وراءهم ويحتمون بها وقد توسعوا في العديد من الأحيان في استخدام فرق من الشقاة الذين كانوا مستعدّين لإهانة أي شخص وأن يمسحوا بكرامته الأرض فما بالك بمن يتصدّى لمصالحهم؟ إن بعض العوائل كانت تراهم يعبثون بأبنائهم وبناتهم علنا ولا يستطيع أحد أن يردع أحدا منهم لاستهتارهم وعبثهم وإجرامهم
في البصرة كان هناك يوما ما الدكاكة ! وما أدراك مالدكّاكة؟! ليسوا هم من أهل الطرب كما توحي العبارة ! إنهم شقاة وعصابات يسرقون في وضح النهار ويسطون على من يقصدون بعد أن ينذرونه برسالة مسبّقة أن يعطيهم بلا مقاومة مبلغا كبيرا من المال ! ..أو أن يسلّم لهم ابنته فلذّة كبده ..ويحددون له موعدا لذلك لا يُخلفونه ويأتون برجالهم المسلّحين في وضح النهار والناس تراقب وتُشاهد ويُحاصرون الدار المطلوبة ثم يدخلونها ويسألون بشقاتهم ومجرميهم ما أرادوا فإن تسلّموا ما أرادوا أخذوه وخرجو ا والعار يصبغ صاحب الدار طوال العمر وإلى أبد الابدين،أو إن امتنع قاموا بقتل من يشاؤون أمام أهل الدار وأمام الناس وأمام الأطفال أو النسوة وتركوهم يحملون ثارا لا يعرفون كيف السبيل للوصول إلى إطفائه
للبصرة ..وجهٌ هو وجه الذين اّصغِروا وأهينوا بالإفقار المتعمد والإذلال الخاسيء وبدون حقّ
أؤلئك الذين ينامون الليل ولا يلوون على فلس للغد ولا يعلمون كيف يواجهون المستقبل ..أولئك الذين حوربوا وأُذِلّوا عنوةً لرغبة ثري أو متسلق لسلّم الحياة الإجتماعيّة أو بسبب اعتبار أحد المتنفذين من أثرياء ووجهاء الزور والرذيلة أنهم ربما يقفون بوجه طموحاته أو مشاريعه
للبصرة اناس التحفوا السماء وناموا على الأرض
للبصرة أهل عاشوا في حياة واحدة التاريخ كلّه بمآسيه ومزاحه الثقيل
جاعوا وشارفوا على العري والعوزو لم ينتموا لأي ماوى
ليس في أي مكان في العالم، تجد شاهد قبر مكتوب عليه ما يلي: متنا من الجوع وما بعنا أولادنا
لن تجد في أي مكان في العالم أناسا بمثل ذلك الصبر الذي لا ترقى إليه حتى أغنية وديع الصافي :يا عيني عالصبر
لن تجدإلاّ في البصرة من يموت وهو عبد للحريّة وحدها ولم يستعبده المال ولا الجاه
لن تجد من يضحّي بنفسه وبسمعته ليتّخذ له زوجا من المومسات وياويها ويحميها ويعمل لأجلها ويتحمّل الضيم والعنت في مجتمع قبلي وعشائري لا يعلم مدى ثقل تقاليده وأعبائه إلاّ الله ويكابد من وراء ذلك صنوف الأذى والمشاكل لا لشيء إلاّ لأنه وجد أن عمله هذا من أقرب الأعمال للتقوى وأنه يفعل ذلك لوجه الله حسب
لن تجد في أي مكان في العالم شخصا مستعدا لكي يشاطرك مصائبك وبلاوي الدنيا بلا مقابل وبإخلاص إلاّ في البصرة
ولكن
للبصرة وجه قاسٍ لا يرحم فإنك تجد أن هناك أناسا يانفون من سواد الأهالي ويترفعون عليهم ويقسون بلا مثيل على كل من يخالفهم حتى أبسط الآراء
منهم من يُذكّرك بقول المصطفى (ص) في المنافق :آية المنافق ثلاث وقيل أربع ، الثلاث معروفة أما الرابعة فهي أنه إذا خاصم فجر ..هنا في الوجه الآخر للبصرة تجد كثيرا ممن هم من علية الناس عندما يُخاصمون فإنهم يفجرون
ويُمعنون في التنكيل بخصومهم حدا لا يقبله لا خلق ولا دين ولا عرف ولا قانون
للبصرة وجهان.
حدّثني أحد أدبائها المغمورين وما أكثرهم وكان من رعيل المثقفين القدامى قال إنه كان يتابع الحركة الأدبية والثقافية في مصر منذ أيام النهضة ورجالها مثل محمد عبده والأفغاني والطهطاوي والرافعي وسواهم أو من تبقّى منهم وحدث أن استطاع السفر في ذات مرة إلى مصر وأنه حاول الإتصال بتلك الأسماء اللامعة وأنه وجد أن لهم صالونا في بيت أحد الوجهاء يحضره عديد من مثقفي ذلك الزمن فدعوه لذلك وذكر انه شاهد الموسيقار محمد عبد الوهاب لأول مرة حينذاك وكان حسب قوله شابا نحيفا أسمر وأنه أطربهم وأثنى عليه عدد من الأدباء والياشوات ، وكان من الحاضرين الباشا وزير المعارف في حينه ولم أحفظ إسمه، عندها وجد الباشا أن صاحبنا وجها جديدا بينهم فسأله من أين الأخ؟ قال أجبته :من العراق من البصرة(وكنت أحسب أن ذكر البصرة سيرفع من مكانتي لديهم لما للبصرة من صيت في الأدب والشعروالتاريخ) ! قال الباشا الوزير :نعم .من بلاد الذباب والغربان؟
فلما وجد الباشا أن وجهي احمرّ واصفرّ وخجلت أن أجيبه بقساوة وأنا ضيفهم أجاب عنّي أحد الجالسين: بل هو من بلد النخيل والبساتين ولا شك ان قول الباشا الوزير لم يكن يقصد الإهانة بل تذكرا للأقوال التي وردت في كتب الأقدمين وربما لهذا القول ما يشبهه في كتب الجاحظ
هكذا هي بصرتان
الوجه الآخر كله مآسٍ وليس فيه شيء من البهجة بل مساحة واسعة لقصص ومآسي وأحزان لا حد لها
عندما حدث الإنقلاب الإجتماعي الأساسي بعد الحرب العالميّة الأولى فعل دولاب الحياة بالناس فعله فنزلت ناس وصعدت ناس ولكن المجتمع ولأسباب مختلفة ومتعددة احتفظ لأولئك الذين نزل بهم الدولاب باحترام وتقدير ولم يرُق لمختلف فئات وشرائح الشعب أولئك الذين صعدوا بغير حق بسبب جهلهم وغباء بعضهم وفساد سبلهم وخروج الآخرين عما متعارف عليه من العادات والتقاليد وبسبب التعالي الزائف أيضا، وأخذ الناس يعودون ليثنوا على الوجاهة السابقة ويعيدوا لها الإعتبار وحدث ما حدث وتقلبت الأمورعدة مرات ونزل الصاعدون أيضا ولكنهم أخذوا يزيفون المواقع وانضموا إلى من يمتدح الماضي أيضا ليلبسوا لبوس من سبقهم؛ ويدّعون لأنفسهم ذلك الماضي
..صدق من قال شرّ البليّةِ ما يُضحك
ومع ذلك ففي الوجه الآخر أيضا جانب مُشرق فكل التناحرات والمشاكل غالبا ما كان حلّها بالمصاهرة وهذا من غرائب البصرة التي تضاف إلى الذبّان والغربان..حيث ينتهي كل تناحر وثار وخلاف تماما وكأن شيئا لم يكن بعد المصاهرة
للبصرة وجهٌ آخر منه أن أحد الولاة العثمانيين وكما هو مالوف توجه إلى البصرة بعد صدور الفرمان الهمايوني بتعيينه واليا عليها وبعد أن تجهزت خلفه قافلة من الأمتعة والركائب سار مسيرته الطويلة من الأستانه إلى البصرة وفي الطريق أوقفته قافلة تركت البصرة ورائها واجتمع قائدا القافلتين في مجلس واحد عرض البصري على الوالي العثماني أن يشتري منه الفرمان والولاية وبعد مساومة طويلة وأخذ وجرّ اتفق الإثنان على مبلغٍ محدد وعاد الوالي متخفّيا إلى بلاده محملا بالمال والهدايا وعاد البصري إلى البصرة واليا عليها بدلا من الوالي العثماني ولكن باسم جديد هو نفس إسم الوالي العائد! وبعد أن وصل البصرة جمع المسؤولين ورؤساء الدوائر وصاحب الجند وصاحب الشرطة والجندرمة وكذلك الباشوات الموجودين بالبصرة وقرأ عليهم الفرمان الهمايوني بتعيينه واليا على البصرة بعد أن غيّر اسمه إلى إسم الوالي العثماني العائد! ووصلت الأنباء إلى الأستانه بتسلم الوالي الجديدباسمه الرسمي لمهام ولايته وشكر الصدر الأعظم الله على توفيقه!!!
في الوجه الآخر للبصرة أيضا أن الوجيه البصري والسياسي المعروف طالب باشا النقيب كان عندما يحتاج إلى شيءٍ من المال يبعث في طلب الثري والتاجر اليهودي المعروف حسّون عابد ليقرضه مبلغا من المال ويحرر له كمبيالة بالمبلغ وبعد أن يحين موعد السداد يبعث في طلب حسون عابد ويرجوه أن يحمل معه الكمبيالة لغرض السداد فيأتي التاجر ومعه الورقة فيقول له طالب باشا أخرج الكمبيالة فيُخرجها؛ فيخرج طالب باشا المسدس ويضعه في رأس حسّون عابد ويقول له كلها فيتفاجأ حسون عابد فيامره قائلا كلها فيضطر حسون عابد أن يضع الورقة في فمه ويبدا بمضغها على كره ثم يبلعها فيخرج بعد أن ضاعت نقوده وأكل ورقا خاليا لا طعم له وعندما تكرر الأمر كثيرا مع حسون عابدوجد أن لا بد له من حلّ فذهب عندما طلبه طالب باشا في إحدى المرات لنفس السبب وعندما طلب الباشا منه أن يحرر كمبيالة جديدة أخرج حسّون عابد قطعة(شريحة) من قمر الدين(الحلاوة التي تُصنع من المشمش المجفف)فقال له الباشا :ماهذا؟ قال له حسّون عابد :باشا أقلها طعمها أطيب!
وفي الوجه الآخر للبصرة أيضا أنه في أولى أيام العهد الوطني كان المتصرفون يتصورون أنهم مطلقي الصلاحيّة والنفوذ فيحاولون أن (يخووا) وهي عبارة تعادل مصطلح يستزلموا عند إخواننا في الشام كل من يليهم في المسؤوليّة ليضمنوا ولائهم وانصياعهم وحدث أن اقام أحد المتصرفين وليمة كبرى لجماعة من المسؤولين القادمين من بغداد ومعهم وفد أو جماعة من الأجانب وكانت ليلة ليلاء اكلوا فيها حتى التخمة وشربوا حتى الثمالة مختلف صنوف المشروبات الكحوليّة والأجنبيّة ولما أصبح الصباح حمل صاحب المحل فواتيره إلى ديوان المتصرفية مطالبا بالمبالغ فبعث به الموظفون بكتاب رسمي إلى البلدية(التي كانت تُلقّبُ بالبقرة الحلوب) مع امر بالصرف ولما كان مدير البلدية يجد في نفسه العزّة وأنه من أهل الدين امتنع عن صرف المبالغ المتعلقة بالمشروبات الكحوليّة فعاد صاحب المحل إلى المتصرفية ثم هكذا دواليك حتى شجر بين المتصرف ومدير البدية شجار بالتلفون ثم ما فتيءَ وتحول إلى مشادّة عنيفة والتقى الإثنان في النادي بعد الدوام وكان المتصرف يزمع أن يصفع مدير البلدية على تجرُّئه عليه وعدم إطاعة الأمر بالصرف ولكن مدير البلدية كان أشد مكرا فقد أوقف إثنين من خاصّته بالباب وقال لهما احملا سلاحيكما ولا تطلقا النار إلاّ على من يحاول التدخل بيننا فلما دخل المتصرف منفوشا وشرع برفع يده قام مدير البدية بلكم المتصرف ودارت معركة ولا الأفلام الأمريكاني بينهما ولم يستطع حرس ومرافق المتصرف أن يتدخلا بسبب سلاح خاصّة مدير البلديّة وانتهى الأمر بعد لأي كما يقال وصدر ت الإرادة الملكيّة بفصل كليهما من عمليهما وارتاح الناس منهما معا
في الوجه الآخر للبصرة أن أحدهم وكان موظفا مهما في إحدى دوائر الحكومة كان عندما يرد إليه البريد الرسمي يمزّقه كلّه مباشرةً وقبل أن يقرأه وعندما سأله أحدهم لماذا؟ إذ ربما يحتوي البريد على أمور مهمة أو أوامر جادّة يقول له صاحبنا المسؤول الكبير : ما يهم ..لو كان فيه بريد مهم فعلا حتما سيأتي عليه تأكيد(توكيد!)
أريد أن أطيل قليلا لأروي شيئا من المضحك المبكي في الوجه الآخر للبصرة ..
فقد وليَ أمر إحدى المؤسسات الرسميّة في ذات مرة رجل تقي متديّن يخاف الله ويشهد له الناس بذلك وقد اختير للمهمة هذه بسبب الفساد الذي عمّ تلك المؤسسة مما حدا بالمسؤولين أن يبحثوا عمن هو مثله وعندما باشر أعماله دعا كافة المهندسين والمسّاحين وكانت أصابع الإتهام تشير إلى المساحين وطلب منهم جميعا أن يُقسموا بالقرآن الموجود امامهم أن لا يسرقوا ولا يرتشوا بعد الآن ووقف المساحون والمهندسون صفا واحدا طويلا ليقوموا بإداء القسم الواحدتلو الآخر وعندما انتهوا قال لهم استريحوا،أي إجلسوا! فشاور أحد المسّاحين صاحبه وهمس في أذنيه قائلا :نحن أدّينا القسم ونحن وقوف ،فهل يحلّ لنا أن نرتشي ونسرق(نبوك) ونحن جلوس؟!
في الوجه الآخر يجري تبليط شارع ما باسم الشارع الفلاني ثم يتم إحالة مشروع جديد لنفس الشارع باسم الشارع الممتد من كذا إلى كذا ثم مرة أخرى باسم الشارع المتفرع من كذا وكذا، وهكذا لعدة مرات
في الوجه الآخر ضحك حتى الثمالة وبكاءٌ حتى الألم
في الوجه الآخر عندما يتم إعداد الخطة السنوية ويتم تحديد المشاريع يتعارك الموظفون فيما بينهم فيقول أحدهم للآخر يا معوّد هاي مشاريع كناستها بذاك الحساب وكأنهم يتحدثون عن دكان صايغ!
في الوجه الآخر يتم منح نفس قطعة الأرض عددا من السندات الرسميّة وتوزع لعدد من الناس ويبدأ ما يُدعى( بتالي الليل تسمع حسّ العياط)
يومها وفي الوجه الآخر تزوج رجل من امرأة بنت عائلة دينيّة للوجاهة وليكتسب سمعة وصيتا عند الناس ليتمكن من الحصول على إحدى الوظائف العليا وبعد أن وجد أن هذا لا يكفي بحث عن سبيل إضافي فوجد أن الولائم تفعل ما لا تفعله الوجاهة المذكورة فأخذ بإقامة الولائم بمناسبة وبدون مناسبة ليتقرب إلى المسؤولين حتى أوشك أن يغرق بالديون ولكنه عمد أخيرا إلى أن يكذب على زوجته ويقول لها أنا أريد أن اقيم وليمة لجماعة من الضيوف فتعمل طوال النهار هي ومعها خدم يأتون من بيت أهلها ليساعدوها حتى ينتهوا من إعداد كافة صنوف الطعام وقبل مجيء الضيوف بقليل يصرف زوجته بحجة أن الضيوف رجال فقط وياتي ضيوفه من الموظفين الفاسدين وياكلون ويشربون المشروبات الكحوليّة (يسكرون!)فلما اكتشفت زوجه ذلك وهي سليلة عائلة عريقة وكانت ذات دين ووجدت قناني المشروبات تملأ الدار تركت البيت وهجرته وهي تفوض أمرها إل الله
وفي الوجه الآخر يقف بائع الرقّي بعد أن يفتحها وهي رقّيّة(بطّيخة بلغة أهل مصر) بيضاء ليقول يا أخ (كذا ...) يقول مو حمرة؟!
في الوجه الآخر يكمن كل الجور والظلم الإجتماعي والغبن
كل الغضب وكما يقول صاحب بيت الأبوذية:
أريد أشرد من البصرة ولا عود
كمنجه لا تسلّيني ولا عود
جكارة (أي سيكارة) ما بقت عندي ولا عود
فلسين التتن حسره عليّه
سلامٌ على البصرة وعلى أهل البصرة النجبا وألف معذرة فأنا لا أريد سوى أن أذكر الضحايا إلى جانب الاخرين
فقد جاء رسول الله(ص) رجل وقال له يا رسول الله أريد أن أُشهِدكَ على أنني أعطيت ولدي هذا من المال كذا وكذا قال له الرسول (ص) وهل لك ولدٌ غيره؟ قال نعم قال وهل أعطيته مثل ما أعطيت ولدك هذا؟ قال لا ، قال : لا تُشهِدني على جور إذهب وأَشهِد غيري.
واضيف إلى وجه البصرة الآخر
أنه كان بين البصرة والزبير عداء كبير بلغ معه الأمر ان الزبير تغلق أبواب سورها أمام البصريين ولمّا حدث الخلاف بين حكام الزبير أيام خالد باشا العون شيخ الزبير الأسبق قامت ثريا الفداغ بالتعاون سرّاً مع عدد من البصريين وفتحت لهم عند أذان الفجر أبواب الأسوار فدخلوا وتعقّبوا خالد العون وقتلوه وأعلنوا أن الشيخة أصبحت لثريا الفداغ وأغرب ما في الأمر ان الشيخة الجديدة خرجت ووقفت على جثّة العون وقعدت على جثته وبالت عليها
وانه لمّا ضعفت سلطة ولاية البصرة يومامن الأيام، باعها واليها بمبلغ زهيد من المال إلى موظف بسيط من الجند أو بيت الجند وأصبح حاكما ثم أميرا للبصرة هو وأولاده و طيلة أكثر من سبعين عاما كانت فيها ولاية مستقلّة وغير خاضعة للدولة العثمانيّة
وأن البصرة لم تخضع لسلطان المغول المباشرولا للحكم الفارسي أبدا.
ولم يفتحها السلطان سليمان المعروف بالقانوني عنوة كما هو الأمر مع بغداد وسائر المناطق العراقيّة بل دخلت طوعا في الدولة العثمانيّة بقرار أميرها آنئذٍ(راشد بن مغامس وهو أمير عربي ليس من قبائل المنتفق كما أُشيع في بعض الأحيان لأن آل شبيب ومنهم آل سعدون استوطنوا البصرة في حلول القرن الثامن عشر الميلادي ولم يذكر لهم حضور قبل هذا لا في البصرة ولا في وسط العراق وقصّتهم في الهجرة من المدينة المنورة معروفة ) وهذا امر كان واجب الحسبان للبصريين من نواحي القانون الدولي لو شاؤوا أن ينفصلوا عن العثمانيين و لم ينتفع به أحد
وفي وجهها الآخر انها قاومت نادر شاه بجيوشه الجرّارة، وردّته عن احتلالها رغم انه وصل الجانب المقابل من شط العرب
ليس في أي مكان تجد أن خلفك ممن يزور الموتى في المقبرة يضحك ! لا لأنه لا يوقّر ولا يحترم الموتى أو الموت بل لأن صاحب القبر كان ذا موهبةٍ وقدرة على رواية النوادر والحكايات المضحكة جدا بحيث أن زائريه لا يستطيعون عند زيارة قبره وتذكّره إلاّ أن ينفجروا ضحكا تذكّرا للإبتسامات التي كان يرويهافي حياته.
ليس في كل مكان في الدنيا تجد نفسك عند زيارة القبور أمام أناس قضوا بالآه والونّة بالمئات بل أكثر ..
لا تستطيع أن تنسى من بكوا طول العمر ومن تألموا لفرط شفافيتهم وحسّاسيّتهم بسبب أفواج من الناس أقل ما يقال عن أحدهم أنه فظّ وقبيح الخلق
لا تكاد تتعرف على أولئك النسوة بعباءاتهم السوداء وهن يسرعن من عزاء إلى آخر ليبكين بدموع حارّة تذكّرا لمن فقدوا بلا مسوّغ ولا سبب
كان هناك من يحلم بحيازة سيارة ولكنه لم يستطع ذلك إلاّ بعد أن بلغ سنّا متقدمة والسيارة التي حازها أخيرا في حال لا يُحسد عليها وينام بالليل بعد جهاد نهار طويل وهو لا يكاد يسدّ نفقات الوقود والتصليح ولا يلوي على فلس واحد ليستيقظ صباحا ويرجو هذا وذاك أن يساهم بدفع السيارة إلى محطة الوقود بعد أن يجد من يسلّفه نصف دينار للعمل به ويسدّده آخر النهار
لن تجد أناسا عندما نحت جرفهم الحصار أخذوا يشترون الخبز اليابس ويطحنونه مرة أخرى ويصنعون منه خبزا أسودا ويكذبوا على عيالهم قائلين لهم أن هذا هو الدقيق الموجود في السوق
كنت أرى بأم عيني الناس يتجولون في السوق وهو عامرٌ بالفواكه والخضار ولكن أحدا منهم لم يشترِ ولا حتّى شيئا أبدا وكلٌ يحمل بيده (علاّقة) فارغة
يوما من الأيام اشتريت كيلوين من الطماطم ولكنني لم أستطع أن أتخلص من السائلين عن السعر وكيف حصلت على طماطم جيدة (وهي لم تكن كذلك)وأفواج من الناس تستوقفني مرارا
يوما من الأيام وجدت نفسي إلى جانب فتيات شابّات نقف عند بائع للخضار المتعفّنة لنشتري مما عنده وقد تململن المسكينات وترددنَ عند الشراء لسوء نوعيّة الخضار وردائتها ودارت أحداقهن اللامعات هنا وهناك بين الناس وهن لا يدرين ما يفعلن حتّى بادرت وقلت اشترن يا بنات فإن الطماطة بالطبخ تصلح حتى لو كانت كما نرى الآن ..لا تترددن!
أكلنا الأوساخ والقذارات ..وبكينا من شدّة العوز والذل ..وهذا لا يحدث في كل مكان !
في الوجه الآخر
يُضطرّ معلم الأجيال أن يقترض حذاءً ليذهب به إلى المدرسة لكي يُحافظ على وقار المعلم والتعليم لأنه لا يُمكن أن يذهب للمدرسة بالخفّ الذي كان الحفاء منه أرحم.
في الوجه الآخر إذا كثتِبَ لك أن تُراجع أيّة مؤسّسة حكوميّة فقد كّتِبَ عليك الضيم والإفلاس لأنه يتحتّم عليك أن تُعطي كل ما تحمل من المال(وربما حتّى علبة الكبريت التي تحمل) وتوزعه على الموظفين والفراشين وسواهم بعد أن يذلّوك أيّاما طويلة ويُرهقوك بالمراجعات المستمرّة والطويلة بلا مبرر
ليس في كل مكان يحدث أن تجد :كاتبا على الآلة الكاتبة يرى أنه هو الوحيد الذي لا يجني من مراجعيه نقودا فيلجأ إلى التربص بأول مراجع يحمل كتابا أومسودة كتاب يبتغي طبعه فيقول له الكاتب تعال غدا فيجيب المراجع :يا معوّد الدوام بعد ما خلّص أرجوك إطبعه ؟ فيصرّ الكاتب ويلح المراجع فيقول له الكاتب أنظر هل تظن أن الكتابة على الآله أمر بسيط؟ إنه يجب عليك أن تضع ورقة ثم (كاربونا) ثم ورقة أخرى ثم كاربونا آخر لمرات عدّة ثم تضبط المسطرة ثم تعدّل الأوراق ثمّ ...ثمّ ،ثمّ تلعب إيدك تلعب إيدك لعب إيدك! إفتهمت؟
في الوجه الآخر أن أحد الرحالة ذكر أنه شهد في البصرة أن فتنةً حدثت بين عشائر المنتفك وبين بعض العشائر التي تستوطن منطقة الفاو وجرى حشد المقاتلين والتنادي للحرب وزحف جيش من البصرة باتجاه إبي الخصيب وزحف بالمقابل جيش آخر من الفاو باتجاه أبي الخصيب وفي طريقها لم يتوانَ المقاتلون من الإستفادة من الفرصة لجني محصول التمر الذي كان قد آن أوانه حتى إذا بلغا موضعا وسطا بين الفاو والبصرة احتكما إلى فريق ثالث واصطلحا ورجعا دون قتال بعد أن جنيا محصول التمر كاملا ولم يتبقّ منه لأهل البساتين شيئا
غنهما وجهان متناقضان ومتلازمان أبدا وكم منّيت النفس بأن تتخلّص البصرة من الوجه الباكي والمأساة الجور والنكد !
ولكن على كل حال فالحديث طويل وقد يمتلك سواي حديثا أو وجها ثالثا للبصرة أتمنى أن يكون ناصعا وبهيّا كما أودّ أن تكون
أو كما يقول لوركا عن غرناطته الخضراء :كما أحبّ لكِ أن تكون



#إبراهيم_راشدعبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إبراهيم راشدعبد الحميد - البصرةُ ..ووجهٌ آخر!