|
قاسم حول :نهوض القطاع السينمائي في العراق لن يتحقق الا بتأسيس شكل الدولة العراقية المفقود
يوسف محسن داود
الحوار المتمدن-العدد: 2063 - 2007 / 10 / 9 - 11:24
المحور:
الادب والفن
حوار :يوسف محسن ماهي أسباب عدم نشوء سينما عراقية ؟ متى ؟ السؤال عن أية فترة تتحدثون عن أسباب عدم نشوء سينما عراقية؟... كانت السينما العراقية قد بدأت في أوائل الأربعينات وفي منتصف الأربعينات نشأت أول قاعدة إنتاجية صناعية للسينما بتأسيس ستوديو بغداد بالقرب من معسكر الرشيد، وكان الأستوديو يفوق في معداته التقنية أهم ستوديو في المنطقة العربية وهو ستوديو مصر في مصر بلد الصناعية السينمائية العربية، وقد جلبت للأستوديو العراقي (ستوديو بغداد) أحدث المعدات التقنية وكان الصوت متزامنا مع الصورة، ما نفى الحاجة لعمليات الدوبلاج المتبعة في تسجيل الصوت في تلك الفترة. إلا أن الأستوديو قد تم ألغاؤه بناء على العثور على رسالة من حاخام يهودي إلى صاحب الأستوديو حسقيل ... حيث كانت رساميل تأسيس الأستوديو من التجار اليهود في العراق. وبسبب هذه الرسالة والتي جاءت بعد الخامس عشر من آيار عام1 948 ما (أطلق عليه عام النكبة) عمدت السلطة إلى غلق ستوديو بغداد وبيع معداته. فأشترى حارس الأستوديو هاماز الملقب بعمو حمزة، إشترى مخابر الطبع والتحميض حيث كان قد تدرب عليها أثناء خدمته كحارس وأنشأ ستوديو هاماز في الطريق إلى بغداد الجديدة والذي من خلاله أنتجت أغلب الأعمال السينمائية العراقية في فترة الخمسينات والستينات، بعد أن تطور الأستوديو في جانب الصوت والدبلجة والمونتاج. كما إشترى مهندس الصوت داود السامرائي اجهزة صوت ستوديو بغداد وأنشأ قسما للصوت قرب سينما النصر وإشترى نهاد علي كاميرا سينمائية ومافيولا (جهاز المونتاج) وإستمر العمل وتم إنتاج الكثير من الأفلام تترواح بين الجيد والمتوسط الرديء ولكن كل العاملين في السينما العراقية كانوا يعملون بمحبة حقيقية من أجل سينما عراقية. لكن حالة عدم الإستقرار التي عاشها العراق والتحولات والإنقلابات حالت وتحول بالضرورة إلى إنتكاسات في مسار السينما العراقية. فعلى سبيل المثال وآسف أن يكون المثل عني فعندما أسست في عام 1965 مؤسسة أفلام اليوم وكان يقف إلى جانبي صديقي الحميم زين العابدين محمد ناجي ناجي وبدعم من الصديق عامر عبد الهادي ومعنا الصديق نجيب عربو، أصدرنا مجلة السينما اليوم وأسسنا فرقة مسرح اليوم وأنتجنا فيلم الحارس الذي شكل إشارة واضحة وهامة في مسار السينما العراقية وبعد أن فزنا بالتانيت الفضي عام 1968 عن فيلم الحارس، فلقد تم إلغاء المؤسسة ومصادرة أفلامها وتم إعتقالي عندما جاء البعث إلى السلطة في عام 1968 فغادرت إلى لبنان وأنتهت تجربة مهمة كان معولا عليها أن تتحول إلى مشروع سينمائي كبير في تأريخ العراق والمنطقة العربية وربما منطقة الشرق الأوسط. هذا مجرد مثال .. تطورت الأحداث بإتجاه النظام الشمولي والدكتاتوري وفرضت أسس جديدة لسينما تنظر للفكر الفاشي. وعندما سقط النظام الدكتاتوري الشمولي بعد أكثر من خمسة وثلايين عاما على تأريخ تجربتنا السينمائية الرائدة. جاء نظام لم أكن أعرفه ولم أكن أعرف عنه شيئا. حاولت أن أرى فيه بارقة أمل جديدة إلا أن المسار أتخذ شكلا منحرفا وسيئا ليس من السلطة ذاتها فحسب بل أيضا من قبل قوى سوداء ماضوية الإتجاه لا تحمل سوى ثقافة التقويل والخرافة ولا يروق لها العمل الثقافي وسادت تقاليد إعلامية فالتة وسخيفة لا يمكنني ولا يمكن لأي مثقف عراقي أصيل القبول بها أو إستيعابها بل أقف ونقف ضدها مهما كانت النتائج وهذه الثقافة تحول بالضرورة دون نهوض حركة سينما وما يؤكد رأيي هذا فإن وزارة الثقافة العراقية هي وزراة مجاملة للقوى المتحالفة مع الحكومة وهي وزارة هامشية وليست ذات شأن وحتى أن وكيلها خبرني في الهاتف بأن رواتب شهرين قد تم إستلافهما من السيد أحمد الجلبي في حين السيولة النقدية في ميزانية الدولة تبلغ واحد وأربعين مليار دولارا. نحن صراحة لا نعمل الآن على إعادة تأسيس السينما العراقية لأنها غير ممكنة سوى في دولة متحضرة. كل الذي علينا عمله أن نحاول إستعادة المتوفر من الأفلام العراقية هنا وهناك في نسخ متوفرة لدى بعض المؤسسات والمهرجانات عسى نستطيع إستعادة التأريخ الذي تم حرقه فلقد إستولى البعث ممثلا في مؤسستة السينمائية على الأفلام المخزونة لدى ستوديو هاماز في الثمانينات وسيطر عليها وأخذها لمؤسسته نهبا ولقد سرقت الأفلام وحرق بعضها بعد سقوط النظام الدكتاتوري وكان النظام قد أحرق هو الآخر كافة الوثائق المصورة في الجريدة السينمائية التي تمثل تأريخ العراق المرئي من 14 تموز 1958 حتى الثامن من شباط 1963 أول إنقلاب للبعثيين ضد النظام الجمهوري. فتأريخنا السياسي وطريقة ادائنا السياسية هي طريقة غير حضارية في التعامل مع الآخر ومع الثقافة ومع الإبداع.. الخلاصة لا توجد دولة الآن، إنما مافيا من سقط المتاع تعمل على نهب العراق ولا أفهم أنا من خلال أحاديثهم وتصريحاتهم سوى إنشاء لا علاقة له بالواقع والمطلوب إحالتهم إلى لجنة قضائية عراقية أو دولية ووضعهم في قفص الإتهام .. والتهمة هي تدمير ونهب وطن كامل إسمه العراق. هل يمكننا أن نعزو أزمة الإنتاج السينمائي العراقي كجزء من أزمة الثقافة العراقية؟ بالتأكيد فهي جزء من أزمة الثقافة العراقية مع الأخذ بالإعتبار خصوصية السينما، فالسينما هي غير الرواية وغير لوحة الرسم أو مقطوعة الموسيقى. السينما لها جانب صناعي وجانب تجاري وجانب إقتصادي كثقافة. يتمثل الجانب الصناعي في القاعدة الصناعية للإنتاج من الطبع والإظهار والصوت والمونتاج وجانب تجاري وهو هام جدا يتمثل في عملية التوزيع، توزيع الفيلم السينمائي على صالات السينما عراقيا وعربيا وعالميا وجانب إقتصادي يتمثل في العملية الإنتاجية وتوفير السيولة النقدية الكفيلة بتغطية تكاليف الإنتاج. وهنا تكمن الصعوبة لأننا أمام عمل مرئي للآخر، فتصوير فيلم سينمائي أو مشهد سينمائي في زقاق أو في الريف أو في الأهوار فهو يحتاج إلى عملية تنظيمية صعبة ودقيقة، ولذلك فدخول الدولة في هذه العملية هي مسألة لا يتم الإستغناء عنها مطلقا شرط أن لا تدخل كطرف إنتاج بل كطرف مؤسس للقاعدة الصناعية والإنتاجية وكطرح داعم دعما غير مشروط كما يحصل في الكثير من بلدان العالم. هذا إضافة إلى أن تسهم الدولة في عملية حفظ وأرشفة الإنتاج السينمائي وإنشاء سينماتيك (مكتبة سينمائية) ومؤسسات أرشيف كجزء من تأسيس الذاكرة العراقية. اليوم لا توجد دولة بالمفهوم العصري للدولة ويصعب إنشاء مؤسسات مثل مدينة سينما أو مكتبة سينما وارشيف سينمائي، فأبسط مقومات تأسيس مثل هذه المؤسسات غير متوفر في العراق وهو الكهرباء ناهيك عن الأمن. فكل إنتاج سينمائي قابل للتلف للحرق للسرقة للضياع والسينمائيون يصبحون مشروع قتل وخطف في أحسن الحالات. انها مأساة كبيرة لا أحد يدرك فداحة الثمن الذي يدفعه مثقفو العراق ولا أحد يعرف معاناة المبدعين داخل العراق وخارجه أيضا. ما هي العوامل التي تعرقل قيام صناعة سينمائية عراقية؟ هل نتحدث عن الواقع الحالي؟ إذا كان كذلك فإن فقدان الأمن وفقدان حرية التعبير وسيادة فكر التقويل والخرافة لا شك يتعارض مع كل ما هو حضاري وفي الأولوية منها السينما. أما في الأوضاع الطبيعية لبلد طبيعي وليس بلد ليس فيه أية مقومات لشكل الدولة وبلد ينخر فيه الفساد والوطن فيه مشروع نهب قبل فوات الأوان وتحت الشعار الذي سمعته من مسؤولة في السلطة تقول فيه (رجال اللي يعبي بالسكلة رقي) .. ليس في بلد مثل هذا، بل في بلد طبيعي فإن العوامل تكمن في عدم توفير قاعدة صناعية إنتاجية تجارية للعمل السينمائي وتوفيرها أمام المبدعين وإنشاء معهد للسينما يتعلم فيه راغبو السينما ومحبوها أسس العمل السينمائي ويعطي فرصة للجيل المبدع أن ينقل تجربته للجيل الآتي وهي سنة الحياة والتطور .. هذه العوامل عدم توفرها مع عدم توفر حرية التعبير والإبداع لا شك تحول دون نهوض سينما عراقية. كيف ننمي صناعة سينما عراقية الوسائل الممكنة؟ أولا، ينبغي إقرار قانون للثقافة العراقية وبموجبة تتأسس وزارة ثقافة على أسس حضارية وعلمية وبموجب القانون يصار إلى تأسيس مدينة للسينما تقيمها وزارة الثقافة التي يجب أن تكون جهة داعمة للإنتاج وليست جهة منتجة .. وفي الأساس إبعاد كل عناصر الجهل والتخلف وحملة الفكر الماضوي الأسود المتقاطع بالضرورة الحضارية مع وسائل التعبير الحضارية، أولئك الذين قفزوا إلى مواقع الثقافة والإعلام بأوامر النسب والعشيرة والطائفة دون أن تكون لهم أية علاقة بالعملية الثقافية لا من بعيد ولا من قريب. عندما يتأسس وضع طبيعي للعراق فإننا سوف نؤسس من جديد وحتى على ركام الأفلام التي أحرقوها سوف نبني صناعة سينما. فالسينما أداة تعبير حضارية لا تنمو سوى بشروط الدولة العصرية المتحضرة. هناك تجارب فردية متميزة قدمت أفلاما جيدة فما هو سر هذا النجاح؟ كل قاعدة لها إستثناء .. وفي أحلك الظروف في تأريخ المبدعين والإبداع في التأريخ الإنساني، لا بد تتاح فرصة لعمل هنا أو عمل هناك وربما يكون عملا عبقريا. أحيانا إنسان تتوفر بين يديه كاميرا ويكون في شارع بعيد أو في موقع قريب وتحصل أمامه حادثة أو يرى شخصا ويمكن أن يحقق المخرج فيلما عن ذلك الحدث أو تلك الشخصية، لكن هذه التجارب تبقى تجارب الحظ وتجارب المصادفة وتجارب الإستثناء .. نحن نريد قاعدة لسينما عراقية تتأكد ملامحها وهويتها وتعبر عن الواقع بموضوعية وبقيمة جمالية فنية عالية المستوى. هل هناك أمل لنهوض قطاع السينما في العراق؟ ضمن الواقع السياسي الراهن .. كلا .. أبدا غير ممكن ولا يوجد أمل . فطالما السينمائي العراقي والمثقف العراقي محكوم بالموت بوجود مليشيات تصفية، مليشيات سوداء لا تحمل صفة المواطنة، مليشيات وافدة من خارج حدود العراق وتؤسس منهجا خبيثا يستهدف العراق أرضا ووطنا وشعبا وطالما لا توجد سلطة تحمي حدود الوطن وتقف ضد عملية الإستيطان الذي يستهدف تغيير البنية الديموغرافية للعراق فالسينما شأن صعب وقد يستطيع مخرج أن يسرق موضوعا ويصوره للسينما ويهرب للقيام بعملية المونتاج ونشر الفيلم فيحقق سبقا نموذجيا وقد لا تتوفر منثل هذه الفرصة .. قد يحصل هذا بين حين وآخر وهو ينطوي دون شك على جانب كبير من المغامرة .. أما نهوض قطاع لسينما في العراق فهذا حلم لن يتحقق سوى بتغيير العملية السياسية القائمة وتأسيس شكل الدولة العراقية المفقود كاملا في الوقت الراهن منذ سقوط الحقبة الدكتاتورية البغيضة وحتى إشعار آخر، وإذا كنا نطلق على الحقبة الدكتاتورية أنها حقبة المأساة فالمرحلة الراهنة هي المهزلة.
#يوسف_محسن_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|