هذه القصة ايضا فازت بجائزة مهرجان (اميتا) للادب والفن في ايطاليا سنة 2002,
قصة : كازيوه صالح
ترجمها من الكردية : نصرالله السورجي
لقد اطل الربيع مغطيا ببراعمه المتفتحة وزهوره اليانعة كافة الارجاء في هذا العالم الفسيح , ماعدا مسكنها , حيث الخريف وتعري الشجر من اوراقها تنهش فية.
الوحدة تلم بها , وتعتصر روحها , وتذكرها بالايام الخوالي التي غادرت فيها مدينتها مستقرا هنا مع ابنتها في هذه المدينة ...كانت تشعر لاول وهلة حينما تمشط باناملها اظفار شعر ابنتها الصغرى تشعر بالقلق والنرفزة , ثمة حقيقة ذكريات مرة تعود بها الذاكرة الى اعوام مضت والى ذلك المساء الذي اعترفت فيه .
ابنتها ( كالي ) تلح بالسوأل عليها :
- أمي لماذا سافر ابي هكذا مسرعأ ولم يعد ؟
- لقد نسيك والدك يا ابنتي , فلم تلحين بالحديث عنه ؟
- لا ....سيعود ابي , حاملا لي معه هدايا جميلة.
- من قال لك ذلك ؟
- انا قلت ذلك للله..
- كيف ؟
- انني اكتب يوميا رسالة الى الله , اضعها تحت خشبة طائرتي الورقية ثم اتركها تحلق في السماء عاليا وعندما انزلها لا اجد الرسالة , حيث ان الباري استلمها حتما .
بعبارة ( رائع جدا ) تداري عقلها الصغير , وفي نفس الاوان تجري اذيالها متثاقلة نحو الاسفل الدرج لترى فعلا طائرتها الورقية , وقصاصة ورقية تحت خشبتها , تمحص فيها بتاني وتقراها بصعوبة متناهية حرفا حرفا ..( يا الاهي لقد ناديتك الاف المرات وطلبت منك عودة ابي مثل والد دشني ومعه اعداد كبيرة من الهدايا واشياء الجميلة ).
قصاصة اخرى تحت الجهة اليمنى للخشبة , يمكن قراءتها باكثر صعوبة (( يا الاهي ...لم ارتكب ذنبا , ولم اكن السبب في موت صغيرة القط , وكل ما ارتكبت من اثام , اني دفعت مسند الغاز وسقط عليها , اذن لماذا لن تعيد ابي ..لماذا ؟ ).
شهيق عميق يعيد بها الذاكرة الى تلك الايام التي كانت تنوي فيها اجهاضها دون جدوى , والى حديث اختها حينما كانت تقول لها : (- من الافضل الاحتفاظ بهذا السر لك لوحدك ....ولن تجهري بها لغيرك , اياك وزوجك ...ان الرجال يعتقدون دائما انهم الاحق من زوجاتهم , ويسمون نسائهم بشرفهم , عدا ما هو متعلق بالمقربين منهم , حينئذ يكون هولاء اولى من ذلك الشرف ) , لهذا كانت نصائحها لها . أن لا تقع في هذا المستنقع وتكون صيدا ولست صيادا .
اصبحت لا تطيق وتتحمل قسوة الايام وكتمان هذا السر , وصار هذا الكتمان بمثابة اخفاء الليل عن الخفاش ...وان الحديث الذي دار في ظل شجرة التين في ذلك المساء كان دافعا لها .
- المرأة التي تخفي شيئا عن زوجها تفقد اعتبارها عنده ولا يعير لها اهتمامأ.
- ولكن الرجل لا يتقبل كل الاحاديث المرأة ولا يستطيع ايجاد الحلول لجميع المعوقات .
- - الرجل اكبر من كل قضايا...
- وكان هذا دافعا قويا للحديث , وبالاخص فانها تنتمي للمجتمع القروي , امية , وبالكاد تستطيع ترتيب وهنجة الحروف وقراءتها , وعلى شاكلة اهل ضيعتها كانت مبهرة بتميزه على الاخرين , حيث انه المتعلم الوحيد الذي حاز على شهادة التمريض واستطاع ان يؤمن لقب الدكتور الذي كانوا ينادون به .
- (( اذن , لو كان الانسان اكبر من كل القضايا فان دكتورها لديه من الثقافة لا يضاهيه احد من معارفها في تلك القرية فلماذا تصمت ؟ , وتتجمل هذه الخيانة ولن تبوح بها ... من المؤكد اذا تعرف على بواطن الامور سيكافأني بالتاكيد , اضافة الى انه سيعلم هذه الحقيقة عاجلا او اجلا , فلماذا لا اجهر بها ...لا يقتلني ...واذا قتلني ... اليس هذا موتا بطيئأ ؟ انني اموت الان مئات المرات يوميا ثم احياء ... ان الموت ليس اكثر من مرة ... ومهما تكن النتائج , فانه افضل من الان ...)).
- لم تكن تعرف كل ما نطقت به , حينما شعرت بالم مريع يشق راسها , وعويلها يشق عنان السماء , وعندما فاقت وجدت نفسها ملطخة بالدماء دون ان تجد احدا تشكوا اليه او يداوي الامها , حتى امها واختها الوحيدة التي كانت تقول لها :
- - ليس من احد يثأر لك او يدافع يدافعوا عنك .
- ولكنها الان امام القاضي المعين لمن لا عون لها؟.....
- - الزواج والطلاق مسؤلية , ها انت متاكد من طلب الطلاق , قالها القاضي .
- - نعم ...انا متاكد مثلما ارى سيادتكم الان امامي.
- - لماذا تتهمينها ؟ يجب الاثبات بالادلة الملموسة .
- - نعم , انا متاكد , وان هذه الامور لا يمكن اثباتها بالادلة المنظورة ...
- -...........
- - هذه جزائها الموت , ولكنني لا اريد ان ارتكب جرما وان اوسخ يدي بتلك الوسخة.
- كان القاضي لا ينبس ببنت شفة , وكان يختلس النظرات بعيون رقيبة , رجل عابس الوجه , اصلع الراس , لاول مرة ترى رجلا يوجه مثل هذا الكلام الى امراة , ولم يثنه عليه ولن يبادلها الكلام البذئ (( هذا الرجل الذي يبان ثقيلا في مظهره عسى ان يكن هكذا في قراراته ايضا )).
- فجأة , تتحرك شفائفه الغليظة ليلقي عبارات بلغة العربية , فهمت منها كلمة ( التهمة) فقط , هذه الكلمة التي سردها جلاوزة النظام في العراق في محاكمات ابادة الاكراد ولم تكن غريبة عند الملئ بل كانت مفهومة للجميع , الا وقد تكررت على اسماعهم بلغتهم ولكنها لم تعلم بيت القصيد ....وسالتها :
- - لماذا ارتكبت هذا العمل الشنيع ؟ الا تعلمين بانه خيانة زوجية يحاسب عنها القانون ؟
- - سيدي لم ارتكب الخيانة , لقد اخبرته بكل الشئ وها هو موجود الان –
- - سيدي القاضي انها تكذب , يظهر بانها كانت هكذا منذ البداية ......
- القاعة تعم فيها الفوضى ...العبارات التي كان يتحدث بها زوجها المتعلم لم تكن تفهمها ولم تحاول فهمها ...وللاستهزاء بها كان يردد عبارات ويطلب منها تكرارها , تلك العبارات كانت ثقيلة على لسانها لم تستطيع اداؤها , وكان يسخر منها ويستهذئ بها , واصبحت لا تسمع شيئا سوى بكائها وانينها .
- - سيدي القاضي , انكم اب عطوف وعادل ولستم مثل اباء الغير , ارجوا ان تحكم ضميركم .
- - ................
- - لقد هاجرت مسكني مرات متعددة لكي يستقل عن اهله ونبتعد عن هذا المكان .
- -..............
- - اخبرته عشرات المرات بصورة غير مباشرة , هذا النوع من الخيانة كي يخلق عنده بعض الشك , وينقذني , ولكن دون جدوى .
- -.................
- - لم اكن مذنبة , حينما كان يجلب من صيدليته , ادوية , لمجرد شمها , اما ان اكون فاقدة الوعي او ذابلة القوام .
- -..............
- - انذاك كنت اهاب من هذا التشهير , حيث كان بامكانه ان يطعن في شرفي دون ذنب .
- -.................
- - اضافة الى ذلك كان يشهر سكينالا ويهددني بالقتل اذا ما طاوعته ثم يعلن للملأ بانه قتلني غسلا للعار .
- -..............
- - لماذا لا اقسم ...ساحلف على القران الاف المرات .
- - حتى لو حلفت اليمين ...ساطلقها
- - فاليطلقني ...انئذ , سانجوا من متوحشين , من افعى براسين ولكن دون الطعن في شرفي ....وليعترف ببنوته له .
- - سيدي هل تسمع بماذا تفتري على والدي وبماذا تتهمه , كيف تستطيع توجية هذه التهم اليه ...هذا ابي , هل تعرفين ماذا يعني ابي انا ؟
- - لكي تكونوا على بينة , فانني ابوح بحقيقة اخرى اكبر من هذا , وهي ان ابنتي البالغة من العمر ثمانية شهور هي من حماي وليس من زوجي ...
- حينما كانت تؤدي اليمين , تلقي بذراعيها على المصحف , وكانها تغرس بمخالبها في ذلك الجلد البالي , الذي جعل من سعادة وعنفوان شباب عائلته فداءا له.
- لقد قرأت جميع رسائل ( كالي ) التي تطلب فيها ذلك الاب الذي ينادونها به ., وهي لا تعلم بان والده الحقيقي ياتي في التسلسل الثالث لاسمها , لذا يجب ارسال تلك الرسائل الى مقبرة الموتى .
- رأت ( كالي ) من خلال الشباك وهي تقلع طائرته الورقية عاليا وقد كتبت على جناحيها وبخط مميز (( الهي , اذا لم تبعث والدي لهذا العيد , لن اكون ابنته ولن ابعث الرسائل اليك ابدا )).
- الجمعة 16-3-2001
-